التكلفة
الاقتصادية للفساد المالي والاداري
نضال
ناجي
تعد مسألة الفساد المالي
والاداري من موروثات العهود السابقة وقد كانت للادارة
السياسية اليد الطولى في استشرائه وظهر تحت مسميات الثراء
غير المشروع واستغلال النفوذ والرشوة والاختلاسات ومنح
المناصب الادارية العليا لغير المؤهلين وهدر الاموال
العامة وتبديدها والاستيلاء على اموال الغير ومصادرة حقوق
الاخرين وممتلكاتهم.
لذلك
يترتب على الفساد المالي والاداري تكاليف اقتصادية وسياسية
واجتماعية باهضة الى جانب تركه اثاراً مدمرة على المجتمع.
وعمليات الفساد تصرفات غير شرعية تصدر عن المسؤول تتضمن
سوء استغلال الصلاحيات الممنوحة له واستغلال النفوذ
وابتزاز الاخرين عن طريق استخدام السلطات المخولة به
واستغلال الاموال العامة والسيطرة عليها واستعمالها لغير
الاوجه المعدة لها.
واستخدام الاموال العامة للمنفعة الشخصية والتداول
بالوساطة وتقريب المعارف والاقارب بشكل مناف للقوانين
والتعتيم على سير الاعمال والاجراءات الشخصية وتصريف
الشؤون العامة.
يعد الفساد الاداري والمالي العدو الاكبر للخطط وبرامج
التنمية اذ تدور أغلب الاموال المخصصة لتلك البرامج
لحسابات اشخاص او مجاميع عن طريق استغلال مناصبهم او
السلطات الممنوحة لهم.
وبذلك تتلاشى ملامح التنمية والاعمار ويحل محلها التخلف
الذي ينعكس بشكل كبير على كل مفاصل الحياة وعموم الانشطة
الحياتية اليومية للمواطنين التي تصل حد تقويض النظام
السياسي عبر افراغه من كل مقومات استمراره او انهاء دوره
باساليب اخرى.
وفي ذلك خسارة كبيرة للمال والجهد والزمن وضياع فرص التقدم
والازدهار والبقاء ضمن دائرة الفقر والتخلف الى اماد بعيدة
قد تصل الى عقود او قرون من الزمن.
التحولات
الاقتصادية والفساد الاداري
ترافق عملية الانتقال من الاقتصاد الموجه الى اقتصاد السوق
عملية اختلال كبيرة وينجم عنها كم هائل من الفساد الاداري
والمالي المنظم وغير المنظم الذي يصعب السيطرة عليه بشكل
قد يؤدي الى انحراف اعداد كبيرة من القائمين على الخدمة
العامة (الوظائف) عن قيم واخلاقيات الوظيفة العامة التي
تعد احد المعايير الاساسية لصحة ورقي المجتمع في ممارساته
وفي اساليب تعامله وفي مجالات عمله ونشاطاته الادارية
والعملية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
لذلك يعد الفساد الاداري والمالي مرتعا خصبا للسيطرة
والتسلط وبسط النفوذ وتحقيق الاهداف والمصالح الخاصة غير
المشروعة من لدن كم من القائمين على الخدمة العامة على
حساب الاهداف والمصالح العامة المشروعة.
التكلفة المادية
للفساد
تنعكس آثار الفساد المالي والاداري على الكلف النهائية
للمعاملات والسلع والخدمات بشكل سلبي فمن جهة تساهم في رفع
اقيام الكلف النهائية لها ومن جهة اخرى تكون على حساب الكم
والنوع والصلاحية.
اذ قد تظهر على الواجهة مشاريع تبدو في مظاهرها وكأنها ذات
فوائد كبيرة الا ان واقع الحال عكس ذلك تماما.
وقد تكون مبتدعة من قبل شريحة من المنتفعين التي تبحث عن
منافع ومصالح خاصة على حساب المصلحة العامة ويدخل في هذا
الباب مستوردات الاجهزة والمعامل والتكنولوجيا والاسلحة
التي تكون الكم الاكبر من المستوردات التي تترافق مع كم
كبير من الفساد المالي عبر صفقات وهمية او مشبوهة.
لقد اثبتت الدراسات عن وجود تناسب عكسي بين الفساد والقدرة
التنافسية للاقتصاد بشكل عام.
الفساد والشفافية
تعد كل انواع الفساد السياسي والاداري والمالي العدو الاول
للنزاهة والشفافية اللتين تعدان حقا من حقوق المواطنين
اتجاه الدول وواجبا من واجبات السلطة الادارية اتجاه
المواطنين للاطلاع بصورة مستمرة على سير عمليات الادارة
العامة والاعمار.
لذلك يتوجب ان ترافق عمل المؤسسات ذات النفع العام شفافية
عالية تمكن المواطن ومنظمات المجتمع المدني من الاطلاع
ومعرفة الحقائق كي تتمكن من المساءلة والمحاسبة في حال
وجود قصور في الاداء او عمليات فساد النظام الديمقراطي من
اجل الوصول الى صيغ عملية وذات نفع عام تقدم الفائدة
للمجتمع.
العلاقة بين الشفافية والفساد علاقة عكسية وكلما اتضحت
معالم الشفافية في مجمل المجالات وعلى جميع الصعد في
المجتمع ارتفعت امكانية محاربة ومواجهة الفساد والسيطرة
عليه والحد من اثاره المدمرة، كون الفساد يستمد قوته من
الغموض وعدم الوضوح اللذين يحيطان ادارة الاموال العامة.
الفساد وفرص
التقدم
بينت احصائيات الامم المتحدة ان ما نسبته 70% من الاموال
العراقية المخصصة لما يسمى بعمليات اعادة الاعمار تضمحل
جراء الفساد الاداري والمالي الذي يترافق مع تنفيذ تلك
العمليات وهذه النسبة تعد الاكبر عبر الزمن في تاريخ
الفساد الاداري والمالي وهي تؤشر حجم المأساة التي تمر
بالمجتمع العراقي الذي يعاني مرحلة الفوضى الاقتصادية
العارمة.
فالاقتصاد العراقي المثقل بكم هائل من التبعات المتمثلة
بالدمار الكامل في الداخل والمديونية الخارجية ومطالب
التعويضات غير المحدودة بحاجة ماسة لمحاربة كل مظاهر
الفساد، كي يتمكن من اعادة الامور الى انصبتها الطبيعية
والرجوع الى خط الشروع من اجل مواكبة اقتصاديات الدول
الاقليمية والاقتصاد العالمي الذي يبتعد عن الاقتصاد
العراقي بفارق زمني كبير.
الاضرار
الاجتماعية للفساد
اما في ما يتعلق بالاضرار الاجتماعية للفساد فهي تنسحب على
القضاء على هيبة وسيادة القانون الذي يؤدي بدوره الى
انهيار البيئة الاجتماعية والثقافية وتؤثر على اساليب
التعامل والحياة بشكل يهدد النسيج الاخلاقي للمجتمع الذي
تسود فيه المظالم وانعدام السلوكيات القويمة والتفاوت
الكبير في توزيع الدخول الذي ينجم عنه تفاوت طبقي كبير
يؤدي الى اختلال التركيبة الاجتماعية ويزيد من احتمالات
الفورات والاضطرابات وحالة عدم الاستقرار السياسي الى جانب
تعرض شرعية النظام السياسي ، للتآكل المستمر واخطر ما في
الامر هو تركيز الثروة في ايدي فئة قليلة قد تستغلها في
غير صالح المجتمع، مما ينجم عن استشراء روح اليأس بين
المواطنين وانتشار حالة الاحباط التي تنعكس بشكل سلبي على
العمل والابداع لذلك تعد مهمة محاربة الفساد على درجة
عالية من الاهمية كي يصار الى تهيئة فرص التقدم والنمو
التي تجلب الخير والسعادة للفرد والمجتمع.
|