هـل من
رؤيــــة قاصرة لدى قــوى اليسار الأوروبي إزاءالتنظيمات
الإرهابية في العراق؟
كاظم
حبيب
بدأت مواقف قوى اليسار
الأوروبي وبعض حركات معاداة الإمبريالية وحركات السلم في
دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تتخذ
رؤية قاصرة ووحيدة الجانب قبل بدء الحرب التي شنتها
الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد النظام
الدكتاتوري الدموي في العراق في العشرين من شهر آذار/ عام
2003 ونظمت الكثير من المظاهرات والاحتجاجات ضدها. وهي
لاتزال حتى اليوم تواصل حملتها السياسية ضد الحرب وتطالب
بخروج القوات الأجنبية من العراق فوراً. ففي الوقت الذي
اتخذت هذه القوى موقفاً مناهضاً للحرب, وكان من حقها ذلك,
الا انها لم تتخذ في الوقت نفسه موقفاً مناهضاً للنظام
الدكتاتوري الذي كان يغوص في دم الشعب العراقي, سواء عبر
الحروب التي شنها ضد الشعب العراقي وضد الدول المجاورة أم
بالقبور الجماعية التي انتشرت في أنحاء العراق, حيث كانت
تلك القوى تعرف بها وبلغت بها كثيراًُ, أم بوجود عشرات
الألوف من السجناء السياسيين في سجون ومعتقلات النظام
المخلوع. ورغم البيانات والرسائل التي وجهت لهذه القوى
بهدف إقناعها بضرورة المشاركة في فضح النظام العراقي
ودمويته وتجاوزه الفظ على حقوق الإنسان وحقوق القوميات
الأخرى, ولكي لا يفهم من ذلك أنها تؤيد سياسة النظام
العراقي, فإنها رفضت ذلك ووجهت جام غضبها على الولايات
المتحدة الأمريكية باعتبارها عدوة الشعوب والسلام والتقدم
الأولى في العالم. ومع إدراكي لخلفية واستراتيجية الحرب ضد
العراق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ورفضي للحرب في
حينها باعتبارها تزيد الوضع تعقيداً, إلا أني لم استطع هضم
موقف قوى اليسار الأوروبي والقوى المعادية للإمبريالية
وحركات السلام من النظام العراقي وإصرارها غير العقلاني
على رفض إدانة النظام الاستبدادي, إذ كان في مقدورها رفض
الحرب من جهة, والمطالبة بدعم نضال الشعب العراقي ضد إرهاب
سلطة البعث وصدام حسين من جهة أخرى, وهو الذي لم تفعله
وجعلت قوى المعارضة العراقية بشكل عام والشعب العراقي في
غالبيته يرفضون مواقفها ولا يفهمون أسباب عنادها وإصرارها
على ذلك الموقف, وبالتالي بدا الحوار بين القوى
الديمقراطية واليسارية العراقية وقوى اليسار الأوروبي
ومناهضي الإمبريالية وحركات السلام أشبه بحوار الطرشان
الذي لا يصل إلى أية نتيجة مفيدة.
ومنذ سقوط النظام تمارس قوى اليسار الأوروبي والقوى
المناهضة للإمبريالية وحركات السلام ثلاث عمليات في آن
واحد:
* الاستمرار في التظاهر ضد الحرب والمطالبة بخروج القوات
الأجنبية من العراق دون الأخذ بالاعتبار موقف الشعب
العراقي في غالبيته والقوى التي في الحكم حالياً التي ترى
ضرورة إنجاز تشكيلات الجيش والشرطة والأمن العراقية قبل أن
تطلب من تلك القوى مغادرة العراق بسبب احتمال نشوب حرب
أهلية غير مبررة أصلاً.
* الاستمرار في تأييد قوى الإرهاب الدموي في العراق دون
استثناء وتأييد عملياتها الإرهابية التي تؤدي إلى قتل
العشرات من العراقيات والعراقيين والأطفال يومياً وتخريب
المزيد من المنشآت الاقتصادية ومشاريع الخدمات العامة
باعتبارها أعمالاً تقوم بها قوى المقاومة العراقية, وهي
تعقد الآن التحالفات مع القوى البعثية الصدامية والقومية
التي ساندت صدام حسين وكذلك قوى الإسلام السياسي في الخارج
دون أن تسميها بالاسم وتجمع التبرعات لما يسمى بالمقاومة,
وتدعوها لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات في المدن
الأوروبية المختلفة. * ترفض تقديم الدعم للشعب العراقي في
نضاله ضد الإرهاب وقوى الإرهاب التي مرغت سنوات طويلة جباه
الشعب العراقي بالتراب والتي لا تزال تريد افتعال حرب
طائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة في العراق.
كما ترفض إدانة تلك الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك
العصابات ضد المواطنات والمواطنين العراقيين مباشرة.
بهذه الذهنية والسياسية المهووسة بالعداء للولايات المتحدة
دون تمييز بين القضايا المختلفة تلتقي هذه القوى بشكل
مفضوح وفضائحي مع قوى اليمين المتطرف التي أيدت صدام حسين
قبل وأثناء وبعد الحرب وتساهم معها في تنظيم المظاهرات
والفعاليات المختلفة لتصب بذلك الزيت على النار المشتعلة
في العراق وتشوه حقائق الوضع وتخدع شعوبها بتسميتها
الإرهابيين بقوى النضال والمقاومة ضد المحتلين.
إن الاتجاهات اليمينية التي ميزت سياسات حكومات الدول
الأوروبية منذ ما يقرب من ربع قرن, كانت قد وصلت إلى قوى
اليسار الأوروبي والقوى المناهضة للإمبريالية وحركات السلم
التي كانت ترتبط بالاتحاد السوفييتي مباشرة, وهي آخذة
بالتفاقم في مجال السياسة الدولية وفي الموقف من القضايا
الاجتماعية, إذ أنها لا تمتلك حتى الآن برنامجاً اجتماعياً
تواجه به الوضع في الاتحاد الأوروبي وتتصدى للهجمة الشرسة
التي تمارسها قوى وسياسات العولمية, وليست العملية
العولمية الموضوعية, على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية
والحقوقية التي حققتها الشعوب الأوروبية منذ نهاية الحرب
العالمية الثانية حتى الآن.
إن موقف قوى اليسار الدولي الذي يشير إلى أن الولايات
المتحدة الأمريكية لها أجندتها الخاصة حين شنت الحرب ضد
النظام العراقي لا يختلف عليه اثنان, ولكن الاختلاف يبرز
في نقاط ثلاث, وهي:
* لماذا لم تتخذ غالبية قوى اليسار في العالم الموقف
السليم والمناسب إزاء النظام الدكتاتوري في العراق ولماذا
ساندت وجوده في وقت كان الشعب العراقي يئن تحت وطأة
الإرهاب, ومنه قوى اليسار الديمقراطي العراقي أيضاً.
* ولماذا لا تريد رؤية الجرائم البشعة التي ترتكبها قوى
الإرهاب العالمي المتمثلة حالياً بتنظيمات القاعدة التابعة
لبن لادن والظواهري والزرقاوي, وقوى الإرهاب المحلي
المتمثلة بقوى الدكتاتور المخلوع صدام حسين ورهطه,
وتعتبرهم يمثلون الحكم الشرعي وتدعم نشاطهم بحجة أنهم
يقاومون الاحتلال والاستعمار الأمريكي-البريطاني.
* ولماذا تعجز عن قراءة الواقع الرهن في العراق وموازين
القوى واتجاهات تطور الأحداث ولا تريد أن تستمع لقوى
اليسار الديمقراطي العراقي التي من حقها وواجبها التعبير
عن مواقفها التي تمس العراق وليس من حق الآخرين التعالي
ورفض مواقف اليسار المحلي من حيث المبدأ.
واليوم تقوم هذه القوى السياسية بتنظيم جولات أوروبية
لعراقيات وعراقيين من أتباع النظام الدكتاتوري ومن مؤيدي
نظامه من القوميين اليمينيين العرب للدعاية المضادة لقوى
الشعب العراقي والدفاع عن أعمال الإرهاب في العراق.
إن من واجب القوى السياسية العراقية في الداخل والخارج أن
تقوم بشن حملة فكرية وسياسية واسعة لتبيان حقيقة الأوضاع
في العراق وعقد اللقاءات والندوات لشرح الإشكاليات القائمة
وطبيعة القوى المشاركة في العمليات الإرهابية وتوجيه
الرسائل إلى تلك القوى التي تدعي النضال في سبيل السلام
ونشر الاستقرار في العراق والشرق الأوسط, في أن تأييدها
لقوى الإرهاب في العراق بحجة مقاومة الاحتلال ينسف أسس
الأمن والاستقرار والسلام في العراق والمنطقة ويشجع قوى
الإرهاب على التمادي في نشاطاتها العدوانية ضد الشعب
العراقي وضد مصالحه الحيوية وتسريع خروج القوات الأجنبية
من العراق. |