اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

موقف العراقيين من فيدرالية كوردستان .. مســـح تاريخي فكــــري عـــــام
 


أ.د. كمال مظهر احمد
لم اجد شخصياً في الاصدارات العراقية المتنوعة طوال العهد الملكي، وفي جميع العهود الجمهورية توصيفاً محدداً للفدرالية في اطار بحث تاريخي أو سياسي مستقل. ظهرت في اصدارات القوى اليسارية العراقية والقومية الكوردية السياسية اشارات عامة الى هذا الموضوع عندما طرحت على ساحة المشرق العربي شعارات الوحدة مع مصر في عهد جمال عبد الناصر، الموضوع الذي توزعت مواقف القوى السياسية العراقية إزاءه على جاحين، يطالب احدهما بالوحدة الاندماجية الفورية،
فيما يطالب الثاني بالاتحاد الفيدرالي المتأني، وفي الحالتين لم تغب المشاعر العاطفية المثالية عن الميدان بوصفهما عاملاً محركاً اساسياً للتمسك باحد الشعارين، مما تجسد بقوة في صفوف الطلبة الجامعيين الذين كانوا يؤلفون حينئذ أهم نواة فاعلة، ومؤثرة للنخبة العراقية الواعية.
واذا استثنينا كلية الحقوق، فان المحاضرات الجامعية خلت يومذاك من أية اشارة، ولو عابرة، الى هذا الموضوع الحساس، مع العلم ان نضال العرب ضد التوجهات الشوفينية الصارخة للاتحاديين اواخر العهد العثماني كان، ولم يزل، يشغل حيزاً كبيراً في المحاضرات تلك، وما ورد من معلومات في المؤلفات المتداولة داخل اروقة كلية الحقوق كانت بالاساس مصرية المنشأ لرجال قانون معروفين من امثال (عبد الزراق السنهوري) والدكتور (مصطفى كامل) ومن بعدهما الدكتور (ثروت بدوي) (1)، وظل (الموضوع) راكداً في ثنايا صفحاتها دون ان ينعكس، ولو جزئياً في النشاط السياسي للنخبة القانونية التي كانت تحتل يومذاك موقعاً قيادياً متميزاً في الحركة الوطنية العراقية(2).
ما سبق ذكره لا يتوافق، في كل الاحوال، مع الموروث الحضاري العربي المعروف الذي ينطوي، كما يؤكد ذلك المتخصصون في الموضوع، على اولى اشكال الكونفدرالية تاريخياً، مما تجسد قبل أكثر من الف وخمسمائة عام في (الدولة الكونفيدرالية التي تأسست وسط نجد بقيادة قبيلة كندة القحطانية) التي منحت (الحرية لكل قبيلة في إدارة نفسها) على ان تكون (بالنهاية مرتبطة بسلطة عليا) (3). وهذا يتطابق الى حد كبير مع حال العشائر الحدودية التي كانت تدافع عن تخوم الامبراطورية الرومانية، وتحميها من المتربصين بها قبل أكثر من الفي سنة، فأطلق عليها اسم (
Foedus)- الكلمة اللاتينية القديمة التي تعني الاتحاد نصاً، وقد اقتُبس منها لاحقاً مصطلح (الفيدرالية).
تتضافر مجموعة كبيرة من العوامل في تحريك قطاع واسع من الرأي العام العربي العراقي ضد الفيدرالية، تتراوح بين التحريك الخارجي، كما الداخلي الذي يتركز على دغدغة العواطف الدينية والقومية التي بلغت حد رفع شعار غريب حسب جميع المقاييس في شوارع العديد من المدن يقول نصه: (الفيدرالية عدوة الله) وآخر يؤكد ان الفيدرالية تفضي في نهاية المطاف الى تفتيت وحدة البلاد والعباد، مما يتناقض مع كل تجارب التاريخ الناجحة في هذا المضمار الحيوي، بما في ذلك التوجه اللامركزي للحكم في اطار ديني في عز أيام ازدهار الدولة العربية الإسلامية، لتنقلب الآية رأساً على عقب في أيام انحلالها عندما حلت مركزية نهاية مقيتة مكان اللامركزية العقلانية السابقة، لتسقط الدولة تلك كأوراق الشجر في العام 1258 م على أيدي أكثر قبائل آسيا الوسطى تخلفاً يومذاك الأمر الذي لم يكن شخص هولاكو يتوقع ان يحدث هكذا بسهولة ويسر.
تتكرر التجربة المرة نفسها في ظل الامبراطورية العثمانية المترامية الاطراف، فان نظامها على أرض الواقع كان في اوج قوته يمثل أشبه ما يكون بنظام فيدرالي، بل وحتى كونفيدرالي غير معلن، فان السلاطين الاوائل لم يتدخلوا قطعاً في شؤون الامارات غير التركية التي ظلت مستقلة، لاتؤدي تجاه الباب العالي سوى ما عليها من التزامات مالية وعسكرية، دون ضغط أو اكراه، ودون أي تدخل مباشر أو حتى غير مباشر في شؤون حياة اهلها الخاصة والعامة، في تقاليدهم ولغاتهم، أو ارض اجدادهم، لذلك لم يفكر احد يومذاك بالانفصال، حتى ان الارمن كانوا يؤلفون عنصر بناء لا هدم رغم انتمائهم الديني المسيحي، وموروثهم الحضاري المتميز، وهذا يعني ان التنوع الاثني والديني والمذهبي تحول الى مصدر خير، وعامل ازدهار بمقياسي الزمان والمكان، وما ان انقلبت الآية في زمن السلاطين المتأخرين، وخصوصاً في عهد الاتحاديين حتى تحولت القوميات غير التركية، وشجونها الكثيرة الى عبء ثقيل على كاهل الدولة، والى عامل فاعل في نخر اسسها، وتحويلها الى (الرجل المريض) الذي تخبط في اختيار الدواء فادركه الموت غير مأسوف عليه.
ومهما يكن من امر فقد تمكنت هذه التوجهات والتيارات من تحريك قطاع واسع للغاية من الرأي العام العربي العراقي ضد الفيدرالية التي شوهت صورتها الى حد كبير، خصوصاً في نظر بسطاء الناس الذين يفكرون بآذانهم لا بعقولهم في مثل هذه الظروف كما قال ذلك المرحوم الشيخ (احمد الوائلي) في وصف موفق لحالة مشابهة تجمت عن دعايات مغرضة لم تبق فسحة كبيرة امام الفكر المنطقي السليم ليؤدي دوره الايجابي.
لم يتمكن الطرف المقابل في المعادلة، أي مؤيدي الفيدرالية، من عرض بضاعتهم بالمستوى المطلوب لاكثر من سبب، بما في ذلك تحجيم الوسط الديمقراطي واليسار العراقي العلماني اللذين كاد يختنق صوتهما نتيجة ما عانياه على مدى نيف وثلاثة عقود من ضغط قل نظيره في التاريخ، فلا غرابة في ان لا تجد اليوم حتى بين النخبة العراقية التي تميزت على صعيد المنطقة في الماضي القريب بتعطشها لمعرفة كل ما هو مفيد ونادر، سوى نفر قليل يعرفون عن كثب ظواهر الفيدرالية وتطوراتها، وبأن جميع من آمنوا بها وناضلوا من اجلها ينتمون الى خندق الوطنية الحقة، والى المظلومين تحديداً، منهم على سبيل المثال، الفيدراليون الفرنسيون الذين كانوا ينتمون الى المقاطعات والاطراف ممن علقوا آمالاً كبيرة على شعارات الثورة التي تكالبت عليها القوى الرجعية في الداخل، كما في الخارج، فتوجهوا من كل حدب وصوب الى العاصمة باريس وهم يحملون ايماناً عميقاً وسلاحاً بسيطاً حيث أبدوا آيات البطولة في ميادين القتال، خصوصاً ضد القوى الخارجية التي كانت ترنو الى وأد الثورة في مهدها، وبأن هؤلاء الفيدراليين هم أول من أنشدوا نشيد الثورة الفرنسية المعروف (المارسيليز). وعلى الغرار نفسه لم يؤد فيدراليو (ايطاليا)، دوراً اقل شأناً في الحركة الوطنية العامة في مطلع العقد الثالث من القرن التاسع عشر، مما ساعد على تمهيد الطريق لاحقاً لتحقيق الوحدة الايطالية المنشودة.
ومن المفيد ان نشير هنا الى ان معظم (منظري) الآراء المعادية للفيدرالية، ان لم يكن كلهم، لا يصيغون افكارهم بلغة عربية سليمة شكلاً ومضموناً، بل يصيغونها بأسلوب مفكك، منفعل ابعد ما يكون عما عرف عن العربية من السلاسة التي قل نظيرها في دنيا اليوم، كما الامس، وهم في الاغلب انتقائيون، غير موضوعيين في عرضهم حججهم التي تعيش ازمة حقيقية وتراجعاً واضحاً، الأمر الذي يحس به المتتبع دون عناء. ومما يلفت النظر ايضاً ان عدداً غير قليل من القوميين العرب، بضمنهم بعثيون عرفوا بمواقفهم الانتقادية للنظام السابق، يؤيدون الفيدرالية علانية، منهم الصحفي والكاتب المعروف (مؤيد عبد القادر) (4)، الذي عبر مراراً عن ايمانه المطلق بحق الكورد في تقرير مصيرهم بانفسهم، بمافي ذلك تأسيس دولتهم كما ورد نصاً في الرسالة التي بعثها قبل أيام الى شخص رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني.
وللتوضيح أكثر اشير الى نموذجين آخرين من التيار نفسه، كلاهما استاذان جامعيان الاول هو الدكتور (عادل تقي البلداوي)(5)، الذي نشر في جريدة (الزمان) مقالة في يوم نوروز، العيد القومي للكورد، بعنوان (الاخوة العربية الكوردية: مصير مشترك)، قال فيها نصاً: (إذا كان العرب مؤمنين حقاً بما قاله الرسول محمد (ص) أحب لأخيك كما تحب لنفسك، فعليهم ان يناضلوا من اجل تحقيق وحدة الكورد في جميع انحاء العالم، وان يضحوا بدمائهم من اجل ذلك حتى يرفع الكورد علمهم الى جانب علم العرب والدول الإسلامية الاخرى..) (6).
والثاني هو الدكتور (علاء جاسم الحربي) المعروف بنشاطه الجم، وكتاباته الكثيرة الطافحة بمشاعر عروبية لا تخلو في حالات كثيرة من تزمت مرفوض في نظر صاحب هذه الاسطر الذي طالما صارحه بذلك الا انه مع ذلك اكد غير مرة ان للكورد خصوصيتهم بالنسبة لموضوع الفيدرالية، ذلك لان الغرب، وخاصة بريطانيا حرمهم من تكوين دولة مستقلة شانهم شأن بقية القوميات التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية (7).
لا مراء في ان الوجه الايجابي المرموق لهذه الطروحات يعبر عن نفسه أكثر فأكثر عند مقارنته بمواقف بعض المسؤولين الجدد،
وتصريحاتهم المؤسفة بخصوص الفيدرالية واطياف المجتمع العراقي غير العربية التي تبدي، مع ذلك، تمسكها بالوحدة الوطنية رغم كل ما عانته من اضطهاد مقيت على مدى عشرات السنين الماضية.
والسؤال الاخير الذي يفرض نفسه فرضاً يخص المستقبل، الجواب المقنع هو ان عجلة التاريخ قد تتعثر، إلا انها لا يمكن ان تقف عن السير قدماً نحو غدٍ أفضل يبنيه المخلصون من العراقيين الذين يؤمن ممثلو نخبهم الواعية بأن الفيدرالية لا تبتغي، في المحصلة النهائية، سوى (الوحدة والشراكة في الوطن) ضمن (حقوق متساوية يحددها الدستور) كما اكد ذلك الدكتور (حكمت شبّر) عميد الكلية الإسلامية الجامعة في (مؤتمر فيدرالية الوسط) الذي عقد في نيسان العام الجاري (8)، سبقه مؤتمر أوسع عن الفيدرالية وفوائدها على شتى الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عقده (مركز ما بين النهرين للتوعية الديمقراطية) ببغداد يومي 12 و13 من حزيران عام 2004م، تحت شعار: (نحو دور فعال للقانونيين العراقيين في بناء العراق الديمقراطي الجديد) (9). يحتل في المقام نفسه ما ابدعه يراع القاضي (زهير كاظم عبود) والاستاذ الجامعي الدكتور (كاظم حبيب) والمحامي والباحث القانوني (طاهر طالب التكمجي) والصحفي والكاتب المتميز (حميد المطبعي) وغيرهم (10) مكانة مرموقة، يشغل مجلداً ضخماً في حال جمعه، مما يؤلف تراثاً فكرياً جديراً بشعب قدم للتاريخ البشري اجل الخدمات، خصوصاً وانه يؤكد (على ضرورة خروج السلطة من جمود الآيديولوجية في جانبها القومي والديني) في سياق (عملية ديمقراطية لا ريب في ضرورتها واهميتها) (11) لعراق اليوم والمستقبل.

هوامش

(1) ينظر: د. مصطفى كامل، شرح القانون الدستوري، القاهرة 1952م، النظم السياسية، القاهرة 1964م.
(2) حول جذور الموضوع، ينظر: عبد الحسين ابراهيم الرفيعي، النخبة القانونية ودورها الفكري والسياسي في العراق (1908- 1932) رسالة ماجستير باشراف الباحث، جامعة بغداد 2003م.
(3) د. جواد مطر الموسوي، العراقيون أول من كتب دستوراً في العالم، جريدة المدى، بغداد ، العددان (440) و(445) ، 2005م.
(4) من اهم مؤلفاته السلسة الموسوعية (هؤلاء في مرايا هؤلاء) التي كرسها لابراز اعلام العراق المعاصرين بمختلف انتماءاتهم الفكرية. وبسبب بعض مواقفه الانتقادية لم يسمح له بأن يتبوأ أي موقع متميز في ظل النظام السابق.
(5) اصغر استاذ جامعي في العراق يحمل لقب الأستاذ (بروفسيور)، من مواليد بغداد 1962، له مؤلفات وثائقية كثيرة عن (الحزب الوطني الديمقراطي) بزعامة (كامل الجادرجي)، وعن الزعيم الكوردي (مصطفى بارزاني).
(6) جريدة (الزمان)، لندن ، العدد (1187) ، 2005م.
(7) جريدة (الوطن) ، بغداد 15 ايلول 2005م.
(8) ورد ذلك في بحث مطول وموثوق بعنوان (الدستور وفيدرالية الوسط) ابعد صاحب البحث، وهو قانوني علماني معروف، عن الوسط الجامعي في ظل النظام السابق.
(9) جريدة التآخي ، بغداد العدد (4337)، 2004م.
(10) نشروا نتاجاتهم في (المدى) وهي افضل صحيفة ناطقة بلسان النخبة العلمانية العراقية، فضلاً عن صحف (الاتحاد) و(التآخي) و(الآهالي) و(طريق الشعب) ومجلة (الثقافة الجديدة)، وموقع عدة على الانترنيت.
(11) مقتبس من خاتمة (بنية المجتمع العراقي. دراسة تاريخية اجتماعية سياسية لظاهرة التنوع. العهد الجمهوري الاول 1958- 1963 انموذجاً)، اطروحة دكتوراه اعدها (ياسين سعد محمد) باشراف الباحث، الجام
عة المستنصرية 2005م.


هـل من رؤيــــة قاصرة لدى قــوى اليسار الأوروبي إزاءالتنظيمات الإرهابية في العراق؟
 

كاظم حبيب
بدأت مواقف قوى اليسار الأوروبي وبعض حركات معاداة الإمبريالية وحركات السلم في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تتخذ رؤية قاصرة ووحيدة الجانب قبل بدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد النظام الدكتاتوري الدموي في العراق في العشرين من شهر آذار/ عام 2003 ونظمت الكثير من المظاهرات والاحتجاجات ضدها. وهي لاتزال حتى اليوم تواصل حملتها السياسية ضد الحرب وتطالب بخروج القوات الأجنبية من العراق فوراً. ففي الوقت الذي اتخذت هذه القوى موقفاً مناهضاً للحرب, وكان من حقها ذلك, الا انها لم تتخذ في الوقت نفسه موقفاً مناهضاً للنظام الدكتاتوري الذي كان يغوص في دم الشعب العراقي, سواء عبر الحروب التي شنها ضد الشعب العراقي وضد الدول المجاورة أم بالقبور الجماعية التي انتشرت في أنحاء العراق, حيث كانت تلك القوى تعرف بها وبلغت بها كثيراًُ, أم بوجود عشرات الألوف من السجناء السياسيين في سجون ومعتقلات النظام المخلوع. ورغم البيانات والرسائل التي وجهت لهذه القوى بهدف إقناعها بضرورة المشاركة في فضح النظام العراقي ودمويته وتجاوزه الفظ على حقوق الإنسان وحقوق القوميات الأخرى, ولكي لا يفهم من ذلك أنها تؤيد سياسة النظام العراقي, فإنها رفضت ذلك ووجهت جام غضبها على الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها عدوة الشعوب والسلام والتقدم الأولى في العالم. ومع إدراكي لخلفية واستراتيجية الحرب ضد العراق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ورفضي للحرب في حينها باعتبارها تزيد الوضع تعقيداً, إلا أني لم استطع هضم موقف قوى اليسار الأوروبي والقوى المعادية للإمبريالية وحركات السلام من النظام العراقي وإصرارها غير العقلاني على رفض إدانة النظام الاستبدادي, إذ كان في مقدورها رفض الحرب من جهة, والمطالبة بدعم نضال الشعب العراقي ضد إرهاب سلطة البعث وصدام حسين من جهة أخرى, وهو الذي لم تفعله وجعلت قوى المعارضة العراقية بشكل عام والشعب العراقي في غالبيته يرفضون مواقفها ولا يفهمون أسباب عنادها وإصرارها على ذلك الموقف, وبالتالي بدا الحوار بين القوى الديمقراطية واليسارية العراقية وقوى اليسار الأوروبي ومناهضي الإمبريالية وحركات السلام أشبه بحوار الطرشان الذي لا يصل إلى أية نتيجة مفيدة.
ومنذ سقوط النظام تمارس قوى اليسار الأوروبي والقوى المناهضة للإمبريالية وحركات السلام ثلاث عمليات في آن واحد:
* الاستمرار في التظاهر ضد الحرب والمطالبة بخروج القوات الأجنبية من العراق دون الأخذ بالاعتبار موقف الشعب العراقي في غالبيته والقوى التي في الحكم حالياً التي ترى ضرورة إنجاز تشكيلات الجيش والشرطة والأمن العراقية قبل أن تطلب من تلك القوى مغادرة العراق بسبب احتمال نشوب حرب أهلية غير مبررة أصلاً.
* الاستمرار في تأييد قوى الإرهاب الدموي في العراق دون استثناء وتأييد عملياتها الإرهابية التي تؤدي إلى قتل العشرات من العراقيات والعراقيين والأطفال يومياً وتخريب المزيد من المنشآت الاقتصادية ومشاريع الخدمات العامة باعتبارها أعمالاً تقوم بها قوى المقاومة العراقية, وهي تعقد الآن التحالفات مع القوى البعثية الصدامية والقومية التي ساندت صدام حسين وكذلك قوى الإسلام السياسي في الخارج دون أن تسميها بالاسم وتجمع التبرعات لما يسمى بالمقاومة, وتدعوها لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات في المدن الأوروبية المختلفة. * ترفض تقديم الدعم للشعب العراقي في نضاله ضد الإرهاب وقوى الإرهاب التي مرغت سنوات طويلة جباه الشعب العراقي بالتراب والتي لا تزال تريد افتعال حرب طائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة في العراق. كما ترفض إدانة تلك الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك العصابات ضد المواطنات والمواطنين العراقيين مباشرة.
بهذه الذهنية والسياسية المهووسة بالعداء للولايات المتحدة دون تمييز بين القضايا المختلفة تلتقي هذه القوى بشكل مفضوح وفضائحي مع قوى اليمين المتطرف التي أيدت صدام حسين قبل وأثناء وبعد الحرب وتساهم معها في تنظيم المظاهرات والفعاليات المختلفة لتصب بذلك الزيت على النار المشتعلة في العراق وتشوه حقائق الوضع وتخدع شعوبها بتسميتها الإرهابيين بقوى النضال والمقاومة ضد المحتلين.
إن الاتجاهات اليمينية التي ميزت سياسات حكومات الدول الأوروبية منذ ما يقرب من ربع قرن, كانت قد وصلت إلى قوى اليسار الأوروبي والقوى المناهضة للإمبريالية وحركات السلم التي كانت ترتبط بالاتحاد السوفييتي مباشرة, وهي آخذة بالتفاقم في مجال السياسة الدولية وفي الموقف من القضايا الاجتماعية, إذ أنها لا تمتلك حتى الآن برنامجاً اجتماعياً تواجه به الوضع في الاتحاد الأوروبي وتتصدى للهجمة الشرسة التي تمارسها قوى وسياسات العولمية, وليست العملية العولمية الموضوعية, على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي حققتها الشعوب الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
إن موقف قوى اليسار الدولي الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لها أجندتها الخاصة حين شنت الحرب ضد النظام العراقي لا يختلف عليه اثنان, ولكن الاختلاف يبرز في نقاط ثلاث, وهي:
* لماذا لم تتخذ غالبية قوى اليسار في العالم الموقف السليم والمناسب إزاء النظام الدكتاتوري في العراق ولماذا ساندت وجوده في وقت كان الشعب العراقي يئن تحت وطأة الإرهاب, ومنه قوى اليسار الديمقراطي العراقي أيضاً.
* ولماذا لا تريد رؤية الجرائم البشعة التي ترتكبها قوى الإرهاب العالمي المتمثلة حالياً بتنظيمات القاعدة التابعة لبن لادن والظواهري والزرقاوي, وقوى الإرهاب المحلي المتمثلة بقوى الدكتاتور المخلوع صدام حسين ورهطه, وتعتبرهم يمثلون الحكم الشرعي وتدعم نشاطهم بحجة أنهم يقاومون الاحتلال والاستعمار الأمريكي-البريطاني.
* ولماذا تعجز عن قراءة الواقع الرهن في العراق وموازين القوى واتجاهات تطور الأحداث ولا تريد أن تستمع لقوى اليسار الديمقراطي العراقي التي من حقها وواجبها التعبير عن مواقفها التي تمس العراق وليس من حق الآخرين التعالي ورفض مواقف اليسار المحلي من حيث المبدأ.
واليوم تقوم هذه القوى السياسية بتنظيم جولات أوروبية لعراقيات وعراقيين من أتباع النظام الدكتاتوري ومن مؤيدي نظامه من القوميين اليمينيين العرب للدعاية المضادة لقوى الشعب العراقي والدفاع عن أعمال الإرهاب في العراق.
إن من واجب القوى السياسية العراقية في الداخل والخارج أن تقوم بشن حملة فكرية وسياسية واسعة لتبيان حقيقة الأوضاع في العراق وعقد اللقاءات والندوات لشرح الإشكاليات القائمة وطبيعة القوى المشاركة في العمليات الإرهابية وتوجيه الرسائل إلى تلك القوى التي تدعي النضال في سبيل السلام ونشر الاستقرار في العراق والشرق الأوسط, في أن تأييدها لقوى الإرهاب في العراق بحجة مقاومة الاحتلال ينسف أسس الأمن والاستقرار والسلام في العراق والمنطقة ويشجع قوى الإرهاب على التمادي في نشاطاتها العدوانية ضد الشعب العراقي وضد مصالحه الحيوية وتسريع خروج القوات الأجنبية من العراق.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة