ودع غيرك
يعيش
مفيد الصافي
هل علينا ان نجعل الخوف
من الغزو الثقافي كابوسا يطاردنا في أحلامنا، ونهمل لغة
التعايش والحوار بين أنفسنا وبين الآخرين؟
في
لقاء معه تحدث عالم دين مسلم يعيش في اليابان منذ فترة
طويلة ويدّرس في احدى جامعاتها، كان يصف تغير سلوك
المواطنين اليابانيين معه منذ تفجير مبني التجارة العالمي
في نيويورك في أحداث 11 أيلول وتورط جماعات إسلامية فيها،
وما تبع ذلك من أحداث عنيفة وتفجيرات حتى اخذ الأطفال
الذين كان يداعبهم يخشون الاقتراب منه . فكان المقعد
المجاور له في المترو المزدحم يبقى شاغرا دائما!! لان
اليابانيين يخشون الجلوس بجانب رجل تبين ملامحه أو مظهره
الخارجي انه مسلم!!
هل علينا أن ندق ناقوس الخطر إذا؟ وهل نبوءة صامويل
هنتنكتون في طريقها الى التحقق ، وهاهي ثقافات الحضارات
المختلفة الألوان تصطدم في منظوماتها الفكرية والسلوكية.
مظاهرات عديدة تملأ الشوارع، وجوه شرقية غاضبة منددة
بالتجاوزات بعد الإساءة إلى المقدس لديها، قتل العديد من
المتظاهرين فيها وأحرقت سفارات غربية. بينما الطرف الاخر
متمسكك بما يعتبرونه حجر زاوية في منظومتهم متحججين بحرية
التعبير . وكأن الجميع ترك طريقة الحوار وبدأ بشحذ أسلحته
. وهذا ما يفضله المتشائمون الذين لا يؤمنون بالإنسانية
ومبدؤهم ( الجحيم هم الآخرون) وكذلك المجانين وتجار
الأسلحة!! ولكن هل سألنا أنفسنا لماذا يحدث كل ذلك؟ اجل إن
ما قامت به الصحيفة الدنماركية وتبعتها فيه الكثير من
الصحف كان تجاوزا لا أخلاقيا ومهينا. ولكن حيثيات القضية
لم تظهر على السطح فجأة. هل علي ان أنصحكم بالذهاب إلى إحد
مقاهي الانترنيت ومشاهدة العشرات من المواقع التي يزورها
الملايين من البشر يوميا حيث يظهر فيها (مجاهدون) ملثمون
يقطعون رؤوس أعدائهم (الكفار) على أصوات تلاوة الآيات
القرآنية. او مخطوفون شاحبو الوجوه يظهرون وخلفهم لافتات
اسلامية. مظاهر مازالت منظمات إسلامية وعربية كثيرة تغض
الطرف عنها، او تندد بها بخجل واضح!!
هل ان تقوقع منظومتنا الفكرية العربية في السخرية من
الديمقراطية،تبرر محاربتنا لها لمجرد انها قادمة من الخارج
، أليس في هذا ازدواجية في المعايير لطالما اتهمنا بها
الغرب. والا كيف نفهم استطلاعات الرأي العديدة والتي بينت
الانخفاض الحاد لشعبية المؤيدين لمنظمة القاعدة الارهابية
العاملة في العراق فقط حينما ضربت فنادق في الاردن.
هل علينا ان نجعل الخوف من الغزو الثقافي كابوسا يطاردنا
في أحلامنا، ونهمل لغة التعايش والحوار بين أنفسنا وبين
الآخرين . في رأيي ان الحل يبدأ من المنزل والشارع
والمدرسة التي يجب فيها ان نتعلم لغة التسامح -عش ودع غيرك
يعيش - ان الحقيقة ليس لها وجه واحد دائما ونحن بحاجة الى
المران على ذلك .وبحاجة الى الديمقراطية من اجل الوصول
بمجتمعاتنا الى التعايش والاعتدال وعدم التعصب الى تجاربنا
بشكل مطلق فللآخرين تجاربهم التي علينا ان نحترمها ايضا.
واذا ما وصل مجتمع إلى هذه الدرجة فسيكون مجتمعا متطورا
وصل إلى غايته في طور التكامل،وصدق برتراند راسل حينما قال
"ان بعضا من مشكلات العالم ان الحمقى متأكدون دائما من كل
شيء".
|