ثقافة شعبية

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في طبعة (المدى) الخاصة ..العودة إلى الاهوار

جبار عبدالله الجويبراوي
صدرت الطبعة الاولى عن دار المدى للثقافة والنشر عام 1998 فيما صدرت الطبعة الخاصة في كانون الثاني عام 2006 ترجمة الدكتور حسن الجنابي الذي أبتدأ كلمته بـ(لماذا لم نكتب نحن عن حياتنا بهذا الدفء والاستقصاء؟ أي يكون الغريب اكثر منا تاثرا وتاثيرا؟ هل تناول كتــّــابنا وادباؤنا مثل هذة الموضوعات والشرائح البشرية في وطننا؟ بهذة الاسئلة التي (تدمي القلب) تبدا رسالة الفنان العراقي الصديق محمد سعيد الصكار، الذي اطلع على بعض فصول الكتاب المترجمة وهي الاسئلة نفسها التي واجهتني عندأول قراءة لي. وهاأنا أعزي النفس بتقديمي ترجمة له لعلها تغطي جزءا ولو بسيطا في الفراغ الهائل الذي نشهده في هذا النوع الرائع من الكتب.
لا اود الكتابة في هذه الكلمة عن المنجز الحضاري العراقي والاضافات المشرقة التي قدمها العراقيون عبر التاريخ للتراث الانساني الهائل، والتي مازال الكثير منها مغطى تحت الطمي والرمال والحطام، ولاعن منطقة الاهوار العراقية التي (تحرص) الحكومة العراقية منذ سنين على تدميرهالاستكمال جولة السقوط المريع في الوحشية والقضاء على قدسية الحياة والتاريخ.
وأختتم المترجم كلمته بالشكر الى الدكتور غانم حمدون والاستاذ الباحث هادي العلوي والفنان محمد سعيد الصكار وزوجته السيدة سعاد التي ما انفكت تغمره بعاطفة دافئه استوعبت قلقه وهمومه وانشغالاته مع اتساع دائرة المنفى.
ان ما قدمه المترجم الاستاذ الدكتور حسن الجنابي يعد عملا جميلا ورائعا وخدمة متواضعة لابناء الاهوار المظلومين يستحق عليه كل الشكر والثناء
الاان انشغاله بتمثيل وزارة الموارد المائية في الندوات التخصصية عن انعاش الاهوار حال دون مراجعة مسودة الكتاب والاطلاع على الملاحظات التي نشرتنها في جريدة (المدى) الغراء في عددها 529 في 9 تشرين الثاني عام 2005م، ولما كانت رغبتنا في مواصلة المتعة لدى القارئ الكريم بمطالعة الكتاب المترجم.
ندون فيما يلي الكلمات التي اشرنا الى تصحيحها لعلها تجد طريقها في الطبعة الثالثة أن شاء الله لأن الطبعة الثانية وزعت مجانا ونفرت..
نهيف = نصيف، صغير = زغير، عدان = عيدان،ال عكار= العكر (أينما وجدت)
فالكاتب = فالكتاب،
والمصور نك ويلر،للدكتور فؤاد سفر = للمصور نك ويلر والدكتور فؤاد سفر ص10
حفافة الأهوار= حافة الأهوار ص23، المشاية =الماشية،ص26 خطاً = خطأ ص30
ال سويد = السواعد(أينما وجدت)
هكذا كان المشهد ويصيدون الأسماك والحيوانات دون يقلقهم الذهبي = هكذا كان المشهد الذهبي ص33، كوت المعامر = كوت المعمر (أينما وجدت)، كوت العمارة = كوت الأمارة (والأمارة هم شيوخ قبيلة ربيعة) ص42، محكمته =حكمته،بمحكمة هارون =بحكمة هارون ص43، ال جواد= الأجود (أينما وجدت)، فونتيل = فنطيل ص44.
فالمساوة = فالسماو ة ص50،الزيمة =الزعيمة،بني حجام= بني حجيم (جام في الناصرية، وحجيم في السماوة)ص53، ماني بن مغيمس=مانع بن مغامس ص54، ال باوي =الباويه ص59، الشيخ فالح بن صيهود المنشد وعبد الكريم بن زبون من بيت فيصل من البو محمد وغضبان البنيه من بني لام (يوضع هذا الكلام في السطر التاسع والعاشر من ص59 ويحذف الزائد)، قبيلة السعدون =اسرة السعدون ص59، 1866 =1861م، ص60، العزر = العزير ص60، خيون ال عبيد = خيون العبيد، لني = لبني ص61، الشهلة =الكحلاء (أينما وجدت)، غضاباً =غاضباً ص65، البوسعيد = بني سعيد (أينما وجدت) البطينة= البطنجة (أينما وجدت)، المعدينة = المعدنية ص70، ومن شابه =ومن شابههم ص72، ال خليفة = الخليفة (أينما وجدت)، شويخ =شيوخ ص79، قناة الوادي = قناة الوادية (أينما وجدت)،خفف = خفيف ص85،
FAFFFF = = زائدة لامحل لها / ص78 / آل مغيفط =البو مغيرفات (أينما وجدت)، الفريكات = الفريجات (أينما وجدت)، العوادية = العويدية (أينما وجدت) ، أي المبلغ الذي = الزمن الذي ص 100، الزكري = الزجري ص106، الروفية = أرفيعه (أينما وجدت)، صغير = زغير ص128، النقارة = النكاره حمص = الهميص ص133، والشطرة والجبايش = والجبايش (لأن الشطرة تقع على الغراف)


للكلمات تواريخ وأسباب

باسم عبد الحميدحمودي

للكلمات العامية تواريخ وأسباب مثلما للناس وللمدن وللشعوب وفي لهجات المدن الكثير من الطرائف والألفاظ الناتجة عن مواقف أو حالات، ولبعض الألفاظ أسباب تاريخية لغوياً، فكلمة (اكو) البغدادية بمعنى يوجد يقول عنها العلامة طه باقر إنها كلمة أكدية بنفس المعنى، ويرى الشيخ جلال الحنفي أنها لفظة صابئية عراقية قديمة فيما يرى عبد اللطيف ثنيان أن كلمة (اكو) تعني موجود وهي كلمة محرفة عن كلمة (إيخو) الكلدانية وهكذا تختلف تحليلات الفيلولوجيين الشعبيين العراقيين في أصول كلمة واحدة.
وكانوا يقولون في بغداد قديماً في الأوزان (جارك) بالجيم الفارسية و(الجارك) تعني ربع ساعة في الزمن والربع في الوزن فيقال (جارك ساعة) أي ربع ساعة و(الجارك) هو الربع في المن (بفتح الميم).
ومن الكلمات العامية كلمة (تصلخ) بفتح التاء بمعنى أن هذا الشيء أو هذا التصرف غير مناسب، وهي محرفة عن كلمة طاسلاق التركية بمعنى الأقرع وقد نقلت متغايرة إلى العامية العراقية.
إن كل هذه الأمثلة التي تتصل بالألفاظ تقود لا إلى ثقافة لغوية فحسب، بل إلى ثقافة شعبية عامة تتصل بجوانب معرفية متعددة وتقود إلى النقاش والبحث في أصول كل مفردة، والمقترح الذي نقدمه للباحثين هو استمرار العمل التأصيلي في تطورات المفردة الشعبية لا في بغداد وحدها بل في مدن العراق وقراه كافة، بمعنى أن يجري الاشتغال المنظم على معاجم لفظية للمدن وقراها تبحث في أصول اللفظة وتاريخيتها وتطورها.


العين في الأمثال الشعبية

خليل برهان
العين حاسة الرؤية لدى الإنسان، ومن فضل الله على خلقه، إن جعل للعينين جمالاً مكملاً لجمال الوجه، خصوصاً في وسعهما، وشدة سواد السواد فيهما، وشدة بياض البياض فيهما، فكانت العينان مادة لتغزل الشعراء، والأحبة، ومن ذلك كان للعيون دور في بناء المثل الشعبي، ندرج أدناه ما استطعنا جمعه منها:
1- اجه يكحلها عماهه. (وضع في عينها الكحل فعماها). يضرب لمن يريد أن يصلح شيئاً فيفسده.
2- إذا أكلت ويه الاعمه اكل بانصاف. (اذا أكلت مع اعمى انصفه). يضرب لانصاف الآخرين.
3- إذا طك الخشم تتهامل العين. (إذا ضرب الانف تهاملت الدموع). يضرب لقوة القرابة والعلاقة.
4- اطاعين. واحياناً (انطاعين). (أعطاه مجالا). يضرب في تجاوز أحدهم بدعم الآخر له.
5- ألف عين لجل عين تكرم. يضرب لاحترام شخص بسبب علاقته بآخر.
6- أيده بالماعون وأصابيعه بالعيون. يضرب للصلافة.
7- باصوصة شلف. (نظره ضعيف). يضرب لمن لا يرى الأشياء جيداً.
8- البعيد عن العين بعيد عن الكلب. (البعيد عن العين بعيد عن القلب). يضرب لمن لا يذكر من يبعد عنه.
9- حط أصابيعه بعيونه. يضرب للمجابهة.
10- خلي الله بين أعيونك (اجعل الله بين عينيك). يضرب عند التجني على الآخرين.
11- الدجاجة اتموت وعينه عالمزبلة. (تموت الدجاجة وعينها على النفايات). يضرب للطامع في الدنيا.
12- ذيب، اذا نام يفتح عين ويغمض عين. يضرب للحريص النبه.
13- صابته عين. (إصابته عين). يضرب لمن تصيبه مصيبة.
14- صارت عينه بكَوكَة راسه (صارت عينه منتصف رأسه). يضرب لمن يصبح عصبياً لسبب ما.
15- عد البطون تعمه العيون. (عند الجوع لا يرى). يضرب لمن ينكب على الأكل وينسى صاحبه.
16- عله عمه عيونه. (على عمى عينيه). يضرب لمن يجبر على شيء لا رغبة له فيه.
17- عله عين اليتيمة غاب الكمر. (على عيني اليتيمة اختفى القمر). يضرب لمن لا يستجيب الحظ له.
18- عليك بعينهه وعرنينهه (عليك بعينيها وانفها). يضرب في جمال وجه المرأة.
19- العمه عمه الكلب مو عمه العين. (العمى عمى القلب وليس العين). يضرب لمن لا يرى ما امامه.
20- عين بالجنة وعين بالنار. يضرب للمحتار بين أمرين.
21- العين بالعين. يضرب للمجابهة بالنظرات.
22- العين بحر. يضرب للنظر دون حرج.
23- العين بصيرة والايد كصيرة.
24- عين تبجي وعين تضحك. (عين تبكي وأخرى فرحة). يضرب لفقد شيء دون توقع.
25- العين تستحي من العين. (عين تخجل من الأخرى). يضرب للخجل عن المجابهة بالعيون.
26- العين زرفت أيد النبي. (العين اخترقت كف النبي صلى الله عليه وآله). يضرب في الحسد.
27- عين غطه وعين فراش. يضرب للترحيب بالضيف.
28- عينك عله مالك دوه. يضرب لمراقبة المال من قبل صاحبه.
29- العين متعله عله الحاجب. (العين لا تعلى على الحاجب). يضرب في احترام الآخر وتقديره.
30- العين ما عليهه حرج. يضرب لعدم المحاسبة على النظر.
31- العين متحب الارجح منهه. (العين لا تحب الاحسن منها). يضرب للغيرة.
32- العين وسيعه أوسع من الكاع. وأحياناً (العين أوسع من الكاع) يضرب للترحيب بالضيف.
33- عينه ابماعونه. (عينه في صحنه). يضرب لمن يغض النظر.
34- عينه اتصيب. يضرب للحسود.
35- عينه اترف. (عينه يتحرك جفنها). يضرب لمن يتوقع حدث ما.
36- عينه اتخيط اخياط. يضرب للحسود.
37- عينه شبعانه. يضرب للإنسان القانع.
38- عينه صلفه. واحياناً (عينه من صفر). يضرب للصلب.
39- عينه ضيكة. (ضيق العين) وأحياناً (عينه فارغة). يضرب للبخيل.
40- عينه مالحة. يضرب لمن ينظر إلى النساء.
41- عينه عالدرب. وأحياناً (عينه عالباب). يضرب لمن ينتظر شخصاً أو خبراً.
42- عينه مكسورة. يضرب للمعروف بأفعال غير جيدة.
43- عينه ميزان. يضرب لمن يزن الأمور بنظرة. ويقال (عينك ميزانك) بنفس المعنى.
44- عيونه اتسورب. يضرب لضعيف البصر.
45- عيونه زرك. (عيونه زرقاء). يضرب للحسود.
46- عيونه زروف جفجير. (عيونه ثقوب ناشول).
47- عيونه صارن بالطول. يضرب للغضب.
48- عيونه عيون مطيرجي (عيناه كعيني مربي الطيور). يضرب لمن نظراته دون حياء أو قلقة.
49- عيونه متزاعله. يضرب للأحول.
50- غاسل عينه ابوله. (غاسل عينيه بادراره). يضرب لمن لا يخجل.
51- كدره عله ناره وعينه على جاره. يضرب لمن ينظر إلى رزق غيره.
52- لا عين التشوف وللكلب يحزن. يضرب للابتعاد عن موقف ما.
53- متترس عينه غير حفنة تراب. يضرب لمن لا يقنع بما عنده.
54- محد يكله عله عينك حاجب. يضرب لمن يفعل ما يشاء دون حساب.
55- مراوي العين الحمرة. (آراه عين حمراء). يضرب في ضبط الآخر وخصوصاً الابن.
56- مفتح باللبن. وأحياناً (مفتح بالتيزاب). يضرب للفطن.
57- وجع العين ولا هم الدين. يضرب لثقل الدين.
58- يبوك الكحلة من العين. (يسرق الكحل من العين). يضرب للسارق المحترف.
59- يكله عينك راحت بالحصبة لو بالجدري، يكله راحت. يضرب للنظر إلى المصيبة وليس إلى سببها.


عجائب الغناء والطرب في مجالس العرب
 

عادل العامل

لم تكن حياة العرب الأوائل في جزيرتهم القاحلة المترامية الأطراف بالوسط المريح بالنسبة لأولئك الذين كانت تقتضي منهم اسباب الرزق التنقل الطويل سواء للرعي او للتجارة بين البلدات والأسواق الموسمية او مع البلدان الاخرى.
فنشأ الغناء بالشعر، الذي كانوا يسمونه الترنم، من حداء الإبل، على ما يقال، للتخفيف من وطأة متاعب السفر ووحشة الليالي بعيداً عن الأهل والعمران في الفيافي والقفار.
وقد تطور الغناء مع تطور مختلف جوانب الحياة والاتصال بالأمم المختلفة على مر الزمن، واشتهر حتى في ما قبل الإسلام مغنون ومغنيات، منهم الجرادتان، جاريتا عبد الله بن جدعان.
واستمرت الحال هكذا بعد ظهور الإسلام، وفي مكة والمدينة بالذات، ولم يكن ذلك ليعتبر آنذاك أمراً معيباً مصيباً او محرماً كما ينظر اليه المتزمتون اليوم. وفي ذلك يروى ان رجلاً من اهل العراق أتى المدينة في طلب جارية، فسأل عنها، فوجدها عند قاضي المدينة، فأتاه وسأله ان يعرضها عليه، فقال القاضي: "يا عبد الله، لقد أبعدت الشقة في طلب هذه الجارية، فما رغبتك فيها؟"، لما رأى من شدة اعجابه بها، قال: "انها تغني فتجيد"، فقال القاضي: "ما علمت بهذا"، فألح في عرضها، فعرضت بحضرة مولاها القاضي، فقال لها الفتى: "هات"، فغنت:
إلى خالد حتى أنخن بخالدٍ
فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل
ففرح القاضي بجاريته وسر بغنائها، وغشيه من الطرب أمر عظيم حتى اقعدها على فخذه، وقال: "هات شيئاً بأبي أنت"، فغنت:
أروح إلى القصاص كل عشيةٍ
أرجي ثواب الله في عدد الخطا
فزاد الطرب على القاضي، ولم يدر ما يصنع، فأخذ نعله فعلقها في أذنه، وجثا على ركبتيه، وجعل يأخذ بطرف أذنه والنعل معلقة فيها، وهو يقول: "أهدوني إلى البيت الحرام، فإني بدنة!" حتى ادمى أذنه، فلما أمسكت الجارية عن الغناء، اقبل على الفتى فقال له: "يا حبيبي، أنصرف، قد كنا فيها راغبين قبل ان نعلم أنها تقول، فنحن الآن فيها أرغب"! فانصرف الفتى، وبلغ ذلك إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز فقال: "قاتله الله! لقد استرقه الطرب"، وأمر بصرفه عن عمله. فلما صرف قال: "نسائي طوالق لو سمعها عمر لقال أركبوني فإني مطية"، فبلغ ذلك عمر فأشخصه وأشخص الجارية، فلما دخلا على عمر قال له: "أعد ما قلت"، قال: "نعم"، فأعاد ما قال، فقال للجارية "قولي"، فغنت:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس، ولم يسمر بمكة سامر
بلى، نحن كنا أهلها، فأبادنا
صروف الليالي والجدود العواثر
فما فرغت من هذا الشعر حتى طرب عمر طرباً بيناً، واقبل يستعيدها، ثلاثاً، وقد بلت دموعه لحيته، ثم اقبل على القاضي فقال: "قد قاربت في يمينك (أي إني اوشك ان اطلق نسائي)، إرجع إلى عملك راشداً"!
- وقد اشتهر من خلفاء العصر الاموي المولعين بالغناء يزيد بن عبد الملك، المشهور بقصته مع جاريته المغنية حبابة التي اختل عقله عندما ماتت فجأة، وظل لا يدفنها أياماً، حتى أنتنت، وهو يشمها ويرشفها، ومات بعدها بايام.
فقد غنت حبابة هذه يوماً بين يدي يزيد بن عبد الملك، فطرب، ثم قال لها: "هل رأيت قط اطرب مني؟" قالت: "نعم، مولاي الذي باعني". فغاظه ذلك فكتب في حمله إليه مقيداً. فلما جيء به امر بإدخاله اليه، فأدخل يرسف في قيده، وأمرها فغنت بغتة:
تشط غداً دار جيراننا وللدار بعد غدٍ أبعد
فوثب الشيخ حتى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته، وجعل يصيح: "الحريق، الحريق، يا أولاد الشيطان!" فضحك يزيد وقال: "لعمري، إن هذا لأطرب الناس" فأمر بفك قيوده، ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة، ورده إلى المدينة.
اما في العصر العباسي فمعروفة ليالي هارون الرشيد وولع الامراء والوزراء والمثقفين والعامة بالغناء، بل واستشهاد بعض هؤلاء بادائه والتألق فيه، مثل ابراهيم بن المهدي، أخي الخليفة الرشيد. فقد بلغ من الابداع في الغناء ان الوحش كانت اذا غنى مدت اعناقها ولم تزل تدنو حتى تكاد تضع رؤوسها على المكان الذي يغني منه، فاذا سكت نفرت وبعدت حتى تنتهي إلى ابعد غاية، كما جاء في حديث لأخيه منصور بن المهدي.
وقال عنه محمد بن موسى المنجم ايضاً انه كان اذا ابتدأ الصوت لم يبق من الغلمان والمتصرفين في الخدمة واصحاب الصناعات والمهن الصغار والكبار احدٌ إلا ترك ما في يده وقرب من اقرب موضع يمكنه ان يسمعه، فلا يزال مصغياً إليه لاهياً عما كان فيه ما دام يغني، حتى اذا امسك وتغنى غيره رجعوا إلى التشاغل بما كانوا فيه ولم يلتفتوا إلى ما يسمعون.
ولا أدري ما الذي كان سيفعله هؤلاء جميعاً لو قدر لهم ان يسمعوا غناء عصرنا هذا فيما بلغه من تطور في اللحن والاداء لدى اسمهان وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، على سبيل المثال، وماذا كانوا سيقولون عنا وهم يسمعون، من جانب آخر، "السح الدح أمبو" والبرتقالة وما شاكلهما من سخيف الغناء!
*اعتمدنا في مقالتنا هذه على كتاب "الأغاني" لأبي فرج الأصبهاني

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة