المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مجلات عراقية .. المستقبل

عرض المدى الثقافي
تضمن العدد الثاني من مجلة المستقبل مجموعة بحوث منها (التحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي في التسعينيات)، حيث سعت المجلة في عددها هذا، إلى أن تجمع عدة محاور ولم تنحصر في مجال واحد.
جاءت كلمة العدد (سلطة الحل وسلطانية التسلط) لتعبر عن تاريخ عقدة السياسة العراقية (إشكالية بناء الدولة). فبين عائدية الولاية (الدولة) وإدارتها تشتت الجهد السياسي العراقي، مما أوجد ظاهرتي الاستيلاء والاستكفاء، لذا أمرض التاريخ السياسي العراقي، بمأزومية الاستيلاء الذي أوصلنا إلى طرفي المعادلة السياسية العراقية اليوم، (محاصصة
مشاركة) حسب المحلية.
أما دراسة العدد للباحثة المصرية (ولاء البحيري)، فهي معالجة واسعة لما تعيشه دول الخليج من تداعيات الإصلاح الديمقراطي، والتركيز على عوامل الداخل والخارج، ونمو الطبقة الوسطى، بواسطة مخرجات التعليم العالي وانعكاسات ذلك على الواقع الاجتماعي خاصة في (البحرين
الكويت)، دفعت تلك التحولات الواقع السياسي إلى طريق الأزمات حاجة التغيير وضرورة توسيع دائرة المشاركة، لمن توفرت فيه قابليات العلمية والاجتماعية (ويلاحظ أن ازدياد الطلب على المشاركة السياسية من قبل الطبقات الوسطى المثقفة الخليجية، فقد كانت نسبة خريجي الجامعات 60% من المرشحين لانتخابات مجلس الأمة الكويتي عام 1992) أما عن المحور الاقتصادي في المجلة، فقد طرح الباحث الاقتصادي د. عبد الرسول عبد جاسم أزمة البطالة في العراق "الواقع والحلول" ركزت الدراسة على سياسات التعليم الخاطئ وعدم استيعاب الملاكات الوسطى من خريجي المعاهد والإعداديات المهنية، والإشارة إلى حاجة العراق إلى قوة عاملة، تتحمل إعادة بناء هيكلية الاقتصاد العراقي، أيضاً في نفس المحور عرض د. نوار دهام الزبيدي، الإجراءات التشريعية لمكافحة الفساد مع إشارة خاصة لإحكام القانون العراقي. وقدمت مجلة المستقبل أوراق الحلقة النقاشية التي دارت حول مؤتمر القاهرة والوفاق الوطني. تتوارد الأوراق على أهمية إعادة بناء الثقة السياسية بين مكونات الطيف العراقي فيما يتعلق بإدامة أشواط العملية السياسية، توزعت عناوين الحلقة على (مؤتمر القاهرة والعملية السياسية في العراق بين الإيجاب والسلب للدكتور متعب مناف) وقراءة لبيان مؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي (للدكتور خليل الربيعي)، ومؤتمر القاهرة (العراق وخيار الحوار للسيد حكمت البخاتي). إما ملف العدد فضم بحثين، الأول السلوك العراقي الانتخابي وآثاره في العملية السياسية الراهنة للدكتور متعب مناف، قدم فيه تشريحاً اجتماعياً للعلاقة بين مسميات الكيانات وحركتها السياسية على الصعيد العراقي، فهناك الائتلاف (فالجنوب مؤتلف) وكذلك يوجد تحالف أي معناه (فالشمال العراقي متحالف)، وبالتالي يسمى الوسط العراقي متوافقاً، ليصل إلى تساؤل مهم هو (إذاً فالعراق افتراضياً وسياسياً وانتخابياً يجمع بين تحالف في الشمال وائتلاف في الجنوب وتوافق في الوسط). فهل أفرزت الانتخابات في 15 كانون الأول 2005 خطابات سياسية تحالفية في الشمال وتوافقية في الوسط وائتلافية في الجنوب؟ إن الجواب على هذا السؤال يبدو صعباً. ثم يأتي بحث الأستاذ حكمت البخاتي (سلطة المركز وهامشية الأطراف سلطة بغداد وإرساء المركزية) ليناقش أزمة صراع المركز مع أطرافه، موضحاً فاعلية العامل الديني في تيار العلاقة بين المركز والأطراف، مضيفاً قدوم العامل الإقليمي في دعم قوة المركز على حساب الطرف، مما جمع العراق في بغداد المركز بكونها مكان السلطة والقرار وهمشت الأطراف بوصفها واقعة تحت تهمة الولاءات الأخرى.
مجلة المستقبل فصلية يصدرها مركز المستقبل للدراسات والبحوث في بغداد ويرأس تحريرها د. متعب مناف.


ما معنى أن تكون كاتبا؟
 

علي بدر

قبل أكثر من عقد من الزمان تقريبا اشتريت طابعة أوبتيما تشبه الطابعات التي تظهر في أفلام الحرب العالمية الثانية، وحملت ملابسي القليلة: بنطلونين... وقميصين... وجاكتة كحلي للمناسبات الرسمية (لا وجود لها في ذلك الوقت)... وحذاء واحد، وبنطلون قصير وتيشيرت، وأقلام وورق وكتب قليلة وسكنت في استوديو صغير في الكرادة...كي أكتب رواية.
كانت الصورة الأسطورية لحياة الكتّاب من روائيين وشعراء وفلاسفة تلهب مخيلتي، كنت أريد أن أكون كاتبا وبأي ثمن، ليس هنالك ما يعوض هذه الرغبة على الإطلاق، لا المناصب ولا المال ولا الحياة السهلة ولا أي شيء على الأرض، رغبة ماحقة، شعور بذوبان كامل ومتجسد في فكرة واحدة هي أن أكون كاتبا، وبالتالي سقطت كل شروط الحياة الأخرى، كل ما يجذب بها أو يغري، كنت أكتب من الصباح حتى آخر الليل، قراءة مستمرة... وبحث دائم عن أي كتاب جديد أو اسم جديد...
وفي تلك الفترة أيضا تعرفت على شخصيات غريبة عجيبة...لا يمكن أن تراها إلا في روايات أبوليموف أو تشارلز بكوفسكي أو جون فينت... وحين كنت أقرأ بعض الروايات العربية أو العراقية أقول في نفسي لماذا تغيب هذه الشخصيات الاستثنائية وتحل محلها شخصيات نمطية مثل: شخصية البطل السياسي، وشخصية المناضل الحزبي والخ... طيب... الشخصيات التي كنت أواجهها من الشعراء الزائفين والأرستقراطيين المنتحلين، والكذابين، والمغامرين، والنصابين الأنيقين، وطائفة من النساء والرجال المقنعين بأقنعة لا حد لها ولا عد، ولكنه المجتمع، والحياة، والتداخلات السوسيولوجية والاقتصادية والحضرية هي التي أنتجت هذا الخليط المعقد والمتشابك... هل يمكن تجاوزه، والذهاب إلى الدور.. الفراغ الذي يمكن أن يشغله القامع اليوم والمقموع فيما بعد... وبالتالي يبطل تحليل المجتمع الذي يهيئ لدورة لا تنتهي، لسلسلة مترابطة ومستمرة...
من الشخصيات التي تعرفت عليها ذلك الوقت هو وليد...الذي كتبت عنه في روايتي صخب ونساء وكاتب مغمور، وهو الذي عرفني على رواية
ask the dust اسأل الغبار لجون فينت، والتي يروي فيها فينت عذاب حياته ليكون كاتبا، ويروي قصة هروبه من أهله وسكنه في غرف مؤجرة في كاليفورنيا، وفشله في أكثر من عمل بسبب إيمانه بعمل واحد هو الكتابة، وشقاء حياته يتركز في محاولاته المتكررة الفاشلة على نشر رواية له أو كتاب، حتى نجح أخيرا في كتابة روايته الشهيرة اسأل الغبار، والتي قدم لها تشارلز بوكوفسكي.
أما الشخصية الثانية فهو سعيد...(وليس هو اسمه الحقيقي بطبيعة الأمر) وهو شخصية استثنائية ترشح عذوبة لا تنضب، تعرفت عليه في الجبهة، في المواضع، أول دخولي لموضع حربي في حياتي أثناء الحرب مع إيران، كان ذلك في شتاء بارد وقارس، وكنت خائفا ومرتبكا من الحرب، فلم يمض على تخرجي من الجامعة سوى أشهر، وبعد دورة سريعة وجدت نفسي في المواضع المتقدمة.. حين دخلت كنت أحمل في جيب بنطلوني الجانبي الجزء الثاني من رواية مارسيل بروست البحث عن الزمن المفقود طبعة غاليمار الفرنسية، وفي ليل الموضع الحالك في الزاوية تقريبا انتبهت لجندي يجلس مقرفصا عند الفانوس ويقرأ كتابا بالإنكليزية، وكان غارقا فيه كليا ولم يلتفت لوجودي أبدا... وفي الوقت الذي كنت محرجا وقلقا من أن أجلس في موضع في الجبهة وأقرأ بكتاب، فقد شجعني هذا الموقف كثيرا...واقتربت منه وشاركته الفانوس وكلانا أخذ يقرأ يوميا..وعلى مدى خدمتنا معا، وفي أحلك الظروف..وبين المعارك الطاحنة، وتحت القصف الشديد كان عصف الكلمات يأخذ بنا بعيدا، يأخذ بنا إلى باريس القرن التاسع عشر، أو إلى بطرسبورغ، أو إلى فيينا أو إلى أفريقيا...ومن موضع إلى موضع، ومن جبل إلى رابية، ومن بحر إلى صحراء، كنا نحمل كتبنا ونتبادلها ونقرأ...
وسعيد مثلي يقرأ...بالفرنسية وبالإنكليزية وبالألمانية قليلا، وإن كنت متمدنا أي إني قادم من مدينة، ودرست في مدارس خاصة، فقد جاء سعيد من أبعد المناطق عن المدنية، وعن شروط الحياة الحديثة، كان من سكان الأهوار، درس في الجامعة وتعلم اللغات بفضل إصرار داخلي وعصامية شديدة، وكان سعيد مثل جون فينت يريد أن يكون كاتبا وبأي صورة، ولكن مشكلته الأساسية تتركز في إعجابه إلى حد الهوس بالحياة الغربية المكتوبة في الروايات، فهو معجب بالعكازات الأبنوس، ومعاطف الفيزون، والقبعات، والساعات الفضية، وكلاب البولدوغ.. مع أنه لم ير في حياته أي شيء منها حقيقة وواقعا، إنما كان مسحورا بها ككلمات وصور وفضاءات وأجواء... وحين حاول أن يكتب رواية تدور أحداثها في مدينته العمارة بدأ مشهدها الأول في المترو...وحين استهجنت منه هذا الأمر وقلت له أن لا مترو في العمارة، تذمر وصرخ بوجهي: ماذا تريدني أكتب عن الجاموس عن الأبقار عن الدجاج عن صويلح الذي قتل سويلم بالمسحاة...والخ الخ كان يعتقد أن هذه المواضيع لا تصلح للكتابة على الإطلاق، ولا حتى الأسماء العربية تصلح للرواية، وهكذا فإن كل أسماء أبطاله هم جون وجورج والفونس والنساء هن الزابيث وجويس ومارغريت...والخ وهذا ما يجعلني أضحك حتى أنطرح على الأرض.
لم تحالف الحياة سعيد أبدا... أو بالأحرى لم يتحالف معها، وبالرغم من إعجابه الشديد بالغرب والحياة الغربية لم يستطع السفر والعيش هناك، وبعد ظروف عائلية قاسية، وظروف عراقية قاسية، انتهى سعيد فلاحا في أهوار الجبايش، ولكنه لم ينقطع عن القراءة أبدا...وانقطعت أخباره عني..حتى وصلتني منه رسالة قبل أيام..وكان يريد أن يقول أنه قرأ رواياتي كلها وأنه معجب بها...فقال الجملة الآتية"...من بعيد من هنا أرفع لك قبعتي..." فسكرت من الضحك مرة أخرى، فهو يترجم الجملة الفرنسية
chapeau monsieur إلى العربية، وأنا أتخيله وهو بالدشداشة ويضع الغترة على رأسه ويدفع بالمشحوف ويقول لي شابو مسيو (أرفع لك قبعتي)...!


الإنسان وعذاباته .. في معرض الفنان كاظم شمهود في لندن
 

كريم النجار
مارس الفنان منذ القدم فن الحفر، بمواد مختلفة، تارة اكتشف الصلصال ومرونته حيث صنع الصحون والجرار وأدوات المنزل المختلفة، إضافة للأختام وألواح الكتابة، وتارة عبر الحفر على الصخور والجدران، تاركاً لنا أثراً خلد حضارات عاشت وانطمرت، لكن قيمة الفن بقيت خالدة منذ تلك الأزمان الغابرة.
تطور فن الحفر فيما بعد لحاجة الإنسان في التعامل والشراء، مما أوجدت الحاجة لسك النقود، فكانت البداية الأولى في التعامل مع النسخ والتكرار وصولاً لاكتشاف الطباعة، مما قادت لترسيخ فن جديد، سمي فيما بعد بـ"فن الغرافيك" حيث تعددت أشكاله من الحفر على الحجر وعلى المعدن والتعامل مع الأكاسيد والأحماض والحفر على ألواح الخشب، وطرائق أخرى عديدة.
من هنا تعزز دور الفنان الغرافيكي، باعتباره فناناً حرفياً ماهراً بالرسم والنحت والتصوير، خالقاً لوحته الخاصة بألوانها المميزة وسطحها المختلف نتيجة استعماله المكبس، أو البريس الضاغط، كما إن الذي جعلها تنتشر أكثر هو كمية النسخ العديدة للعمل الواحد دون الإخلال بتفاصيله.
وفي العراق اشتهر فنانون عديدون باتقانهم هذا الفن وكانت لهم إسهامة على صعيد الدول العربية والشرق الأوسط في انتشاره والإبداع المشهود به، حيث برز الفنانون فايق حسين ورافع الناصري ومحمد مهر الدين ويحيى الشيخ وهيمت محمد علي وأحمد مظهر ونديم محسن وكاظم شمهود.. وآخرون.
يأتي معرض الفنان كاظم شمهود الذي أقامه مؤخراً على قاعة كاليري "الكوفة" في لندن تتويجاً لمعارضه العديدة التي أقامها منذ تخرجه في أكاديمية الفنون الجميلة
بغداد عام 1975 في العراق وعواصم عربية وأوروبية مختلفة، كما عزز دراسته الأكاديمية بفن الحفر والجداريات في جامعة مدريد أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، وحتى دراسته للدكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي في جامعة مدريد المستقلة.
تتعدد اهتمامات الفنان في الرسم والنحت والكاركاتير والرسوم المتحركة، لكنه في معرضه هذا يقدم لنا مجموعة كبيرة ومتباينة من الأعمال الغرافيكية التي اشتغل عليها خلال السنوات الخمس الماضية، بتعدد طرق عملها من الحفر على الخشب بعملين كبيرين نسبياً على فن الغرافيك 250 في 120 سم بعنوان مشترك (مشاهد من بلادي) يكون فيهما محور العمل الجسد الإنساني الممزق والمضغوط داخل صندوق أو غرفة تطبق جدرانها عليه، بخطوطه العنيفة والقاسية التي تذكرنا بأعمال الفنان الإيرلندي فرانسيس بيكون وأزمة الوجود المرتسمة على وجوه وأجساد أشخاصه.
تتقاطع خطوطه هنا في رسم ملامح الجسد كاملاً بحدة الأسود مسلطاً عليه مستطيلا أحمر زيادة في عنف المشهد وحدته جاعلاً مرتكز التفكير في محنة هذا الجسد وما أصابه من خراب متعاقب.
لا يخفى أن الفنان يسجل هنا موقفاً رافضاً ومحتجاً لكل العنف الذي تعرض له العراقي طوال العقود السابقة، وكأنه يذكرنا بأن هذا المشهد يجب أن يكون حياً كي لا يتكرر ثانية، حيث يحيلنا في أعماله المحفورة على المعدن والزنك الأخرى الموسومة (صور في الذاكرة) و(اشكال على الجدران) إلى واقع الخراب المرتسم الآن، حيث تبرز التشخيصية بقوة تكوين الكراسي على شكل صعود هرمي ومن ثم تسابق الإنسان لهذا الصعود، وهنا يستعير الكولاج كفعل مضاف للطباعة بإدخاله سلك المعدن لتحديد أشكال شخوصه بالتفاتة ذكية لزيادة الشعور بغرابة هذا التشكيل والتداخل والتناظر مع خطوطه المرنة التي تحدد الشكل إضافة لبروز تكوين نحتي مضاف، وهو عنصر جديد طارئ على فن الطباعة الذي يحتمل كولاج القص واللصق وإضافة ألوان غير طباعية أخرى.
الانتقالة الأخرى في أعماله هي تلك الأعمال التعبيرية التي يزاوج فيها بين الطباعة والرسم والموسومة بـ(افكار وتأملات) و(على قارعة الطريق)، والتي يؤالف فيها التناظر اللوني والتجريد فعل تكويناته، لكنها تبقى مستمدة هي الأخرى من المشاهد الحياتية التي تطبع خطوطها على الجدران والطرق وصور الحياة المتناثرة هنا وهناك، وفي بعضها يدخل عناصره التشخيصية التي ترافق معظم أعماله التي أشرنا لها كفعل مرادف للكتل الهلامية التي تغلف السطح، مما يضفي عليها مسحة التأمل والشفافية.
في مجمل أعمال الفنان كاظم شمهود التي احتواها معرضه المتواصل الآن في لندن، تجد الهم الإنساني واضحاً بكل تجلياته، وهذا ما عرف به الفنان عبر رسومه الكاريكاتيرية التي أنجز منها خمسة كتب مطبوعة في أسبانيا تؤرخ للجرح العراقي منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن.
الفنان في سطور
تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة بغداد عام 1975.
1970 -1977 تخصص في رسوم الأطفال وعمل في مجلة "مجلتي" للأطفال، كما عمل في تلفزيون بغداد مع الفنان مؤيد نعمة لإنتاج افلام كارتون.
1980 درس الحفر لمدة ثلاث سنوات في كلية الفنون الجميلة
جامعة مدريد، إضافة إلى دراسة فن الجداريات والحفر والبارز.
1991 دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي
جامعة مدريد المستقلة.
1988 عمل في مجلات (A.B.C) و(YA) الأسبانيتين كرسام لقصص الأطفال والرسوم الفكاهية، كما ساهم في صنعة أفلام كارتون في بعض المؤسسات الأسبانية.
اقام أكثر من عشرين معرضاً شخصياً، وأكثر من 70 معرضاً مشتركاً عالمياً ووطنياً.
حاز على الكثير من الجوائز الفنية لمسابقات وطنية وعالمية.
أعماله منتشرة في كثير من المتاحف والمعاهد والمؤسسات الأسبانية وغيرها.
أصدر خمسة كتب (رسوم كاريكاتيرية) تحت عنوان (بدون تعليق).
ساهم في تأسيس جماعة "صوت الحفر" في أسبانيا، كما ساهم في تأسيس "جامعة بغداد للفن المعاصر" في أسبانيا.


امستردام ولايدن تتنافسان على رامبرانت في ذكراه الاربعمئة
 

صلاح حسن - امستردام
تستعد مدينة لايدن المدينة الصغيرة في الجنوب الهولندي مسقط رأس الفنان رامبرانت وصاحبة اكبر مكتبة استشراقية في اوروبا للاحتفال بمناسبة مرور اربعمئة سنة على ولادة ابنها الرسام العبقري رامبرانت. وتخشى المدينة الصغيرة ان تسرق احلامها مدينة امستردام الباهرة كما فعلت ذلك قبل مئة عام بالتحديد حين نقلت الاحتفال اليها بمناسبة مرور ثلاثمئة عام على ولادة رامبرانت عندما لم تستطع بلدية المدينة الصغيرة ترميم البيت الوحيد الذي يملكه رامبرانت فيها واتخذت امستردام ذلك ذريعة لتحتفل برامبرانت على طريقتها الخاصة.
ولد الفنان عام 1606 في لايدن لابوين كانا يملكان طاحونة للحبوب وتتلمذ على يد فنان غير معروف في المدينة التي غادرها الى امستردام في العام 1634 حيث بدأت شهرته تطبق الافاق وتوالت عليه الدعوات واخذت الاموال تتدفق عليه مما دفعه لاقتناء اعمال فنية كثيرة ستجبره في النهاية على اعلان افلاسه. كانت لرامبرانت علاقة بفتاة اسمها سيسكيا وهي ابنة لتاجر لوحات قرر الزواج بها واشترى بيتا كبيرا يقع قبالة القنال في امستردام حيث انجب منها اربعة ابناء ثلاثة منهم توفوا بعد الولادة مباشرة مما سيصيب رامبرانت بالكآبة. وبعد سنوات قليلة تتوفى زوجته ويبدأ انهياره النفسي حيث ينتقل الى بيت صغير بعد ان يفقد ثروته التي بددها في شراء الاعمال الفنية الثمينة. ولكنه يحاول مرة اخرى ان يقيم علاقة عاطفية مع مربية ابنه الوحيد الخادمة جيرتي التي تنتهي بعد ان ترفض المحكمة تزويجهما لعدم شرعية الزواج. اخيرا يقضي رامبرانت فترة قصيرة مع خادمته الشابة الجميلة فردريكه التي يخطفها المرض من بين يديه بسرعة ليبقى وحيدا من جديد وليموت بعد ذلك عن عمر يناهز الثالثة والستين. تبقى الكثير من الاسرار في حياة رامبرانت غير معروفة والعملان المسرحيان الموسيقيان اللذان سيقدمان بهذه المناسبة سيسلطان الضوء على المرحلة الاخيرة من حياته خصوصا تلك التي تتعلق بعلاقته الاخيرة مع الخادمة فردريكه التي خصها بواحدة من اهم لوحاته والتي يظهر بها شخصيا وهو يقدم الطعام لها في فراش المرض.
لم تكن مدينة لايدن المدينة الوحيدة التي استعدت لهذه الاحتفالية الكبيرة ولكن هولندا بكل طاقتها طلبت من المتاحف العالمية في كل مكان استئجار لوحاته المنتشرة في كل بقاع الارض لاقامة معرض ضم اكثر من مئة وعشرين عملا له على قاعة متحف فان خوخ افتتح في منصف الشهر الثاني من هذه السنة تحت عنوان (سيد الضوء) وضم عددا كبيرا من البورتريهات التي رسمها لنفسه في مختلف مراحل حياته. ولان بيت رامبرانت لم يعد موجودا بسبب افلاس المدينة قبل مئة عام ولم تستطع ترميمه، فقد قامت بلدية المدينة بتخصيص طاحونة هواء تقع بالقرب من محل ولادته وحولتها الى متحف صغير يضم عددا قليلا من اعماله لابد لزائر المدينة من التقاط صور لها مع شراء بطاقات تحمل لوحاته. كما يوجد بالقرب من الجامعة الشهيرة تمثال بالحجم الطبيعي لرامبرانت يطل على اكبر شارع فيها.
اصحاب المقاهي والمطاعم ومحلات الانتيك استعدوا بدورهم ايضا واعد كل واحد منهم وسائل لجذب السياح وتشتغل المطابع هذه الايام بتوفير انواع مختلفة من الاعلانات والصور التي بدأت تغزو شوارع المدينة. فهناك اعلانات عن وجبة طعام تحمل اسم الفنان يقدمها مطعم كبير في وسط المدينة الى جوار بعض المسارح التي اعلنت عن عملين موسيقيين كبيرين سيكشفان اسرارا جديدة من حياة الفنان وعلاقته بنساء غامضات لم يتركن اثرا خلفهن رغم شهرة الشخص الذي ارتبط بهن طيلة القرون الاربعة الماضية.
اما الجامعة الشهيرة فستقدم فيلما ومحاضرة عن طريقة عمل الرسام واسلوبه الفريد في الرسم وطريقته الخاصة في تقنية الضوء والظل المستمدة من اثر الانارة في المسرح والتي تعد واحدة من اهم التقنيات في تلك الفترة وتستفيد من التحليل النفسي في التعبير عن كوامن النفس البشرية الغامضة حيث ستتطرق المحاضرة الى تحليل هذه التقنيات مع فيلم وثائقي يؤرخ اعماله والمتاحف التي تحتفظ بهذه الاعمال. غير ان هذه الاغراءات التي تقدمها مدينة لايدن لزوارها لن تمنع هؤلاء الزوار من التوجه الى امستردام وبالتحديد الى متحف فان خوخ لمشاهدة معرض سيد الضوء وصاحب وردة عباد الشمس الخالدة.


الشاعرات الألمانيات من القرن السادس عشر وحتى العصر الحديث  .. لماذا لم تنجب الأمّة الألمانية شاعرة عظيمة كما أنجبت شاعرا عظيما مثل (غوته) ؟
 

انجيلا بريزنت
ترجمة:قاسم مطر التميمي

الشعر ؛ قد يكتبه أيّ أحد (اذا ما توفر له المران على كتابته فقط) ولا يقرأه أحد قط . أنّ ما نميل الى قراءته - نحن الألمان في هذا الزمان - هو النثر الواقعي ، غير أنّ دواوين شعر احتلت واجهات المكتبات التجارية الكبرى ظهرت في الآونة الأخيرة تمكنت من أن تغير من مزاج القرّاء لأنها طرحت في النهاية جوابا على ذلك السؤال الكبير المتحيّز : لماذا لم تنجب الأمّة الألمانيّة (غوته) امرأة ، كما أنجبت (غوته) الرجل ؟
هذه الحقيقة أدت الى ظهور دراسة أكاديمية ذات عنوان مموّه : ((الشاعرات الألمانيات من القرن السادس عشر وحتى العصر الحديث)) لا تكمن خلف هذه الدراسة حقبة تمتد الى ألف سنة ، وانّما تقتصر على ثلاثة موضوعات ليست على نموذج معيّن :
- موجز تأريخ أدبي مستقبلي لأديبات ألمانيات .
- مؤلف يحتوي على سير ذاتيّة وافية عن شاعرات ألمانيات .
- مختارات شعريّة .
ومن ضمن التسع والخمسين شاعرة التي أورد الكتاب أسماءهنّ وعرض سيرتهنّ ، تسع عشرة شاعرة عشن أو كتبن في القرن العشرين، أمّا الأخريات ، وكنّ مشهورات في زمانهنّ ، فقد تعرضن الى تهميش مقصود وطمرن تماما حتى لم يعد بوسع المرء أن يجد لهنّ قبرا في مقابر التاريخ الأدبي !
لقد كشف مؤرخ الأدب الألماني (جورج جوتفريد جيرفينيوس) في تناوله المسألة البلاغية عن مدى التحيز الذي جوبهت به النساء الكاتبات من طبقة الصفوة الاجتماعية المثقفة .
الناشرة (جيزللا برنكر) اكتفت بالقول : إن الأشعار ((ذاتية ومنحازة)) وقد اختيرت طبقا لوجهات نظر نسائية يفهم منها ؛ ((مطالبة المرأة بحقوقها الإنسانية الكاملة والتعريف بذاتها الى أبعد الحدود .)) - والى جانب التعريفات الأنثويّة المتداولة اليوم ، (على سبيل المثال : شولامث فايرستون : انقلاب الطبقات الاجتماعية القديمة والمتحجرة) فهناك مفاهيم دفاعيّة مسالمة ولكنها قابلة للتطبيق ، تتيح للمرء أن يقيّم من خلالها أدب أربعة قرون ونصف .
أسماء الشاعرات الأوليات اللائى نواجههن في هذا المصنّف هنّ شاعرات عصر النهضة . الشعر نشأ كنتاج ثانوي لثقافة نسائية ، وهو ما آل الى ضرورات مكررة لأحاديث الرجال . يقول الشاعر الايطالي (بيترو بيمبو)
Pietro Bembo (1470 - 1547) : ((إن على الفتاة أن تتعلّم اللاتينية ، اذا أرادت أن ترفع من جاذبيتها نحو القمّة .)) الجاذبية الحقيقية المعقولة بالنسبة للنساء الكاتبات كانت أمرا مؤكدا : عليهم أن يشجعونهن لا أن يلجأوا الى السخرية منهنّ والحطّ من شأنهنّ .
أمّا متى لا تعد المرأة المثقفة المبدعة مقبولة ومسلية ؟ فهذا ما أجاب عنه أحد أساتذة فن الشعر سنة1652 قائلا : ((عندما تضع قدميها على عتبة الشهرة !)) أما الشاعر (يواخيم راخيل) فقد ورد في بيان له صدر سنة 1664 قوله : ((الأقلام واللحى تخص الرجال وحدهم .)) ودلل على أنّ المسألة لها وجهان ؛ أخلاقي واقتصادي : هل من الممكن عدّ النساء الألمانيات المثقفات قريبات الشبه من (سابفو)
Sappho (شاعرة إغريقية سحاقية عاشت في القرن السادس قبل الميلاد في جزيرة لسبوس) اللاتي أهملن لهم الواجبات المنزلية ؟ ! وطلائع الشاعرات الألمانيات المعروفات صدعن برأيهن مدافعات عن أنفسهن بالحجة والدليل الدامغ ومعلنات ذلك حتى على صور أغلفة دواوينهن ؛ بأنّ الشعر عندهنّ ليس إلا عملا ثانويا بالنسبة لأعمال المنزل . هذه المعاناة المضاعفة لها تقليد قديم .
في القرن الثامن عشر برز مجددا عدد كبير من النساء الشاعرات ، ينتمي معظمهن الى أسر الموظفين ؛ وعاد مجلس الأنس ثانية الى السؤال : هل أن مساهمات النساء مطلوبة؟ حقا إنهن لم يتنصلن عن إبداعاتهن، وقلما أتيح لهن ممارسة مواهبهن العقلية والفنية ، تماما كما حدث للأمريكيين السود فيما بعد . تقول الشاعرة (ماريانا فون تسيجلر) سنة 1739 :
اذا استقرت النكتة في جبين رجل /
صار من حقه أن يقول هذه الجملة : /
لا يمتلك الجنس الأنثوي /
خيط عنكبوت في الدماغ . /
من المؤسف أنّ طاقات كبيرة قد تبددت في غضون قرون متعاقبة على مثل هذه المسوغات . وعلاوة على ذلك فقد تمكنت الشاعرة (ماريانا فون تسيجلر) من عرض أشعارها الغنائية على الموسيقار (باخ) ليضع لها ألحانا، وهي أول شاعرة تكللت مساعيها بالحصول على شهادة من احدى الجامعات، وأول امرأة استغلت هامش الحريّة المتاحة ، فكانت أول عضوة في الجمعية الألمانية في لايبزغ : ترملت مبكرا وكانت مثرية، وأشعارها كما يشير الى ذلك كتّاب سيرتها ، هم أطفالها الذين تحبذ ولادتهم خارج مؤسسة الزواج .
(آنا لويزا كارش) أول امرأة ألمانية عاشت على إيراد نتاجها الأدبي . انتقلت سنة 1760 الى برلين، فقد كتبت عنها (جيزللا برنكر ـ جابلر) تقول : ((الاتجاهات المذهبية الشخصية البسيطة استحسنت الحركة الأدبية التي تنادي بالرجوع الى الطبيعة . أصدقاؤها (جلايم) و (راملر) و(سولتزر) ما زالوا يتمسكون بشعر ذي سلطان لاعتقادهم بأنّ الوزن القديم والأسطورة من الأدوات التي لا غنى عنها في الشعر . آنا لويزا كارش أعمتها الشهرة واعجاب الجمهور فوقعت أسيرة لهذا التأثير .
ولاعادة التربية التي يمكننا تصور حتمية حدوثها ، لا يحتاج المرء الى معرفة متخصصة بالتاريخ الأدبي، فالمرأة الموهوبة التي وضعت هذا الكتاب ، مستقلة عن المرحلة التي كتبت عنها، حالة خاصة لـ (صيد كريم) إنما هي مشروع بجماليون (بجماليون : الرجل الذي عشق في موقف رائع ـ أسطورة إغريقية) ؛ لا أحد تجشم عناء تعلم أساليبهنّ بجدارة بما في ذلك كبار المعلمين في جميع الأزمان وانما كان هدفهم دائما أن يتخذوا من أعمالهن مادة خاما يصوغونها على نحو فاخر . ونورد على سبيل المثال مقطعا من رسالة بعث بها الشاعر (شلر) سنة 1797 الى زميله الشاعر (غوته) يتحدث فيها عن تلميذاته العاملات معه : ((إنني مضطر الى الإعراب عن دهشتي للمهارة البالغة التي تتمتع بها نساؤنا الآن في الكتابة التي تقترب من الفن)) . لا عجب أنّ (صوفي ميرو) التي تنتمي الى المعترضين قد امتدحوها بسخرية وحبذوا لها أن تحصر اهتماماتها بكتب الأخلاق وكتب الطبخ .
وبالسرعة التي اتفق فيها نقاد الأدب من كل الأزمان حول تقييم الشاعرات ، فقد جمعن في جنّة الأدباء حول مائدة مستديرة دونما عناء ، لتتحاور الشاعرات فيما بينهنّ عبر القرون . هذا الكتاب أفرز لا تاريخية تثير الدوار : فهل أنّ الآلام التي تمخضت عن تقسيم العالم الى حيز أنثوي محتقر وآخر ذكوري موقر تبقى ماثلة أبدا؟
واذا كانت هذه الحقيقة قائمة منذ أمد بعيد ، فهل هناك من يسوغ طرح هذا السؤال : لماذا لم تنجب الأمة الألمانية شاعرة عظيمة كما أنجبت شاعرا عظيما ؟ !


عن المثقف وعن المرأة
 

د. سهام جبار

لم أزل الاحظ ان المثقف العراقي في مناسبات مصارحة النفس وفي مجال الاجابة عن مكانه من المسؤولية في نشر خطاب دكتاتوري أو فردي ضيق هيمن على ساحة الحياة العراقية طوال أجيال وعلى اشكال مختلفة من مجالات الطرح ومستويات التفكير، اقول لم أزل الاحظ انه يتجاهل مسؤوليته عن نشر وهمه المتعالي بقدرة الذكورة على اعطاء الأفضل في مجالات الفن والادب والثقافة، بل الحياة عامة، ولسنا ببعيد عن تداول مفاهيم نقدية وادبية من مثل (الفحولة)، (والادب النسوي) و((ريادة الشعر بوجهها السيابي لا الملائكة)، وبامتداد بعيد الى تراث يذكر الشواعر بتقليل شأن كبير متوج بقول وجه الى الخنساء (لو لم تكوني امرأة لفضلتك .. الخ).
يتواصل المحدثون في احتكار منبر التحديث فاذا ما ذكرت شاعرة أو اديبة وضعت في الخانة اياها من التميز مقارنة ببنات جنسها لا ضمن سياق الإبداع نفسه. ان مشاكل التضييق على الحرية، إذن صدرت من المثقفين اذ لم يحرروا انفسهم من مظاهر انكفاء وازدواجية وارتداد ونكوص كثيرة قبل ادعاء انهم ثوريون أو أصحاب مواقف فاعلة ازاء الظلم السياسي لاسيما الدكتاتورية، بل ان عدداً كبيراً وجد خلاصاً سريعاً (وهو يعد مجال استثمار) في ملاذات الغرب والتأسيس الفردي الضيق المتمتع بقدرات الذكورة على الخروج الى العالم وارسال خطاب نرجسي مطلق الصواب على المواقع الالكترونية ووسائل النشر المتواطأ عليها بين الاخوة المتشابهين، وغالباً ما يقع ذلك في اطار انفعالي وفي اشكال خصومات وكراهية إذ هي متضمنة العنف والقسوة والغاء الاخر في سياق يدعي انه ثقافي أو ديمقراطي كما يفترض في اصل كل فعل ثقافة.
لقد مارس المثقف إذن عملية تصدير عنف على طول الخط لكن بطريقة يشاؤها ان تختلف عن طرائق المسلحين والمنتمين الى جماعات.
ولقد مارس المثقف عملية المتمتع باثرة ومحدودية في قطف ثمار وجوده المترف المتعالي على جموع الطبقات الجاهلة الفقيرة إذ هو غير معني بسوى كيانه الضيق الزائل في نبذ مهمشين في نطاق الثقافة التي تضمه.
ولعل واقعنا الثقافي قد شهد قبل السنوات الثلاث الاخيرة وبعدها سعي افراد من الطبقات الجاهلة الفقيرة الى الانتقام من انتصار النخبة المستأثرة (بالغنيمة) في مانشهده من انتشار خطاب محدود العلم والمعرفة، لكنه يصدر عن شعور بالهامشية والمظلومية والغبن بما يشابه واقع المراة الهامشي والمظلوم والمقلل شأنه على طول الخط. ولقد شهدنا القوة الكاسحة لوجود (المثقف) الجديد بوصفه ممثلاً لفئات مجتمعية قد مورس عليها الاضطهاد والظلم أبان الحكم الدكتاتوري ومن هنا لابد من ان يكون استردادها المنبر صورة لرد الاعتبار لهذه الفئة أو تلك، وما مهرجانات احياء الذكرى في تماه مع الماضي الا فرصة تأكيد وجود للفئة أو الملة التي يمثلها (السجّاعون والندابون الناكصون عن خط التحديث الابداعي) لاحتكار موقع تمثيل الثقافة العراقية بالغاء آخر مختلف أو مناوئ حتى ان جاء الملفوظ بترديد ما يأكل الدهر عليه ويشرب كل يوم في وسائل الإعلام من ان لا فرق بين كذا وكذا.
ان هؤلاء الجدد هم الوجه المكمل لاولئك الذين اقتاتوا على ثقافة الغرب للاستهلاك وزرع ملاذ لا الاستثمار في عقود الانفتاح على العالم، فالاثنان غائبان عن تحقيق فاعلية مشاعية الثقافة والانتصار للنظام وللمنطق ولكل علوم التحضر والحياة ورفعة الإنسان .
ليس من الغريب ان تقع المراة في خضم ذلك ضحية كل أنواع التكالب والهيمنة في واقع من صراع وحشي بين قوى عنيفة في الحياة العراقية، فالقتل من درجات، وعلى المرأة تقع درجات هذا القتل كل يوم فيكتسح وجودها وحريتها وسلامها من دون ادنى ذنب أو مساس منها فأسباب الكارثة، انني أدون احتجاجاً انسانياً صارخاً بعد ان كنت أرباً حتى باعتراف ان لهذه التسميات (ذكوري ، انثوي...الخ) قيمة وجدوى في الخطاب الابداعي والثقافي. لقد دخلنا في جحور الموت بفضل اشهار ذكور البلاد أو المنطقة أو من اليهم أسلحتهم الأشد فتكاً سواء كانوا (صدام) أو إرهابييه السابقين أو اللاحقين أو كانوا قطعان المنتقمين المدافعين عن قيم صنميه معلاة أو أياً كانوا..
(ولو كان بالامكان الذهاب الى يوتوبيا حكم الانوثة بوصفها معنى حضارياً لا بيولوجياً ضيقاً لتخيلنا قدرة سلام ومحبة مفقودة تبقى سجينة تخيل وافتراض) لكننا مع رداءة واقع لا نرى غيره نسأل: الى متى يظل المثقف مشمراً ردني التعالي والاثرة عند البحث في الحلول لمشكلات دور الثقافة في التغيير وقدرة الثقافة على الإتيان بالإجابات، واللاأدرية والقنوط اللتين يصوغ بهما المثقف وجوده بعد ادوار من الاتكالية على المؤسسة والنوم في الملاذات بأمان مع تفاخر وعنجهية مستمرين.. الى متى تجيء به مناسبات مصارحة النفس والبحث في فعل الثقافة وجدواها..
هذه كلمة ربما هي قريبة من عيد للمرأة انصرف مثل كثير من الأعياد لأن مجازر قتل واستباحة أرواح هي السائدة مع خطابٍ فئوي منبري لعله يريد ان يقتنص تسمية انه خطاب ثقافي مفترشاً المزيد من الهيمنة والمزيد من العنف بكل تأكيد !


الـــواحـــــــــــــــة

الفريد سمعان

واحة للحب اصبحت بصحراء حياتي
صدقبنّي
حومّي فوق اخاديد خيالاتي
بصمت .. حاوريني
وخذي
كل الذي تهوين مني
نظراتي
عبراتي
امنياتي
نزواتي
لهفاتي
حسراتي
وانثري عبر مروج الصبح
انفاس العصافير
وباقات حنينٍ
حملت برد المنافي
ومواعيد.. النبوءات
دعيها تتوارى في ضلوعي
ولكن ..
حاذري .. ان تتركيني
***
انا لوحّت لاشواقكِ
رافقت ترانيم خطاك
وعلى خديك.. سالت شهقاتي
وارتوت منكِ غصوني
وتحديت ضباب العمر
غادرت محطات احتراسي
وتحاملت على موضعٍ الخذلان
اطفأت قناديل اكتئابي
متعباً .. صليّتُ
للاحزان
اطلقت على شاطئ الآهات
اوراق اعتذاري
كي توافي شرفاتي
نسمات من بساتينكِ
جذلى..
كي تناغيني
وتغفوْ
فوق افياء جفوني
صدقيني
***
تسبق الشوق اليكِ
كلماتي
ترتدي ثوب الازاهير
وترتيل الحمامات
واشذاء الرؤى الخضراء
تدعوني اليكِ
صدقيني
25/3/2006

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة