الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

مؤسسات المجتمع المدني ومسؤولية تبين إيجابيات العولمة


مثقفون عرب كثيرون دعوا فيما مضى إلى الأخذ بـ(العولمة) من نواح عدة داخل أطر المجتمع العربي على أن لا تمس خصوصية التراث والتقاليد والتأريخ في حين يطالب التكنوقراطيون العرب بفتح الأبواب أمام رياح العولمة دون تحفظ أو تحديد ويصفونها بأنها تحديث لوقاع المجتمع العربي والخروج به من قمقم الثوابت والانسلاخ من أنماط الجمود التي حاصرتنا وجلدتنا طويلاً وكانت واحدة من أسباب تحديد مدى الرؤيا وتقييدها. واعتبار النظر إلى الأفق البعيد خرقاً للتقاليد وخروج عن الخط الأحمر المسموح به و(المتعارف) عليه بحكم التراكم الزمني الذي يجب ألا يجرأ أحد في الإقدام على إزاحته.
العولمة الآن حقيقة معاشة دخلت إلى المجتمعات من أوسع الأبواب. فهي اقتصادياً مثلاً لم تعد ممثلة فقط بالشركات العملاقة العابرة للقارات ولم تعد مقتصرة على توفير المعلوماتية على أوسع نطاق بشكل جعلت فيه العالم (قرية صغيرة) متجاوزة بذلك حدود الجغرافيا إلى عوالم ومجاهل الفضاء الشاسعة.
من هنا يرى التكنوقراط. أن من العبث التصدي لتيارات العولمة موضحين ان فعلنا ذلك ستكون كمن يمارس لعبة النعامة مع الصياد. وهي حكاية طريفة معروفة. والمقصود بـ(الصياد) هنا: العولمة..
فمن حق “التكنوقراط أو التراثيين” وبعبارة أخرى. هل الحق مع التحرر والحداثة. أم مع البقاء على استلهام التأريخ. الذي تصفه جماعة العولمة بأنه استلهام نضب أو على وشك. أو على الأقل لم يعد (مُدّراً) لإملاء وسد حاجات الجياع في طول الأرض وعرضها خاصة وأن الجوع لم يعد يعني فقط نقص الغذاء.
ويقول التكنوقراطيون. أن خوفنا من العولمة. خوف لا مبرر له استناداً إلى نجاح العولمة في إرجاء عديدة من العالم حيث إنهار فيها (برج بابل) وشاهد الناس خلفه شمساً ساطعة وبروق تحيل الليل الدامس إلى كرنفال مبهج.
ويتطرق التكنوقراطيون إلى حروب صدام التي سخر فيها التاريخ والتراث بشكل مسخ ومنافق ولئيم ولا حقيقي. مما دفعنا ذلك دون إرادتنا وقناعتنا إلى ارتكاب جنايتين في آن واحد. الجناية الأولى كانت بحق (سعد جدنا) والثانية بزج أعداد من مثقفينا في أتون النار على ضفاف دجلة وشط العرب والأهوار.. قتلهم النظام السابق ولم يكلف نفسه حتى انتشال جثثهم ودفنهم بما يضمن إنسانيتهم. هذا إضافة إلى عدد آخر من المثقفين الذين كسبهم النظام ضمن فريق الطبالين والمداحين.
فكم من (سعد) راح وكم من(سعد) الآن يروح وكم من (سعد) آتٍ أو لا يأتي؟ لقد تلفت يميناً وشمالاً بحثاً عمن يجيبني على هذا السؤال. فلم أجد أجدر من مؤسسات المجتمع المدنية التي خرجت اليوم على مسرح الحياة في العراق الجديد بعد سنين قضتها في دياجير (زمن البلاوي) المظلمة. زمن (تأجير) التاريخ والتراث لخدمة أغراض غير نبيلة. أغراض تهدف إلى تسخين الدم حتى درجة الغليان مع ترحيل العقل إلى الغابات والأدغال..
فعلى التكنوقراط والعولميين إثبات جدارتهم في تعزيز مسيرة الحداثة والعصرنة وإلا ينهمكوا في جدل عقيم على غرار السؤال المحير: البيضة من الدجاجة أو العكس...؟ واليوم استلهام الحداثة واستنشاق روح العصر أم الرجوع إلى دهاليز التراث على ضوء الفانوس أو الشمعة..
لقد عبرت محطتنا قطارات كثيرة. لا يهم. وأني للعلم. لا اسميها قطارات وإنما اسميها مقطورات. دلالة على استمراريتها. فلنركبها جماعات وسلالات وقبائل وعشائر ونذهب بها ومعها إلى العراق الجديد المتحضر...
صائب أدهم



 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة