متابعة
لاحقة لجلسة طاولة (المدى) بشأن سوق الأوراق ..
سوق الأوراق الماليــة والاستثمار في العراق
بغداد/عبد العزيز حسون
في اعقاب انهاء طاولة (المدى)
الخاصة باشكالية سوق الاوراق المالية، تلقينا المتابعة
التالية حول موضوعة الطاولة من الخبير الاقتصادي المخضرم
الاستاذ عبد العزيز حسون المديرالتنفيذي لرابطة المصارف
العراقية الخاصة، حيث سجل ملاحظاته مشكورا على ما دار في
الطاولة من مناقشات لم يسعفه الوقت في عرضها على المشاركين
حيث كان احدهم واذ ننشر هذه المساهمة القيمة نعرب عن
ترحيبنا باي تقويم لاداء الطاولة في اي من جلساتها.
منذ
تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 لم تتضمن قوانينها
الكثيرة اي تحديد لمفهوم الاستثمار بمعناه الاقتصادي،
وكذلك لم تحدد له دورا واضحا في مجمل الفعاليات الاقتصادية
ولا يغرنا ما كانت الدولة قد وضعته من برامج لتشجيع
الاعمال ودعمها بالمساعدات والتسهيلات والاعفاءات فان
الامر ما زال بعيدا عن الاستثمار.
ولكن المجتمع العراقي يهيكليته الاقتصادية التي ظلت مستمرة
منذ قيام الدولة ولغاية عام 58 وما بعدها بقليل قبل ان
يشتد التوجه لتعزيز سيطرة الدولة على مجمل النشاط
الاقتصادي، لم يغفل هذا المجتمع عن الاحتفاظ بفوائض وعلى
طريقين:
1) الاكتناز –
حيث مالت الاسر
الى شراء المصوغات الذهبية لحفظ ما يفيض لديها من النقد.
2) الادخار –
وذلك عن طريق
الايداع في حسابات التوفير في المصاريف للحصول على عائد
سنوي.
غير ان الاستغلال الاكبر للاموال الزائدة كان في العقار
بهدف الحصول على العائد اضافة الى المحافظة على القيمة.
ولاشك في ان كل هذه الوسائل لم ترق الى مفهوم الاستثمار
الذي يجب ان نتفق انه سوف لايسود الا مع الاوضاع المستقرة
التي يحيط الامان فيها الاموال واصحابها.
ان دوافع من اكتزوا وادخروا وتملكوا العقارات انما كانت
لاهداف اخرى مختلفة تماما عن اهداف المستثمرين خاصة في
الاوراق المالية مهما اقتربت تلك الاهداف فالاستثمار في
الاوراق المالية (الاسهم والسندات) هو طريق آخر يلجه اناس
اخرون يختلفون كليا عن عامة الناس.
اذ يجب ان تتوفر لديهم:
•القدرات
المادية والمعنوية.
•الاستعداد
لمواجهة مخاطر تقلبات الاسعار.
•الجرأة
في اتخاذ القرار.
•المقدار
العالي من روح المغامرة.
•عدم
وضع الاموال المستثمرة في الاوراق المالية تحت بند
الاحتياطيات.
****
وقد تناولت الموضوع ندوة عقدتها دار (المدى) بمبادرة
ثقافية رائدة حيث تحدث الخبراء ذوو الدراية والباع الطويل
في تطورات الاستثمار في الاوراق المالية وفي ماجرى ويجري
في سوق العراق للاوراق المالية وفي السوق التي سبقته.
وربما يكون من الصعوبة بمكان ان تقنع القارئ بشيء جديد وهو
بحاجة ماسة الى الشيء الجديد المفيد اكثر من حاجته الى
موعظة ربما تدعه يتراجع عن طريق سيره للحفاظ على ما يتبقى
من امواله.
ففي ضوء التقلبات الحادة والركود بل الانهيار الاقتصادي في
العراق لا يمكن الركون الى هيكل اية قاعدة منطقية لمجاراة
الفعاليات الاقتصادية في المواقع المالية الكبرى ومنها
مراكز التعامل النوعية (البورصات) التي تطورت الى ماهي
عليه خلال مئات السنين، وحتى لو اردنا فاننا سوف لا نملك
ما يدعونا الى تصور ان اوضاعنا الحالية ربما كانت متشابهة
لبداياتهم.
كلا فالامر يختلف ففي حالتهم، هو يحمل ورقة تسندها حصة في
شيء مادي ذي قيمة اما عندنا فالامر يختلف فلا ورقة في يدنا
تسندها حصة مشابهة. وامر اخر فان مفارقات كثيرة تظهر على
قاعدة (جريشام) عندما قال "ان العملة الرديئة تطرد العملة
الجيدة من السوق" حيث انحطت اسعار اسهم الشركات المنتجة
الحقيقية (الصناعية) لترتفع اسعار اسهم شركات اخرى معبأة
بالهواء.
ربما سيضغط فكر القارئ الكريم على الاتيان بما يعزز او
يثبت هذه الاقوال فانني احيله الى الصورة العامة للاستثمار
في الاوراق المالية في المنطقة وليس في العراق فحسب.
اذ بالرغم من التحذيرات التي اعلنها المحللون خلال السنة
الاخيرة بالذات بعد ان لاحظوا هذا التضخم او التورم في
حجوم الاستثمار في بورصات الخليج والسعودية والاردن غير
المعقول قد وصل الى مداه بسرعة لم تكن بموجبه، بعد ان سارت
جميع الاموال المتدفقة خلف حامل (المزمار السحري). ان ما
جرى انما يعكس خمول المجتمعات غيرالقادرة على العمل المنتج
ذي المدى الستراتيجي والاستثمار فيه رغم محاولات الاصلاح
الاقتصادي الذي على دول المنطقة التوجه اليه. حيث يتيح
الاستثمار في مشاريع ستراتيجية مثل الصناعة النفطية التي
هي (امل استثماري) ان صح التعبير بضمنها انشاء المصافي
التي هي فرصة استثمارية نادرة اضافة الى مد خطوط السكك
الحديد عبر البلاد العربية شاسعة الابعاد التي تحقق
بالتاكيد المردود ذا الابعاد العميقة التي تمتد لاجيال
قادمة.
سوق العراق
للاوراق المالية وما يجب عليها:
كنا ننتظر ان نلمس التطور المنتظر الذي بشر به الداعون
لتأسيس السوق الجديد، حيث رافقت قيامه دعاوى وتنبؤات كثيرة
منها ما سمعته من المسؤول القانوني في بورصة نيويورك (NYSE)
خلال لقاء به هناك
في حزيران عام 2004 من انهم بانتظار مشاهدة اسماء الشركات
العراقية مدرجة على لائحة التعامل. ورغم ان هذا القول كان
كثيرا علىّ في الاقل بما امتكله من معلومات متواضعة، إلا
انه لم يوقظ لدي الصدى النفسي الذي ينطلق بالامال بعيدا في
الافاق الرحبة ولا بد انني رددت
–
في نفسي
–
في حينه بان "اهل مكة
ادرى بشعابها" بالرغم من امال البهجة الكاذبة التي نحن
جميعا بحاجة الى صورها الجميلة في زمن عزت فيه هذه الاشياء.
وما ظهر من خلال المناقشات في الندوة المباركة التي اشرت
اليها فان تنازع القوانين لازال على اشده حيث تحدث السيد
رئيس مجلس المحافظين واحد اعضاء الهيئة بما يؤكد بان الشكل
القانوني للامور مازال غير مكتمل ونحن في بلد سن فيه
القانون المدني"
Civil Code" في
عام (1951). وهو الوعاء الرائع لرسم وقياس الحقوق في
التعاملات التي شذت عن احكامه القوانين والاوامر التي صدرت
لانشاء و تنظيم سوق العراق للاوراق المالية.
وبعيدا عن التطرف في الاحكام فان ما تدعو الامور اليه هو
ان لابد من الحفاظ على موجودات تشكل الجزء الاساسي والهام
من الثروة القومية في العراق. حيث استنزفت المدخرات
والودائع في المصارف لتوظف في اعمال التوريق التي يجب
الحفاظ على الجزء الاساسي من اقيامها لاسناد الثروة
القومية والحفاظ على ما تبقى منها.
ويمكن ان يتم ذلك عن طريق الحد من الانسياق وراء المضاربات
التي هي الواجب الاول لادارة السوق التي يجب ان تبتعد كليا
عن مزاولة اي نشاط مالي في السوق حتى لو كان فرديا وانشاء
سلطة رقابية مستقلة للاشراف والمراقبة بما يوصل السفينة
الى بر الامان.
|