مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

كلفة غزو العراق : عدم الدقة تلتقي مع التشكك
 

بقلم ألان ب. كرويغر
ترجمة : المدى

عن:النيويورك تايمز

السؤال عما إذا كان غزو العراق ذا قيمة بدأ يطرح بتزايد و توهج . ففي إحصاء أجراه معهد غالوب هذا الشهر، اظهر إن 60 % من الأمريكان لم يعتقدوا بجدوى الذهاب إلى الحرب في العراق بعد إن كانت هذه النسبة 29% في بداية هذا الغزو في آذار 2003 . إن المبدأ في تقرير جدوى هذه الحرب يرتبط بقياس الكلفة و مقارنتها بالفائدة، وكلتاهما ملموس و غير ملموس . الكثير من التقديرات المطروحة التي أجريت عند اندلاع الحرب على العراق كانت متشابهة في إهمالها المنافع المحتملة من هذه الحرب أو المقارنة بين الكلفة و الفائدة المرجوة منها لغرض تبريرها . ولكن و لسوء الحظ، فان المقارنة بين الكلفة و الفائدة هي خطيرة في مسالة كهذه، التي يغلب عليها المهارة والخداع أكثر من كونها علما . احد هذه المشاكل هي إن هذا الموقف من الحرب و الذي يتنافى مع العقل، يشير إن هدفها كان لأجل مرام سياسية أخرى لا يمكن التأكد منها . بالإضافة إلى إن تقييم مردود هذه السياسة التي انتهجت لم يكن دائما في اغلب الأحوال أحدى أولى المقارنات بين المردود و الكلفة التي أجريت على هذه الحرب، فقد قام بها ستيفين جي. دامنسن و كيفن أم. مورفي و روبرت أج. تويك من جامعة شيكاغو عشية غزو العراق في 2003، وقد اقروا و بشكل واضح مواصلة سياسة الاحتواء المتمثلة في التأكيد على مناطق حظر الطيران و العمليات الأخرى التي من شانها تطويق صدام حسين كبديل للغزو و تغيير النظام .
و لو افترضنا بان الاحتواء والغزو كلاهما سيقوم بحماية الولايات المتحدة بصورة جيدة . إلا أن السؤال هو هل إن الغزو هو الأفضل عند حساب أي السياستين اقل كلفة بعد إسقاط كل التكاليف المحتملة مستقبلا و الإبقاء على احتمال بنسبة 3 % بان ستنبثق عن النظام العراقي حكومة معتدلة في أية سنة مستقبلا مع إضافة 2 % كمعدل للفائدة في المستقبل .لقد قدر الاقتصاديون بان كلفة إتباع سياسة الاحتواء كانت ما بين 258بليون دولار إلى 380بليون دولار و هذا الرقم يتضاءل أمام أي تقديرات معتدلة لكلفة الحرب للعراق و التي كتبت في حينها . لقد كانت توقعاتهم لكلفة الحرب في العراق والتي اعتبرت معتدلة في وقتها، هي 125 بليون دولار . و قد قام بعدها الأساتذة ديفدز و ميرفي و توبل بمراجعة حساباتهم في ورقة عمل صدرت حديثا عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية و التي كانت تحت عنوان (الحرب في العراق تناهض سياسة الاحتواء) و قد أظهرت تقديراتهم لكلفة الحرب التي تراوحت مابين 410الى 630 بليون دولار و التي عكست بذلك واقع الحال هناك .
و قد حذر الاقتصادي وليم دي . نوردهاوس من جامعة يال إن تقديرات كلفة ما بعد الحرب كانت قليلة جدا و أضاف : " إن العلوم الاقتصادية في أفضل وأسوأ تحليلاتها تقيس وتحدد ما لا يمكن قياسه وتحديده " . وفي فوضى حسابات الحرب، لا يظهر بوضوح إلا شي ء واحد فقط و هو أن كل التكاليف والمردودات تكون حساباتها طائشة . و عند النظر في الكلف في ما لو إن الولايات المتحدة لم تذهب إلى الحرب و التي ظهرت في دراسة قامت بها جامعة شيكاغو (تراوحت ما بين 350 بليون إلى 700 بليون دولار) . إن هذه الأرقام مبالغ فيها لأنها تحتسب مصاريف جميع القوات الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط، معتبرة إن وجودها هو عمليا ضمن سياسة احتواء العراق . و رغم إن عمل هذه القوات الرئيس هو احتواء العراق إلا إن لها واجبات أخرى، فهي تقوم بعمليات إنقاذ في الصومال و تأدية المهام الإنسانية في نيجريا و إثيوبيا و ارتيريا و الأردن . و واجهت التفجيرات التي قام بها الإرهابيون في نيروبي و تنزانيا وكانت مسؤولة عن النشاط العسكري في خمس جمهوريات من الاتحاد السوفيتي سابقا الواقعة في وسط أسيا . بالإضافة إلى ذلك كانت إيران و وفق البيانات الرسمية تشكل تهديدا اكبر يحتمل حدوثه من العراق على المدى البعيد . إن من الصعب الاعتقاد بان الوجود العسكري للولايات المتحدة في هذه المنطقة لم يكن له ضرورة حتى لو إن العراق لا يشكل تهديدا . من الأفضل أن تحتسب الكلف الإضافية فقط عند أنجاز شيء ذي قيمة . ففي دراسة أخرى عن تكاليف الحرب في العراق قامت بها ليندا جي . سيلنجر من جامعة هارفارد و جوزيف أي . سينكلنز من جامعة كولومبيا و صلت إلى تقديرات مثيرة للانتباه، فقد بلغت 2.5 تريليون دولار على افتراض أن الولايات المتحدة ستبقى في العراق حتى سنة 2015 . هذا التقدير يبدو منطقيا جدا لا سباب عديدة، أولا انه يحسب حساب الفوائد المترتبة مستقبلا على النفقات العسكرية و كذلك الديون التي سترافق هذه النفقات و هو حساب يشابه (حساب سعر بيع الدار مع مبالغ رهنه في المستقبل لو أردنا شراءه) . ثانيا حساب ارتفاع كلفة التجهيز العسكري المتمثلة في المبالغ الإضافية التي تصرف في حالات الموت و الإصابة جراء القيام بعمليات ذات خطورة عالية التي تتطلبها الحرب، علاوة على المبالغ المحسوبة عند الموت والإصابة في الأوقات الاعتيادية و التي تضاعف حسابات الكلفة . و أخيرا سترتبط زيادة أسعار النفط بهذه الحرب مما سينجم عنها خسارة في الاقتصاد الأمريكي مقدارها نصف تريليون تقريبا . و هكذا أصبحت لدينا قائمة بالتكاليف لكل موقف يراد اتخاذه .
يقول دوغلاس هولتس ايغن، الذي كان لوقت قريب مديرا لمكتب ميزانية الكونغرس " إن السؤال عما إذا كانت للحرب جدوى لا ترتبط بتكاليف الميزانية والاقتصاد " و أضاف، " بل بما تحققه من أمان حقيقي ومكانتنا الدولية " أما التكاليف فيمكن تدبيرها . و على أية حال فان من الصعوبة تحديد المردود ومقارنته بالكلفة . أما زبينغو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر فيقول " إن المنافع كانت في الحقيقة قليلة جدا في ما عدا ما ظهر منها واضحا و هو إزاحة صدام حسين "، و أضاف :" إن الحرب قد أضعفت شرعيتنا الدولية و دمرت مصداقيتنا و شوهت أخلاقياتنا في أبو غريب و غوانتانامو " . ويصر الاقتصاديون في شيكاغو على إن التحسن المتوقع في مستوى المعيشة في العراق عند سيادة الاستقرار فيه سيجعل كفة الميزان في صالح الاحتلال و ليس الاحتواء الذي لا تقل كلفته عن الاحتلال من وجهة نظرهم . و يؤكدون كذلك إن عدد الضحايا منذ اندلاع الحرب ربما ليس أكثر من تلك التي كانت في عهد صدام حسين . لكن حتى لو تقبلنا كل تقديراتهم، فان حصيلتها ستثير و بوضوح سؤال أخر لماذا كان التدخل في العراق و ليس في بلد كالسودان، الذي كان فيه الاضطهاد و التصفيات الجسدية لا تقل عن ما هو في العراق، و حيث تكون كلفة التدخل و إمكانية تحسين الحياة فيه و لربما تكون النسبة بين الكلفة و المردود اقل منها في العراق ؟ .
إن وجود تقديرات موثوقة لمردودات تناقض في واقعها السياسات المطروحة أصبحت الصفة المميزة للاقتصاد الحديث، فعندما يتعلق الأمر بالحكم في ما إذا كانت الحرب جديرة بكل هذه الحسابات ستصبح تحليلات المردود والكلفة ليست إلا تخمينات بارعة و لكن بطرق أخرى، لكنها في الأقل ستعطينا الموقع الذي سنضع فيه هذه التخمينات .


تجفيـــــــف التـــــــمرد
 

*بقلم / أي . سي . غريلانغ
نشرت في 27 آذار 2006 لندن
ترجمة : نعم فؤاد

عن : النيويورك تايمز
*أي . سي . غريلنغ : آخر إصدارات الكاتب هو كتاب ( بين المدن الميتة : تاريخ و التراث الأخلاقي لقصف المدنيين في ألمانيا و اليابان خلال الحرب العالمية الثانية) .

وكما نرى في الهجوم الاخير الذي شنته القوات الأمريكية و العراقية ضد المتمردين في سامراء، فقد اخذ المصطلح ( هجوم جوي) معنى جديدا في التعبير العسكري، فهو يعني ألان نقل القطعات العسكرية بواسطة الطائرات المروحية للقيام بعمليات عسكرية عوضا عن توجيه الضربات بصورة شاملة و بدون تمييز بواسطة القذائف و القنابل التي تسقطها الطائرات .
إن العمليات التي تشن ضد المتمردين لا تزال تقع في المناطق السكانية و التي يتعرض سكانها لمخاطر العمليات البرية بنفس الخطورة التي يتعرضون لها عند القصف من ارتفاعات شاهقة، و هنا تواجه الصحافة التي تتابع هذا الموضوع سؤالا يتوجب طرحه على القوات التي تقودها أمريكا في العراق، و هو مدى الدقة و النجاح الذي تلتزم به هذه القوات لتطبيق ( مبدأ التمييز) الذي نصت عليه قوانين الحرب و الذي يتطلب التمييز بين المقاتلين عن غير المقاتلين لكي يمكن حماية الأخيرين . هذا المبدأ و ضعته القوى العسكرية والمنظمات الدولية بتأثير القصف المنظم للمدنيين خلال الحرب العالمية الثانية الذي استندت إستراتجيتها عليه . هذا القصف الذي سمي حينها ( القصف الشامل) قامت به القوة الجوية للولايات المتحدة و بريطانيا ذهب ضحيته مليون مدني . عندما تعرضت المدن الألمانية واليابانية إلى ( قصف كاسح)، و قد تطلب عقودا من الزمن حتى اعتبر القصف المتعمد للمدنيين جريمة حرب . و تعود أسباب هذا التأخير في اعتبار قصف المدنيين جريمة حرب إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبتها دول المحور و كانت من البشاعة بحيث غطت على كل ما حولها من جرائم . والذي تقبلته شعوب دول الحلفاء في وقته و لم تنكره لاعتقادها بان هزيمة النازيين تبرر إتباع كل الوسائل . و لكن مع تضاؤل ذكريات الحرب العالمية الثانية لم يعد في الامكان إنكار العمل اللااخلاقي للقصف المتعمد للمدنيين . في سنة1977 وضع برتوكول الزم العسكريين التمييز بين المدنيين و المقاتلين و الذي أضيف إلى اتفاقية جنيف . و كانت بريطانيا من الموقعين عليه و لكن الولايات المتحدة لم تصادق عليه أبدا، إلا إن الولايات المتحدة لا تزال تعلن إن قواتها تحاول تجنب ( ضرر من هذا النوع) و لكن من الصعب حماية المدنيين كما هو الحال في العراق، عندما يختفي المقاتلون بين السكان المدنيين و يتلقون الدعم منهم .
تتسم طبيعة المتمردين الحقيقية بخلق مشاكل لا يمكن حلها فالمثل المرعب للمناطق التي تم قصفها في الحرب العالمية الثانية قد اظهر و بدون جدل إن مبدأ التمييز بين المقاتلين و المدنيين يجب أخذه بنظر الاعتبار و مع ذلك فان المتمردين يستغلونه و بشكل معيب كدرع لهم . إما الحل الذي يبدو متناقضا ظاهريا مع هذا المبدأ ليس في التخلي عنه و لكن في استغلاله كوسيلة للانتقام . و لمعرفة كيف يتم ذلك ما علينا إلا النظر إلى التجربة البريطانية القيمة التي اكتسبتها عندما هيمنت على إمبراطورية متمردة ضمت ثلث سكان العالم عندما كانت في ذروتها . لقد تعلم البريطانيون الطريق الصعب الذي لم يخل من أخطاء فادحة عند اجتيازه لكن كان الدرس واضحا و هو تصريف مياه البركة التي يسبح فيها المتمردون . فعند تطبيق هذه الاستراتيجية حرفيا يتوجب نقل السكان المتواجدين في مناطق النزاع إلى العيش في معسكرات . و هو ما سيفقد المتمردين الغطاء و الدعم . لقد كلف تطبيق هذه الطريقة أثمانا عالية و بشكل أثار الجدل عندما تمت تجربتها لأول مرة في حرب البوير، إذ فقد الكثير من الأطفال و النساء حياتهم في المعسكرات التي جمعوا فيها . و لكن هذا الأسلوب قد جرى تحسينه عندما قام التمرد الشيوعي في الملا يو، و أثناء انتفاضة منظمة الماو ماو في كينيا في الخمسينيات . لقد كانت الحياة في القرى التي هجر إليها السكان أكثر راحة و كان التعامل فيها يسوده الرقة و اللطف . و من الطبيعي أن يترادف فصل المدنيين عن المقاتلين مع توجيه ضغط مستمر على الأخيرين إلى أن تضطرهم الظروف التي يعيشون فيها للقبول بالحل السياسي . ففي الملايو تم عزل ما يقرب نصف المليون من السكان عن مناطق المتمردين . هل يمكن تطبيق مثل هذا الأسلوب في المنطقة الغربية في العراق ؟ سؤال يترك إلى الخبراء العسكريين . و الذي تكون الفكرة وراءه جعل حياة هؤلاء المدنيين أفضل و إلا سيقومون بتقديم الدعم للمتمردين بطريقة أو أخرى . فليس هنالك طريق أخر لإنهاء التمرد .
إن استعمال هذا الأسلوب في العراق و الذي يعتمد على الخبرة البريطانية يتمثل بضرب نطاق على أكثر المناطق اضطرابا بحيث لا يمكن لأي شخص الدخول و الخروج إلا بعد الخضوع لتفتيش دقيق و تصبح الحركة مسموحا بها للأغذية و الأدوية فقط .و قد اتبع البريطانيون مثل هذه الطريقة في نيروبي و بعض مناطق المدن في كينيا خلال الخمسينات، عندما قاموا بتفتيش و بكل دقة لأي شيء أو شخص يدخل أو يخرج من مناطق كهذه . و من ميزات هذه الخطة إن الأسلحة و الأشخاص قد بقيت في أماكنها في كلا الجانبين و أصبحت حياة السكان داخل المناطق المحجوزة أفضل لهم من الحرب التي لا تنتهي . إلا إن مساويء هذا الحجز قد تعطي نتائج عكسية، فهي تثير الغضب و الامتعاض بين السكان . كما يتطلب تنفيذها إعداداً كبيرة من القوى البشرية للسيطرة على محيط هذه المناطق و مراقبتها، و لكن في النهاية كان حل الاستعمار البريطاني للتمرد يميل إلى استخدام أوجه من كلا الاستراتيجيتين فعزل المدنيين عن المتمردين سيقطع الاتصال بينهما و بذلك سيتم إتباع أساليب متناقضة في التعامل مع كليهما في آن واحد، و سيكون هنالك إكراه للمتمردين و دعم للمدنيين و الذي يجب أن يكون بصورة متواصلة . و قد كان الهدف من هذه الأساليب واقعيا، فقد أدركت بريطانيا أن التمرد لا يمكن قمعه بل يمكن إخماده فقط، و لن تكون في النتيجة نهايته إلا عن طريق التسوية السياسية . هذه الحقيقة الصعبة يجب أن تكون المرشد للجهود التي تبذل في العراق . و كلما كان تطبيقها أسرع كان الأفضل . و في الوقت ذاته كلما ازدادت فعالية مبدأ التفريق بين المتمردين و المدنيين و تم دعمه و الذي من شانه تقليل الإصابة بين المدنيين كلما كان من الممكن التوصل إلى تسوية فعالة و دقيقة .


حول اللقاء الامريكي- الايراني المرتقب :موعد قد يفضي الى لقاء
 

بقلم: ديفيد اغتانيوس
ترجمة: مروة وضاء
عن: الوشنطن بوست

كانت ادارة بوش تعلن عن نسخة حقيقية منذ شهور "في البحث عن" مراقبة ايران في غرف الاحاديث الدبلوماسية الدولية وتحاول من خلال الاجتماعات الهادئة التوفيق والمساعدة بين المسؤولين الرسميين والمقايضة عن طريق الوسطاء. ان العامل الرئيس في تعقيد الامور هو الانشقاق في كلا البلدين بين "الواقعيين" الذين يسعون للحوار والمتشددين الذين يضعون المسائل في اطار الاخلاق والمبادئ الشئ الذي سمح بالتذبذب وعدم التبات.
واليوم بعد 30 عاما من العداء الرسمي بين البلدين يبدو ان المحادثات الامريكية الايرانية على وشك البدء جديا مستندة بالاساس الى الخطوات المتبادلة لتحقيق الاستقرار السياسي في العراق. كان السفير الامريكي زلماي خليل زاد هو القوة المحركة لحدوث مثل هذه الاجتماعات بحصوله على موافقة البيت الابيض الخريف الماضي. كسب خليل زاد الغطاء السياسي لهذه المسألة حين قام الزعيم العراقي عبد العزيز الحكيم بالطلب من الايرانيين ان يلتقوا مع الولايات المتحدة. حيث اعلن مستشار أمن إيران القومي علي لاريجاني بعدها بيومين ان ايران مستعدة للحوار.
لايبدو ان المحادثات ستحصل في بغداد الا بعد اسابيع من الان اي الى حين ان يحقق القادة السياسيون في العراق تقدما في تشكيل الحكومة الجديدة. ليس هنالك من نقاش بين المسؤولين في الولايات المتحدة عن جدول اعمالهم لهذه المحادثات فمن المؤكد انها ستكون محصورة في البداية في المسائل الامنية العراقية. وضح خليل زاد الموقف الامريكي في مقابلة له في قناة السي بي اس بهذه الطريقة: " سيكون هدفنا تشجيع التعاون وايقاف دعم المجموعات المتطرفة من تدريبات وتسليح واستخبارات ووجود الحرس الثوري. فهذه هي مصادر قلقنا."
يعتبر التحاور مع ايران خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. لكلا البلدين مصالح مشتركة في العراق المستقر. واسوأ ما يمكن ان يحدث من وجهة نظر ايران سيكون الحرب الاهلية التي ستقود الولايات المتحدة لسحب قواتها بسرعة قبل ان تتمكن من تأمين حكومة ديمقراطية مبنية على اساس تمثيل السكان العراقيين بقيادة الشيعة. لذا فالطرفان ينطلقان من نفس الارضية.
وعلى مستوى اوسع انا اشك ان في استطاعة الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط من غير بناء اطار عمل اقليمي جديد يتضمن ايران.ففي هذه اللحظة ايران مستعدة لعرقلة الولايات المتحدة في كل مفترق طرق
في لبنان وسوريا والاراضي الفلسطينية وحتي في دول الخليج كالكويت والبحرين. ان ايران ليست قوة عظمى لكنها تمتلك شبكة خطرة من الوكلاء. فسياسة امريكية ناجحة للمنطقة يجب ان تحسب حساب المصالح الايرانية والعكس صحيح. والبديل عن فشل المفاوضات الدبلوماسية سيكون الحرب التي لن يمكن تجنبها وستكون خيارا فظيعا.
انا آمل ان تبدأ المحادثات بحذر وذلك بمناقشة الخطوات التي يمكن اتخاذها للتأثير في امن العراق وايقاف الوضع المتفجر. كما آمل ان يمتد هذا الحوار ليشمل مناقشة اقليمية تضم جيران العراق الآخرين : تركيا والاردن وسوريا والسعودية والكويت.
اذا ما حققت هذه النقاشات نجاحا فالخطوة الصحيحة القادمة هي التحاور عن مسائل اخرى تؤثر في امن البلدين.وحتما هذا يعني الحديث عن المسألة المستحقة: برنامج التسليح النووي الايراني. وكما ناقش اعضاء جامعة ستانفورد عباس ميلاني ومايكل ماكفل ولاري دايموندحول بحث عن جولات ادارة بوش " الستراتيجية الفعالة الوحيدة هي سياسة امريكية جديدة حول ايران التي تتضمن المفاوضات على المدى القصير مع سعي مبدئي لتغيير النظام السلمي على المدى البعيد.
ارسل لي صديقي رجل الاعمال الايراني علي ايتفاج نكات وسخرية وجدها على الانترنت. تظهر صورا لشقق ومراكز التسوق الفخمة في ايران وخططاً إستثمارية لتَطوير الإقتصادِ الإيرانيِ في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهة الامريكية الايرانية في الاسابيع الاخيرة -- لكي لا اعتقد ان رئيس إيران محمود احمدى نجاد المتعنت يمثل صوت البلاد الوحيد. سألته هذا الإسبوع ما الذي يقوله الإيرانيون حول لقاء ايران بالشيطان الأكبر. فأجابني لقد كان هذا الموضوع "حديث البلدة" ان الايرانيين سئموا من "حرب الاعصاب" واوضح " التفكير ما اذا كانوا سيقصفون في نهاية الاسبوع ام لا " وعلى الارجح يبدي الاميريكيون المشاعر نفسها.
عادة ما تبدأ التطورات السياسية الكبيرة بخطوات صغيرة. فالحديث سيبدأ صغيرا بين اميركا وايران. لكنهم مرتبطون بالقضية الاكبر في العالم وهي كيفة تحقيق استقرار الشرق الاوسط الذي ما زال يهتز منذ ثورة 1978 الإيرانية. لقد إنتظرنا 30 عاما تقريبا للتدخل والبدء. دعنا نأمل ان يغتنم كلا الجانبين هذه الفرصة التأريخية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة