المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تـــأثـيـرات فـــوكـنــر

سعد محمد رحيم

ماذا يعني أن يكون روائي معين متأثراً بآخر؟. ماذا يمكنه أن يستعير من ذلك الآخر؟ ملامح من شخصياته؟ بعضاً من أحداث رواياته؟ لغته؟ أسلوبه؟ مناخه الروائي؟ رؤيته؟ هل يستطيع أي روائي التخلص من عقابيل قراءاته السابقة؟ وباختصار؛ ما هي العناصر التي يرثها ليعيد إنتاجها في رواياته؟.
لا شك في أن روائيين عظاماً من طراز ديكنز ودستويفسكي وبلزاك وفرانز كافكا وجويس وبروست وفرجينيا وولف ووليام فوكنر قد غيروا من طرق الأداء السردي وكتابة الرواية، ناهيك عن رؤية من جاؤا من بعدهم من الروائيين إلى العالم.. ولكن؛ كيف يحدث التأثير؟ وإلى أي الحدود يكون الأمر جائزاً؟ يخبرنا غابريل غارسيا ماركيز "أنا أعتقد أن التأثير الحقيقي، والتأثير المهم هو عندما تؤثر أعمال كاتب معين فيّ بعمق لدرجة أنها تبدل بعضاً من أفكاري عن العالم وعن الحياة بصفة عامة".
ليس المقصد من الكلام عن التأثر والتأثير الدخول إلى المنطقة الساخنة للمفهوم الأدبي "التناص"، غير أن الإشارة إلى الأسد كونه عدداً من الخراف المهضومة تكون مفيدة في سياق مقالنا هذا. وأيضاً، هذا لا يعني استبعاد القرابة بين التأثر والتأثير والتناص موضوعياً وإجرائياً.
* * *
باعتراف روائيين معاصرين كبار ليس من السهل التخلص من تأثيرات وليام فوكنر، من إغواء أسلوبه، وحرارة لغته، وطرق تقديمه لشخصياته. وزاوية نظره إلى الجذور، إلى التاريخ القريب، وكيفية تشكل الوقائع والأحداث، في أعماله، على خلفية ملابسات الواقع، ومناورات التاريخ. إذا ما أردنا، بطبيعة الحال، مقاربة التاريخ بعيداً عن صرامة التاريخانيين.
إن بصمات فوكنر، في سبيل المثال، ظاهرة في روايات توني موريسون المولودة في ولاية أوهايو الأميركية في العام 1930 لعائلة زنجية والتي تخرجت في جامعة هوارد في واشنطون بعد أن قدمت أطروحتها المعنونة "الانتحار في روايات وليام فوكنر وفرجينيا وولف" كما في روايتي "الجاز" و "الفردوس"، وهي ـ أي موريسون ـ التي حازت على جائزة نوبل للآداب في العام 1993.
كذلك فإن روائياً من قامة غابريل غارسيا ماركيز يعترف بتأثير فوكنر القوي عليه، وإذ ينكر في البدء مثل هذا التأثير في حوار مطول أجراه معه بيلينيو أبوليو مندوزا مشيراً إلى التماثل الجغرافي، لا الأدبي بين عمله وعمل فوكنر، يحشره مندوزا في زاوية ضيقة بتوجيه انتباهه إلى تشابهات تتعدى النطاق الجغرافي "هناك خط معين من النسب بين العقيد سارتوريس والعقيد أوريليانو بوينديا، بين ماكوندو ويوكناباتاوفا كونتي... عندما تحاول ألا تعترف بفوكنر كعنصر مؤثر مهم، ألا ترتكب بذلك جريمة قتل ضد أقرب الناس إليك؟." يجيب ماركيز: "ربما أكون كذلك، لذلك قلت أن مشكلتي لم تكن في كيفية تقليد فوكنر، ولكن في كيفية تدميره. لقد كان تأثيره يشل حركتي."
إن حوارات ذكية مع الروائيين غالباً ما تفضي إلى مثل هذه الاعترافات، فضلاً عن إضاءة مناطق ظليلة من عوالمهم الروائية التي أبدعوها، فسلسلة من الأسئلة الحاذقة تستفز الذهن تجعلنا نتعرف على مكنونات لا وعي الكاتب، وتمنحنا مفاتيح للولوج إلى ما وراء الظاهر من العوالم تلك، والوقوع على المرجعيات التي لولاها لما كان بالإمكان أن يمضي الكاتب على وفق ما انتهى من بناء عمله أخيراً.
وفي كتاب "حوارات في الرواية" الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع في رام الله في العام 2004 ينجح الدكتور نجم عبد الله كاظم في جعل أربعة من الروائيين العراقيين يعترفون بتأثير فوكنر عليهم، أو يومئون إليه بهذا القدر أو ذاك.... كان المحاور محكوماً بموضوعة رسالته العلمية ومتطلباتها للحصول على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات البريطانية، والروائيون الأربعة الذين وقع الاختيار عليهم كانوا وما زالوا لهم حضورهم الفاعل في المشهد الروائي العراقي والعربي.
يفترض المؤلف، منذ البدء، أن أهمية الحوارات هذه تتأتى من مكانة الذوات التي يحاورها أولاً، ومما تتناولها الحوارات من موضوعات وأفكار وقضايا ثانياً. مركزاً في حواراته على تجارب الروائيين والمسائل الفنية التي تشغلهم، وقضية تأثرهم بالكتاب العالميين. ويكاد المحور الأخير يكون هدفاً أساسياً في الكتاب، وما يعيننا من الكتاب هو تحدث الروائيين الأربعة، أو إشارتهم إلى فوكنر.
يعلمنا جبرا إبراهيم جبرا ـ من مواليد القدس/ فلسطين ـ أنه قرأ فوكنر وهمنغواي بعمق، وفي وقت مبكر.. يقول عن فوكنر أنه " عملاق رهيب وصعب.. لقد سحرني بتجربته الأدبية، وهي تجربة من رأى الرعب، ورأى المأساة، وأحس بآلام البشرية مثلما أحس المسيح بها، وصورها على هذه الطريقة. ترى عنده نذالة البشر وخسة الإنسان. ترى الروعة وتجد وراء تلك الروعة الفجور والشبق والقتل. وهو في تصويره لك هذا فنان خارق بقدرته.." ص36.
ويعترف جبرا أنه تأثر بكتّاب آخرين منهم توماس وولف وبيكوك وديستويفسكي وفرجينييا وولف ود. هـ. لورنس وأوسكار وايلد وأندريه جيد. وحين يسأله المحاور عن شخصية كونتن في "الصخب والعنف" وأثرها في شخصيات رواياته ـ أي روايات جبرا ـ يقول؛ "والله، هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الكلام" ص39.
ويتكرر الأمر مع غائب طعمة فرمان الذي يصر على أن رواية الصخب والعنف لم تعجبه، ولكن حين يكشف له المحاور عن نقاط الالتقاء والتشابه بين روايتي "الصخب والعنف" لفوكنر وروايته هو ـ فرمان ـ "ظلال على النافذة" يقول الأخير؛ "يجب أن أقول أني مندهش لاكتشافك هذه الأشياء. فهي غريبة جداً، ولكنها تبدو صحيحة، وليس عندي اعتراض عليها" ص109.
ويعرج فرمان إلى مسألة تأثره بكتّاب من أمثال ديكنز وشتاينبك وكولدويل وهمنغواي. ويقول أن الكاتب الذي تأثر به أكثر من سواه هو دوس باسوس ولا سيما في ثلاثيته "الولايات المتحدة" ويؤكد تأثره بفوكنر إلى جانب تأثيرات الكتّاب الروس، وبعض الكتّاب الفرنسيين.
ويرى فؤاد التكرلي أن الإعجاب لا يعني التقليد، فهو معجب بحسب قوله بهمنغواي وشتاينبك، بسبب جملة من الخصائص الفنية التي تمتاز بها رواياتهما، ومنها "الإيجاز في اللغة، البناء الفني المحكم، الاستعارة، تجميع الأحداث بهدوء، التعبير عن سمات إنسانية عميقة في أعمال بسيطة" ص52. غير أنه ـ أي التكرلي ـ يأخذ على فوكنر مبالغته في البحث عن تكنيك جديد، ومحاولاته اللغوية المستميتة لخلق عوالم كثيفة، على حد تعبيره.
أما عبد الرحمن مجيد الربيعي فيومئ إلى تأثره بالرواية الوجودية، وبإعجابه بهمنغواي ووليام فوكنر، وأن تجربته الصحفية قربته من همنغواي كثيراً لأن الأخير كان صحافياً ومراسلاً حربياً. وبعد أن يشير إلى قراءات واسعة يقول؛ " وأنا أعتقد بأنني رغم إعجابي بعدد كبير من الكتّاب والأعمال فإنني لم أجعل هؤلاء الكتاب يؤثرون فيّ بالدرجة التي تجعلني، أو يجعلونني أقلدهم" ص68.
وإذا كنا نمتلك تراثاً سردياً غنياً فإن الرواية هي تخريج سردي أوروبي مرتبط بمرحلة نمو المدينة الحديثة، وصعود البرجوازية كطبقة قائدة للفعل الاجتماعي في عصر التنوير، وما بعده، حيث الدخول، من ثم في حقبة الثورة الصناعية. وقد استعرنا نحن هذا الشكل الأدبي المستحدث. وحاول الرواد الأوائل من الروائيين العرب استناداً إلى عوامل مساعدة عديدة ومنها تراثنا السردي الذي هو جزء من ثقافتنا، وخروجنا من قرون الظلام، ودخولنا عتبة عصر النهضة.. أقول؛ حاول أولئك الرواد تبيئة هذا الجنس الأدبي، فصارت الرواية جزءاً مهماً من إبداعنا المعرفي والفني الراهن. ولذا كان التأثر والتأثير حالة طبيعية وغير معيبة، لا سيما أن كثراً من الروائيين العرب استطاعوا، بمرور الزمن، اكتساب صوتهم الخاص، ونغمتهم المميزة، وأساليبهم المتفردة.


اشكالية الترجمة في الثقافة العراقية .. آراء ووجهات نظر
 

استطلاع: علي الاشتر

يرى (ارموند كارب) وهو مترجم ومنظر كبير، ان (الترجمة هي العملية التي تقوم بايجاد نظائر بين نصين معبر عنهما بلغتين مختلفتين، بحيث تراعي هذه النظائر، بشكل دائم وضروري طبيعة النصين، جمهورهما، اي مستقبلي النصين، وكذلك العلاقات الكائنة بين ثقافة الشعبين ومناخهما النفسي والفكري والعاطفي، بالاضافة الى جميع الظروف المحيطة بالعصر والمكان اللذين يترجم منهما واليهما). وهي، اي الترجمة، وسيلة للتفاعل الحضاري والثقافي بين الشعوب والامم، وليست مجرد وسيلة (دعائية) للتعريف بالمنتوج الثقافي او الاقتصادي او الترويج السياحي، الاهم هو العمل على تهيئة شروط التفاعل بين الحضارات والثقافات من اجل تعزيز ودعم التواصل الانساني.
والملاحظ في المشهد الثقافي العراقي، الحاجة الماسة لتطوير الترجمة العراقيين بالاتجاهين من اللغات الاجنبية الى اللغات العراقية وبالعكس، اضافة لترجمة المنجز الثقافي بين اللغات العراقية. وواقع الحال ان (مؤسسة) الترجمة العراقية الثقافية سواء اكانت افرادا أم جهات حكومية، لم تستطع الارتقاء بمستوى الاداء ولاسباب ذاتية وموضوعية، وهكذا بقيت الترجمة العراقية (مختلفة) عن ما ينبغي ان تؤديه من وظيفة مركبة في التفعيل الثقافي.
وتؤكد الاحصائيات التشخيص القائل بـ (تخلف) الترجمة العراقية، فقد رصدت (فضيلة يزل) عن دار الشؤون الثقافية، ان عدد الكتب المترجمة منذ منتصف الثمانينيات (96) كتابا، منها 9 ضمن الموسوعة الصغيرة و(9) ضمن سلسلة كتب النشر المشترك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتاب واحد ضمن سلسلة كتب دار النشر التونسية، اما في عام 1987 فقد اصدرت الدار (33) كتابا ضمن سلسلة المائة كتاب الثانية بضمنها كتاب ضمن الموسوعة الصغيرة. وفي (1988، 89، 90) اصدرت (89) كتابا، (7) منها ضمن الموسوعة الصغيرة. ومنذ 1991 حتى 2004 اصدرت الدار ما مجموعه 110 كتب بينها (10) ضمن الموسوعة الصغيرة، وبذلك يكون المجموع (328) كتابا.
اما دار المأمون للترجمة والنشر، فلم تخرج سوى (130) عنوانا خاصة بها و(7) عناوين بصورة مشتركة.
ولاشك في ان التحولات التي طرأت بعد التاسع من نيسان 2001 تفرض على القائمين بالترجمة، افرادا وجهات حكومية وغير حكومية، المباشرة بتفعيل عملية الترجمة باتجاهيها، وتطوير تعليم وتدريس اللغات والترجمة. ان واقع الترجمة العراقية يطرح العديد من التساؤلات التي تنتظر الاجابة الاجرائية عليها، وقد عنينا باستطلاع آراء ووجهات نظر عدد من المترجمين لعل في آرائهم ما يشخص ويشير ويقترح سبلا لتفعيل عملية الترجمة.
وفي ميدان الترجمة العكسية يمكن للمثقفين العراقيين في الخارج ان يسهموا الى حد كبير في عملية الترجمة الى لغات البلدان التي يعيشون فيها، وتجدر الاشارة هنا الى الجهود الطيبة التي تبذلها الدكتورة ياسمين حنوش في ترجمة الاعمال الثقافية العراقية في الولايات المتحدة، فقد ترجمت رواية (الفتيت المبعثر) للروائي العراقي المغترب محسن الرملي والتي فازت بجائزة احدى الجامعات في امريكا.
الاختيار النزيه
الاستاذ عادل العامل، اكد على ضرورة ايصال نتاجنا الفكري الى العالم على اساس الاختيار الجاد والنزيه، وقال (بقدر ما كان لدينا منذ اوائل القرن الماضي، اهتمام بترجمة الاعمال الفكرية المختلفة في الغرب بوجه خاص، كان هناك انعدام تقريبا، إلا في النادر، في ترجمة نتاجنا الفكري هنا في العراق الى لغات الغرب، او غيره من بقاع العالم.
ولم يكن حتى هذا النادر الذي تمت ترجمته بالذي يستحق الترجمة ولا في النادر ايضا، لانه حصل في الغالب من قبل مؤسسات الثقافة الرسمية التي يتحكم بنشاطاتها انصار السلطة القائمة ولم يكن ليحظى بترجمة اعماله الى لغة اخرى الا من كان جزءا من تلك السلطة او قريبا من خطها الفكري. وهي كما نعرف جميعا اعمال لا تعكس الوجه الحقيقي للثقافة العراقية الاصيلة، ولا تشكل اسهاما جادا في عملية التواصل المتبادل بين هذه الثقافة وثقافات العالم. وهذه المهمة لا يمكن ان تتحقق على النحو النزيه المنصف إلا من خلال لجنة من افضل ادباء القطر وفنانيه ومفكريه ونقاده تضع الاسس والقواعد التي تحكم ضرورة او استحقاق ترجمة هذا العمل او ذاك من الاعمال الابداعية العراقية الى اللغات العالمية، وعملية ايصاله الى قراء العالم ومؤسساته و اوساطه الثقافية ويمكن التنسيق، في هذا الاطار مع هذه المؤسسات لتسهيل هذه المهمة واستمراريتها على النحو الذي يهتم بالجانب النوعي من الموضوع في المقام الاول.
الخاص والعام
واهتم الاستاذ جودت جالي على صياغة وجهة نظره من خلال تجربته الخاصة (الذاتية)، وعلاقتها بالوضع العام، اي الظرف الموضوعي للمترجم فقال (رحم الله امرءًٍ عرف قدر نفسه فوقف عندها. انا لم انتم الى جمعية المترجمين ولم اسع الى الحصول على هوية اتحاد الادباء وكان الامران في ميسوري منذ زمن بعيد، فلست مترجما بالمعنى الاكاديمي ولا اديبا وانا اعرف القراءة بلغتين الفرنسية والانكليزية، وعلى تمكن لا بأس به من التعبير بلغتي العربية فاستعين بهذه المعرفة، وهذا التمكن لانقل نصوصا او معلومات الى القارئ حسب قدرتي التي اعرفها جيدا فاختار ما يناسبها وما يناسب اهتماماتي. بحيث لا اكون ملزما ولا ملوما على خطأ (نص فيه المعنى او الفكرة هي الاساس او نص فيه معلومات تاريخية او سياسية من ضمن اهتماماتي، وما الى ذلك. وتركت النصوص الفلسفية وذات الاختصاصات والتي في نطاق الاشكال والتي تعتمد اللعب على الالفاظ وغير ذلك من جماليات اللغة نفسها لمن يدعي انه مترجمها). انتابني في اوائل التسعينيات ما ينتاب المترجم من التحدي اذ قرأت في مجلة اجنبية مقالا مزدوج اللغة عنوانه (بيكيت وشانفور والترجمة الذاتية) يتحدث عن اسلوب بيكيت في كتابته لنفس النص مرة بالفرنسية ومرة بالانجليزية وعن نصين متقابلين واحد مجموعة حكم للفيلسوف الفرنسي شانفور والاخر بالانجليزية للحكم نفسها كتبه بيكيت وما هي الفوارق بينهما. ترجمت المقال ونشر وقتها في مجلة الثقافة الاجنبية وقد عرض علي احد الاخوان العاملين في دار المأمون انذاك ان اعمل فيها او اترجم لها، ولكن السؤال الحاسم كان هو (هل استطيع الترجمة الى لغة اجنبية؟) والمقصود ترجمة كتب بتكليف طبعا، وليس ترجمة مقال وفق اختياري او مخاطبة، فكان جوابي المباشر (كلا)، واحببت مرة ان ارى نصا من نصوصي باللغة الفرنسية، فاعطيته لصديق توسمت فيه المقدرة اكثر مني على ترجمته فقد كان مختصا بالفرنسية ودرسها زمنا داخل العراق وخارجه فصارحني بأنه لم يجرب (الاتجاه المعاكس). مع ذلك خضنا التجربة وقد ترجم الصديق ترجمة صحيحة تماما من ناحية القواعد والمقابل المعجمي، ولكني حين قرأت نصي (الفرنسي) وجدت ان نصي العربي قد شحب فيه وتصلب كثيرا فوضعت الاثنين جانبا وشرعت بكتابة نص ثالث بالفرنسية مباشرة بالمعنى نفسه دون التقيد بحذافير النص الاول. السؤال هنا هو اذا كنت استطيع التصرف بنصي، هل يحق لي التصرف بنص غيري؟ وما العمل اذا كان النص فكريا او فلسفيا ينطوي على مفاهيم حضارية دقيقة اذا استسهل المترجم ترجمتها فانه يضع بين يدي القارئ نصا لا علاقة له بالنص الاصلي؟
قرأت في الثمانينيات ترجمات لاعمال رولان بارت وعنها فوجدت فيها بعض الغموض والجفاف، وحين سنحت الفرصة لي ان اقرأها بلغتها دهشت لانني اكتشفت ان الرجل على عمق وتعقيد افكاره قد كتبها بوضوح ممتع فلماذا فقد هذا الوضوح وهذا الاقناع في رولان بارت العربي يا ترى؟).
الحكمة المستفادة من المثلين هذه هي ان اللغة عند المترجم ليست مفردات تحفظ وقواعد نحوية تتقن وحسب، بل هي موهبة وذائقة وفهم للبعد الحضاري للمفردة ومعرفة لظلال المعاني الدقيقة، هي وعاء وباب حضارة يجب ان تعاش وتمارس يوميا حضارة تتطور وتتحول وكل يوم تأتي بجديد، وعلى المترجم من لغته اليها ان يفهم أذواق الشعب الذي يتكلم بها من المنابع وعليه العيش زمنا مناسبا في وطنها وبين اهلها ولابد لهذه المعايشة من ان تكون بالمعنى الاكاديمي بقصد بناء كيانه كمترجم ويحصل من مؤسسة ثقافية معتد بها هناك على شهادة تؤكد حصوله على درجة مناسبة من التمكن، والذي يقول بغير هذه الضرورة هو اما مدع او جاهل.
على المؤسسات الثقافية العراقية ان تيسر السبل ماديا وثقافيا لمن تتوسم فيهم من خريجي اللغات (الموهبة) والمهارة للوصول الى هذا المستوى وتضع برامج وتخضع المترجم لامتحان عسير. كان واردا، لا بل لازما في ظل النظام السابق التساهل في هذه الشروط لاننا كنا نعيش عزلة ثقافية لا مثيل لها وفي بلد لانهاية لحروبه وخدماته العسكرية ومحاذيره السياسية التي قتلت فينا التطور وجعلتنا نقف عند حدود معرفة القراءة بلغة اجنبية لا اكثر. واتمنى ان ياتي يوم لا يكون فيه نموذجنا هو الغالب على ميدان الترجمة، والى ان يتم هذا لا باس بنا كمترجمين ولكن على شرط (رحم الله امرؤاً...).
مترجم آخر
واشركنا المترجم الشاب مفيد الصافي ليدلي برايه في شأن الترجمة العراقية، فقال: (لاشك في ان الترجمة من اللغة الام الى اللغة الثانية تحتاج الى مهارة وخبرة اكثر من ان تنقل نصا من الانكليزية الى العربية فانت في الحالة الثانية بحاجة الى ان تصل بترجمتك الى قارئ انكليزي باسلوب يستطيع به ان يهضم النص الاصلي، وهنا تبدأ (ثقافة وخبرة) المترجم وكذلك اسلوبه وقدرته على نقل النص والتعامل معه، ويجب على المترجم ان يجيد اللغتين واساليبهما واسرارهما وربما تجد الكثير من المترجمين من يستطيع ان ينقل النص من الانكليزية الى العربية ولكنك لن تجد الكثير ممن يقوم بعكس هذا وقلة عدد المترجمين ذوي الكفاءة الذين ينقلون النص من العربية الى الانكليزية مرده إلى اسباب تتعلق بالمترجم نفسه اولا لان اللغة الثانية ربما لا تكون لديه بنفس مهارته باللغة الام وهذا طبيعي، كما ان قلة احتكاك المترجم بالمجتمع الذي يتكلم لغتهم تؤثر على مستوى ترجمته وقدرته ولابد للمترجم من التخصص لكي يلم بكل مستويات المعاني التي يتعامل معها. وهناك بون شاسع بين الترجمة الحرفية والترجمة النفسية والاخيرة تحتاج الى خبرة كبيرة ولا ننسى ان اللغة مثل الكائن الحي يتجدد كل يوم ولهذا على المترجم الناجح ان يتابع التغيرات والمفردات الجديدة).


حرية التعبير وحدود التعبير
 

علي بدر
بعيدا عن التبجحات التي تظهر هنا وهناك، بعيدا عن الحوار الرصين أو غير الرصين ، بعيدا عن النقاش الجاد أو الهابط، بعيدا عن الجدال الحاذق، أو الكتابة المتحذلقة... بعيدا عن كل شيء تقريبا...وأقول كل شيء أقصد حينما يدخل المتحاورون مرة أخرى في جدال وسجال وتفرعات وتشنجات عن التعبير وعن حرية التعبير، عن القمع أو عن فوضى التعبير، والأمر ليس من السهل تقريره كما يعتقد البعض، مطلقا، فهو في صلب حياتنا ووجودنا وكياننا، إنه التعبير... الشيء المقدس والذي به نحيا ونكتسب آدميتنا... ولا بد من أن تكون لنا حرية في التعبير، ولكن ما هي هذه الحرية؟ وما هي الحدود التي يجب أن لا يتخطاها التعبير؟
اتصل بي الصحفي الاسباني الفونس اليخندرا قبل أيام مستفسرا عن رأيي بما يحدث اليوم في العالم الإسلامي، بعد نشر رسام دنماركي صوراً كاريكاتيرية عن الرسول الكريم، وهو في سبيل كتابة تحقيق وأخذ وجهات نظر مثقفين من العالمين الغربي والإسلامي، من أوربا ومن إيران ومن تركيا ومن العالم العربي أيضا، وأرد أن يعرف حقيقة ما يحدث، وما يدور، وكان يسأل أسئلة عديدة، بعضها يشغله هو كمهتم في شؤون العالم العربي والإسلامي، والآخر أراد أن يقف على صورة واضحة عما يجري هنا، وأثناء الحديث معه على الهاتف دخلنا في جدال مرة أخرى عن حرية التعبير...وعن حدود حرية التعبير.
هل للحرية حدود؟ هل للتعبير حدود؟
طيب لنقل أن لا حدود لأية حرية...وعلينا أن ندافع عن حرية مطلقة، ومنفلتة، وعن تعبير شامل، وكامل، وغير منقى، ولا منقح، وأن نقول ما نشاء، وما نرغب، وما نشتهى، وندخل في فردوس الكلام المباح، بلا قانون ولا رقيب ولا حسيب ولا نظام ولا أي شيء من هذا...ولن نسمح لشخص بالتدخل أو المعاقبة أو المراقبة...وأنا أقصد هنا في التعبير فقط...يعني أن ندخل فيما يسميه (بندا) الفوضى الشاملة للتعبير...وهي الفوضى التي تحدث حينما تتداخل أنسقة تعابير مختلفة مع بعضها بصورة مشوشة، ومتراكبة، ولا يراعى فيها الفهم ولا إنتاج رسالة، ولا مضمون، وسوف يسود في النهاية تعبير واحد بطبيعة الأمر هو تعبير الأقوى، طالما لا نظام يحكم، ولا قانون، ولا حدود، ولا رادع...إذن سنصل دون شك إلى قمع التعبير.
المشكلة أن مفهوم حرية التعبير
la liberté d’exprission قد ترحل من مفهوم أدبي خالص ظهر في فرنسا إلى حياة عامة تشترط في وجودها وإمكانية تحققها وجود القانون، والنظام، والتعليمات المنظمة والمرشدة، وإلا فلا حياة في الفوضى ولا إمكانية وجود، ولا تعايش، ولا استمرار، ولا أي شيء من هذا، فالتعبير ينعدم دون شك في الفوضى الشاملة للتعبير...ثم هل ثمة وجود لعالم وسط هذه الحرية...بالتأكيد لا..هذه حرية متخيلة وغير موجودة على الإطلاق...والعالم لا يمكن أن ينشأ دون تنظيم وضوابط وأسس تكفل له وجوده واستمراريته، الحرية لا تتم إلا في ظل احترام شامل وكامل للقانون، وهذا الأمر يدركه الغرب قبل غيره، في فلسفته وفي آدابه وفي ثقافته، صحيح نحن نجد صيحات من الغرب هنا وهناك تنادي بحرية شاملة غير مشروطة، وبتعبير منفلت غير مراقب ولا معاقب، وبفوضى معممة وهي مسموح بالمطالبة بها ولكن غير مسموح بتطبيقها...والغرب لا يسمح بتعبير مشكك بالهولوكوست، ومن يتجرأ على أن يصل بحريته إلى الحدود الحمر التي يضعها يعاقب كما حصل لروجيه غارودي في فرنسا، وهناك قوانين ظالمة تخص حرية التعبير في أوربا مثل قانون فابيوس وقانون دراي وبتشكن وغيرها...صحيح أن الأمر لا يصل لديهم إلى حدود التصفية الجسدية كما يحصل في بلداننا ولكن لديهم قوانينهم المنظمة للتعبير ولا وجود للفوضى الشاملة.
طيب أنا مع حرية التعبير...مع حريتك في أن تقول ما تريد...وأن تطالب بحقوقك وأن تعبر عن هواجسك وأحلامك وأن تنتقد وتسخر بشرط أن لا تعتدي على كرامة الآخرين وأن لا تنتهك إنسانيتهم وتشكك بوجودهم وتظلم حقوقهم وتطالب باستئصالهم...قضية رسام الكاريكاتيور الدنماركي لا تتعلق بفنان مارس حقه في حرية تعبيره في الفن فواجه موجة قامعة استبدادية متخلفة كما يصورها الغرب...إنما شخص عنصري يرشح بالكراهية والنفور والاستجناب (كره الأجانب) ومحرض عدواني لديه رسالة موجهة...ويعرف لمن وجهها...وأنا أعتقد أن الرد العربي والإسلامي يجب أن ينصب على فكرة عنصريته وحدها، أما فكرة المقدس فهذه الفكرة لا يفهمها الغرب ولا يعتقد بها، وبذلك سندور في حلقة سوء الفهم مرة أخرى.


معرض (توقيعان على لوحة واحدة) لأناهيت سركيس وكاظم الخليفة .. أعمال لا تنتج سوى زمنها الخاص وتجربة تعيد صياغة التأمل في بلاغة جمالية
 

فيصل عبد الله
في معرض "توقيعان على لوحة واحدة"الذي يحتضنه غاليري بوسكا في المركز البولوني-لندن ، تعود الفنانة العراقية أناهيت سركيس ومحاورها كاظم الخليفة الى تجربة سبق وان طرقاها من قبل. تلك التجربة التي أرادها الفنانان، ان تفتح سجالاً فنياً حول فردية إنجاز اللوحة. هل بالامكان فعلاً إنجاز لوحة تحمل توقيعين؟ وكم يضمن تعدد الأصوات والحساسية الفنية نجاح العمل الفني؟ وأين فردية الفنان؟ بطبيعته الحال يندرج المنجز التشكيلي، بغض النظرعن صياغاته النهائية المودعة على سطح اللوحة، ضمن مسعى فردي يتوجه الى المتلقي بمشروع خاص. وخصوصية المشروع نابعة من تمكن الفنان، أياً كان، من أدواته التعبيرية والمعرفية وثقافته البصرية من جهة. وفي التنبيه عن جمال مرتجى او محتمل من جهة ثانية. لكن السؤال المحوري يعود مرة ثانية ليكرر نفسه، هل حقاً يتسع سطح اللوحة الى هواجس القلق وإغراء المغامرة المزدوج في المضي الى أخر شوط لعبة البحث؟
-ولئن كان البحث والتجريب الفنيين عادة ما يفضي الى طرح أسئلة. فان سركيس والخليفة يبدوان في إشتغالاتهما الجديدة، غير معنيين بطرق السائد، بقدر ما هو إنغمار في تقصي لحظات زمنية بعينها وبكثير من الحميمية. تخفف من حياة ومصادرات صارت تدور حول نفسها عبر"الارتماء"في دراما "المغامرة وتحمل مخاطر العوم سوية، على حال الجلوس ومراقبة الممكن واللا ممكن من جرف التمني والخيال"كما تقول بطاقة التقديم لتجربتهما في بطاقة المعرض. ولعل المضي في دراما المغامرة، يقلب حرجها الى نصوص تشكيلية نجدها مبثوثة في إشتغالاتهما التي تجاوزت العشرين عملا، والمنفذة جميعها بالاكليرك وبعض المواد الأخرى. تلك التي أختار لها الفنانان عناوين حميمية، أليفة، قريبة من النفس، يومية، متداولة الى حد الاستهلاك. تبدأ بسلسلة من خمس لوحات، ذات أحجام متوسطة، وغلبت عليها الألوان المائلة للخضرة. تلك السلسلة أطلق عليها عنوان واحد "حديقة للسيد هاء"، من هو السيد "هاء"ذلك متروك للمتلقي. ورغم ان هذه السلسلة تبوح بالقليل، الا انها تستوقف الناظر في طريقة إنشائها الباهرة وفي متعة تأملها بما تبوح به من مكاشفة روحية.
-وعلى المنوال نفسه تكرر سلسلة "الحقل"الرباعية، المنحى التجريبي أياه، في التسلل بوجل الى مناخاتها الجمالية الصامتة. صمت أقرب الى القول. إعادة صياغة تأمل وإكسابه بلاغة جمالية. لكن بجوارهما تفتح سلسلة "طاولة لزياد حيدر"، ثلاثة أعمال متوسطة الحجم، ومنفذة بألوان حارة، باب الذكرى. ذكرى فنان أختطفه الموت قبل ان يقيم في منفاه، وقارب في اشتغالاته ما أراده جيل سركيس والخليفة ان يتوصل أليه. وما اختيار الألوان الحارة، جاء من باب استحضار لوعة هواء الغياب والخسران. تلك اللوعة خص بها الفنانان المثالة والسيدة الراحلة دلال المفتي عبر زاوية في معرضهما السابق.
-فيما تتخذ سلسلة "دراسة لإناء من فخار"، ثلاثة أعمال وباحجام كبيرة، من اللون حجتها في استكناه معنى الفخار. طين أتخذ شكل الصلصال، لكنه ضاع في فضاء تأملي. لم يبق من ملمح الطين سوى تبدلاته اللونية الأثيرة المفروشة على قماشة اللوحة، وما عداه إشارات مقلقة ومتقشفة في صنعتها. ولكونه تبريراً فنياً للحظة تأمل، فانها تقدم دعوة إغراء من خلف خطوطها الهندسية. ومن أجل توسيع دائرة الحوار ووحدة الموضوع، فقد تنبه الفنانان الى تعليق سلسلة من ثلاثة أعمال قديمة حملت اسم "دراسة لجرف النهر"مقابلها. وفيها استحضار فني للتشكلات التي تتخذها الكتل الطينية بفضل دربة يد الطبيعة ونزقها، وعقد أصرة فنية بينها وبين شكلها الحديث ذلك المستقر على سطح اللوحة.
-ولانها تجربة من دون حسابات مسبقة تتوقف عند مراجع التقليد، فانها تندرج ضمن مسعى التمرد الخافت على فضاءات تم طرقها. ففي الفن، كما في الحياة، لا يمكن الركون الى تجربة واحدة وحاسمة. بل إن طلق الفن والحياة، على حد سواء، يتسع لهواجس القلق ومتعة المغامرة. ورهان شجاع مثل هذا ينبذ، في شكل من أشكاله، المدرسية الصارمة نحو السير في دروب العفوية والتآلف في إنجاز "حدود اللوحة الواحدة المشتركة، الى مستوى مغامرة التعاطي مع العملية الابداعية من خلال الشراكة في العمل والتصور والإنجاز للمشروع كله".
-هذا المشروع لا ينتج سوى زمنه الخاص به. زمن متعة الاقتفاء، والعفوية، والبحث عن مصادر غير تقليدية قابعة في بطون الكتب وخزائن التاريخ. وأحسب إن تجربة سباقة مثل هذه في الفن التشكيلي العراقي، في الأقل، تضع إشتغالات اناهيت وكاظم السابقة موضع المساءلة، مساءلة لا تبحث عن أجوبة جاهزة، بقدر ما إنها تؤشر الى الإنغمار في أتون اليوم وتفاصيله المبثوثة حولنا، ذلك إن "كل الأصوات المتداخلة ثنائياً في الفن تحمل قلقاً خفياً حيال هاجس المصادرة والوصاية مهما كان ملغى مبدئياً او مستتراً، فهذا القلق هو الذي يطغى في آخر المطاف. وهذا ما يفسر ندرة شيوعها في التشكيل كفن او غيره من ضروب الابداع التأملية"، كما تقول المقدمة المرافقة للدعوة.


الفنان التشكيلي مهند العلاق:في أعمالي هناك أفق مفتوح على التأويل والرؤيا والأمل

تقديم وحوار / كريم النجار

يثير الفنان العراقي مهند العلاق المقيم في هولندا والمغترب عن بلده منذ ربع قرن في رسوماته حواس المتلقي ويستفزها، ليس بكونها رسومات غير مألوفة وغرائبية الشكل، بقدر ما تثيره من أسئلة وجودية وابداعية لها علاقة بطبيعة الإنسان ومأزقه الحياتي. فهو يعمل على تشذيب مفرداته التشكيلية إلى أبعد حد في مواجهة تغيرات بنيوية هائلة تطرأ على عالمنا المعاصر كل يوم، وكأنه بهذا الفعل يرد أعتبار البراءة المهدورة وحلمه المسفوح على سنين غربته وتغربه.. فنان يحمل صدى الوجع المتأصل في الجذر العراقي ويكاد المرء يرى رجع هذا الصدى في تلابيب روحه ولونه ومفرداته الضاجة حينا والمختزلة إلى أبعد حد في أحايين أخر، فهو يبحث عن الجوهر المختفي في السؤال وعن التضاد في المألوف، وعن الطبيعة التي لم تحرث بعد، يشتغل بوعي وأحيانا خارج الوعي ليؤالف بين الحقيقة وتضادها وكأنه يتمثل قول الفنان الايرلندي بيكن "ما قُدّر لأي شئ أن يعمل في حالتي، فسوف يعمل بدءا من تلك اللحظة التي لا أكون فيها واعيا بما كنت أفعله، أنها حقا مسألة القدرة على نصب فخ يستطيع المرء فيه أقتناص الحقيقة في أكثر نقاطها حيوية".
اراد منتصف سبعينيات القرن الماضي دراسة الفن في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، فوجد نفسه في كلية الاقتصاد جامعة الموصل لأنه كان شيوعيا ولم ينتم لحزب البعث، لكنه وجد ضالته في العون الذي قدمه له أستاذه في الكلية آنذاك الفنان القدير راكان دبدوب، وحين ضاقت مساحة الحرية والرأي واتسعت سجون البلاد وجد نفسه يرتقي جبال كردستان مع رفاقه الشيوعيين تمردا على واقع سيجر العراق فيما بعد إلى أتون حروب ومآس متواصلة، ومن كردستان حيث سوريا ومن ثم هنغاريا التي واصل دراسة وتدريس الفن في جامعاتها حتى أمتدت به مساحة الغربة إلى الاراضي المنخفضة "هولندا".
في بيته الواقع في مدينة "اوترخت" وسط هولندا الذي هو عبارة عن مرسم حاشد بالاعمال في كل زواياه التقيناه هناك وجرى هذا الحوار:
- هناك بعض الثيمات والرموز تتكرر في اعمالك، في التكوين الذي يقترب من شكل المركب وقرن الثور الذي يتكرر في بعض الأعمال. ما محمول ذلك في عملك؟
* أعتقد أن فكرة المركب لها علاقة اساسية بدور العقل، التفكير، الابتكار، بصناعة شئ مفيد يساعد على تواصل واستمرار حياة الإنسان. هذا بتقديري ما جاء بفكرة اكتشاف المركب.. وهو عبور مكاني وزمني من مكان لآخر.
- أو لنقل أن لها ارتباطاً بسفينة نوح كمعبر للتشبث بالحياة؟
* هذا أكيد، الميثولوجيا تعرش بين ثنايا الموضوعة، بشكل خاص تلك المتصلة بالعمل، تلك الفكرة المتصلة بالخلاص والبقاء والمستقبل ، وأزلية الحركة ولا نهايتها، المركب الذي لا يغرق.
- هناك انشاءات مختلفة على صعيد اللون والمادة، ملمس المادة الخشن، أرى في أغلب الاعمال هناك بؤرة أو ركيزة أساسية تكمن في وسط العمل أو أحدى زواياه، ومن ثم تنشأ منها وحدات أخرى تصل الذروة، هل تقصد بها تكثيف الوحدات إلى أقصى حد؟
* الحقيقة أن مفهوم اللوحة يتكثف في المشهد المحدد والواضح المعالم، والتعامل معه يجري في الغالب عبر المدخل.. كيف تشرع بالعمل وتتجول في جميع أسراره وتفاصيله بمنهجية وأحيانا ببساطة متناهية. لذلك تكون هناك أحيانا بؤرة في الوسط أو في إحدى الزوايا.. وأنا اسميها المدخل للعمل أو كلمة السر لتوزيع تفاصيله الأخرى. ولا أعني هنا أن اللوحة سر غامض، بما أنك تستعمل حاسة العقل في اكتشاف المطروح أمامك.
- قصدت عبر هذا السؤال الحديث عن الفضاء المفتوح في أغلب اعمالك، هناك فضاء واضح المعالم واحادي اللون تتكون منه خلفية اللوحة (البكراون). مفهومك لهذا الفضاء.. هل بقصد التقشف أم لإبراز الكتلة وتحديد بؤرتها؟
* عادة اللوحة تحمل الحل معها، أنا لا أطرح المعضلة وأجعل المتلقي في حيرة وفي مأزق وحال نفسي تعيس. في لوحتي ثمة نوافذ للإطلال عبرها.. ليس لدي شيء مغلق، فأنا أنظر أن هناك دائما غداً مشرقاً في المستقبل، لذلك ترى في أعمالي دائما هناك أفق مفتوح على التأويل وهناك رؤيا وأمل ومجال واسع للتأمل في رؤية شيء قادم.
- توجد مسألة أخرى تتوارد في أغلب أعمالك التي تأتي على شكل سلسلة غير متناهية، حيث يطغى على إنشاءات بنائها اللون الأحمر.. ما دلالات ذلك برأيك؟
* كل عمل وكل فكرة تتطلب أخراج الشكل النهائي، الفكرة هي التي تفرض عليك تحديد اللون والحجم، عندما أرسم حقيقة لا أرى الألوان، أنا أتحسس اللوحة فقط.. في إحدى المرات كنت أرسم في الظلام (كان ذلك خارج المرسم في الطبيعة) وبدون استعمال أي ضوء، وقد وجدت نفسي في النهار التالي أن الألون التي استخدمتها كانت حقا تحتاج لها اللوحة.
اللوحة هي التي تطلب اللون والشكل بالنتيجة النهائية، اللون داخل العقل ولا يوهب أو يرى أثناء العمل، حيث تكتمل في داخلك قبل أن تشيدها على سطح القماشة.
- جانب آخر يتكرر في أعمالك ذات الحجوم الكبيرة وهو اشتغالك على عملية الاختزال اللوني والاقتصاد إلى أبعد الحدود، حتى في تكوين وحدات العمل، وهي مفارقة إذا قارنا بين أعمالك الصغيرة الحجم والتي تحتوي على حشود وإنشاءات تكاد تأخذ مساحة العمل أجمعه؟
* قلت أن كل التفاصيل الصغيرة هي التي تشكل المشهد الأكبر الذي تحتاجه المحصلة النهائية، نفس الشئ بخصوص الأعمال الصغيرة التي هي بالنتيجة تكون عملا كبيرا.. حيث اعمل على نوع من أنواع "الاستنليشن" بجمع مجموعة من الأعمال الصغيرة تتواصل مع بعضها كي تشكل مشهدا أكبر، ولهذا أن أي تفصيل صغير يجب أن يعمل بدقة متناهية، في حين ترى حجمه الأكبر يجب أن يكون غير مثقل ومرهق للعقل والعين.
- هناك محاولة أثقال العمل بكثرة استعمال المواد الخشنة وإبراز الكتلة باعتبارها محورا اساسيا في البناء.. هل يدخل هذا في محاولة لتجريد تفاصيل العمل وإعطائه بعدا رمزيا أكثر.. أم هو محض تكنيك تلجأ اليه؟
* أعتقد أنه سؤال تقني مهم للغاية والجواب عليه غاية في السلاسة والوضوح، نحن في هذه المهنة لدينا مواد للعمل كالصحفي والكاتب أيضا يملك أداته في اللغة والصياغة، نحن أيضا نملك بالاضافة إلى التعابير طبيعة المواد، فهي أحيانا صلبة وسائلة وأحيانا على شكل مساحيق. ووظيفة المادة تساعدك في التعبير عن الفكرة وعن الرؤية وعن إيمان بالشيء المحدد، لذلك تحاول أن تستعمل كل شيء ممكن أن يدخل داخل حدود العمل الفني دون أن يؤثر على النتيجة النهائية ويكون مقبولا.. وكل شيء يتداخل كيميائيا مع بعضه البعض ويخدم اللوحة أعتقد من حقك أن تستخدمه، ولهذا أن استعمال مواد مختلفة البناء "ستركجر" مع بعضها البعض في رأيي مهم وضروري لأسباب كثيرة تجعلك تستخدمها في تفاصيل العمل الفني كمعبر عن تفاصيل حياتنا المتنوعة.
- ما الذي يدفعك لرسم فكرة معينة على القماشة؟
* أولا لأنني رسام، ومهنتي في الحياة أن أكتشف ما لا يكتشف ببساطة، أرى ما لا يرى من قبل الآخر، لذلك تجدني لست متطفلا بقدر ما أنا مراقب بحلمية واستشعار لما يحدث من خلال متابعة وسماع الاشياء ورؤيتها والاحساس بها.
- تثيرني موضوعة مهمة لديك وهي اهتمامك وعملك على أصدار مجموعة من الكتب الرسومية، على شكل لوحات متكاملة داخل كتاب، وكأني أرى بعملك هذا الالغاء التام للكلمة وابدالها بقوة تعبيرية أخرى وهي الرسم..
* مفهوم الكتاب لدي أنه تسجيل حي وحقيقي لتطور العقل، فهو بالنسبة لي ليس بتسجيل الحدث المجرد وكتابة المشهد، وهو ليس وصفاً تسجيلياً.. الكتاب شئ مقدس وهو سجل حياتي، وهو في الديانات وثيقة لحياتك بكل تفاصيلها، وهو جديتك في الحياة ولا أظن أن الكتاب يرجع فقط لأكتشاف الكتابة، لأنه رؤية وصورة وليس فقط كتابة، وممكن أن نسميه ألبوم صور نفتحه ونتطلع بما يحويه.
الفعل الأساسي لإنجاز الكتاب والمعنى الأعمق للوصف المثيولوجي له هو المحتوى الذي يضمه، أما كيف تشتغل على الكتاب فنيا هنا النقطة المهمة والأساسية حيث تحدد الشكل وعدد الصفحات وإخراجها بكونها لوحات تقود لبعضها.
- منذ متى برز لديك هذا الاتجاه في رسم الكتاب؟
* تنامى لدي هذا الاهتمام بعد مزاولتي رسوم الأطفال وتصميم أغلفة الكتب ومنذ وقت مبكر من تجربتي الفنية.. وعمليا رسمت أول كتاب يهتم بالصورة فقط عام 1991 وضمنته نصوصاً للشاعر مخلص خليل وطبع ككتاب طبوغرافيا يحوي على 48 صفحة.. ومنذ تلك التجربة ولحد الآن تجاوز عدد الكتب التي رسمتها 25 كتابا.
- أمامي هنا كتاب مستوحى من نص شعري قصير جدا للشاعر عدنان الصائغ، لكن ما أشاهده فيه أن هناك سلسلة متعددة من الرسومات.. هل جاءت كمكاشفة تأملية للنص فقط، أم أن هناك رجعاً داخلياً جعل من هذا النص محفزا ومثيرا؟
* الحقيقة كانت هذه العملية برمتها مفاجئة وغريبة، اتصل بي زميلي وصديقي العزيز قاسم الساعدي وقال أن معي الآن أصدقاء أعزاء أود أن تلتقيهم، وبعد ساعة كان في بيتي قاسم الساعدي وعدنان الصائغ وضيف آخر، وتعارفنا بمودة جميلة واستمر الحوار لأكثر من ساعة، ثم بدأ الشاعر الصائغ بقراءة بعض نصوصه بعد أن أطلع على مجموعة لوحاتي في المرسم، وعبر هذه الأمسية كنت واثقاً من إني سأخلق وشيجة بين صوره الشعرية التي كنت أرى كل ما يقوله وأعيشه. وبعد يومين التقيت مرة أخرى الشاعر عدنان الصائغ وأبلغته أنني رسمت عملا مستوحى من إحدى قصائده وقد تفاجأ بذلك كثيرا، كما حفزني نص له على هذا الكتاب الذي امامك والذي لم يطلع عليه الصائغ لحد الآن.
- ألاحظ لديك ولع غريب في تكرار رسم سلاسل أعمال كل مجموعة تتوزع على فكرة محددة، وهنا أشاهد مجموعة منها على شكل انهيالات وموتيفات يبرز خلالها الثقل النفسي الهائل كونها تتناول الحرب وأثرها على الإنسان والارض والبيئة التي عشناها ونعيش آثارها للآن، كيف يستطيع الفنان معايشة وتوثيق الحرب عن بعد؟
* سأحاول أن أكون واضحا كما هو حدوث الحالة، قلت في البداية أنه قبل الحرب كانت كل الأشياء في عقلي متحفزة في أنتظار أي خبر وأي تطور بحيث الصورة كانت تتوضح قبل أن تحدث الحرب وكأنها حدثت في رأسي، حتى أني رأيت الضحايا ومشهد الخراب والدمار وتشظي الانفجارات والخوف والذعر والاستسلام، وأي شيء يخطر ببالك.
أن ما حدث في العراق والمنطقة بشكل عام، وما جرى لنا وما أدى إلى هذه الهجرة العظيمة كان شيئاً لا يوصف بمأساويته، رغم أن البعض يدرك حجمها والبعض الآخر لا يدركها، وكان بعضهم يشكونا بالأسى والتعاطف، ويدرك عمق جرحنا.. وكان الشيوعيون بشكل خاص أكثر من مارس سياسة عملية تنظيمية من بقية القوى السياسية الأخرى بتحديهم الصريح للنظام العراقي وسلطته القمعية بحملهم السلاح وصعود الجبال ومحاربة النظام في الداخل.. وكنت أحد الأنصار مع مجموعة من الأدباء والفنانين وشرائح واسعة من المثقفين والعمال الذين انخرطوا في هذا الصراع حيث أختلط الجو الرفاقي وطبيعة التحدي والظروف القاسية. فكان صراعا بين الطبيعة والموت المتربص وبين هاجسك الابداعي.
ليست الحرب هي الصورة النهائية لما حدث وما يحدث، أنا غير متفائل.. ولكني أطمح إلى أن يكون صباح العراق القادم مضيئا منارا وواضحاً للجميع، حيث يجب علينا أن نعيش حياة معاصرة بعقلية ذوقية علمية حضارية ومتطورة، وبالنتيجة ديمقراطية وليست فقط تقبل الآخر، وانما تقبل الافكار الجديدة، والديمقراطية أن تلغي الخطأ وأن لا تستبد برأيك.
- دائما يحضرني سؤال اثناء لقائي مع الفنانين العراقيين في المهجر والذين أنقطعوا مجبرين عن التواصل مع الداخل الابداعي.. وهو كيف ترى وتقيم المنجز التشكيلي العراقي بعد هذه السنين الطوال؟
* إذا سألتني عن أجيالنا ماذا فعلت.. أتمنى أن نكون قد وصلنا لشيء. لكن باعتقادي أن هناك جيلاً جاهزاً ومستعداً ومهيأ عقليا وروحيا في الداخل والخارج أن يقدم الكثير لأنه قد رأى المشهد بوضوح وبالألوان، ورآه بالأسود والأبيض.. سيفتح عينيه وسيرينا ما لم نتوقعه.

-------------------------
* تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الموصل وتتلمذ على يد استاذه في الكلية الفنان راكان دبدوب.
* هرب من العراق عام 1979 إلى لبنان وبعدها الى كردستان العراق ومن ثم سوريا.
* أكمل دراسة الفن في اكاديمية الفنون في بودابست-هنغاريا وعمل في تدريس الفن هناك.
* أقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في سوريا وهنغاريا وهولندا وبعض البلدان الاوروبية.
* مقيم في هولندا منذ أكثر من عشر سنوات.


فن تشكيلي .. خطوط عمودية تشكل نقطة انطلاق الفن الكاليغرافي الخطي
 

المدى الثقافي

الصحراء واللغة العربية والعقيدة الاسلامية ثلاثية انتجت ارقى واخطر انواع الفنون التشكيلية على الاطلاق وهو فن الارابسك الذي اختزل الصورة الدرامية وارتقى فوق ثيمة التشخيص واطلق الاشكال من دون نهايات محتومة وليس كما هو الحال في الفنون الغربية التي تنامت وتطورت مع ذهنية وفكر الانسان وطبيعة حياته.. والارابسك فن تجريدي اكثر عمقاً واوسع مدى من الفنون الاخرى، فالزخرف، وخاصة الهندسي منه، يمنح العين والعقل رفعة وتعالياً.. وكما يقول ارنست كونل - الفنان الذي يبدع الارابسك أو يطوره انما يقدم موسيقى راقية بقلم رصاص - فالزخرف صور بعيدة عن الصورة الدرامية لاحداث العالم ووقائعه وذلك بالوانها اللا واقعية السحرية وعند النظر إلى الزخرف الفارسي الاسلامي مثلاً نجده ليس استنساخاً أو وصفاً للاشياء التي تراها العين من الخارج بل هو نوع من المقاربة باسلوب تجريدي على قدر كبير من العمق وتتجلى هذه الصورة التجريدية المفتوحة الدلالات والتي يتظافر فيها الدين والفن والرياضيات... تتجلى هذه الزخارف في (قبة مدرسة كار اتاي - التي اقيمت عام 1251 في الاناضول - تركيا) والتي يتم فيها تدريس الرياضيات والفلك - فقد احيطت اسطوانة القبة بآيات قرآنية مزينة باشكال اخذت من القرآن نفسه وتداخلت هذه التكوينات حتى اصبح منت الصعب جداً فك اشتباكها ومعرفة مدلولاتها معنى وتشخيصاً وتربط هذه الرموز قبة مزينة بموتيفات النجوم الساطعة وتشكل فيها الاربعة والعشرون ذراعاً منظومة من الخطوط الكثيفة التي يستحيل الكشف عنها وتنتهي النجوم عند القبة المكشوفة التي يمكن من خلالها رؤية السماء.. وهي في ذاتها معكوسة في ماء الحوض الكائن في الاسفل.. هذه التكوينات الاسلامية هي جزء من الفن الاسلامي الذي ادهش فناني اوروبا وكتابها.. فكتب الوي رفيلغة عام 1893 قائلاً عن الزخرف الاسلامي: انها خطوط تعريش تصدر عنها براعم وازهار في تتال لا ينتهي وتتطور إلى اوراق واشكال تشبه الطير.. ولا تنصاع لأي قانون غير قانون التفرغ الابدي وتتراءى بلا بداية ولا نهاية وبدون توثيق مركزي محدود وغالباً ما يكون نظامين أو ثلاثة انظمة من الارابسك احدهما فوق الآخر - ان الارابسك منتوج اسلوب رياضي في غاية التعقيد - ويمثل احساس المسلم حول بناء الكون البديع منطقاً من العقيدة الاسلامية وهو ايضاً يمنح الرأي فكرة عن الروح الضمنية فقط.. ويحرره من القيود الارضية الزائلة.. لذلك كان فيه وله تأثير على الشعر العربي والفارسي والموسيقى الشرقية التي تهيمن على الروح.. مما قاد - غوته - إلى القول بتأثيره على الشعر التركي والهندي الاسلامي فكان مثلاً الشعر مثل الارابسك لا يعرف نهاية وكأنه سجادة فارسية كلاسيكية فهو يمتد بفضل ايقاع واحد متواصل يتم انهاءه ببيت شعري مصطنع وفي اللغة العربية الفصحى المتضمنة جذروا ثلاثية الاحرف يتم توسع رياضي للجذور مما -يفتح امكانيات لا تنتهي في الشعر والنثر لذلك كان المصطلح التقني في كتابة الشعر العربي هو النظم على - التفعيلة والبحر - وهو يعني نظاماً ترتيبياً مصقولاً عبر الفعل ليكون في النهاية تعبيراً عن خبرة في صياغة شكل تقني غني بالعديد من الطرق والصور التي بنيت بدقة متناهية ومتناغمة غاية التناغم.
-لقد احدث فن الارابيسك والعمارة الاسلامية وقعاً كبيراً على الفن الاوروبي وكان الاختراق الحقيقي له عام 1910 في معرض ميونخ للفن الاسلامي عندما كان ارنست دينبر قادراً على الحديث عن الطابع الكوزموبوليتاني للفن الاسلامي فمثلت لوحة - بوابة مسجد - لباول كلي عام 1913 بمربعاتها الخالصة عن التأثير الواضح بفن الارابيسك الاسلامي.. كما ان لوحات - موندريان حملت خصائص الخط الكوفي التربيعي وخلقت صورة خطية في الفن الاوروبي مقتبسة عن رؤية الخط العربي الذي اتخذ صبغة العقيدة الاسلامية المبنية على جملة - لا إله إلا الله - ذات العشرة خطوط عمودية والتي تشكل نقطة انطلاق مثالية للفن الزخرفي الخطي - الكاليغرافي - وخاصة الخط الكوفي التربيعي الذي تتخذ فيه كل الاحرف شكلاً تربيعياً يناسب وحدات البناء من القرميد والآجر وتعود بعض مثل هذه اللوحات وخاصة الملونة إلى القرن الخامس عشر وهي تشبه روائع بيت موندريان.. وقد كانت ثيمة الارابيسك هي القيمة الحقيقية والرئيسة للمعرض الفني الذي اقيم في مدينة بازل السويسرية عام 2002.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة