المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

كتاب تحت الطبع: أمــيـــــــرة بـابـلــيــــة .. اكتشاف لسيرة ورصد لنجمة أشعت من سماء تلكيف إلى ثقافات الدنيا مخبأة في مدونات القرن التاسع عشر  (1-4)
 

تحرير: امل بورتر
ثمة شخوص في التاريخ العراقي نسيت أو فرض عليها النسيان والتجاهل والتهميش، في لجة قرون التخلف العجاف أو غياب "المصلحة" في إماطة اللثام عنها. وحدث أن فعلت الصدفة البحثية دورها بالوقوع على أسماء وسير تناءت عنها السنين وضمر بشجونها الدليل والأثر أو تشتتت أشلاء في بطون المراجع. وهكذا نقع على أخبار بشر يعتد بسيرتهم، وتعلو الهامات بعلمهم ومناقبهم ومواهبهم.أن تنشيط البحث والحث عليه، يكرس الاعتزاز بالذات العراقية ويصب في غايات كتابة التاريخ الحقيقي للفرد والجموع العراقية، ويوظف في تنشيط الذاكرة،ومعرفة الذات،ويساعد في إشاعة التنوير ووضع الحلول لمشرق وقادم الأيام.
ولكن ما الذي دعاني الى البحث عن شخصية من تلك الشخصيات المنسية وكيف وجدتها؟ في زيارة الى سويسرا وفي بيت احد الاصدقاء وانا اقلب الكتب الكثيرة في مكتبته وقع بين يدي كتيب صغير عنوانه (تلكيف) مطبوع سنة 1969.
تذكرت هذه السنة اذ حينها كانت قد مرت سنة على حكم البعث كانت سنة وتلتها سنوات مليئة بالكوابيس لعائلتي ولي، تصفحت الكتاب ومؤلفه قس لا اتذكر اسمه وبدأت اقرأ بسرعة ووجدت سطرا اثار اهتمامي وآلمني في الوقت نفسه اذ يقول" من شخصيات تلكيف ماري تيريز اسمر، ولدت سنة 1804 وهي رحالة الفت كتاباً باللغة الانكليزية ولكنها بالغت اذ وصفت بيت والدها وقالت انه بحجم قصر اللوفر"، حز في نفسي ان يذكر رجل الدين سطرا واحدا وبصفة انتقادية لامرأة من طينته سافرت الى اوربا وتؤلف كتاباً كما يقول باللغة الانجليزية، ألم يكن هناك شيء اخر يثير الاهتمام بكتاب هذه المرأة سوى هذا السطر الذي وصفه بالمبالغة. قررت ان ابحث عن هذا الاسم وبدون ان اضيع الوقت اذ في هذا الزمان استطيع ان اجوب العالم بدقائق عن طريق الشبكة العنكبوتية كما يطلق على الانترنيت وبما ان كتابها قد ترجم الى اللغة الإنكليزية فلابد من ان المكتبة البريطانية تحتفظ به وفعلا خلال دقائق ظهرت لي ملفات المكتبة البريطانية وفهارسها التي تقول:
مذكرات أميرة بابلية ماري تيريز اسمر وبدات رحلة البحث عن ماري تيريز اسمر، ما بين فروع المكتبة المزروعة في حقول يوركشر والمقر الرئيسي في لندن الا انني وجدت ضالتي ومن ثم التعرف عليها، واجدها حبيسة جدران المكتبة البريطانية،، وارى صورتها في مقدمة الكتاب، هذه المرأة هي احدى الشخصيات التي تم تناسيها وتجاهلها و اهمالها ،امرأة من تلكيف العراق يعرفها الغرب بـ(الأميرة البابلية)، ولدت عام 1804 في خيمة بين خرائب نينوى حسبما تصف هي ذلك في كتابها النادر والثمين والذي تحتفظ به المكتبة البريطانية بكل اعتزاز ولا تريده ان يفارق بنايتها. الكتاب يقع في جزءين بحوالي 800 صفحةوالصادر في شهر ايار سنة 1844 .
عاشت وأدلت دلوها قبل قرنين من السنين، وتركت لنا أسفارا بالإنكليزية عن شجون عراقية محضة، صادقة ومرهفة، دونت في ثناياه سجلاً غنياً عن حياة الأيام التلكيفية والموصلية والبغدادية وعن عين كبريت ودير ربان هرمز وعن شجون الزراع والحياة مع البدو. وتدل قراءة مدوناتها على وجود مبادرات ذاتيه فرض عليها النسيان والاهمال في التاريخ العراقي المعتم،يجدر تسليط الضوء عليها ونشرها.
التقطت الكتاب بيدي المتواضعتين وضعت كفي على صفحاته مررتها وانا احس برهبة ووجل ونوع من الخشوع اتجاه امرأة شابة من بلادي تغادروادي الرافدين تسافرعبر صحاري وتخترق وديانا وتمر بجبال، تزور خلالها سوريا وفلسطين ولبنان،ثم تذهب الى ايطاليا وفرنسا وانجلترا وتمر بفترات ضيق لكنها تقاوم، تقابل اشرافاً وامراء وملوكاً والبابا وتؤلف الكتب و تترجم وتطبع كتبها سنة 1844. تكلمت بلغات كل تلك الشعوب،فقد نطقت بالعربية والسريانية والعبرية واللاتينية والتركية والكردية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية.
ايعقل هذا؟ في الوقت الذي كان العراق باكمله يغط في سبات عميق ويعاني من الحكم العثماني الجائر، وهذه الفتاة تتحدى وتطالب بمدرسة للفتيات، تزور اخت الباشا حاكم مدينة الموصل وبمفردها ترافق قافلة كبيرة جدا وتقطع الصحراء الى سوريا ثم فلسطين ولبنان ومنها الى اوربا،تعمل كمرافقة للأميرة اللبنانية الشهابية وتسكن قصر بيت الدين في لبنان وهناك في ذلك القصر الشامخ تؤلف وتخرج وتمثل مسرحية بلقيس ملكة سبأ وتقوم هي بدور سليمان، وبهوى واجلال نابعين من الصميم تتحدث عن الدروز.
في كل سطر تجدها تبوح بشغف عن الانتماء لأرض الرافدين وهذا الاعتزاز بكل صغيرة وكبيرة شيء مذهل، خاصة حينما يصدر عن امرأة من تلكيف، تلك المدينة الصغيرة التي فرض عليها القهر والتعسف والتي تقبع غصبا عنها، على هامش التاريخ والجغرافية. ولكن ماري تيريز اسمر تتباهى بكل ما له علاقة بتلكيف، بالعامل والبناء وتصف كيف تعمر البيوت وكيف يتم انجازها في ايام قلائل، وتصف كيفية تبييض وتلييس الجدران وتذكر خامات وعناصر البناء وتسقيف البيوت وتصف الحوش وحديقة الدار والبادكير والتختبوش، وكانها كانت تعمل بنفسها مما يدل على حرصها ودقة متابعتها لما يدور في وطنها وفي البيئات المختلفة منه.
تتحدث عن برج بابل وعن نينوى بفخر واعتزاز وبحرارة وصدق والم وندم حتى قبل الشروع في عصر الحفريات في العراق وإماطة اللثام عن آثاره بسنين. كما وتذكر ايام الضيق وانتشار الأوبئة وتعرج على الاضطهاد و التحيز الديني او الطائفي وتقف عنده وتشرح تفاصيله، ولكنها لا تغفل عن ان تحيي ايام الانفتاح والتسامح والرخاء والعز ايضا.
هل الومها لو قالت انها أميرة بابلية! لا والله العظيم انها أميرة وتستحق الامارة بكل جدارة لانها وضعت بلدها في قلبها وعلى لسانها وحدثت الامراء والملوك والنبلاء في اوربا قبل ان يستطيع اي رجل من وادي النهرين(ما بين النهرين) ان يفعل ذلك وثانيا لقب الامارة كان من صفات شيوخ القبائل فنجد أمير الكويت وأمير المحمرة وأمير نجد وأمير حائل وهذا ما كان متعارف عليه في العراق ايضا مثل أمير ربيعة وهو رئيس قبيلة.
هذه المرأة تستحق ان تحيى بتحية خاصة، وافضل تحية لهذه المرأة الرائعة هو ان اقدمها للقارئ والقارئة بتفاصيل ادق اذ بعد ترجمتي لكتابها الذي يقع في 750 صفحة شعرت ان ماري تيريز اسمر هي البعيدة القريبة، الممتنعة السهلة، الواضحة العصية، الغريبة والحميمة، تتحدث عن خلجات وتصف حوادث ليست غريبة عن ابناء وادي الرافدين الذين تمتعوا وارتووا او غصوا بماء دجلة والفرات وبنفس الوقت هي بعيدة في العمق الزماني والمكاني. كسرت حواجز الصمت وخرجت عن الاطر التقليدية بكافة صيغها وخاصة في السفر والترحال والعمل واخيرا واهم من كل هذا في اسلوب الكتابة ومضمونها.
اسلوبها في الكتابة حديث جدا، كانك تقرأ كتاباً لاديب معاصر تستعرض الحاضر وتقود القارئ بيسر وسهولة الى الماضي، تعتمد التشويق السلس غير المثير بشكل عام، ولكنها بنفس الوقت تحفز القارئ للمتابعة، تخلط اوراق الحاضر بذكريات بالماضي بعفوية وصدق وبدون تكلف، كتابتها تدل على عمق تجربتها الادبية لأنها قد قرات الكثير، رغم انها تحدثنا عن تجربتها الا اننا نشعر وكاننا جزء من تلك التجربة تقحمنا في عالمها، وتدخل عالمنا المعاصر بكل حرية وكانها واحدة من بنات هذا الجيل، وتجعلنا نغوص في الحوادث اليومية التي تمر بها وكاننا شركاء لها، مقنعة جدا في طرحها لكل صغيرة وكبيرة مما يدور حولها.
نجد الحميمية والقرب والدفء في استعراضها لما يجرى حولها، دقة التفاصيل تفرض علينا ان نكون ضمن الاطار الذي فرضته علينا، ونكون معها فيه ونحس بما تقول، تجعل القارئ يشعر انها جليسته تحدثه حتى يكاد يغفو، كانها اعتمدت اسلوب شهرزاد في تداخل النص او الخروج عنه، لها فينا نفس تاثير شهرزاد على شهريار وكأني بها تريد ان تخلق من القراء كلهم شهرياراً مسترخياً مقتنعاً، يحس بصدق الحب والامان والانتماء والهدوء، وماري تيريز تتحدث بشغف وصدق وقناعة وحيوية، بصوت هادئ لا انفعالي.
من اجل فهم ودرس هذه الشخصية لابد من ان نبحث عن مصادر اخرى تتحدث عنها او تشير اليها، اننا نعرف مولدها ونشاتها وما قالته لنا ولكن كيف نستطيع ان نحلل ونفهم ونستوعب كل تلك الاحداث بدون ان نستعرض وجهات نظر مختلفة او حتى مؤيدة او ربما اشارات لوجود تلك الشخصية،كما ويجب الا يغفل عن بالنا مراعاة القرن الذي عاشته وسنينه العجاف احيانا والمثيرة جدا أحياناُ أخرى، فأوروبا قد خرجت من ثورة فرنسية كبرى هزت العروش والقيم، وحروب طاحنة دمرت دولاً ونفوساً وبنفس الوقت تعيش ثورة صناعية ضخمة غيرت المفاهيم وقلبت المجتمع، تصف بلادها ارض الرافدين بكل عبق تاريخها وإنجازات اهلها التاريخية وتطلق على بغداد مدينة الخلفاء بفخر، ولكنها تعي ان بلادها مدفونة تحت رمال التخلف والجهل والتعصب العرقي والديني والطائفي، الا انها بلاد جميلة نبيلة زاغ عنها المجد وفارقتها النعم واستحوذت عليها قوى التعصب والطائفية.
نحن لا نعلم كم سنة عاشت، هل ترهبت كما كانت تود ام انها اقترنت برجل ما؟ اين عاشت، في اي بلد؟ واي مدينة قضت فيها ايامها بعد كتابة سيرة حياتها؟ وباي لغة كتبت سيرة حياتها؟ ومن ترجمها للأنجليزية؟ ولماذا ترجمت؟ وما مكانتها بالنسبة للجمعية البريطانية الاسيوية؟ هل اشتغلت، وما هو مصدر رزقها؟ كيف كانت تقضي اوقاتها؟ من هم أصدقاؤها وصديقاتها، في اي كنيسة كاثوليكية تتعبد في انجلترا البروتستانتية، هل عادت الى الشرق ام اسيا ام بلاد النهرين كما كانت تحب ان تطلق على بلدها؟ كم عمرت، هل تعدت المائة مثل جدتها؟ اين ماتت؟اين دفنت؟ هذه اسئلة لا نعرف عنها جواباً إذ اننا من حضارة ترفض التسجيل والتوثيق حضارة شفاهية تعتمد الحكايات وتضيف على النص الاصلي خيالات لا محدودة او تحذف منها ما لا يناسبها، حضارة تهوى ان تنسى لا ان تتذكر، حضارة تحب الكلام وان تروى لا ان تكتب وتقراْ، واخيرا تتجاهل ما سمعت وتنكر ما روت ولا تقيم وزنا او تحتفل بانجازات افرادها، وشكرا لسومر لانها كتبت على الطين.
بما انها قد كتبت سيرتها ونشرتها في انجلترا فلابد من البحث في السجلات الرسمية البريطانية التي تحتفظ بسجلات الولادة والوفاة والزواج وتوجهت الى تلك السجلات اقلبها ابتدأت من 1844 السنة التي نشرت كتابها بحثت عن وثيقة زواج او شهادة وفاة ووصلت الى سنة 1860 وتوقفت هل ساواصل البحث مع علمي بانها قد ذكرت بانها ستودع انكلترا، هل سيواصل هذه المهمة باحث اخر اسلمه عهـدة ماري تيريز اسمر؟


أزمة المسرح في بغداد
 

د.محمد حسين حبيب
في حلقة أسبوعية من البرنامج التلفازي (برج بابل) الذي يعده عماد الخفاجي لقناة الحرة الفضائية والتي جاءت تحت عنوان (أزمة المسرح العراقي) حاور فيها مقدم البرنامج عددا من الفنانين والاكاديميين وهم: د. عقيل مهدي يوسف، ود. شفيق المهدي، والفنان جواد الشكرجي، ود.هيثم عبد الرزاق، ود. عبد الكريم السوداني، إلى جانب السيد رياض المرسومي مدير دائرة السينما والمسرح،وهؤلاء فعلا نخبة من الفاعلين في الوسط المسرحي العراقي ولعل انتقاءهم جاء على وفق تنوع تخصصاتهم الإبداعية والفنية ما بين النقد المسرحي والتأليف والإخراج والتمثيل، وكان لنتاجاتهم الإبداعية كلٌ بحسب تخصصه من العطاءات المتميزة والمحفورة في ذاكرة المسرح العراقي بجانب عطاءات مهمة أخرى ولأسماء فاعلة أيضا لفنانين كبار مثل: إبراهيم جلال ويوسف العاني وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وبدري حسون فريد وفاضل خليل وعوني كرومي وعزيز خيون والقائمة تطول لأجيال متعاقبة من المسرحيين العراقيين في بغداد وفي أغلب المدن العراقية الأخرى، مازالت تسعى لترصين وتفعيل هذا التواصل الإبداعي برغم كل الظروف والعقبات السابقة والحالية.
ولقد حاول مقدم البرنامج فتح أكثر من محور عن المسرح العراقي الحالي وتحولاته ما بين الأمس واليوم..إلا أن الجميع مع مقدم البرنامج لم ينفتحوا في الحديث فعلا عن (أزمة المسرح العراقي) عنوان الحلقة،بل اكتفى الجميع بالحديث عن (أزمة المسرح في بغداد) حسب. منطلقين
كما جرت العادة سابقا- من أن الحديث عن العاصمة يعني الحديث عن المسرح العراقي برمته، وفي ذلك خلط كبير وواضح وهو عرف خاطئ تناقله المسرحيون طيلة العقود الماضية ولما يزل البعض منهم يتناقله باعتبار أن ما يقدم في العاصمة / المركز هو المقياس الأول، وما يقدم في مسرح المحافظات العراقية الأخرى يأتي في المقياس الثاني.
إن ما تم الحديث عنه في البرنامج من: تاريخ بعض الفرق المسرحية المهمة في بغداد،ومشاكل التمويل الذاتي في دائرة السينما والمسرح في بغداد، والوضع الأمني اللا مستقر وبكثافة متواصلة في بغداد حصرا، وعروض الظهيرة في بعض مسارح بغداد وما سرق ودمر فيها، واتحاد المسرحيين العراقيين (الذي لم يقدم إلى الآن شيئا للمسرحيين).. والوقوف أمام عدد من الشعارات والمقولات المأثورة.. وضرورة بناء الإنسان.. كل هذا وغيره جعل الحوار يدور حصرا عن أزمة المسرح في بغداد خاصة دون المسرح العراقي عامة.
وباعتقادنا انه وبرغم كل هذه (ألازمة) في معوقات العمل المسرحي في العاصمة بغداد
كما هو شان الأعمال الفنية الأخرى وحتى غير الفنية إلا أن ما قدم على مسارح بغداد من مسرحيات عراقية حاولت التواصل وحاورت الوضع الحالي بأزماته المتعددة هي ليست بالقليلة، من هذه المسرحيات نذكر:مسرحية (الأشباح) إخراج د. عادل كريم وهي من إنتاج كلية الفنون الجميلة، ومسرحية (مسافر زاده الخيال) إخراج عزيز خيون، ومسرحية (اعتذر أستاذي مع التحية) إخراج هيثم عبد الرزاق، ومسرحية (نساء في الحرب) إخراج جواد الاسدي،ولقد أعاد إخراجها الفنان كاظم ألنصار مؤخرا إلى جانب إخراجه مسرحية (كونشرتو)، ومسرحية (الأسفار) إخراج حازم كمال الدين.. بالاضافة الى تقديمه مسرحية (صحراء الشلب) في منتدى المسرح.. كذلك قدمت مسرحية (وداعا غودو) إخراج حاتم عودة، ومسرحية(حريق البنفسج) إخراج حيدر منعثر، ومسرحية (اللعبة الأخيرة) إخراج جواد الحسب وهو نفسه قدم أيضا مسرحية (الحسين ثائرا) في الفترة نفسها.. ومسرحية (احدب نيونوتردام) إخراج كريم جثير... هذه المسرحيات وغيرها لا تدلل عن ما يمكن أن نسميه(أزمة مسرحية) فعلا.. ولكن أزمة اللا استقرار في جميع متطلبات الحياة الطبيعية التي تنعكس سلبا على الجميع هي التي قادتنا لمصطلح الأزمة المسرحية، فضلا عن ذلك أن هذه العروض لو قيض لها أن تعرض مرة أخرى وفي الاستقرار المنتظر سنجد يقينا أن جمهورها النخبوي الذي شاهدها سيحضر هو نفسه لمشاهدتها مرة أخرى، وهو الأمر الذي يندرج عادة لتقسيمات الجمهور بين الخاص (النخبة) والعام (كافة شرائح المجتمع)، وهذا ليس بالجديد والمستغرب لا في العراق حسب بل في كافة دول العالم.
ومن ناحية أخرى نود الإشارة إلى أن مسارح المحافظات العراقية وفي الثلاث السنوات الأخيرة
ومثلما هي في السابق - قد شهدت تقديم عروض مسرحية متعددة، بل أقامت مهرجانات مسرحية متواصلة في بعض منها كالذي نجدها في محافظات مثل: (بابل والقادسية والبصرة وذي قار ونينوى والسليمانية..) لكن مثل هذه المسرحيات والمهرجانات لما تزل بعيدة عن أضواء العاصمة الإعلامية كالذي كان يحدث في السنوات السابقة، وبرغم كل هذه القصدية في التفريق الإعلامي وعدم تسليط الضوء كما يجب، كانت هذه المحافظات وغيرها حينما تحضر إلى العاصمة وتشترك في مهرجان مسرحي ما، نجدها تحصد الجوائز المهمة والأساس لاستحقاق منجزها الإبداعي وباعتراف جميع المعنيين، فإذا أردنا الحديث فعلا عن (أزمة المسرح العراقي) فلنتحدث عن مشاكل هذه المحافظات العراقية وأخرى وغيرها..ممن تتواصل في عطائها برغم شحة ما متوفر إنتاجيا وماديا وتقنيا في بنايات يفترض مسرحية لم تتوفر فيها (إلى الآن) أبسط مستلزمات العمل المسرحي الموضوعية والأكاديمية الفنية، لأنها لم تشيد أصلا كبناية مسرحية، بل قاعات لتجمعات رسمية وجماهيرية يتحكم فيها المسؤول الإداري والعسكري لعقد مختلف الاجتماعات الخاصة والعامة.
إن المسرح في المحافظات لم يحظ بقاعات عروض مسرحية كتلك المتوفرة في العاصمة بغداد..بل لا يوجد في اغلب هذه المحافظات (جهاز إضاءة) ضمن المواصفات الفنية المطلوبة وللحديث بقية وربما يطول عن معاناة مسارح المحافظات ومنذ أكثر من ثلاثة عقود... وتحديدا المحافظات الوسطى والجنوبية التي افتقدت طيلة السنوات الماضية ابسط مستلزمات العرض المسرحي.. فنجد أن غالبية فناني المحافظات ينتجون أعمالهم المسرحية من جيوبهم الخاصة ويجهزون ديكورات مسرحياتهم من أثاث منازلهم وبحسب المتوفر ساعين إلى الإعلان عن تمسكهم بمسرحهم العراقي وبفنهم الجميل (المسرح) دون غيره ودون مقابل مادي يذكر..
وإذا أردنا الحديث فعلا عن أزمة مسرحية حقيقية (الآن) هي تلك ألازمة التي يعاني منها عدد من مهرجي المسرح العراقي ممن وصموا مسرحنا بعار العروض التجارية
الاستهلاكية التي قدمت حصرا في فترة نهاية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والتي أساءت كثيرا لسمعة الفن والفنان العراقي مثلما أساءت في الوقت ذاته لخلق الفنان والإنسان العراقي على حد سواء.. في حين كان هناك وفي الضفة الأخرى عدد كبير من الفنانين المسرحيين العراقيين يعاني أزمات مادية ونفسية وفكرية لكن تمسكه بالصبر وبالثبات على الموقف والمبدأ كان همه الأكبر... فلا وجود لازمة مسرحية عراقية (الآن) لأننا نعيش بداية الخروج من (أزمة) ماضية والمستقبل المنتظر هو كفيل بحلها حتما.


الصحافة وطلبة الجامعة .. قضية للمناقشة:صحافة غنية .. صحافة فقيرة

عامر صباح المرزوك
أين الطالب الجامعي من جميع وسائل الإعلام وبخاصة (الصحافة)؟ بعد سقوط النظام السابق انطلقت الحياة الجديدة بثورة من المطبوعات المتنوعة كان أغلبها من أصحاب القطاع الخاص والقليل منها نشرت من المؤسسات الثقافية، والسؤال الذي يظل في دائرة البحث عن إجابه إلى أي مدى يبرز دور المؤسسات وأين هم أصحاب الشأن من أهل الاختصاص لتفعيل دور الطالب الثقافي أمام الانفتاح الكبير الذي حصل في السنوات القليلة؟ من هنا التقينا مجموعة من الأكاديميين والمثقفين لتكون إجاباتهم ما يلي:
د. كامل القيم: الطالب بحاجة إلى مطالعة الصحف
ثقافة الطالب الجامعي لا تعتمد على قراءة الصحف ومطالعة المجلات، بقدر ما تعود إلى التدريب المنهجي للقراءة والحوار وحب الإطلاع، فالثقافة تحتاج إلى اوعية معلومات مختلفة تكون الصحف أحداها، واعتقد ان ثقافة الطالب الجامعي مرتبطة إلى حد كبير بنمط التعليم الثانوي والجامعي، ذلك أن هذا النمط السائد والذي هو في أغلبه تلقيني أكثر مما هو حواري، فالطالب لا يتعود أن يطرح فكرته أو يسمع من قبل المدرس أو الأستاذ وبالتالي لا يشعر بالحاجة إلى التعبير وبالتالي إلى الثقافة، كما إن هذا الأمر يرتبط كثيراً بجهود الطالب البحثية وحراكه الاجتماعي والفكري وأنشطته في بيئته الجامعية.
اعتقد نحن بحاجة إلى أكثر من أن يطالع الطالب الصحيفة، نحن نريده أن يصنعها ويحررها وينقدها مشاركاً فعالاً، وبالتالي تصبح قناة إسناد للمعلومات والثقافة إضافة إلى التلفاز والقراءة الخارجية والحوار الاجتماعي. الطالب الجامعي فقير ثقافياً لأنه لا يعتمد القراءة ويشعر أنه لا يحتاجها، لذا علينا أن نربي فيه روح الحاجة والابتكار ومن ثم الإبداع.
د. صباح المرزوك: على الطالب الجامعي أن يفعل دوره الثقافي داخل الحرم الجامعي
لقد تهيأت للطالب فرصة ذهبية في تنوع الصحافة في حرية تناول الموضوعات والكتابة من أجل الفن وكان الطالب محروماً من ذلك لكن المشكلة أن الطالب كان ولا يزال بعيداً عن كشك الصحف وذلك بسبب انشغاله بالدراسة ومحدودية مصرفه اليومي وهنا تبرز عدة أدوار لعدد من الجهات العلمية: رئاسة الأقسام العلمية، عمادات الكليات، رئاسات الجامعات، ويكمن هذا الدور في وضع لوحات في أماكن معينة قريبة من تجمعات الطلبة يقوم أصحاب الشأن باختيار عينات من أهم ما ينشر من مقال أو خبر أو كاريكاتير في غاية هي جذب الطالب لمعرفة هذه الصحف والتقرب إلى كشك الصحف لانتقاء الصحيفة التي يراها تلبي ذائقته، وعلى الجامعة أن تهيئ الملاك الذي يستطيع أن يدرس الإمكانات التي بموجبها يمكن للطالب الجامعي أن يكون على صورة من الواقع الثقافي الذي يتناسب وقدرته من أجل تنمية ذلك وتسهيل مهامه المستقبلية حينما يريد أن يلج باب الدراسات العليا أو الكتابة الحرة في الصحف والمجلات ليكون اسمه مع أسماء زملائه وأساتذته من الباحثين والدارسين.
د. محمد حسين حبيب: بحاجة إلى مطبوع جامعي يطبع على يد الطلبة
من الثابت أن الصحافة الجامعية ينبغي أن تسعى للنهوض بوعي المنتسبين لمؤسساتها وتحديداً وعيهم الثقافي بتعدد مستوياته الاجتماعية أو الدينية أو السياسية، لكن الذي حدث في الثلاث سنوات الأخيرة وبعد سقوط النظام السابق والتي من المفروض أن توفرت الحرية الكافية لقول ما ينبغي قوله.. تحول المطبوع الجامعي (صحيفة كان أم مجلة) إلى ورقة إعلامية لا هم لها سوى محاباة المسؤول الإداري صاحب المؤسسة، وكأن هذا المطبوع لا هم له سوى متابعة تحركات المسؤول في كل صغيرة وكبيرة متناسين أن هذه الحركات هي من صلب واجباته الرسمية.
من جانب آخر أن المطبوع الثقافي هذا لم يحاول أن ينهض بالوعي الثقافي المتنوع لقرائه بل نزل المطبوع إلى الوعي العام الذي يكون غالباً دون المتوسط، فضلاً عن الكم الهائل من المطبوعات السياسية والثقافية التي تتنافس وما زالت إلى إيجاد عوامل جذب لتصريف مطبوعاتها كما تسعى إلى تصريف أفكارها.
من هنا بدأت المنافسة الإعلامية. ترى ما الذي ينبغي على المطبوع الجامعي فعله وسط هذا الموج الصحفي؟ وما الذي يترتب عليه ان يفعل في إيجاد عوامل جذب خاصة به تجعل المنتسب الجامعي وتحديداً (الطلبة) منهم يتابع هذا المطبوع ويتلقفه بشغف واهتمام.
الذي حدث أن المطبوع الجامعي جاء ليعي ما يحدث في شارعنا العراقي بصورة مكرورة دونما اتخاذ موقف ما أو رأي محدد من قبل هيئة التحرير (إذا كانت فعلاً هناك هيئة..) وبالتالي هبط المستوى المعرفي والنقدي للمطبوع فتحول إلى أوراق بيض سخمتها سطور سود ظلت مهملة ولم توفر لها رصيداً في الثقافة الجامعية العامة.
الأمر الآخر المتعلق بالوصول إلى هذا الحال أن الملاكات العاملة في أغلب المطبوعات الجامعية هذه ليست متخصصة ولا تملك الموهبة والمقدرة الصحفية والثقافية التي من شأنها أن تنهض بالمطبوع الجامعي للمستوى الذي يجب.
وتبقى مسألة (الترويج) للمطبوع وإيصاله إلى الشارع العام أو الإعلان عنه فهي مسألة غالبة للأسف مما تجعل المطبوع منغلقاً على البيت الجامعي دون البيت العراقي الذي هو (الآن) بأمس الحاجة كي يتعرف على حياة البيت الجامعي العراقي بكل أروقته (الإبداعية والعلمية) التي دائماً يهمشها الإعلام الجامعي مكتفياً بضرورة وجود كلمة السيد رئيس الجامعة والتي نادراً ما يكتبها بنفسه..!؟
الباحث ناجح المعموري: الصحف الجامعية تساعد على اكتشاف المواهب على النطاق المحلي
تقع مسؤولية التطوير الثقافي للطلبة في الجامعات على عاتق المؤسسات الجامعية حصراً، لأنها هي التي تستطيع توفير فرص للطلبة من أجل توسيع آفاقهم الثقافية والمعرفية والأخذ بيد من كان متفوقاً ومتميزاً وذلك من خلال صحف ومجلات تصدرها الكليات مع أجراء مسابقات لاكتشاف الإمكانات الثقافية والفنية والتعريف بها ومن بعد يمكن أن تكون الصحف المحلية مجالاً لتشد كتاباتهم، لأنها معنية أصلاً بالطاقات المتميزة ولم تكن هي في يوم من الأيام منبراً لتعلم الطلبة أصول الكتابة واكتساب المهارات والخبرات.
لكن هذا لا يعني الصحافة من دورها في تكوين صفحات خاصة بالشباب لتنشر لهم كتاباتهم وكثيراً ما تميزت الصحافة اليومية والمجلات باكتشاف الطاقات الشبابية والتعريف بها والأخذ بيدها، حتى صارت أسماءً فنية معروفة كما لابد من الإشارة للدور الجامعي في إقامة المنتديات الشبابية المعنية بالثقافة والفكر وفرصتها الآن أوسع من السابق من أجل الزج بالطلبة وسط فعاليات متنوعة وتشجيع الطلاب على مبدأ الحوار أكثر والنقاش المفتوح لأنهما يرسمان حدوداً شخصية للطالب ويقدمان فرصاً لتطويرها وتنميتها، وأقول أخيراً أن الدور الأول والمركزي يقع على عاتق الجامعة لأنها المختبر المهم الذي يؤسس القدرات الثقافية ونساهم بإنضاجها ودفعها وسط الحياة الثقافية.
تنوعت إجابات الأساتذة لكن القول الفصل يظل للطلبة الجامعيين وجديتهم في النظر للصحافة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة