الآثار
المترتبة على نقل ملكية القطاع العام الى الخاص في العراق
د.ثائر محمود رشيد
قسم الاقتصاد/ بغداد
تقوم
الدعوة الى الخصخصة وفقاً للمفهوم الضيق لها على افتراض ان
ما يصلح للدول المتقدمة سيصلح بلا جدل للدول النامية دونما
اعتبار لاختلاف الظروف وطبيعة القطاع الخاص الوطني وقدرته
على تولي قيادة النشاط الاقتصادي بوجه عام.
فبحسب وصفات برامج الصندوق والبنك الدوليين تشكل الخصخصة
احد المكونات الرئيسية لبرامج التكييف والتثبيت الاقتصادي
مقدمة نفسها على انها العلاج للمشكلات الاقتصادية التي
تعاني منها معظم دول العالم على اختلاف انظمتها الاقتصادية
والاجتماعية وتفاوت درجات تطورها، بدءاً بتحسن اداء وحدات
الانتاج وزيادة كفاءتها الاقتصادية وانتهاء بوضع حد
للاختلالات المالية والاقتصادية، مروراً بتوسع قاعدة
المشاركة في الثروة والدخل، وفي حين يفترض الصندوق ان
الاسواق تنشط بسرعة لتلبية الاحتياجات فان الواقع يشير الى
تدخل الدولة وفاعليتها في الاقتصاد، اذ تحركت الحكومة بسبب
اخفاق الاسواق في تأمين الخدمات الضرورية، وهذا ما دفع
العديد من الدول الاوروبية الى انشاء شبكة ضمان اجتماعي
وانظمة تامين ضد البطالة، فالاسواق لايمكن لها ان تؤمن
عوائد سنوية دائمة في اطار نشاط السوق الخاص، في حين ان
الصندوق يطالب بالغاء هذه النظم في البلدان النامية ويحاجج
الصندوق بان من المهم التحول نحو القطاع الخاص اولاً ومن
ثم معالجة قضايا المنافسة والقيود الضابطة بعد ذلك، اي ان
الصندوق يركز على قضايا الاقتصاد الكلي كحجم عجز الحكومة
اكثر من تركيزه على القضايا الهيكلية كالكفاءة والتنافس في
الانشطة الاقتصادية.
وبالنسبة الى العراق فاكثر ما يميز القطاع الخاص المحلي هو
ضعف الملاءة المالية والاقتصادية وعدم قدرته على المنافسة
في ظل سياسة الاغراق التي تتبعها الدول المصدرة للعراق
فضلاً عن معاناته من التخلف العام وغياب الهياكل الاساسية
وهروب رؤوس الاموال المحلية الى الخارج وغياب شفافية
قوانين الاستثمار المحلية مما ينعكس سلباً على ادائه
الاقتصادي ويجعل من الحديث (دون تهيؤ شروط مسبقة عن تحول
الاقتصاد العراقي في اطار نقل ملكية القطاع العام الى
الخاص) قولاً معزولاً عن ظروف الواقع الماثل. ذلك ان نجاح
الخصخصة يرتبط الى حد بعيد، بما يجب ان يسبقها من اجراءات
ممهدة بدءاً بتشخيص دقيق لاوضاع القطاع العام وعلاقتها
باوضاع الاقتصاد الوطني كلها وتنتهي باعادة هيكلة وحدات
الانتاج المتعثرة في هذا القطاع، مروراً بتحضير المناخ
الاقتصادي العام الملائم من حيث ازالة التشوهات اللاحقة
بآلية السوق، واقامة السوق المالية الناشطة فبدون هذه
الشروط السابقة للخصخصة يمكن ان تؤدي الى نشوء مصالح خاصة
تمتلك الحافز والمال لادامة موقعها الاحتكاري لتجاوز
الضوابط وافساد العملية السياسية، كما حدث في معظم دول
امريكا اللاتينية.
وفي حين يشدد الصندوق على ان التحول للقطاع الخاص ينقل
المشاريع الحكومية من الخسائر الى الارباح من خلال تخفيض
الرواتب، فليس هناك من ادلة تجعل من نوع الملكية العنصر
المجدد لكفاءة وحدات الانتاج، وانه اذا كان اداء وحدات
الانتاج في القطاع العام في احيان كثيرة ضعيفاً فذلك مرده
الى اسباب وعوامل لا تتعلق بطبيعة الملكية وانما بطبيعة
السوق ونوعية الادارة والظروف المحيطة بالاقتصاد كله وعليه
يجب ان لا ننتظر تحسناً واضحاً في الاداء الاقتصادي لوحدات
الانتاج المتعثرة من مجرد تحويل ملكيتها الى القطاع الخاص،
ما دام لم يصاحب هذا التحول جملة من الإجراءات أهمها، وعلى
وجه الخصوص وضعها في بيئة تنافسية فعلية، خالية من
التشوهات التي تميز عادة أسواق الدولة.
اما بخصوص تأكيد الصندوق والبنك على ان للخصخصة تاثيراً
ايجابياً في تهيئة المناخ المواتي لدفع عملية الاستثمار في
الأنشطة الانتاجية المختلفة، فبهذا الخصوص تبدو المسألة
مرتبطة بأمرين الاول جذب رؤوس الاموال، والثاني هو تغيير
نوعي في سلوك القطاع الخاص.
ففيما يتعلق بالامر الأول لا يبدو ان للخصخصة بما هي نقل
للملكية او للإدارة الى القطاع الخاص في تأثير كبير في جذب
رؤوس الاموال وعودة المهاجر منها فهذه المسألة لها علاقة
وثيقة فضلاً عن العائد او الرابح على رؤوس الاموال الموظفة،
بعامل الاستقرار الاقتصادي وخصوصاً عامل الاستقرار السياسي.
وفيما يتعلق بالعامل الثاني فلا يبدو ان مجرد الانخراط في
مسيرة الخصخصة سيقدم للقطاع الخاص تغييراً نوعياً في سلوكه
الريعي، لان التغير المذكور يرتبط بدوره بعملية تحول شاملة
على الصعيد الاجتماعي والسياسي، قد لا تتوفر مقوماتها بمثل
هذه السرعة، اما من ناحية تأثير الخصخصة في سوق العمل، فلا
شك في انه في المدى القصير لها تأثير سلبي باتجاه زيادة
معدلات البطالة خصوصا اذا ما نفذت على مبدأ السرعة دون
دراسة او تدرج او انتقاء للمؤسسات في عملية نقل الملكية،
ان مجرد تسريح الأشخاص في وظائف واطئة الإنتاجية في مشاريع
الدولة الى البطالة لا يزيد دخل البلاد ولا يزيد بالتأكيد
في رفاهية العمل، فالتحول الى القطاع الخاص يحتاج الى ان
يكون جزءاً من برنامج شمولي يستلزم استحداث وظائف بصورة
مترادفة مع القضاء الحتمي على الوظائف التي غالبا ما تنجم
عن التحول للقطاع الخاص، ان ظروف العراق من حيث تخلف السوق
المالية وضعف الميل للادخار وتركز الثروة في ايدي قلة من
الموظفين، والأهداف الاجتماعية التي يسعى اليها عادة
القطاع العام من جهة ثانية، جميع هذه الامور تجعل الخصخصة
تعمل على زيادة الاستقطاب الاجتماعي وتعميق التفاوت
الموجود على صعيد توزيع الثروة والدخل.
وعليه يمكن القول ان السلبيات والمزالق التي قد تترتب على
تحويل الملكية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب بل ان
لها ابعاداً اجتماعية وسياسية خطيرة، ومن اهم الاثار
السلبية الاقتصادية للخصخصة بالنسبة للعراق هي:
1-ما قد ينجم عن عدم وجود الآليات والمعايير الاقتصادية
والاجتماعية التي تنظم وتؤسس عمليات نقل الملكية، حيث
انخفاض كفاءة اسواق الاوراق المالية وبنوك الاستثمار وبيوت
الخبرة وحاضنات الاعمال والدراسات اللازمة لتقييم الاصول
وتحديد الاسعار مما يخضع اجراءات الملكية لعمليات البيع
المباشر وباسعار زهيدة كما حدث في العديد من بلدان اوروبا
الشرقية وروسيا، اذ انقضت رؤوس الاموال الاجنبية على معظم
المؤسسات الاقتصادية بحكم ما تمتلكه من قدرات مالية وخبرات
فنية ومهارة لادارة هذه المؤسسات في ظل ضعف القطاع الخاص
المحلي وقلة المدخرات الوطنية اللازمة لشراء المنشآت
المراد خصخصتها.
2-احتمالية عدم التزام الجهات التي تؤول اليها هذه
المؤسسات والمنشآت الالتزام بتوجيهات الدولة الاقتصادية
والاجتماعية مما يعطي الاولوية لآليات السوق نتيجة الاوضاع
الاحتكارية الناجمة عن نقل الملكية مما سيؤثر سلباً على
اسعار المستهلك.
3-تحويل الملكية للقطاع الخاص يعني منطقياً تقديم
الاعتبارات الاقتصادية على الاعتبارات الاجتماعية بل قد
يعني احيانا اسقاط الاعتبارات الاجتماعية، فرغبة القطاع
الخاص على استخدام اليد العاملة الماهرة بما يعرف برأس
المال البشري وتحجيم فرص العمل من خلال احلال رأس المال
ومحاربة البطالة المقنعة (وهي ظاهرة منتشرة بشكل واضح في
مؤسسات القطاع العام في العراق) قد يعني عملياً تسريح
الالاف من العاملين، هذا في الوقت نفسه الذي يؤدي فيه
تحويل ملكية المنشآت الاقتصادية الى ظهور فئات موسرة والى
تفاوت كبير في دخول الافراد قد تزيد من حدة الاثار السلبية
التي تهدد الاستقرار والنسيج الاجتماعي وحتى السياسي وعلى
تركيبة وتوازن البنية الاجتماعية.
|