المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

كتاب تحت الطبع: أمــيـرة بـابـليـة .. اكتشاف لسيرة ورصد لنجمة أشعت من سماء تلكيف إلى ثقافات الدنيا مخبأة في مدونات القرن التاسع عشر (2-4)
 

تحرير امل بورتر

في هذا الكتاب سارافق القارئ والقارئة، ونسير سوية في عوالم ماري تيريز اسمر ،لنمر عبر صفحاتها بحوادث وممارسات عاشتها هذه المرأة، ولكنني ساتجاوز ما اجده لا يخدم الموضوع ، وساعلق واحاول ان اقرب المشهد من القارئ ولكن بلسان ماري تيريز اسمر وساضع الشروحات التي اجدها ضرورية في حاشية الصفحات، كل الكلمات العربية ساكتبها كما كتبتها ورغم انني لاحظت الكثير من الاختلاف بين الكتابة واللفظ وجود الاخطاء المطبعية والاملائية للكثير من الاسماء والمسميات العربية، حاولت ان اعود بها الى اصلها او ان اجد تفسيرا لها واستعنت بالكثيرمن اصدقائي وهم كثر ولم يبخل احد منهم بمساعدتي وتشجيعي فالف شكر لهم.
اعترف واعتذر من القارئة والقارئ لان ترجمتي لهذا الكتاب انتقائية فلقد وضعت نصب عيني هدفاً هو البحث عن مفردات نابعة من ارض بين النهرين فقط، لغرض ترسيخ مفهوم الانتماء الى هذه البقعة من الارض ، فانني اشعر بان الاحساس بالانتماء والمواطنه لهذه الارض ككل متخلخل بعض الشيء في الوجدان العراقي، لذا ركزت على محاور اعتقد انها تنسجم مع الهدف العام الذي اتبعه وهذه المحاورهي: الحالة الاجتماعية تجارب بدوية واوربية وتراثية وضع المرأة، اذ وجدت ان هذه المحاور تدخل في المضمون العام وضمن اطار واحد هو تفاعلات شعب يعيش على ارض ما بين النهرين( العراق) فهذه المحاور تغطي ممارسات مختلفة لناس وادي الرافدين ومن مناطق بيئية متباينة ، وهذا الاختلاف في طبيعة التجارب هو الذي يوحد هذه الامة.
كما واختصرت او تجاوزت ما وجدت فيه من اطناب واطالات لا تنسجم مع هدفي السابق ذكره.
قبل الدخول في تفاصيل الجزء الاول من الكتاب لابد من الاشارة الى ان ماري تيريز اسمر قد تمتعت بمستوى ثقافي معين، فمن بين صفحات كتابها نجد اشارات واضحة ومدلولات بينة على معرفتها واطلاعها على تاريخ وحضارات وادي الرافدين بشكل معمق ، كما وان هناك اشارات لعظمة بابل وحوادث تاريخية في تلك الفترة، واشارات الى سميراميس ونبوخذ نصر، وانها على اطلاع ومعرفة بالتاريخ العربي اذ تشير الى عنترة وشيبوب والف ليلة وليلة والى الخلفاء العرب وتشير الى عدم شرعية زواج المرأة المسلمة بدون موافقتها.
تقول انها قد الفت الكتب الدينية وقسم منها قد ضاع، .بخصوص هذه الكتب يوجد كتاب واحد في المكتبة البريطانية صغير الحجم فيه تأملات دينية ولا استطيع ان اصفه بانه كتاب يبحث في المعتقد، وفي هذا الكتاب اشارة الى سميراميس والحديث عن تاريخها بشيء من التفصيل الموجز، كما وانها على اطلاع على الثقافات المجاورة وتشير الى شعر حافظ والفردوسي، والى قصص العهد القديم. كما و تتحدث عن الممارسات الدينية المختلفة فتتحدث عن اليزيدية والاسلام رغم ان حديثها مقتضب واحيانا غير حيادي كما يجب عند البحث ، اذ يجب عقد مقارنات اذا كانت الغاية هي البحث المعمق عن هذا وذاك من الاديان او المعتقدات ولكنها لم تكن تبغي البحث اذا انها تتحدث عن تجارب عاشتها وعن بنية مجتمع منتمية اليه ، تقتسمه الطائفية والتعصب ورفض الاخر حتى الموت، كما وان ذكر تلك التجارب بها نوع من التوعية و التشويق والتحفيز للقارئ.
رغم اضطهاد عائلتها من قبل الدولة العثمانية الا انها دائما تشير الا ان الاضطهاد وقع من قبل تلك الحكومة- العثمانية تحت غطاء التعصب الديني، ولعدم القبول بالاخر، وللخوف من المختلف وللفائدة المادية والاستغلال واخذ الرشوة وفرض الاتاوة مما يدل على انها كانت تنظر الى هذه الممارسات بكثير من الجدية والموضوعية.
اتذكر اواسط الستينيات وانا اسير على ضفاف دجلة في الاعظمية الجزء الذي لم اكن اعرفه من بغداد انذاك، فانا كرادية وبحكم زواجي انتقلت من جنوب بغداد الىشمالها وجدت بيتا متواضعا جدا لا يدل على انه مميز وطراز بنائة مختلف جدا، سالت زوجي قال: هذا قصر شعشوع الذي ضيف الملك فيصل عند اول توليه مملكة العراق، انه بيت متواضع لرجل يهودي غني جدا وتعجبت من ان يطلق على هذا البناء البسيط والبدائي التصميم والذي بني من خليط الطابوق واللبن اسم قصر، ولكنني كنت انظر بالعين المعاصرة واقارن البيوت الكبيرة ذات الطوابق المتعددة والطارمات الكبيرة والبوابات الواسعة التي كانت تعود للطبقة الوسطى في ذلك الشارع من الاعظمية، كنت احسب بعين الحاضر مقاسات الماضي، لم انظر الى البيت وفق مضمونه التاريخي ،هذا يذكرني بحديث ماري تيريز اسمر عن بيت والدها وجارهم العصملي كما تطلق عليه وعن الاراضي في تلكيف التي بقدر مساحة اللوفر وفيها يسكن اربعون فردا من عائلتها مع الاقارب والخدم، انا لا اشك بصدق تقديرها لو حسبنا نفوس تلكيف ذاك الوقت والمساحة الفضاء اذ كما تقول عدد نفوس تلكيف كان 20 الف نسمة اترك هذا لتقدير أصحاب الاختصاص بالنمو السكاني والبعد الجغرافي.
بدهشة بالغة امر على السطور وانا غير مصدقة عيني، ماري تيريز اسمر تتحدث بعشق وله عن كل شيء في بين النهرين، تصف لنا الطعام والملابس وطرق البناء والادوات المنزلية ،العادات الاجتماعية وتحدثنا عن الاديان ومواعيد الصلاة والاذان ورمضان والطقوس المسيحية وصوم الخمسين ، تتحدث عن البدو والايزيدية والاكراد والعرب والكلدان والسريان ،عن جو وحرارة صيف بغداد والنوم فوق السطوح والطارمات والشرفات والحدائق والحمامات العامة وعن النومي حلو البغدادي الذي تصفه الى الاوربيين وتقول لهم عن طعمه اللذيد وقشرته الرقيقة، تتحدث عن الماضي والحاضر وبيسر وتلقائية تصف لنا الطرق الصحراوية والنهرية وبدون تبجح تشير لنا بتمكنها من الكثير من اللغات.
للصداقة وروح الاخوة مكان واسع في حياة ماري تيرز اسمر وفي محيطها ووسطها العائلي وبكل تواضع تشيرالى اهمية والدها واعتزازها بتقاليدها وتفاخرها بها كان ديدنها ومحور اهتمامها، وتردد ذلك باستمرار، في اي دولة اوربية تحل تصر على ان الشرق هو عنوان وينبوع الغنى والكرم والخلق القويم والصدق والجمال، ولا تضيع فرصة لتعير الغرب،وتوضح لأهله عيوبه ونقائصة، وتقارن بموضعية تامة، بعيدة تماما عن التحيز، سمو الخلق والطيبة والبساطة والتازر والتعاضد في بلدها.
تضطرالى التدريس لتعتاش، تدرس اللغة العربية لاحد البارونات الفرنسيين وتقول لا احد يهتم باللغات الشرقية التي اجيدها ،وتستمر هذه الفتاة الرائعة فتتحدث عن تدخين النركيلة (الاركيلة) وتستصغر المرأة الاوربية لانها لاتعرف التبغ والتدخين في حين ان بنات الرافدين يعتبرن الاركيلة وشرب القهوة من متطلبات حياتهن اليومية ويشربنها بدون سكر او حليب وتستلذ بطعم القهوة وتوحي للقارئ بطيب مذاقها.
تصف اعراس البدو والفلاحين واهل المدن بمختلف قومياتهم. تتحدث بعفوية وصدق وحميمية وكانها جالسة بين الاهل والصديقات، تقول المرأة تعامل كعبدة مملوكة يجب ان يتغير هذا الوضع ولن تتقدم المرأة الا بالدراسة والتحصيل المعرفي و تسعى لأيجاد مدرسة للفتيات.
تسهب في وصف جميل لمواسم الحصاد في تلكيف ودرس الحبوب باستخدام تلك الالة العملية والذكية والتي تستخدم فقط في ما بين النهرين، وتفتح شهية القارئ وهي تحدثه عن تحضيرالطعام وانواع الخبز وصناعة الراشي وتصف السمسم والحمص لجمهور جاهل بهذه المنتجات تماما، تتحدث عن كل هذا للمجتمع الاوربي بكثير من الفخر والتباهي، تقول لهم رغيف خبز الرقاق المشهور في الموصل قد يصل قطره الى اكثر من 60 سنتمترا ورقته لا تضاهى، وخبز الموصل المعجون بالدهن والذي سمك رغيفه اكثر من سنتمترين ونصف وتستمر في حديثها لتصف ادوات المنزل البسيطة من (لكن) الى الطاسة الى الفنجان وتستعمل اسماءهم المحلية العربية او الدارجة بعد ان تشرحها بالآنجليزية.
لا تغفل ماري تيريز اسمر عن الحالة الاجتماعية والتجارب الطفولية و التراثية والبدوية والأزياء والمجوهرات ، ولا تترك فرصة تفلت منها بدون ان تشير باصبعها للغرب قائلة بكل وضوح وصراحة نحن افضل منكم، وبحزن تتحدث عن تجربتها القاسية مع مبشر بريطاني، وشعورها بالاحباط من تصرفات رجل الدين الغربي هذا الذي لا يفهم النفسية الشرقية ومضايقته لها وبالتالي التجاؤها للبدو، وبكل لامبالاة وبكثير من التحدى تنتقد روما الصرح الكاثوليكي الذي تستند إليه في معتقدها.
ابتهالاتها ونصوصها الدينية ساترك ترجمتها اذ من الممكن ان تكون في كتاب اخر خاص بمسيرتها الدينية ، كل ما يهمني الان السجل الموثق الذي تركته لنا عن حالة وادي الرافدين في تلك السنين. اما الجزء الثاني من الكتاب فاغلبه يعكس الحياة التي عاشتها في لبنان وهو كتاب مثير جدا وكذلك تتحدث فيه عن سفرها الى اوربا وسيصدر بعد هذا الجزء.
تجدر الاشارة هنا الى ان الموصل قد انجبت رحالة اخر مهم اسمه الياس حنا الموصلي الذي وصل في ترحاله الى امريكا الجنوبية والشمالية سنة 1668 ولقد ذكر في بعض المؤلفات وتمت دراساته رغم انني لم اطلع عليها تفصيلا الا انه كما يبدو كان لرحلته الطابع الديني الصرف بحكم منصبه الديني ولااريد ان استبعد معرفة ماري تيريز اسمر بخبر هذا الرحالة اذ كما تشير الى ان عمها كان مطران ديار بكر
حفزتني ماري تيريز اسمر وجعلتني اتمنى مستقبلا ان استطيع مقارنتها ببنات جنسها الرحالات من شعوب مختلفة وخاصة من الفترة التي ظهرت بها.
ساتبع نهجها في سرد الاسماء والمسميات ولن اضيف عليها اي صفات او اشارات تعظيمية كما قد تعودنا على اضافتها لانني اريد ان احافظ على النفس الذي تحدثت به وهي تروي لنا سيرتها.


الشبك في كتاب جديد
 

د. رشيد الخيُّون

مر الكثيرون بنواحي الموصل، من موظفين ورحالة وباحثين عن معاش، لكن القلة من هؤلاء لفت انتباهم ما في تلك النواحي من تنوع ديني ومذهبي وعقائدي، حتى يحق القول أن الموصل مازالت متحفاً للعقائد والمذاهب. أرض محصورة بين الجبل والجزيرة، ويخترقها دجلة، وداستها عبر القرون الطوال حوافر خيل أقوام من مختلف الملل والنحل، فلابد من أن تبقى بقية من تلك الآثار، ناهيك عن العراق وما فيه من طين يصلح لكل ملة ومذهب.
فعلى أرضه استكمل اليهود مقالات دينهم، وقبل امتداد المسيحية إلي الغرب احتضنتها جبال حدياب (أربيل) والموصل، حتى أصبحت المدائن مقراً للكنيسة الشرقية، ووصل ظلها الوارف حتى الهند والصين ومنغوليا. وعلى تلك الأرض تمازج المندائيون مع السومريين والبابليين، لتظهر قصة الخلق وقصة شيطانة العشق ليليث (ليلى) في كتبهم. كان ذلك من قبل الحظوة بترجمة الرقم الطينية إلي لغات أخرى، وإن دل هذا على شيء فيدل على عراقة تلك الديانة بالعراق وصلتها الشفاهية بحضاراته القديمة.
وكان العراق أيضاً، ودستميسان (العمارة) والمدائن مسرحاً للتبشير بالمانوية، عبر التماهي بين المسيحية والمندائية، واعترافاً بدور بابل في تاريخ البشر جعل ماني أرضها مقراً لكنيسته الكبرى، وأن الملاك السماوي لايلتقيه إلا عليها. لا يتوافر هذا المزيج والاختلاط البشري، والتجاور الديني والمذهبي، بكل عقده، إلا بين عقول خصبة، لاتعترف بتحريم البدعة، لأنها ابنة العقل ودالة التجديد، هذا ما قاله في تلك البلاد ابن بحر الجاحظ (ت255هـ)، وابن أبي الحديد (656هـ).
مؤلف كتاب "الشبك" القاضي زهير كاظم عبود واحد من الذين قادهم الفضول، وأبحروا في المعرفة والتتبع لما شاهده بالموصل من عجائب الوجود المللي والنحلي. يقول لك إلحاحه في الكتابة حول الشبك والأيزيدية بالذات أنه لم يشغله القضاء، بقدر ما شغله النظر والتفكر في أحوال الطائفتين، وظل هاجسة الأول بعد سنوات من ترك العراق إلي السويد. ولعله في هذا الطبع كان متبعاً أثر المحامي عباس العزاوي (ت1971)، والقانوني أحمد حامد الصراف (ت 1985)، فالأول كان محامياً جوالاً، انشغل عن وظيفته القانونية بالتجوال وراء الأيزيدية والكاكائية والتكايا الصوفية، فأغنى بأخبارهما كتابه "العراق بين احتلالين"، و"العشائر العراقية" إلي جانب العناوين المنفردة في الملل والنحل. أما حامد الصراف فلا ينسى له بيتين من الشعر لخص فيهما التسامح الديني والمذهبي العراقي، قالهما أو انشدهما لغيره العام 1928، عندما كرم المثقفون العراقيون، بزعامة الشاعر المتفلسف جميل صدقي الزهاوي(ت 1936)، زميلهم وأستاذهم الأب أنستانس الكرملي (ت 1947). قال:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا
جوامعـنا فـي جنبهن الكنائـس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له
عمـامنا فـي جنبهـن القلانـس
لكن لأحمد حامد الصراف في شأن الشبك مالا يُحمد، رغم أن الرجل سعى إلي التعريف بهم، وشجعته محاضرة كان قد ألقاها بنادي القلم، في الثلاثينيات من القرن المنصرم، أن يصدرها كتاباً حولهم، ليجعل منهم فئة دينية خارجة عن المألوف والسائد، وكل مصدره كان شخصاً يدعى إبراهيم، مال عن دين أجداده ليقص على الصراف موبقاتهم وشذوذهم، وهذا مالا يقبله البحث، ومالا ينسجم مع سلوك قانوني. وقد التفت مؤلف كتاب الشبك القاضي زهير كاظم عبود إلي تلك الناحية، وفصلها في كتابه تفصيلاً مريحاً لطالب المعرفة.
حسناً فعل المؤلف أنه لم يعط في كتابه رأياً قاطعاً في أمر الشبك، بعد انتقاده لما كتبه الصراف ومَنْ أخذ عنه، فقد ترك الباب مفتوحاً، بعد أن أتى بأكثر الآراء التي حامت ودارت حولهم، محاولاً تفنيد مالا يتفق مع المنطق في أمر هذه الجماعة.
عموماً، الشبك جماعة عراقية لها وجود، وليس هناك مايدل على وجود قومي صرف، أو نحلي صرف أيضاً، فلو أشرنا لهم بالقومية لقلنا أي لغة يتكلمون؟ وقد أجاب المؤلف أنها لهجة من اللهجات الكردية! وإن قلنا أنهم نحلة دينية فأي ديانة يخصون؟
ومع كل هذا التناغم، وعدم الخصوصية يظهر المؤلف تعاطفاً مع أمة شبكية أو شعب شبكي، وبطبيعة الحال ليس من الحق لومه على ذلك، وإن اختلف الآخرون معه، فالشبك من قبل صدور كتاب أحمد حامد الصراف (1954) كان لهم اسم بين التكوينات العراقية، وكثيراً مادمجوا في الإحصاءات السكانية مع الأيزيدية، إذ لاتبدو دراستهم، والبحث في شأنهم ترفاً، بقدر ما هو التفاتة جادة لأحوال هذه الجماعة، رغم عدم تمايزها الكلي مع الكُرد قومية، ومع المسلمين ديانة ومذاهب.
أيد مؤلف الكتاب جهده بوثائق شبكية:
رسائل استغاثة، وعرائض احتجاج، ومطالب بحقوق سياسية ودستورية. أجد في كتاب القاضي الباحث زهير كاظم عبود تأرخة جادة لجماعة كثر القيل والقال حولها، وحير اسمهم الألباب، ومازال الأمر غير محسوم، لا في كتب الباحثين ولا في دوائر الدولة. كذلك أيد كتابه بمراجع ومصادر، وقابل فيه بين مختلف الآراء من دون إهمال أهل الشبك أنفسهم، وهذا هو الأهم في أدوات البحث إن سعينا إلي إنصاف أي جماعة.


ادغار والاس في ذكرى ميلاده  .. ما من كذبة نيسان كهذه الحياة الأدبية: 173 رواية و24 مسرحية و200 قصة قصيرة!
 

ميكائيل كينسز
ترجمة : عادل العامل

عن / الملحق الادبي
لصحيفة التايمز اللندنية

هناك تحديان متوهجان يؤطران حياة ادغار والاس الادبية، تلك الاكثر من بين كذبات نيسان وفرة بالانتاج (وقد ولد هو يوم 1 نيسان 1875. وتشتمل المنافسة على الكاتب المسرحي الفرنسي بادمون روستان وايرل روشيستر). فحين لم يجد والاس ناشراً لروايته الاولى، (الرجال العادلون الاربعة)، نشرها بنفسه عام 1905، و"زاد من سحرها"، كما جاء في الغلاف الامامي، بحذفه الفصل الاخير. وقد عرض 500 جنيه آنذاك مكافأة للحول الأكثر دقة لسر جريمة القتل في الكتاب. وكان عليه عندئذ ان يتعامل مع آلاف المشتركين في المسابقة، وكان الكثير منهم على صواب بشكل يثير الحنق- فقد عرف المئات من القراء من الذي قتل سير فيليب رومان و"ماهو تفسير اليدين الملطختين" غير ان المباع من نسخ الكتاب لم يكن كافياً لتغطية تكاليف الاعلان. ولم تنقذه من الافلاس إلا سلفة مقدارها 1000 جنيه من الفريد هارمزوورث، مستخدم والاس في صحيفة الديلي ميل. وقد صور، فيما بعد، (مفتاح سر الشمعة المفتولة)، روائياً قد ركبه الدين وكان يفخر باكتشافه ان صديقاً له يستطيع في العادة ان يحزر نتيجة احدى "روائعه المثيرة" من الفصل الخامس!.
وجاء التحدي المثالي كنتيجة للسنوات التالية من النجاح، فقد كتب والاس 173 رواية، و24 مسرحية، و200 قصة قصيرة. وخلال العشرينيات من القرن الماضي كان كل واحد من اربعة كتب تباع واحداً من اعماله الادبية، الانجيل وحده الذي كان يبزه في البيع. وكانت النكتة الشائعة آنذاك: "هل قرأت والاس منتصف النهار؟"! ودارت في حينه إشاعة مفادها ان انتاجيته منشؤها فريق من كتاب ما وراء الستار (أي الذين يكتبون اعمالاً ينشرها بأسمه). وقد راهن على استمراريتها بعرضه 5000 جنيه مكافآة لمن استطاع اثبات انها حقيقة. ورغبة منه في تبرئة نفسه وبدافع الاغراء، ذهب الى هوليوود، ومات وهو يعمل في سيناريو لفلم
King Kong عام 1932، وقد بدد ثروته على الخيول البطيئة والعيش باسراف.
ان طريقة الصياغة التي لا تقتضي البراعة الفائقة تجعل من والاس شيئاً يتسم بالمتعة التي تشعر الواحد بالاثم (وقد فاجأ بعضهم بيرتولت بريخت ذات مرة يقرأ رواية او مسرحية لوالاس مغلفة بالغلاف الورقي لكتاب
Das Kapital)! وحين واجه احدهم مارتن غاردنر بمثل هذا المقدار الكبير من النتاج، والكثير منه ليس بالجيد ولا بالرديء، بنى دفاعه على نحو يتسم بالاطلاع الواسع حول رواية بارزة وحيدة، هي (الرامي الاخضر The Green Archer). وبخلاف ذلك، كانت (هودر وستوتون) تعرف ان الكمية اكثر مقبولية في المصرف من النوعية. وعند فهمها ان بامكان والاس اغراق السوق لوحده، راحت تعظمه، واصدرت اربعة وستين من عناوينه بالجملة.
وبالرغم من ان حكايات والاس الرائعة زاخرة بالاعمال البطولية الجريئة، وبالمكائد الخسيسة، فان عناوين مثل (
Good Evans)، وسميثي، والهوني، تبين ان عالمه القصصي هو في بعض الاحيان Blandings Castle اكثر من ارسكين شيلدرن والكاتب الاسكتلندي جون بوتشان. فشخصيتاه الجاريتان، المفوض ساندرز والملازم بونز تيبيتس، يخاطبان احدهما الاخر بـ "عزيزي الضابط العجوز" و"عزيزي القائد العجوز"، بكل احترام. ويتنافر هذا مع صورة والاس، وراء التوهج، ككاتب دنيوي عرف عادات البشر كجندي ثم كصحافي في جنوب افريقيا. وبدوره، كان الروائي الانكليزي ب.ج. ودهاوس من هواة كتب والاس واسلوب حياته. وقد كتب، عند سماعه عام 1928 بان ادغار والاس قد اشترى سيارة رولزرويس وسيارة خاصة لكل فرد من افراد اسرته الخمسة، قائلاً: "تلك هي الطريق لان يعيش المرء!".


الطائر والنخلة.. جانب من تجربة حسب الشيخ جعفر الابداعية .. اغربة واتربة.. صحائف الشيخ الساهي بن يقظان

ريسان الخزعلي

مر احدهم براهب في عزلته، فقال: يا راهب! لقد تعجلت وحشة الوحدة..، فقال الراهب، يا فتى! لو ذقت حلاوة الوحدة لاسترحت اليها من نفسك... (مقدمة قصائد اغربة وأتربة)...، الوحشة والوحدة اذن، هي الثيمة التي تتنفس فيها ومنها قصائد / اغربة واتربة / للشاعر الكبير / حسب الشيخ جعفر/.. وهي قصائد لاحقة لاعماله الشعرية.. وتجيء على هامش مجموعته الشعرية / كران البور /.. التي قال عنها ذات مرة وهو في معرض اجابته عن غرابة اللغة، والبناء الصارم فيها.. من انه اراد ان يتنفس في جوٍ خانق.
وقصائد (أغربة وأتربة).. قصائد تضاء وتوجه من (الخارج).. من انها (من صحائف الشيخ الساهي بن يقظان).. والقناع هنا متطابق في دلالته الاجتماعية مع تركيبة اسم الشاعر، فالساهي لا يتعدى كونه الشاعر حسباً، الساهي عن كل شيء سوى المجد الشعري، ويقظان هو الأب (أب الشاعر) فعلاً، بما عرف عنه من يقظة مبكرة في ريف مدينته الجنوبية (الميمونة - السلام - قرية (ابو انعيجة) - محافظة ميسان). قصائد (اغربة واتربة) تجيء بلغة غير تلك اللغة القاموسية في (كران البور).. لغة واضحة حتى وان كانت من خارج القاموس الشعري المألوف للشاعر، والتعليل هنا ربما ينطوي على الاستنتاج من ان الشاعر استدرك ثقل لغته وغرابتها في (كران البور).. وحاول ان يتنفس لاحقاً في جو ليس بالضرورة ان يكون خانقاً. اما البناء الشعري.. فانه هو الآخر اقل صرامة من بناء قصائد كران البور، رغم التزام الشاعر بالتقفية الخارجية والداخلية في معظم القصائد.. ولكن بشكل يبدو اكثر انفتاحاً وانسياباً، وهنا لا اريد ان (اتصور) ان الاستدراك، استدراك الشاعر يجيء بمعزل عن ذائقته الفنية المتصاعدة، وبرنامج مشروعه الشعري خاصة والشاعر حسب الشيخ جعفر الذي عرف عنه دائماً اكتشاف المساحات الشعرية غير المأهولة - على علمٍ دقيق بفنه وتحولاته الجمالية.. (ظاهرة التدوير التي التصقت بفنه، الالتماعات الفولكلورية والاسطورية من ريف جنوب العراق، وتطويعها مع ما هو عصري).. في (الرباعية الثالثة مثلاً).. اشارة إلى القارب الذهبي (الذي حدثونا عنه في طفولتنا، وقالوا: انه كامن تحت التل، وفي اعماق الليل يخرج من مكمنه ليطفو، ذهبياً في الليالي المقمرة على ذرى التلال او سفوحها، وفي المقطع الثالث في القصيدة تتلو الصبايا نشيدهن إلى النهر، وهن يشعلن النار ويلقين بها إلى الماء، وفي القرى، ايام الطفولة عادة قديمة تقام طقوسها عند انتهاء الشتاء.. حيث يرحب الناس بمقدم الربيع مضحين له بالنذور التي تكون عادةً أكواماً من القش تشعل النار فيها وترمى إلى الماء لتطفو ملتهبة فترة من الزمن. وقد يضربون على جوانب اكواخهم كأنهم يطردون اشباحاً، والجنية ذات الشعر الذهبي تعيش في قصرها في اعماق الهور، حيث يصب النهر الذي تجثم على جانبيه القرى، وهي الحلم الجميل الذي يشد افئدتنا اليه كل ربيع حين يخضر الهور ويزهر، وتنحدر الزوارق بحثاً عن السمك او لتعود ملأى بالبردي او القصب الاخضر، ولكن زورقاً ما قد يتخلف، وينتظر الأهل عودته عبثاً ويقولون لنا انه اسير الجنية الذهبية ونتصوره مكبلاً بجدائل من شعرها الطويلة). وكذلك (الرموز الجديدة) استلهام روح الحكايات والخرافات وشحنها بدلالات عصرية.. تطويع الموسيقى لاعمال شعرية كبيرة، خلط ومزج البيئات المتضادة والمتباعدة في استذكارات شعرية عميقة الفهم والوقع.. الخ، اضافة إلى كونه الشاعر المتفرد بذاكرة تنفلت بعيداً عن سياج الدار، غير منشغل بالهم البيتي في حدوده المألوفة.. إنه خارج هذه الحدود في تأملاته الشعرية.. من هنا يكون الاعتقاد جازماً...ان استدراك الشاعر غير متأتٍ بالكامل من ردود فعل وقع مجموعته (كران البور) في الوسط الثقافي او في عموم المناخ والذوق الشعريين. إن هذا الاستدراك هو جزء آخر من تحولات شعرية فنية وجمالية يسعى اليها الشاعر حثيثاً وبانفراد واضح على طول خط مسيرته الشعرية.
في قصائد (أغربة وأتربة).. وهي قصائد تأملات تنبش في موضوع الخواء والوحشة والوحدة كما اوضحت.. تأخذ القصيدة فيها نمطين من التشكيل الشعري: في النمط الاول تجيء القصيدة على شاكلةٍ بالسرد القصصي، وتخلو عادةً من الضربة الفنية التي تحكم نهايات القصائد، كما في النمط الثاني، حيث تنتهي القصيدة بانسياب يوحي بانها لم تنته بعد.. ويتمثل هذا النمط في قصائد (زامر الريح، القحط، الجنية، العثرة، الجراد، الطبل الكبير، الضوء القديم، في المرفأ المتجدد، الخان، العكاز، الخواء).. وان هذه القصائد تقترب اكثر من غيرها من روحية قصائد (كران البور) بشكل او بآخر رغم الاختلافات التي اشرت اليها سابقاً.
فيما رأى غيري..
رأيت غمامة موبوءة
هبطت على الارض الرؤوم
وقد اعتصمت..
بصمت من صمتوا ولاذوا..
بالصاغرين الناظرين وراء..
نافذة الأفق العبوس
وصببت
ملء فمي الكؤوس
متلاهياً عما يدور
وقلت عن كثب تفوت.. (قصيدة الجراد).
اما النمط الثاني الذي تمثله قصائد (سور الصين، صبيحة عيد، الطوفان، المرايا) فان القصيدة تأخذ منحى آخر من التشكيل الشعري.. حيث تبدأ عادة بصوت الشاعر العالي، صوت شبيه بالصراخ (أنا)، وهذه (الأنا) هي اللازمة الافتتاحية لكل هذه القصائد.. وفيها يبدو تفاعل الشاعر اكثر حرارةً من ذي قبل وربما مرد ذلك، كونه يقترب من موضوعات محلية تحفر بعيداً في مكنونات خزين الشاعر الشعري والحياتي.. وتضعه في مواجهة شعرية اكثر تفاعلاً وتداخلاً مع موضوعه:
أنا جئت فجر العيد
تمثال الفتى الحسن بن هانئ
فأطرت بين يديه
أغربة التهاني
وسألته عما يرى..
في العالم الدامي القبيح
فسمعته ملء المسامع
قائلاً متحسراً:
أنا لا ارى في الارض..
الا ما ترى
فدع الفصاحة وأملأ الكأس الصفيح..
خمراً،
فمذ صب النحاس..
علي والتف الحجر
وتصايحت..
سحراً على كتفي اطيار السما
وأنا..
أمد الكأس فارغة فما
ينصب فيها.. غير أوشال المطر.. (قصيدة صبيحة عيد).
قصائد (أغربة وأتربة) تحولات شعرية قصدية في شاكلتين من (السهو واليقظة)، في نمطين من التحولات الجمالية التي تصطف في مرايا الشاعر المتعددة: فمن الاشتباك مع الحياة.. يرمي / طائر النخلة والسيدة السومرية (اسلحته الاولى) (عبر الحائط) شاهداً جديداً يتأمل من وحدته لا في وحدته:
فرأيتني فيما يرى المتسامرون
غرداً..
أجيء إليّ..
من خلل المرايا
إن الخواء والاحساس به في هذه القصائد لم يكن سوى مرثيةٍ لزمن إنفلت من بين يدي الشاعر وعلى مرأى منه، وقد وقف متحسراً على طللية زمانية لامكانية فاستعاض بدلالات موحية غير زمنية، جعلها استهلالات للقصائد ليشير عن بعد، لفجيعة حياتية / زمانية..، وهكذا:
(صديء السماور، لم يبق في الضوء المضبب،
غير طاولةٍ اخيرة، خبت كل نافذةًٍ أو طريق،
كما تتراكم الصحون فوق الصحون، ذو النون لم
لم يبرح بجوف النون، أحب عواء الذئاب البعيدة،
أنا جئت سور الصين.. الخ)
وقد كانت استهلالات تبرق اشاراتها الصوتية العالية بعد الزوال الزماني الذي حصل:
(1-صديء السماور،
والتقت بين الزوايا..
خيم العناكب في الدخان الرخو..
كالغبش البليد.
2-وتخلل المقهى البلى، واحدودب الساقي الوحيد
3-واستوحشت في ضوئه الخابي المرايا
4-وخبت بأخيلةٍ لها..
5-وتبدل المتعهدون!
وطوى الردى صحفاً..
ما انفك الضيوف يتداولون الرأي في
انبائها ويخففون شاي الظهيرة في اختصام
6-صديء السماور، والتقت عاماً فعام
خيم العناكب في الجيوب وفي الحنايا!)... (قصيدة الخواء)..
لقد استطاع الشاعر ان يجعل بوضوح من (الخواء) دالة زمنية زوالية.. وكم كانت القصدية اللغوية الفنية متمكنة هي الأخرى في تكرار حرف (الخاء) في غاية جمالية لتوحيد المناخ الشعري العام..
ان تحليل الشكل البياني يشير إلى نقاط انقلاب صغرى وكبرى، ومثل هذا التحليل يشير شعورياً اولا شعورياً.. إلى ان احساس الشاعر بالخواء قد تدرج هو الآخر بين فجيعة كبرى وصغرى، وقد جاء هذا الاحساس في صحائف الشيخ الساهي بن يقظان بصوت (الاغربة والاتربة) في توليفية فنية / جمالية من الخواء واليه.


هادي السيد .. رحل ملوحاً بيده وروحه
 

علي الاشتر
كان الاخ والصديق (هادي السيد) جزءاً من التاريخ الثقافي العراقي العام، وبالذات تاريخ التمرد على النمطي والتقليدي في الثقافة، ومع ان هادي لم يترك اثراً يشير اليه (لوحة او قصيدة او رواية..) ألا انه كان بامكانه - ان يترك اثاراً فنية وادبية في الفن التشكيلي والشعر والقصة، الوعي الحاد لهادي بالوجود جعل من حدوسه الثقافية، تترى في وعيه على نحو متسارع.
وكان اجتماعياً، وودوداً إلى الحد الذي احب فيه الجميع، وبادله الجميع المحبة، الا ان مشاكساته كانت تلقي بظلالها على علاقاته الاجتماعية، كان يردد في الشوارع وبين الاصدقاء "فقراء يا وطني نموت.. وقطارنا ابداً يفوت.. ونحن من منفى إلى منفى.. ومن باب لباب نذوي كما تذوي الزنابق في التراب..".
كان معجباً بكامو وسارتر وبيرس وبمظفر النواب وفوزي كريم وجان دمو وباروخ سبينوزا، وكارل ماركس وسلمان يوسف سلمان وأدونيس وسيجموند فرويد...والسياب وفائق حسن وبيكاسو.. الخ.
كان يسارياً منذ المتوسطة فالاعدادية وحتى كلية العلوم التي رقن قيده فيها بعد ان تحول من التفكير العقلاني إلى التفكير الوجودي الذي انعكس على كل مجريات حياته. ابتعد عن اليسار ليقترب من دوامة القلق الوجودي، فهل كان هادي فيلسوفاً وجودياً مارس الوجودية في الحياة على نحو نهلستي؟ في كلية العلوم مارس هادي الفن التشكيلي فرسم لوحات اعتبرها الفنان رياض الخياط علامة على موهبة كبيرة في الفن التشكيلي.
الانعطافة الحادة التي دمرت القدرة الخلاقة لهادي السيد كشخصية ثقافية، كانت وعيه الوجودي بمأساوية المصير الانساني تلك الفكرة التي نخرت روحه ودمرتها وازاحت حلمه ببناء عالم افضل للانسانية.. ورغم محاولات الاصدقاء تبديد الفكرة التسلطية - القهرية - التي كانت تهيمن على تفكيره الا انها كانت من الثبات بحيث تمكنت منه، فتمظهرت في سلوكه وارائه وتكيفه الاجتماعي. كان يعاني من القهر المرضي فيتذكر آلام الناس فتدمع عيناه فيبكينا، هادي الاريحي الطيب الاجتماعي الاخ الحنون والصديق الوفي، والمثقف الالمعي، يتحول إلى وحيد تتقاذفه شوارع بغداد وفنادقها. كان الجميع يحزن لما تؤول اليه احوال هادي لان كل من يلتقيه يجد فيه انساناً في غاية النبل والعقل المستنير.
يا لشحة الدموع يا ابا (حسن)، اخبرني ابو حيدر انك قد رحلت فتركت (قاسم وجاسم وباسم وسمية وباسمة.. والوالدة). وتركتنا نحن اخوتك واصدقاءك.. وتركت الفقراء الذين احببتهم ومنحتهم بعض روحك.
هكذا اذن يرحل ابناء العراق ضحايا السياسة.. وحيدين يلاقون مصيرهم المحتوم.
ان هادي السيد حرز نجم ثقافي اطفأته السياسة ودمره التفكير، وحياته رواية عن الكائن الانساني الذي يتعذب من اجل الآخرين اولاً، ومن اجل ذاته ثانياً. تركنا (ابو حسن) وهو يلوح بيده، وروحه: وعزائي للعائلة والاصدقاء.. ولنفسي.
و(فقراء يا وطني نموت وقطارنا ابداً يفوت - ونحن من منفى إلى منفى... ومن باب لباب.. نذوي كما تذوي الزنانيق في التراب).


من كتاب المواقف العراقي
 

عمار كاظم محمد
موقف الطائفية:
أوقفني في الطائفية وقال لي :
قد خلقتها على هيئة مسخ بعين واحدة
فتابعها أعور ولو كان ذا عينين
وقال لي : كل الورى خلقي
وأنا أولى بحسابهم منك
فلا تنصب نفسك مكاني فتكفر
وقال لي : السلام من أسمائي
فمن رآني حربا رددتها عليه .


موقف الأبرياء:
وقال لي : الأبرياء حرمتي
فمن انتهك حرمتي باسمي فقد افترى علي
والويل له من ناري
وقال لي : من أطاعني فقد عصى نفسه
ومن عصاني فقد أطاع هواه
فما أقل العاصين !!!!
وما أكثر الطائعين !!!!

موقف الإنكار
أوقفني في الإنكار
فرأيت بحرا من الدماء
وطيوراً خضراً باكية في الملكوت
وميزاناً مائلاً في الأفق المحمر
وقال لي : أنا العدل حيث لا عادل غيري
وأنا الشاهد حيث لا رقيب
فمن عبث بميزاني أغرقته في البحر حتى يعتدل الميزان
وقال لي : كل طير في ملكوتي
روح حلت بحماي
فأين يفر عني من أفزعها
وقال لي : ما من ظلامة إلا آخذة بعنق ظالمها
يوم نلزم كل طائره في عنقه
ونورده مورده .


مخاطبة:
يا عبد من رحم عبادي
فقد وسعته رحمتي
ومن اساءهم
فحق لي أن انتقم لهم
فانظر انتقامي وانظر انتقامك
يا عبد ما من جرح إلا وهو فم عندي
فانظر إلى الشاكي والى المشتكى له
يوم (تكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
يا عبد لا تخف ممن يجاهرك العداء
ولكن احذر من يتباكى عليك
وخنجره وراء ظهره .


أقيمت في سدني وحضرها جمهور غفير من أبناء الجالية:محاضرة موسعة عن إحياء الأهوار العراقية

 سدني خاص بالمدى
ضيف ملتقى حوار، بالتعاون مع المنتدى العراقي الأسترالي، الدكتور حسن الجنابي في محاضرة شيقة بحثت الأمل في عودة الأهوار العراقية إلى سابق عهدها قبل عمليات التجفيف المدمرة التي تعرضت لها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وقدم المحاضر، الذي يعمل حالياً مستشاراً في وزارة الموارد المالية، والمسؤول المباشر عن مشروع احياء الأهوار العراقية، مستعيناً بالصور والخرائط شرحاً مطولاً وشيقاً لمراحل تجفيف الأهوار التي تمت في عهد لنظام الصدامي، معرجاً على أثر تلك العمليات على انسان المنطقة والنبات والحيوان والبيئة الاقليمية عموماً. وشرح المحاضر بالتفصيل الخطط المعتمدة أنذاك في التجفيف ومكرها إذ حولت مساحات الأهوار الشاسعة إلى مناطق جرداء غير مأهولة وكانت تضج بالحياة قبلها وبدعاوى مختلفة. وأشار المحاضر إلى ما يعده من أهم الأسباب التي دفعت النظام السابق إلى تجفيف هذه المناطق بالقول أن ذلك تم بسبب حالة الاكتفاء الذاتي الذي يجعل من سكان الأهوار لا يحتاجون للحكومة المركزية بأي شكل من الأشكال، وهو ما اعتبره النظام السابق بمثابة تحد لسلطاته، وقال الجنابي أن الأمر ينطبق بدرجات متوافتة على المناطق الكردية في العراق والتي تعرضت بدورها إلى هجمات السلطة السابقة باستمرار. كما أشار إلى تجاوزات النظام السابق على مناطق الأهوار أيام الحرب العراقية الإيرانية وفتح العديد من الطرق الجديدة، وتحويل مياه نهري دجلة والفرات عن مساريهما المعتادين تاريخياً من أجل خنق مناطق الأهوار وقتلها وتشريد سكانها.
ثم انتقل المحاضر إلى شرح أهم الخطط والخطوات الفعلية التي اتخذت على طريق برنامج اعادة إحياء وتأهيل الأهوار العراقية، والتي بدأت بعد سقوط نظام صدام مباشرة في العام 2003، موضحاً أن عودة تدفق المياه إلى المنطقة قد شكل تحولاً كبيراً إذ عاد مع هذا التدفق للأرض اخضرارها كما عاد سكانها من المناطق المختلفة التي نزحوا إليها في الأعوام السابقة وكذلك ما يتعلق بالطيور وبعض الحيوانات التي تعد مناطق الأهوار العراقية موطنها الحقيقي. وأشار المحاضر إلى استطاعة العراق بعد هذه الجهود الانضمام إلى أكبر المؤسسات العالمية المعنية بالمناطق الرطبة. كما تحدث عن أبرز المشاكل التي تواجه عملهم في إعادة الحياة بشكل كامل لمناطق الأهوار، ومن ذلك ضعف الوعي الشعبي والرسمي بأهمية مناطق الأهوار بالنسبة للعراق بشكل عام ولسكان المناطق الجنوبية بشكل خاص( وقدر المحاضر عدد سكان المناطق المستفيدة فائدة مباشرة من عودة الحياة لمناطق الأهوار في أربع محافظات في الجنوب العراقي بحوالي خمسة ملايين نسمة).
وطرح الدكتور حسن الجنابي في ختام محاضرته الشيقة ما يمكن عده آمال وأحلام الجمهور بعودة الحياة للمناطق العراقية التي شهدت بروز أولى الحضارات ومنها انطلقت رحلة الكتابة إلى العالم، مشيراً بشكل خاص إلى الخطط الموضوعة والرؤى المتعلقة بالمستقبل القريب لمناطق الأهوار العراقية.
ولقد حضر الأمسية التي قدم محاضرها للجمهور الدكتور ضياء البكري أستاذ البيئة في جامعة سدني عدد كبير من المثقفين وأبناء الجالية العراقية في سدني، والذين كانت أسئلة بعضهم تمثل استكمالاً لما بدا محاوراً للمحاضرة والقاء المزيد من الأضواء على أبرز المشاكل التي ظهرت للحيلولة دون عودة مناطق الأهوار لسابق عهدها، وكذلك بروز دور النوادي والجمعيات المعنية بهذا الشأن، والمدعومة من بعض الدول الأجنبية أو تلك التي شكلها مواطنون مخلصون محبون لمناطق الأهوار، وأثر تلك الجمعيات بالارتقاء بواقع المنطقة.
جدير بالذكر أن الأمسية القادمة لملتقى حوار ستكون مخصصة لتجربة الشاعر العراقي فاضل الخياط، والذي يقيم في سدني منذ حوالي عقد كامل، حيث سيقرأ الشاعر آخر نماذجه بالإضافة إلى قراءة شهادات عن تجربته الشعرية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة