في دار
رعاية المسنين في كربلاء ..
آباء
وأمهات انتهكت حقوقهم من قبل الأبناء ووجدوا الأمان في
أحضان غيرهم
- مسؤول الصيدلية:
نقص الأدوية المهمة هو ما نعانيه والمنظمات الإنسانية
لا تساعدنا.
- مديرة الدار:بعض
الأبناء تحولوا إلى عاقين وما نحتاجه هو دعم الجهات
المسؤولة لكي نستمر بعملنا
كربلاء / المدى
حين
تقرأ عنوان هذه الدائرة ينتابك شعور بأن الزمن قد يلعب
لعبته معك ويحيلك إلى كائن مسكون بالوجع إذا ما كنت شابا
فتنظر إلى المستقبل وتخاف أن تكون واحدا من ساكني هذه
الدائرة..وإذا ما كنت رجلا كبيرا أفنيت عمرك في العمل وفي
تربية فلذات أكبادك فانك ستحمد الله على نعمائه لان دينك
إلى الأبناء مسترد إليك فأحاطوك برعايتهم.
دار رعاية المسنين..من
اسمها تعرف ساكنيها.. ومن اسمها يأتيك الجواب بأن هذه
الدار لا يملكها الساكنون ولم يستأجروها بل الزمن هو الذي
جعلهم في هذا المكان لأسباب خرجت عن إرادتهم..رجال ونساء
أصابهم الدهر بالوحدة ليكون القلق احد أهم مكونات شخصياتهم
ولولا هذه الدار لكان حالهم هو الضياع.رجال ونساء عجائز
وجدوا ضالتهم في هذا المكان ليحصلوا على الرعاية بعد أن
فقدوا حنان من كانوا يعيلونهم وأصبح ائتمان الحياة فاتورة
يدفعونها بصمت بين جدران هذه الدار وأصحابها الموظفين
الذين انتدبوا أنفسهم ليكونوا البديل عن فلذات الأكباد.
آباء وأمهات
السيدة احتشام مجيد الهر مديرة رعاية المسنين تدير بناية
يسكنها أكثر من 51 مسنا فتحولوا عندها إلى آباء وأمهات وهي
الحاصلة على بكالوريوس حقوق.. تقول: إن هؤلاء هم بحاجة إلى
رعاية من نوع خاص رعاية لا يمكن توفرها إلا بالصبر
والعناية الخاصة.. فهم فقدوا الأمل أو إنهم اعتقدوا بأنهم
فاقدو هذا الأمل حين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستمرار مع
الحياة في بيوتهم الأولى أو إن الأولاد والبنات وجدوا في
هذه الدار سبيلا لكي يرتاح الجميع أو إن الظروف الاقتصادية
لعبت في مقدرات البعض ولم يجدوا معينا لهم غير دار
الرعاية.وتضيف السيدة الهر..إن عدد المسنين من الرجال يربو
على 31 مسنا في حين عدد المسنات وصل إلى 20 مسنة..وتؤكد إن
اغلب المسنين هم من خارج محافظة كربلاء وهذا يدل على إن
سمعة الدار جيدة وان الخدمات فيها لا تتوفر في دور الرعاية
في المحافظات الأخرى وهناك أسباب أخرى دفعت بأهل المسن الى
إسكانه في دار كربلاء.. إذ إن البعض منهم قد فقد ذاكرته
فأصبح بالنسبة للأولاد مشكلة يعانون منها.
حقوق الابناء
بين مرحلة الشباب ومرحلة الكهولة شوط من العمل
والإيمان..ولكن للكهولة أحكامها..بين هذين الشوطين يستطيع
الابن أن يسدد الدين لأبويه فلا يغمط حقوقهما ولا يسلب
حريتهما حين يكبران ولكن ما بال الأبناء وهم ينتهكون حرية
الآباء وحرمة الأمهات؟..وضعت هذا التساؤل وأنا أرى حالة
المسنين..وتخيلت اللحظات الأولى التي جاءوا بها إلى دار
الرعاية..أتخيل إنهم كما الأطفال يقادون من الأبناء
ليتخلصوا من تسديد الدين الذي يبقى في رقابهم مهما طال
الزمن وربما سيقعون في المصير ذاته حين يقودهم الأبناء
بأيديهم إلى هذا المكان لان أولادهم سيردون الدين بذات
الطريقة.
تقول السيدة الهر: إن بعض هؤلاء المسنين يأتي بهم أولادهم
ومن ثم يتبرأون منهم لا لشيء إلا لأنهم اعتبروهم جالبي
سخرية من قبل المجتمع أو اعتبروهم عائقا في حياتهم أو
للهرب من مشاكل تصادفهم بسبب العمر الذي لف هؤلاء الكبار
الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة. والبعض الآخر اعتبرهم عائقا
إذا ما كان مستواهم المعيشي قد تطور وان الحياة أصبحت في
عيون الأولاد بلون مختلف في حين مازال الآباء والأمهات
يسبحون بذات الألوان القديمة ويعتبرونها هي الأصل فيحصل
الاختلاف بين جيلين.. وتضيف: إن البعض الأخر يأتي بنفسه
ليعيش عيشة كريمة بين جدران هذه الدار.
حنان جديد
حين يدخل المسن الدار فان الحياة لديه تصبح مختلفة ويحتاج
الى التأقلم مع الوضع ومع النزلاء الآخرين..تقول مديرة
الدار: في البداية كانت حالة المسن صعبة وهو يخطو خطوته
الأولى إلى الدار وكأنهم مكبلون بالهموم..فتضيق الدنيا في
أعينهم..إلا إن إيمانهم القوي ورؤيتهم للعاملين في الدار
الذين يعتبرون كل نزيل هو أباً أو أماً يغير الصورة بمرور
الوقت.. إذ تبدأ الخطوة الأولى لدينا وهي الرعاية والعطف
وتخفيف الهموم ..وتضيف الهر..إن بعض المسنين وهذا مؤكد
مصابون بأمراض عديدة بحكم عامل العمر..فتتولى الدار علاجهم
حيث يوجد هنا طبيب يقوم بفحص المرضى و علاجهم وإذا ما كانت
هناك حاجة إلى طبيب اختصاصي تتم أحالتهم فان الدار مسؤولة
عن الاتصال بأحد الأطباء الذي يأتي بدوره لتقديم العلاج..
ومن هنا فإنني أريد أن أقدم الشكر إلى دائرة صحة المحافظة
التي تقدم العون والجهود الكبيرة وكذلك وزارة العمل
والشؤون الاجتماعية.وتوضح إن جميع مستلزمات المعيشة متوفرة
ولكن ما نحتاجه هو مكان أضافي يتسع لهم وقد خاطبنا
المحافظة في هذا الأمر لكنها لم تستجب لنا.
دعم شحيح
لابد لمثل هذه الدار من أن تحتاج إلى معونات من جهات
أخرى..لان الوضع مختلف بين هذه الدار وأية دار أخرى
..وللذين يبحثون عن الحسنة في الدنيا عليهم أن يأتوا
بأموالهم إلى هذا المكان لكي يزيحوا ولو الشيء البسيط من
هموم تجاعيد المسنين.
تقول مديرة الدار: سابقا كانت تأتينا المساعدات من عدة
جهات.. من قبل منظمات عالمية كالمنظمة الإيطالية والحوزات
العلمية إلا إن كل شيء توقف ولم نعد نحصل على أي دعم..أما
دائرة الأوقاف فلم يأتنا منهم أي دعم..وما حصلنا عليه هو
دعم من مجلس المحافظة إذ قدم تبرعات عديدة للمسنين وللدار
وكذلك منظمة حقوق الإنسان فهي غير مقصرة في الجانب
الترفيهي..وتشير الهر إلى إن المسنين بحاجة إلى سفرات
ترفيهية واجتماعية لأنها شيء مهم بالنسبة للمسن الذي يعتقد
انه حبيس الجدران لذلك فانا أطالب بعض المنظمات والمؤسسات
في الداخل أو الخارج بتقديم المساعدات في هذا الجانب.
الصيدلية
والأدوية المفقودة
في الدار مسنون ومسنات وهذا يعني الحاجة إلى أدوية والى
صيدلية تقوم بهذا العمل..مسؤول الصيدلية في الدار يقول:
توجد لدينا أدوية كافية لبعض الإمراض ولكن هل تكفي لجميع
الإمراض؟ الدار بحاجة إلى أدوية غير متوفرة مثل الأشرطة
الخاصة بقياس نسبة السكر في الدم..وقال أريد من خلال
جريدتكم أن توصلوا هذا الصوت إلى المسؤولين فنحن بحاجة إلى
نوعين من هذه الأشرطة لكي نزود المرضى من المسنين بها..
وأضاف إن الصيدلية لديها نقص ( الفراش الهوائي ) الخاص
بمرضى القرحة ويذكر لنا إن امرأة مسنة توفيت لعدم توفر هذا
الفراش.. ويؤكد إن الدار بحاجة إلى أدوية مثلما هي بحاجة
إلى دعم في هذا الجانب من عدد من المنظمات..في السابق كانت
تأتينا أدوية منها أما الآن فما يصلنا فقط هو من المستشفى
الحسيني وعليكم أن تتصوروا نقص الأدوية المهم إذا ما كان
المصدر الوحيد هو المستشفى فاننا نشكر إدارة المستشفى
ودائرة الصحة ولكننا نطالب المنظمات والشخصيات المقتدرة
بأن تسارع الى دعم هذه الدار.ويؤكد إن الرعاية جيدة
فالجميع يعتبر النزلاء هم أهله بدءا من المعيلات اللواتي
يرعين المسنين ويقمن بخدمتهم سواء كان ذكرا أم أنثى ومن
جميع النواحي.وأكد مسؤول الصيدلية.. إن الدار بحاجة إلى
شعبة للأسنان أو يتم عمل أسنان للمسنين في عيادات الأسنان
وناشد من خلال الجريدة أن تسارع الجهات المسؤولة في
المحافظة إلى تقديم يد العون إلى هؤلاء المسنين لأنهم
بحاجة إلى رعاية اكبر مما هو موجود في الدار.
هل أنت مرتاح؟
في دار الرعاية تجد البساطة والألفة..وتجد القلق
والخجل..فتنحني أمام ابتسامة صغيرة خارجة من فم أدرد ومن
وجه أكلته التجاعيد..تقترب من احد المسنين فتسأله..هل أنت
مرتاح هنا؟ فيأتيك الجواب ببساطة من تعودوا البساطة في زمن
كان بسيطا..نعم أنا مرتاح.. كلهم يجيبون بنفس الإجابة وكأن
لا حياة له خارج هذه الدار التي أصبحت هي المأوى الأخير له
وهي السقف الذي يحميه من عاديات الزمن.وببساطة المسن يقول
لك احدهم: إن لديه مشكلة وهي إن راتبه لا يكفي وهو قليل..
ويوضح إن 7 آلاف و500 دينار مبلغ قليل وغير كاف
لاحتياجاتنا ..ويقول آخر ببساطة: انه يريد أن يقوم بزيارة
العتبات المقدسة.. وأداء شعائرنا التي هي نقطة الوصل بين
فناء الدنيا وراحة الآخرة. مسنة أطلقت آهتها بعد أن أثنت
على العاملين وقالت عنهم إنهم أولادها وبناتها وهم يقدمون
الرعاية الكاملة لنا ولولاهم لما شعرنا بالأمان..ولكنها
أطلقت آهتها حين سألناها عن أولادها وإذا ما كانوا
يزورونها فقالت.. نعم لدي ولد واحد ولدي بنت واحدة ولكنهما
لا يأتيان لزيارتي إلا قليلا.ثم حنت رأسها وكادت الدمعة (
تطفر ) من عينيها. فامتنعنا عن طرح مثل هذا السؤال لان
مديرة الدار قالت إن البعض لا يزورون آباءهم أو أمهاتهم
وكأنهم قطعوا الصلة بهم نهائيا فتحولا إلى أبناء عاقين . |