مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ديمقراطية العراق ليست من أولويات ميزانية الولايات المتحدة
 

بقلم: بيتر بيكر
ترجمة: مروة وضاء

عن : الواشنطن بوست

في حين يقسم الرئيس بوش على تحويل العراق الى مشعل للديمقراطية في الشرق الاوسط تقلل ادارته من تمويل المنظمات الرئيسية التي تحاول تحقيق رؤيته ببناء المؤسسات الديمقراطية مثل الاحزاب السياسية ومجموعات المجتمع المدني.
خصصت الادارة دفعة جديدة محدودة من المال للارتقاء بالديمقراطية التقليدية في الميزانية المقدمة للكونغرس حيث قطع التمويل عن بعض المنظمات هذا الشهر بينما تكافح منظمات أخرى لتمديد تمويلها خلال الصيف القادم. ويهدد نقص التمويل مشاريع كتعليم العراقيين كيفية تشكيل الأحزاب السياسية ومجالس الخبراء وجمعيات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة وإتحادات العمال وعناصر أخرى من المجتمعِ الديمقراطيِ.
تستنفد اولوية تحويل التمويل الى الجهود الامنية جزءاً كبيرا من تمويل الولايات المتحدة للعراق حيث قامت الادارة فعلا بتأخير اعمال لاعادة بناء البنية التحتية المهدمة للبلاد. ومع معرفتهم بذلك يقومون بتقليل الاستثمار في بناء الاحزاب وفعاليات اخرى كهذه. حيث يشدد المسؤلون في الادارة على ان جلب المزيد من النظام ومساعدة العراقيين في ادارة وزاراتهم سيساهم في تطوير الديمقراطية ايضا.
وصفت جينيفر ونزور المديرة التنفيذية لبيت الحرية (مجموعة الدعم التي استضافت خطاب الرئيس بوش الاسبوع الماضي) الوضع "بالسخيف" وقالت انها "مذعورة" لان الكثير لم ينجز بعد، وأضافت " انه الوقت الذي يجب ان نظهر فيه ان الديمقراطية هي اكثر من مجرد اجراء انتخابات. اذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل تمويل مشروع الديمقراطية في هذا الوقت فهي ترتكب خطأ كبيرا."
قالت ليز كامبل المديرة في المؤسسة الديمقراطية الوطنية للشؤون الخارجية لبرامج الشرق الاوسط "ان الالتزام بما يقولة رئيس الولايات المتحدة كل يوم بالنسبة للعراق و ترجمته الى افعال يبدو ضئيلا جدا"
ستشهد المؤسسة الديمقراطية الوطنية وشقيقتها المؤسسة الجمهورية الدولية جفافا للمنح المقدمة من قبل الوكالة الامريكية للتنمية الوطنية بحلول نهاية هذا الشهر طبقا لوثائق الحكومة تاركة هاتين المؤسستين بأموال خصصت لها من الكونغرس السنة الماضية فقط. وبنفس الطريقة تم حجب 60% من تمويل المؤسسة الأمريكية للسلامِ للنهوض بديمقراطية العراق. كما تتوقع مؤسسة المنح الوطنية للديمقراطية إستنْفاد المالِ المخصص للبرامجِ العراقية بحلول شهر أيلول.
قال ثوماس كاروذارس من مؤسسة المنح الوطنية للديمقراطية لمشاريع السلام من اجل الديمقراطية وسيادة القانون " تستمر الاموال بالتحول الى تدريب رجال الامن. والديمقراطية هي احدى تلك الامور التي أهملت، غير ذلك فكل الأمور الأخرى التي نقوم بها تبدو كأنها الخلفية فقط".
من بين المشاريعِ التي تواجهُ إغلاقا في العراق مشروع مجتمع العراق المدني والبرنامجُ الإعلاميُ الممولان من قبل يو إس أيد وتديرهما مؤسسةِ التطويرالأمريكية والبحث الدولية وهيئة التبادلاتِ. أَسسَ البرنامجُ أربع مؤسساتِ مجتمع مدني متمركزة في أنحاء البلادَ وأقام مئات الورشات والمنتديات، ودربَ آلاف المسؤولين الحكوميين على الشفافيةِ والمسؤوليةِ. كما ساعدَ العراقيين أيضاً على فتح وكالة الأنباء العراقيةَ الوطنيةَ,وهي وكالة الأنباء المستقلة الأولى في العالمِ العربيِ.
كان يفترض بهذا البرنامج ان يستمر في الاقل لغاية حزيران 2007 لكن من دون 15 مليون دولارً الاضافية سيضطر لانهاء عمله هذا الصيف.
طلبنا في الأيام الأخيرة تعليقا من المسؤولين في البيت الأبيضِ ووزارة الخارجية ومكتب الإدارةِ والميزانيةِ واليو إس أيد لكن لم يتكلم احد منهم عن السجلات. ورداً على طلب للتعليقِ أرسلت اليو إس ايد وثائق ترويجية تستعرض إنجازاتِ ماضية في العراق مثل تَبني إجتماعاتِ دار البلدية وتدريب مراقبي الانتخابات وتوزيع الكراريس والملصقاتَ والمنشورات التي توضح معنى التصويت والدستورَ الجديد.
شمل طلب الأنفاق الرئيس للعراق 10 ملايين دولار فقط من اجل النهوض بديمقراطية العراق من اصل ميزانيته المقترحة ل2007 البالغة 63 مليون دولارً التي يصرف جزء يسير جدا منها كل سنة على العراق. لكن المسؤولين يجادلون ان تأثير التمويلات الأخرى تساهم في تحسين الهدف نفسه. فعلى سبيل المثال حددت الادارة مبلغ 254 مليون دولار لتحسين دور القانون بخلق نظام قضائي عادل ونظام سجون انساني.
بالنسبة لبوش فقد اصبح موضوع تطوير الديمقراطية في العراق علامة مميزة لرئاسته حيث انتقلت السيادة عن طريق سلطات الولايات المتحدة.واشتكى المخضرمون في جهود بناء الديمقراطية من ان اجراء انتخابات ليس كافيا
وهي الحجة التي اعتنقها الرئيس مؤخرا في خطاباته واستراتيجية الامن القومي الصادرة حديثا. قال الرئيس بوش لمؤسسة بيت الحرية الاسبوع الماضي " ان الانتخابات هي بداية العملية وليست نهايتها" واضاف " ان احد الاسباب التي تجعلني احترم مؤسسة بيت الحرية هو إنكم تفهمون ان الانتخابات يجب ان تتبع ببناء مؤسسات وخلق مجتمع مدني".
تدفقت الاموال على مثل هذه البرامج في بداية دخول العراق.حيث وجدت مؤسسة المنح الدولية للديمقراطية التي كانت تدعم المنطقة الكردية الشمالية في العراق قبل الاحتلال في اذار 2003 نفسها مع 25 مليون دولار لاستثمارها في بقية انحاء البلاد واخيرا تسلمت ما يعادل 71 مليون دولار. وزعت بعضها على المؤسسة الديمقراطية الوطنية والمؤسسة الجمهورية الدولية والبعض الاخر على المجموعاتِ مثل الجمعيةِ الوطنيةِ العراقيةِ لحقوقِ الإنسان في بابل ومنظمة المجتمع العراقي النموذجي.
تسلمت مؤسسة المنح الشهر الماضي مبلغ 3 ملايين دولار كأخر دفعة من التخصيصات الماضية من دون الاشارة الى تمويل قادم.
سيفقد كل من المؤسستين المنتسبتين للحزبين السياسيين في الولايات المتحدة مساعدات ال يو إس أيد المالية في 30 من نيسان.لقد قامت هاتان المؤسستان بقيادة تحالف لتثقيف العراقيين قبل انتخابات السنة الماضية.وقد قامت اليو إس أيد بتقييم في كانون الأولِ دَعته بال "ضروري" لتلك البرنامجَ "لان تستمرً على الأقل ل24 شهرا آخر."
سَتَكُونُ مؤسسات الحزبَ قادرة على الإِسْتِمْرار ببَعْض البرامجِ بسبب منحة خاصّة أدخلتْ إلى التشريعِ السَنَة الماضية بمبلغ 56 مليون دولار للمجموعتين.
قالَ كندي." ان الحل في العراق يكمن في العمليةِ السياسية ومن الخطأ ان يقطع البيت الأبيضِ الأموال الخاصة لتَقْوِية الديمقراطيةِ في العراق في هذا الوقت "
في نسب الإنفاق الحالية ستنفد المنحة هذه السنَة. بعد ذلك خصصت إدارة بوش مبلغ 15 مليون دولار فقط لمعهدي الحزبَ كجزء مِنْ ال 63 مليون دولار المخصصة للديمقراطيةِ العراقيةِ في ميزانية السَنَةِ القادمة مما يتطلب ايقاف أكثر البرامجِ .
يُواجهُ المعهدُ الأمريكيُ للسلامِ إستقطاعاتَ مماثلةَ لبرامجه. قالَ دانيال بي سيرور نائب رئيس المعهد ان كل برامج الديمقراطية في العراق مجتمعة تكلّفَ أقل مِنْ يومِ واحد في مهمّةِ عسكريةِ أمريكيةِ.واضاف "انا على يقين تام باننا سنقلص وقت انتشار القوات الامريكية بما يكفي لتبرير تكلفة البرنامج"
.


درس فرنسي للأجيال
 

بقلم/ جيم هوغلاند
ترجمة / نعم فؤاد

عن : الواشنطن بوست

يرتبط الفرنسي مع الاحتجاجات مثل ما يرتبط الحصان مع العربة و الحب و الزواج و باقي الشراكات الطبيعية الأخرى، و لكن لننظر مرة أخرى إلى المليون متظاهر و أكثر الذين ملأوا شوارع فرنسا خلال الأيام الحالية . ففي مسيرتهم و صيحاتهم كانت تختبيء رسالة موجهة إلينا كلنا، عن مجيء صراع حضاري تنشغل به الأجيال . لقد بدأت فرنسا تتحرك باتجاه مواسمها الخطرة المعتادة . حين تصرفت حكومة محافظة كما لو أن مصيرها و مستقبلها الاقتصادي سيتوقف على مواجهة هذه الحشود بجسارة و تتفوق عليها .تذكرنا حشود المحتجين التي ملأت الشوارع بعامي 1989 و 1968 و كيف إن الحسابات في فرنسا يمكن أن تكون نتائجها خاطئة . لقد ملأ المحتجون الشوارع في هذا الربيع لكي يعرفوا أنفسهم و وطنهم بصورة أكثر قوة و وضوحا، و هو ما لا تستطيع معظم دول العالم أن تتجرأ و تفكر بالقيام به . لقد اتبع المتمردون الشباب تعاليم ديكارت الصارمة التي درسوها في الجامعات و التي قاموا بمقاطعة الدوام فيها، حيث تقول هذه التعاليم : عندما احتج فانا موجود .
يتعلق هذا الصراع و كما هو الحال مع ألأشياء ألأخرى في فرنسا بالهوية . فالفرنسيون مجتمع تسوده النزعة الفردية و مع ذلك فهم يفتخرون بفكرة التضامن . لقد بدات أفكارهم المؤدلجة عن التماسك الاجتماعي تتعرض إلى ضغط شديد من قوى العولمة التي يتوجب عليهم الدفاع عنها إذا ما أريد لهذه الأفكار البقاء . ومع كون هذا الجَيشان العمالي فرنسياً، لكنه يبدو كصدى للتظاهرات الحالية التي قامت بها في الولايات المتحدة مجموعات من المهاجرين من أمريكا اللاتينية و كذلك ما يدور من نقاشات تتعلق بالعمال الأجانب .
تقوم قوى العولمة في معظم الدول المتقدمة بتغيير قواعد العمل و حتى طبيعته، كالذي أحدثه الفارق في الأعمار في الصناعة من تآكل للتعهدات الاجتماعية بين الشباب و المسنين الذي تضمنته قوانين العمل . و بطبيعة الحال فالسياسيون يستجيبون للتحدي الذي يفرضه التدفق السهل للبضائع و الأشخاص والأفكار عبر الحدود رغم إن بامكانهم أن يجابهوا هذا التحدي بسن الإجراءات السياسية و التشريعية التي تغلب على طبيعتها العزلة . فالقوانين المناهضة للهجرة التي اقترحها مجلس النواب في الولايات المتحدة لا تتحدى فقط العرف السائد والإنسانية، ولكن أيضا الطريقة الفعلية التي يسير عليها الاقتصاد العالمي . لقد برهن المجلس التشريعي في الولايات المتحدة، أن أي تغير له من الأهمية بحيث لا يمكن أن يترك للسياسيين مثلما حصل لمحاولات فرنسا التي اتسمت بقلة البراعة عندما تعاملت مع نموذج مشابه يكتنفه الكثير من المشاكل . نحن بحاجة إلى السيطرة على الارتباطات العالمية المشتركة لكي نتمكن من تقديم المزيد من المساواة بين الازدهار الذي جاءت به العولمة لفئة و أعباء البطالة و الأجور المنخفضة لفئة أخرى .
ففي الاحتجاجات الفرنسية التي حدثت مؤخرا يكمن بصيص من الصراع بين المصالح الاقتصادية للشباب الذين بدأوا ولتوهم في بناء حياتهم و الذي لا توجد هنالك دولة صناعية تقريبا قد خصصت المبالغ الكافية لهم لتحقيق ما يسعون إليه، و بين من هم اكبر منهم سنا من الذين هم ألان في طريقهم إلى التقاعد أو الذين حصلوا عليه . أن المواجهات التي حدثت في الربيع في فرنسا قد نجمت عن العوامل الداخلية الضيقة، مثل الصراع الداخلي على السلطة و العثرات التي واجهت الرئيس جاك شيراك في صراعه مع الحكومة، وسياسات إدامة الرعاية الاجتماعية السخي والمكلف والذي يبدو إن الحكومة الفرنسية تريد أن تطبقه إلى الأبد بدون أن تتوقع أية تضحيات . إضافة إلى كل ذلك فان الجمهور الذي قام القادة السياسيون من اليمين واليسار بتثقيفه قد فقد الثقة بأي إصلاح يجرى على نظام السوق الحرة . لقد اعتقد رئيس الوزراء دومينك دو فيلبان إن باستطاعته إن يقدم شيئا للشباب الفرنسي عندما دفع لوائح تغيير قوانين العمل إلى البرلمان، إذ كان يسعى للحد من البطالة بين الشباب التي زادت من معدل البطالة في فرنسا إلى نسبة 10 % . و ليظهر إن الحكومة مهتمة بالإصلاح عقب أحداث العنف التي قام بها في الخريف الماضي العاطلون عن العمل من المهاجرين الشباب . لكن الذي استنتجه الشباب هو إن ما قام به دو فيلبان هو عليهم و ليس لهم حين أعطى الحق لأصحاب العمل في القطاع الخاص بفصل العمال الذين هم دون السادسة و العشرين خلال السنتين الأوليين من عملهم بدون إعطاء أي سبب أو تبرير، و بدورها حرمت الحكومة العمال الشباب من شمولهم بقانون حماية العمال الذي يتمتع به من هم اكبر سنا .
تقدم جاك شيراك في يوم الجمعة بعرض للتخفيف من قسوة هذه التشريعات، لكن مقترحاته رفضت من قبل قادة المحتجين باعتبارها اقل مما يطالبون به و إنها جاءت متأخرة . واندفع كبار الاكاديمين والمواطنين البارزين إلى الشوارع للانضمام إلى خصوم دو فيلبان السياسيين . و اظهر قادة الاتحادات العمالية تأييدهم للطلاب، إذ كيف يمكن لمن لديه ضمير حي أن يفعل غير ذلك ؟
سيقوم صراع عريض بين الأجيال على توزيع الثروات في الكثير من الدول الصناعية. ففي الولايات المتحدة، اقتنع العمال الشباب بان الميزانية التي تقفز سنويا إلى الأعلى والإسراف الحكومي اللذين يسببان العجز المالي سوف لن يمكنهم من الحصول على الضمان الاجتماعي الذي تمتع به آباؤهم . لقد آن الأوان للقيام بجهود اجتماعية تشمل العالم و كذلك مختلف الأجيال للتخفيف من الظلم الذي يقوم العالم الجديد برعايته، وقد كانت الأصوات التي رفعها شباب فرنسا و المهاجرون في أمريكا تدعو إلى النظر إلى هذا المطلب .


بعد اساءة استخدام قانون تشغيل الشباب في فرنسا: الحرب العالمية الثالثة ستكون اقتصادية
 

بقلم/ جان فرانسواماتيه
البروفسور في كلية الحقوق والعلوم السياسية
ترجمة/ المدى

عن: لوفيغارو

إذا كانت التظاهرات الضخمة والمتواصلة التي يقودها المتضررون من اتفاقية تشغيل العمال في فرنسا تثير فينا الدهشة حالياً فقد تصبح مع مرور الوقت مصدراً للقلق والفزع مبتعدة عن مطالبها الحقيقية، وقد لا تجدي الدهشة شيئاً امام اولئك الذين تقابل اعتراضاتهم بالصمت منذ سنوات في مدرجات الجامعات الفرنسية، ويضطرون بالتالي الى الصمت رغم القلق الذي ينتابهم في ما يخص مستقبل الشباب في فرنسا، ففي اليمين كما في اليسار لم يكن رجال السياسة عاجزين عن وضع نهاية لهذه الكارثة التي لا يوجد أسوأ منها في مايتعلق بتمزيق الشباب وتدمير مستقبلهم.. في هذا الصدد، فالحلول الناجعة لن توفرها المسكنات التي يقدمها الساسة بمواجهة الفعل الجماعي خاصة ان ما يحدث الان لا يمكن اعتباره ازمة آنية بل مستمرة لمدة ثلاثين عاماً، فمنذ عام 1973، تعاني فرنسا من البطالة العمالية التي تنهكها اجتماعياً وتدمر مواردها الحيوية الاقتصادية والمالية وحتى البشرية .. وهو ما يدعو الى الحذر من الستراتيجيات المسؤولة عن اهمال آثار البطالة الاجتماعية والنفسية خاصة وان هناك ما يقرب من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في فرنسا وحدها..، وهؤلاء العاطلون لا يعيشون بمفردهم فغالباً ما يكون لاحدهم أو لاحداهن زوجاً أو زوجة واطفال واذن فثلاثة ملايين عاطل عن العمل يصنعون على الاقل عشرة ملايين شخصاً يفزعهم انخفاض مستوى المعيشة والاهمال وفقدان الانتماء الى العالم. وتؤلف هذه الملايين العشرة طبقة من العامة محاطين بالخشية من السقوط في هاوية العوز تقابله خشية منهم ومما قد يصدر عنهم من سلوكيات بسبب البطالة .. ويثير هذا الخوف المتبادل ثقافة التنافس العنيفة التي تقتل روح المغامرة وتقضي على الشعور بالمسؤولية وتضاعف مبدأ الحيطة والحذر الذي يثبط الهمم...
يضاف الى ذلك ، الاضطراب المعيشي الذي يعاني منه جيل الشباب المنحدر من السكان المهاجرين الذي يشكل 25% منه تلك الفئة التي يقل عمرها عن 25 عاماً، وهم شباب ينقصهم الاحساس بشبابهم فهم محاصرون في مناطقهم التي رافقتها المعاناة، واهملها القادة وقضت عليها النظريات الحربية مولدة لديها شيئاً من الحقد والعداوة وتواجه هذه الطبقة من الشباب صدوداً معيناً ورفضاً واضحاً احياناً عندما تحاول الاندماج في الحياة الجديدة في الوقت الذي يصعب عليها فيه العودة الى بلد الاباء بعد ان ابتعدت عنه عنوة وفقدت ربما الخيط الاخير للارتباط به وهو اللغة.. وتسوء الايام تدريجياً بالنسبة لهؤلاء الشباب فيكون اليوم اسوأ من الامس والغد اسوأ من اليوم، وبالتالي فقد ألفوا عملية عدم التطلع الى الامام والاكتفاء بما يتيسر لديهم كالاقامة في حجرات بائسة وتناول طعام فقير.. مع ذلك، فان هذه الشروط لم تدفع بلداً مثل فرنسا الى التراجع عن مشروع حق الحكومة في الوراثة ورجوع التركة الى الدولة والذي يثير ريبة الشباب في عالم العمل فكيف سيمكن للشباب ان يعمل بهذه المقاييس ليرسم مستقبله الحقيقي؟
قد يعمل مثلاً في سن الثامنة عشرة في غسل السيارات ليدفع نفقات دراسته، لكنه لن يظل في هذه المهنة وسينتظر استخدامه في المستقبل بينما تشير القرارات الجديدة الى تقليص اجور الاستخدام، مع الاستحواذ على عقود العمل التي يلفها الغموض في ما يخص معناها القانوني!.. واذن، سيكون على الشباب ان يكتفي بما لديه أو يرفضه آخرون رغم ما سيرافق ذلك من آثار مباشرة على الوضع الاقتصادي خاصة وان بعض الشباب يحذرون حتى من تأسيس عائلة حتى تتضح لهم صورة المستقبل.. من جهة أخرى، ولا يمكن مقارنة حركة طلبة مدارس الثانوية في عام 2006 بتلك الحركة التي قامت في عام 1968 والتي "بصق" فيها الشباب على مجتمع الاستهلاك لان شباب اليوم يحلمون بالتوافق مع المجتمع والانضمام اليه على العكس من سابقيهم، وهكذا سينشأ لدينا من جديد مجتمع مدني يستحق هذا الوصف طالما سيقف في وجه التوحش والبربرية، ويعتمد هذا المجتمع على تأثير الكلام والعقل على سلوكيات الافراد، فلا يمكن ان يحدث في بلد الديمقراطية ومن الجيل الرابع لحقوق الإنسان، ما يؤدي الى صدور قرار من شأنه ان يقلل من شأن السكان، ويقودنا هذا الى التفكير في ان على الدولة ان تعيد بناء سيادتها وسلطتها، وليس المقصود بذلك " السلطة الاستبدادية" بل ان تقوم على ثوابت واقعية غير قابلة للجدال، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً، بدأت سلطة الدولة بالتضاؤل بعد ان اخلت بالتزاماتها واساءت استخدام الوسائل التي قادت اخيراً الى ظهور العنف واستخدام القبضة من قبل السكان.. ورغم ان التحول الى العالمية ليس شيئاً بسيطاً بالتأكيد الا انها فرصة ايضاً لخلق تكامل محلي ووضع قواعد وبديهيات للعمل ليصبح المستقبل مضموناً بالنسبة لشباب الجامعات على الاقل، فما فائدة ان تصبح فرنسا سوقاً تضيع فيها حقوق العمل؟! وبعد ان عرف غاستون بوتول الحرب في السبعينيات بانها قاتلة الأطفال، ستصبح الحرب العالمية الثالثة حرباً اقتصادية!!

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة