حكـــــــــايات عن كذبــــــــة نيســــــــان
بيروت/
المدى
بدأ فصل الربيع بيومه
النيساني الاول المعروف "بكذبة الاول من نيسان"..وهل هناك
اجمل من شهر تبدأه بالكذب ولا تحاسب على ذلك؟!
يقول الكاتب الاميركي
مارك توين "الأول من نيسان هو اليوم الذي نتذكر فيه من نحن
خلال 364 يوما من السنة".وهكذا فالكذب لم يكن يوما حكرا
على الاول من نيسان، بل هو عادة متأصلة في النفس البشرية
تبدأ من أصغر الامور وأسخفها لتصل الى الاكبر فالاكبر، حتى
ان البعض يدمنها. لكن ما يميز الاول من نيسان عن غيره من
ايام الكذب هو انه مباح ومسموح وان لم تمارسه فانت تحلق
خارج السرب.
وباختصار، ان كنت تكذب في يوم واحد من العام فانت اقرب الى
القديسين منه الى البشر، اما ان كنت من أولئك الذين يكذبون
احيانا فانت بشري وبشدة، وان كنت تكذب طوال العام فانت
تعاني من مرض الكذب وبأمس الحاجة الى المساعدة.
دعنا الان عزيزي القارئ من تحليل شوائب النفس البشرية،
ولنقم بما يتوجب علينا القيام به. . التمتع بخفة هذا اليوم
العالمي.
اولا عليك الانتباه من كذبة محاكة او" مقلب " يتم اعداده
لينال منك. ثانيا عليك التفكير جيدا بخدعة ما او قصة ما كي
تقدمها لاصدقائك في هذا اليوم، وهنا تكمن روعة الاول من
نيسان. .يوم عالمي يمكنك الاحتفال به ولن يكلفك فلسا واحدا.
كل ما عليك القيام به هو الكذب.
يوم لا تاريخ له
يعتبر
الاول من نيسان يوماً بلا تاريخ محدد وان تعددت القصص
والروايات حول المكان الذي انطلق منه لكنها جميعها مجرد
قصص لا سبيل لتثبيتها كواقع تاريخي. يروى ان عادة الكذب
انطلقت من فرنسا حين قام الملك تشارلز التاسع عام 1582
بتغيير التقويم الميلادي _الذي كان يبدأ في الاول من نيسان
الى التقويم الغريغورياني ليبدأ في الاول من يناير (كانون
الثاني). ففي عام 1562 قدم البابا غريغوريوس التقويم
الجديد وهذا التغير يعني انتقال احتفال رأس السنة من 1
نيسان الى 1 كانون الثاني.حيث انه وفقا للتقويم الجولياني
كان الإحتفال برأس السنة يتم على مدار 8 ايام تبدأ في 25
آذار و تصل الذروة في 1 نيسان.
الضحية العالمية
الا ان الناس _ وهنا تختلف الروايات أيضا _ لم تصدق
التغيير وتابعت الاحتفال برأس السنة في الاول من نيسان وفق
احدى الروايات، او لم يصلها الخبر الى بعد مضي بضع سنوات
على اقرار التغيير اذ ان الاتصالات حينها كانت بدائية
وتعتمد على التناقل الشفوي وفق رواية ثانية، وتروي ثالثة
ان البعض علموا بالتغيير الا انهم كانوا متعصبين للتقويم
القديم واستمروا باحتفالاتهم بتاريخهم المعتاد. الأمر الذي
ادى الى تصنيفهم بالحمقى من قبل عامة الناس و اصبحوا عرضة
للسخرية.
وعلى صعيد اخر يربط البعض بين الاول من نيسان وبين عيد
"هولي" الهندي حيث يقوم الهندوس من 31 مارس بالكذب وابتداع
اعمال ومهام وهمية من اجل اللهو شرط الا يتم الكشف عن
حقيقة الكذبة الا مساء اليوم الاول من نيسان. ويرجع البعض
انطلاق هذا اليوم من "يوم جميع المجانين" الذي كان سائدا
في القرون الوسطى حيث كان يتم اطلاق سراح المجانين ليقوم
العقلاء بالصلاة من اجلهم.
اما انكلترا فلم تتعرف على هذا اليوم سوى في القرن السابع
عشر لتنطلق بعدها الى سكوتلندا ثم الى الجالية الاميركية
من خلال الانكليز والفرنسيين. ولا يوجد تاريخ محدد او
رواية واضحة عن الفترة التي وصلت فيها كذبة الاول من نيسان
الى العالم العربي.
وفي الوقت الذي تحتفل فيه جميع الشعوب بيوم الكذب المباح
يمتنع الشعبان الاسباني والالماني عن الاحتفال به، فهو يوم
ديني للاسبان وميلاد "بيسمارك" للالمان.
ومن هنا انتشرت ظاهرة كذبة أول ابريل (نيسان) في العالم
واصبح كل بلد يحتفل به على طريقته ناهيك عن بعض الخرافات
التي الحقت به ومنها ان كل رجل يتزوج في ذلك اليوم ستسيطر
عليه زوجته، او ان كل من يولد في ذلك اليوم سيكون محظوظا
في كل شيء إلا القمار.
اما في انكلترا وتبقى الحادثة الاشهر تلك التي قامت بها
جريدة "الايفننغ ستار" الإنكليزية التي أعلنت في آذار عام
1746 عن إقامة معرض عام للحمير في غرفة الزراعة لمدينة
أسليخنون من البلاد الإنكليزية. فهرع الناس لمشاهدة تلك
الحيوانات واحتشدوا بكثرة..وانتظروا. فلما أعياهم
الانتظار، سألوا عن وقت عرض الحمير، فلم يجدوا شيئاً،
فعلموا أنهم إنما يستعرضون أنفسهم، فكأنهم هم الحمير.
اما رومانيا فهي احدى الدول الشغوفة بهذا اليوم، ولعل
"المقلب " الاشهر هو الذي قام به رسام مشهور بملك رومانيا
كارول خلال زيارة هذا الاخير أحد متاحف العاصمة. فقام
الرسام برسم ورقة مالية اثرية من فئة كبيرة على ارضية احدى
القاعات، حينها امر الملك احد الحراس بالتقاطها فكرر
الحارس محاولاته عبثا. ولم يتوقف الرسام عند هذا الحد بل
قام بهذه المزحة خلال فترات اخرى فرسم صورا لسجائر واخذ
يراقب الزائرين المذعورين يهرعون لالتقاطها خوفا من اشتعال
الارضية الخشبية.
على ما يبدو فان الرئيس المخلوع صدام حسين كان يحب المزاح.
.وان كان من النوع الثقيل. ففي الاول من نيسان عام 1998
نشرت صحيفة بابل التي كان يملكها عدي خبرا مفاده ان الرئيس
الاميركي حينها بيل كلنتون قرر رفع الحظر عن العراق ليكذب
الخبر في اليوم التالي. وعلى الرغم من ان ايا من الشعب
العراقي لم يضحك لنكتة العام 1998 الا ان ذلك لم يمنعهما
من نكتة اخرى في العام 1999 اذ اعلن عدي ان حصص الطعام
التي يتم توزيعها على الشعب ستتضمن الموز والشكولاتة
والمشروبات الغازية..وهكذا استمر عدي بهذه العادة كل عام.
ولعل احدث "مقلب" كان ما قام به السفير العراقي في روسيا
عام 2003. ففي الوقت الذي كانت القوات الاميركية تهاجم
بغداد اعلن في مؤتمر صحفي في موسكو ان القوات الاميركية
اطلقت صاروخا نوويا واصاب "عن طريق الخطأ" القوات
البريطانية. حينها ساد صمت قاتل القاعة فعاجل السفير صارخا
" كذبة اول نيسان".
من جهة اخرى لم يسلم بن لادن ايضا من الاول من نيسان اذ
نشرت صحيفة "دلهي تايمز" التابعة لصحيفة "أوف إنديا" خبراً
مفاده أن أسامة بن لادن الذي عجزت الولايات المتحدة عن
العثور عليه في جبال أفغانستان، قد اعتقل في محطة قطار
بالقرب من العاصمة الهندية دلهي، ودعمت المقالة بالصور.
ولا داع لذكر ما تركه ذلك الخبر من اثر.
ان كانت الشعوب الغربية تدأب وبحماسة للخروج بأفكار مبتكرة
فان الاول من نيسان ينحصر في عالمنا العربي ببعض الاكاذيب
التي بات معظمها مستهلكا كالاتصال باحدهم وابلاغه بان احد
افراد عائلته في المستشفى، او انه شاهد حبيبته تخونه او ان
سيارته قد سرقت ويقوم صاحب الكذبة بالتعاون مع احد افراد
عائلة الضحية بسرقة المفتاح ونقلها من مكانها.واغلبية هذه
الاكاذيب تكون عادة بسيطة تتعلق بالامور الشخصية للضحية
لذلك فانه وان كان يتردد الا انه يصدقها _بحذر_ لعلها
تتضمن بعضا من الحقيقة. وقد تتخذ طابعا اكثر تعقيدا فيشترك
فيها عدد اكبر من الاصدقاء والمقربين فتتحول الى كذبة
محبوكة بعناية.
وقد تخرج الكذبة احيانا عن هدفها الخفيف فتكون "ثقيلة "
مؤذية،لذلك نجد ان الاول من نيسان في عالمنا العربي اما
خفيفا جدا او ثقيلا جدا.. والسبب يعود الى واحد من امرين،
اما اننا شعوب لا نتقن الكذب حين يفرض علينا او اننا لا
نتحمل اي كذبة "كبيرة" اذ ان التجارب اثبتت ان اي مزحة
"سياسية" كانت عواقبها غير محمودة سواء على الصعيد الشعبي
او على الصعيد الدولي.
اذا وكما كل عام، ستقتصر اكاذيب اول ابريل (نيسان) على
فبركة اخبار فنية باتت مستهلكة هي الاخرى. كل كذبة نيسان
وانتم بخير..
|