سينما

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الوطن3 .. يوميات النسيان الألمانية

 

متابعة جودت جالي
هذا هو العمل الثالث DVD للمخرج الألماني أدجار رايتز، ملحمة سينمائية وتجربة فريدة، كانت مدة العمل الأول خمس عشرة ساعة وأربعين دقيقة، ومدة العمل الثاني عشر ساعات وثمان وخمسين دقيقة.
بعد (الوطن 1)
Heimat 1 الذي يستعرض فترة مابين الحربين العالميتين والنازية في القرن الماضي، و (الوطن 2) Heimat 2 الذي يرسم حياة الشبيبة وخيبات أعوام الستينيات والسبعينيات والتهديد الأرهابي الذي أجتاح أوربا بتشكل التنظيمات الأرهابية، يأتي هذا العمل بأحداثه التي تبدأ من يوم سقوط جدار برلين وتنتهي بعام 2000.
حل على ألمانيا بعد هزيمة عام 1945 نوع من (فقدان الذاكرة السياسي)، الكل أراد أن ينسى ويبدأ حياة جديدة، وكان على الألمان أن ينتظروا حتى السبعينيات ليروا سينمائيين مستعدين، وأكاد أقول لديهم الجرأة، على النظر في الفترة الماضية المليئة بعقابيل جروح الهزيمة. أخرج سيبيربيرغ (هتلر) عام 1977 والذي يبحث في الجذور الهتلرية في الثقافة الألمانية ويوافق طبعا حكم التأريخ على هذه الحركة القومية المدمرة، ويبين آراء جرت البرهنة عليها من خلال وقائع التأريخ وملخصها أنه في الفكر القومي تكمن دائما نزعة التسلط والتوسع والعدوان وتسير كالحتمية التأريخية مع كل حركة قومية، وأخرج شليندروف (الطبل) عام 1979 وهو عن رواية غونتر غراس الشهيرة، بطل هذا الفيلم الذي يمثل ألمانيا طبعا طفل يتوقف عن النمو ويبقى طفلا تحت ظل حكم الفوهرر (هتلر)، وأخرج فاسبندر (زواج ماريا براون) عام 1979 أيضا، في هذا الفيلم ألمانيا أمرأة أعمال توظف أنثويتها وعواطفها لتكسب الثروة وتحوز على السيطرة. لكننا بوصولنا إلى هذا العام نجد الأمر قد أختلف بعض الشيء، وربما رآه البعض أختلافا كبيرا، مع أدجار رايتز فمصدر ألهام (الوطن 3) على نحو ما هو التعارض مع كل ماسبق، ويجد نقيضه تقريبا في الأنتاج الهوليوودي بعمل مارتن شومسكي المتسلسل (الهولوكوست) وبمعارضته تخيل رايتز مخططه السينمائي. في (الهولوكوست) كما في (الوطن 3) نجد حكاية عائلة ولكن الحكاية في العمل الثاني معدة بطريقة تناسب مادعاه المؤرخ كريستيان ماير (الشلل لقسم كبير من شعبنا بنوع من أنواع التنويم المغناطيسي أزاء الماضي النازي) والمقصود هنا زاوية نظر رايتز. أختار رايتز أن ينشئ فصة متسلسلة في قرية متخيلة أسمها (شاباش). عنوان الفيلم بالألمانية يعني (الوطن) و (البلد الأم) ولكن المفردة تعني أيضا (المكان المغلق) و (الفردوس المفقود). أن شاباش هو ملاذ عائلة ومعتزلها، تعيش عائلة سيمون مآسيها الخاصة وقطيعتها عن العالم وتقاسي مايطرأ على عقول أفرادها من تحولات عقلية وذهنية وتنعكس عليها رغم قطيعتها وأنعزالها التقلبات التأريخية. يقول هنا رايتز ضمنا بعكس شومسكي أن الشر يأتي من مكان آخر، من العاصمة البعيدة، وليس من أساس ثقافة الأمة، ويعتبر الجسم الألماني مريضا يتعقب روحه (باحثا عنها أو مطاردا لها). لاشك في أن الكثيرين لاموا رايتز على وجهة نظره التي ينكر فيها أن في الثقافة الألمانية التي كانت سائدة كمن الدمار الذي حل بألمانيا المناطق بل يزعم أنه كان في سياسة الرايخ، فهو يدافع عن فكرة المسؤولية المحدودة بهذا الخصوص. صحيح أنه لم يحاول أقناع المشاهد بأن الشعب الألماني كان يجهل وجود معسكرات الأعتقال غير أن شخصياته بالمقابل تجسد نمطين من الهوية الثقافية الفاقدة للذاكرة المأساوية أو التي تقف على مسافة منها. يشمل هذان النمطان تحديدا المثقفين المخلصين للتقاليد الفنية والمتفانين في البحث التكنولوجي، هؤلاء الذين يمتلكون سلطة أدامة الحلم، والفنانون الذين يمسكون بين أيديهم بقاء الأمة. يركز رايتز في ملحمته (الوطن 2) على هيرمان الذي يدرس الموسيقى في ميونخ ولكن التركيز يصبح في (الوطن 3) ثنائيا على هيرمان الذي أصبح قائد أوركسترا والمغنية كلاريسا التي كانت عشيقته فيما مضى. التفاصيل اليومية للفيلم تتمحور حول ترميم منزل يشرف على وادي الراين وعلى قدوم العمال من الشرق وعملهم في تحكيم أسس هذا المنزل الرمزي ويأتي على حدث حصول ألمانيا على كأس العالم بكرة القدم ويفصل في أهتمام أحد أشقاء هيرمان بجمع الأشياء التعبيرية لتكتمل الملحمة بوقوف وسط هذه المقتنيات شبيه بالوقوف في معبد. ألمانيا ترمق الأفق بنظرة أمل. أليس (لوكاس) الصغير بقادر على أن يعزف سوناتة كاملة لموزارت؟ لايأس من الغد أذن!


من مخاوف الحرب العالمية الثانية إلى كوابيس 11 أيلول(حرب العوالم)

 

المدى الثقافي
عندما كتب الأديب الإنكليزي هربرت جورج ويلز رواية (حرب العوالم) عام 1898، استخدم فيها غزواً فضائياً مدمراً كرمز لذعر البشرية لمواجهة الدمار والفناء.. لكن فيما بعد استخدمه الممثل (اورسون ويلز) في حرب عالمية خدعة أحدثت ذعراً أمريكياً حقيقياً قبل اقل من سنة على حصول تلك الحرب العالمية فعلاً.
والآن يأتي المخرج ستيفن سبيلبرغ ليستخدم الرواية نفسها في تعبير رمزي لما بعد أحداث 11 أيلول 2001 وفي فيلم يحمل العنوان نفسه.
قصة (حرب العوالم) ليست جديدة فقد نشرها (هربرت جورج ويلز) في العام 1898 و(ويلز) كان قد أصدر قبلها عدداً من الروايات المميزة مثل (الرجل اللا مرئي) (آلة الزمن) و(جزيرة الدكتور مورو) وغيرها من الروايات الرؤيوية التي تستشرف المستقبل أكثر بكثير مما تسجل الحاضر أو تؤرخ الماضي ومن هذه الخلفية بالتأكيد كان اختيار المخرج (سبيلبرغ) لرواية (حرب العوالم) لتكون تحفة إنجازاته السينمائية.
ماذا في حرب العوالم؟ أعداء شرسون قادمون من الفضاء ومن كوكب المريخ تحديداً يغزون كوكبنا الأرضي ويدمرون الحضارة البشرية تدميراً كاملاً، سكان الأرض يتشتتون جميعهم في نزوج جماعي عشوائي هرباً من فظائع وأهوال ذلك الغزو.
معاصرو (ويلز) رأوا في حرب الأرض / المريخ يومها تعبيراً رمزياً عن المخاوف والانقلابات الجذرية التي عاناها البشر بفعل الثورة الصناعية والاكتشافات العلمية الكبرى والمفارقة أن (ويلز) كان عندما كتب تلك الرواية يهدف إلى تصوير الحاضر إنما بدون أن يكون مدركاً أن ذلك سيكون الهاجس الأساس لبشرية القرن القادم. والمهم لدى (ويلز) في الأقل بنظر سبيلبرغ أن في (حرب العوالم) إنما كان قد وضع أصبعه على الجرح الكبير الذي يخيف بشرية الحضارة الحديثة من فكرة تدميرها وفنائها "حرب اورسون ويلز".
في صدفة غريبة كان العالم على وشك الاشتعال بالحرب العالمية الثانية الطاحنة عندما قام (اورسون ويلز) ورفاقه في مسرح ماركوري بتقديم عرض مسرحي على محطة إذاعة امريكية مقتبس من رواية (حرب العوالم) وذلك سنة 1938 والمذيع قطع العرض مراراً لإذاعة بدايات الحرب التي كانت تتطور من دقيقة إلى دقيقة وقد احدثت الأنباء موجات ذعر هائلة في صفوف المواطنين الأمريكيين الذين نزلوا بأعداد ضخمة إلى الشوارع وراحوا يؤمنون ما أمكنهم الوصول إليه من وقود للسيارات وللتدفئة ومن ما تبقى في رفوف المتاجر من مواد ومؤن غذائية.
وقد تلقت الإذاعة أخباراً متلاحقة عن وفيات ناجمة عن تدافع وكذلك عن حالات انتحار ناجمة عن نوبات ذعر هستيرية ثم توقفت الإذاعة عن بث عرض مسرحية (ويلز) الممثل وخصصت كل فترات البث لإذاعة اخبار وتطورات الحرب المتلاحقة.
غير إن الحرب العالمية الثانية لم تكن قد حصلت بعد وكل ما جرى كان مجرد خدعة إذاعية من ابتكارات (اورسون ويلز) وبالتواطؤ مع إدارة الإذاعة وهكذا ولدى انكشاف الخدعة في اليوم التالي، استعادت الولايات المتحدة أنفاسها وقامت الشرطة بإخضاع (ويلز) وأعضاء فرقته لاستجوابات قاسية كما حوكمت الإذاعة لاحقاً بغرامات تجاوزت المليون دولار كتعويضات للأضرار الناجمة عن تلك الخدعة
الإشاعة (جرحى فقط وبدون اية وفيات في الواقع).
وبدورها شنت الصحافة حملة انتقادية شرسة على مدى أسابيع ضد (جنون) اورسون ويلز وإلى حد المطالبة بسجنه عقاباً على فعلته المريعة لكن (ويلز) لم يكن يمزح وما فعله لم يكن جنوناً حيث وبعد أقل من سنة وتحديداً في الأول من أيلول 1938 اندلعت الحرب العالمية الثانية فعلاً.
والمهم ليس تسجيل هذه الحرب كإنجاز مسرحي لـ(اورسون ويلز) بل كإنجاز رؤيوي استشرافي لرواية (هيربرت ويلز) حرب العوالم.
عام 1953 قام المنتج السينمائي الأمريكي (جورج بال) بتوقيع عقد مع الممثل (بايرون هاسكين) لتنفيذ أول اقتباس سينمائي لرواية (حرب العوالم) وقد وصلت ميزانية المشروع إلى حدود المليوني دولار (مبلغ شبه خيالي في ذلك الوقت) من ضمنها (1.2) مليون دولار للمؤثرات الصوتية والبصرية الخاصة بالفلم. والتي كوفئت لاحقاً بجائزة أوسكار.
نجاح فلم (حرب العوالم) فتح الباب واسعاً على انتشار موجة أفلام الخيال العلمي على الشاشة الأمريكية في الخمسينيات وكانت في طليعتها (اشياء عن عالم آخر) و(غزاة الكوكب الأحمر) وغيرها من الأفلام التي لا تعوزها رموز الحاضر والمستقبل، فالحرب العالمية انتهت لكن لتولد من رحمها الحرب الباردة. ويوميات أمريكا والغرب أصبحت مسكونة بهواجس الخطر السوفيتي وبكوابيس الحرب النووية التي خبروا فظاعتها في هيروشيما ونكازاكي وبالتالي، لم يعد مستغرباً أن يأتي غزاة الأرض ومدمروا البشرية في تلك الأفلام، من المريخ تحديداً. الكوكب الأحمر.
11 أيلول
حتى الحرب الباردة انتهت، فلماذا أذن عودة (ستيفن سبيلبرغ) إلى فيلم مقتبس عن رواية (حرب العوالم) الآن؟
سبيلبرغ يقول: هدفنا الأساس هو رسم الحالة البشرية التي عاشها الأمريكيون مع هجمات 11 أيلول 2001 ومن هنا تركيزنا في التصوير
والأرشيف الحي على ما حدث في منهاتن تحديداً من إنهيارات الأبراج الشاهقة على رؤوس الضحايا.
سبيلبرغ يتساءل (هل كان ويلز) عندما كتب (حرب العوالم) يتصور أن شيئاً من 11 أيلول 2001 ممكن أن يحصل.
وبدورنا أن نتساءل: هل كان ويلز الإنكليزي يتصور أن يحصل ما حصل في لندن يوم الثامن من تموز 2005؟!
ماذا عن فيلم (حرب العوالم) الذي اسند فيه المخرج الأدوار الرئيسة إلى الثلاثي الهوليوودي (توم كروز داكوتا فاننغ وتيم روبنز).
بوادر عواصف عاتية تلوح منذ صباح ذلك اليوم (عطلة نهاية الأسبوع) الذي كان فيه (راي) برفقة والده (دوكر) الذي جاءت مطلقته وتركت في عهدته طفليهما الصغيرين. أجواء العواصف سرعان ما تحولت إلى كوابيس مع بدء الغزو المفاجئ والمدمر الذي شنته تلك الكائنات القادمة من الفضاء.
ويتساءل سبيلبرغ سينمائياً في الفلم، هل انتهت فعلاً صلاحية رواية حرب العوالم التي مر على نشرها 115 عاماً؟ هل توقفت مخاوفنا فعلاً من غزو فضائي ما؟ هل تغير شيء من صورة سكان المريخ في نظرنا كأشخاص أقزام لونهم أخضر؟ وعلى غرار الكاتب (ويلز) لا يهتم سبيلبرغ كثيراً بحرب عالمي الأرض والمريخ من منظور أهل الفضاء الخارجي بل فقط من منظور أثرها في عيون وأذهان ناس الأرض؟ وفي خليط مأساوي ولا عقلاني إلى ابعد الحدود من خلال تصوير الحدث المركب من منظور ثنائي الابن والأم توم كروز وداكوتا فاننغ.
ما شاهدناه ليس مجرد رائعة أخرى من روائع المخرج سبيلبرغ بل كذلك دليل إضافي وضخم على (خلود) رواية (هيربرت ويلز) (حرب العوالم) وصلاحيتها لكل مكان وزمان.


Crash


 - (مع سرعة الحياة التي نحيا، علينا أن نخفف الصدام الذي يحصل بيننا)

جلال نعيم

لوس أنجلس
لم تكن مصادفة..
قبل خمسة أعوام، حضرت حفلة عيد ميلاد صديق عراقي في لوس انجلس، وكان الحاضرون: زوجته(أمريكية)، ثلاث مكسيكيّات، غواتيمالي مع زوجته السالفادورية، ايراني وصديقته الأرمنية، أفغاني وصديقته الروسية، باكستاني وصديقته البنغالية، ومصري وزوجته السورية...
قلت لمضيفي: وكأننا في مؤتمر للأمم المتحدة!
فأجابني: أهلاً بك في لوس أنجلس!
حدث ذلك في شهري ألأول هنا، في المدينة الكبيرة المقسّمة إداريا إلى حوالي 230 وحدة ادارية لا يفصل بينها غير ممر شارع، رئيسيّاً كان أم فرعياً، ما أن تعبره حتى تجد نفسك في مدينة أخرى، وتطالعك فيها أسماء مدن مثل: ارمينيا الصغيرة، أثيوبيا الصغيرة، إضافة إلى الحي الصيني والحي الكوري وغيرها الكثير..
لذا لم تكن مصادفة ان يصف الكباب مع الستيك، إلى جانب الكارنيسادا والتاهاي فوود. وأن يغني عمرو دياب مع سانتانا، وانريكة اغليسياس وسيديّات تتطاير لمطربين أرمن وروس وعرب، بينما تصطف قناني التكيلا مع العرق والفودكا والساكي..
و.. أهلاً بك في لوس أنجلس!
هذه المرة يجمعها عنوان عريض لفيلم سينمائي، كتبه وأخرجه مبدع كندي، ونال عليه ألأوسكار، وأطلق عليه عنوان (صِدام/إصطدام)(
crash)، ويقدم فيه وجهاً آخر لما شهدته في تلك الحفلة الأممية النكهة والمذاق!
***
ربما يمكن اختصار الفيلم بقضيتين، تشكلان معاً سؤالاً واحداً: العنصرية والعنف.. بطريقة تعيد إلى الأذهان معضلة البيضة والدجاجة، وأيهما يولد ألآخر.. وكيف ينموان معاً، غير معني بـ"من فيهما الأسبق!" ولذلك فهو سؤال إجتماعي، ينأى بمسافة عن لا جدوى الطرح الفلسفي، ربما لأنه، ببساطة، يستحضر، بشكل ما، جملة "نيرودا" الشهيرة:"انظروا.. الدم في الشوارع!
لذا وجد في الشارع مساحة واسعة لإنطلاقه، ففي الشارع تلتقي كل هذه الأجناس و.. تتصادم!
ففي الشارع يصل المحقق الأسود مع زميلته، وفي الوقت نفسه عشيقته البيضاء، وفي شارع، أكثر ترفاً، يتمشى المدعي العام بصحبة زوجته وكلاهما أبيض، ليصطدما بشابين أسودين يسرقان منهما سيارتهما، أما صاحب المحل الايراني فيبدو قلقاً من هذا الشارع وهو يحاول ان يحسن قفل باب محلّه، وهو ما تفعله زوجة المدعي العام بطلبها تبديل اقفال البيت لأنها قلقة من كون المفاتيح بيد سارقي السيارة (السود) الذين قد يستعملونها او يبيعونها، اما مبدّل الاقفال فهو عامل مكسيكي يعبر لها بنظرة عن رفضه لحديثها عن الملونين مع زوجها، ثم رجل البوليس (الأبيض) الذي يضيق ذرعاً من تعامل الموظفة (السوداء) معه حول علاج ابيه، فينتقم منها بايقاف المخرج الاذاعي (الأسود) الذي بدا سعيداً مع زوجته البيضاء، ولطيفاً معه، فقابله بإحتقار ثم بتفتيش مهين لزوجته، مما خلق ازمة كبيرة بينهما... ثم تتصاعد الأحداث، وتلتحم الشخوص الواحدة بالأخرى.. بتكثيف مميّز وترابط محكم، فصاحب المحل الايراني يصطدم بمصلّح الأقفال المكسيكي، بعد أن يتجاهل نصيحته بتغيير الباب، فيدخل من يحطم أشياء المحل ويغادر بعد ان يترك ملاحظة مسيئة للعرب، معتقداً بأن إلايرانيين هم عرب أيضاً! فيحاول الايراني الانتقام من المكسيكي، لأنه السبب، كما يظن في تكسير المحل، فيطلق على ابنته النار دون ان يقصد ويصعق ثم يفرح باكتشافه بان ابنته قد وضعت طلقات خلّب في مسدسه. بينما تكتشف زوجة المدعي العام أن لا أحد من صديقاتها إهتم بها بعد سقوطها من السلّم وكسر رجلها، وان الوحيدة التي اهتمت بها هي خادمتها اللاتينية، وانتهت بمعانقتها. أما رجل البوليس (الابيض) فينقذ زوجة الاذاعي (الأسود) التي تنقلب بها السيارة وترفض مساعدته رغم ان النار كانت على وشك ان تلتهمها، ثم توافق بعد الحاح منه، مما يعني مسامحتها له. أما الشابان (الأسودان) فبعد جملة حوادث ينتهي الأول ميتاً على يد شرطي متعاطف مع السود، ظن بأنه يحاول قتله، في اشارة ذكية إلى أن العنصرية ستظل تولّد العنف حتى لو حاربناها في وعينا لأنها تعيد انتاج الشك على أساس العرق واللون في كل لحظة! ثم نكتشف أن هذا القتيل (ألأسود) انما هو أخ للمحقق ألأول والذي تتهمه امه بأنه هو مَن قتل أخاه بسبب انشغاله الدائم، وكأنها تقول لنا أنه قتله لإنشغاله بتصفية العنف من دون معالجة العنصرية. أما الشاب (الأسود) الآخر فيرفض بيع مجموعة من المهاجرين المهرّبين من كمبوديا، ويطلق سراحهم في وسط المدينة، وحالما ينطلق بسيارته المسروقة حتى يطالعنا اصطدام آخر بين سيارتين، تقود الأولى الموظفة السوداء بينما ينزل من الثانية رجل بملامح صينية!
***
هكذا تنتهي أحداث الفيلم، دون أن ينتهي وقعه وتأثيره. وأعتقد بأن اغلب المعلّقين أخطأوا في تحديدهم بأن أوسكار هذا العام ذهبت إلى (
Crash) ولم تذهب إلى أي فيلم سياسي، ويقصدون (سيريانا) أو (ميونخ) او(مساءاً سعيداً.. وحظاً سعيداً!)، وذلك انما يذكرني بتعريف رأفت الميهي في (سمك، لبن، تمرهندي!) والذي وضعه على لسان يوسف داوود عندما يقول: وهي ايه السياسة غير الجوع والبلهارزيا والمعيز! أما في حالتنا: فما هي السياسة غير العنصرية والعنف والتعايش بين الناس؟ انها السياسة الداخلية، التي تحكم الشارع وتسيّر حياة المجتمع، سياستنا انا وانت وهو قبل ان تكون سياسة الوزراء واعضاء البرلمانات والرؤساء.. خاصة بالتزامن مع مظاهرات المهاجرين في فرنسا، والإحتجاجات التي عمّت العالم حول الكاريكيترات الدنماركية، وعلى مستوى الداخل الأميركي: بطء الإجراءات الحكومية بعد إعصار كاترينا، الذي قتل أكثر من ألف من السود، وخلّف آلافاً بلا مأوى، وقد تضمن الفيلم إشارة إلى انها الموضوعة السياسية الحقيقية التي يتجنب السياسيون الخوض فيها ولا تظهر على السطح إلا لأغراض إنتخابيّة!
لقد حمل الفلم أكثر من رسالة، واكثر من إشارة، ليس لما يحدث في جوف أميركا فقط، وانما على سطح العالم ايضاً، أو ما تواجهه في العالم، خاصة بعد 11 سبتمبر، والذي ينبئ بـ(
Crash) آخر، مازال ينمو، رغم ظهوره على هيئة حادث بسيط، او شبه عادي، وشواهد الفيلم بدت كثيرة، وأما شواهد الواقع اليومي فلا شك في أنها أكثر! ولعلّ مشكلة (Crash)، كفيلم، ليست في الأسئلة التي تبناها و أدرجها في قائمة موضوعاته، وإنما في الأجوبة التي ضغطت على مجمل الفيلم وشخوصه، للخروج بنهايات محددة، رسمها لها المخرج/المؤلف (بول هاغيس)، والتي لم تجد مبرراتها الواقعية في بعض الأحيان، رغم انه اشتغلها بإحتراف واضح مما جعل، هذه النهايات، تبدو كإفتراض أو كأمنية، أو ربما كحلمٍ سيحتاج إلى أكثر من معجزة لكي يتحققّ..!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة