المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الطائر والنخلة.. جانب من تجربة حسب الشيخ جعفر الابداعية .. مديات التجاذب مع الفولكور والرمز والأسطورة والموسيقى
 

ريسان الخزعلي

اضاء الشاعر (حسب الشيخ جعفر) قصائده باضافات هامشية توضيحية.. وذلك لغرض فهم المناخ الشعري العام الذي كتب فيه هذه القصائد، واذ اشير هنا إلى هذه الاضاءات، فلأنها مجسات حقيقية تتحسس عمق تجربة وثقافة الشاعر، ولأنها كذلك اشارات دالة تتحايث مع وعي فني / جمالي يسيطر على مدركات الشاعر ويخرج به إلى فضاء العالمية بعد ان كانت المحلية تبرق إشاراتها هي الأخرى في دم القصائد بفولكلورية واستطالات ريفية قل نظيرها، من هنا، من هذه الاختلاطات.. ترتفع (نخلة الله) لتمسك بالطائر المحنط، الذي يكوره تارةً (مرمرياً) وأخرى (خشبياً).. غير ان المرايا (عبر الحائط) تساوي بين عيون (السيدة السومرية) وهبوط ابي نؤاس.. لأن الأشياء تقف محنطة في لحظة تأمل الشاعر، الذي يحاول ان يفضح الجفاف والبور برنين (الكران)..، والكران هو العود وقيل انه الصنج في وعي الشاعر القديم ووعي الشاعر حسب الشيخ جعفر الفني والجمالي.
إن هذه الاضاءات.. هي موجهات خارجية لقراءة شعر الشاعر وتذوقه، لذا اجدني محقاً في الإشارة اليها كونها مديات فولكلورية ورمزية وإسطورية وموسيقية توفر عليها الشاعر كقوى جمالية منحت قصائده البعد الذي لا يليق إلا بها.. حيث الاستخدام (الجديد) في مزج ما هو رمزي بأسطوري، وما هو إسطوري بالفولكلوري، وما هو موسيقي حاد بما هو حلمي منساب كالماء... الخ من التوصيفات التي التصقت بخصوصيات حسب الشيخ جعفر الفنية. كما ان الكشف عن هذه (المديات) يعكس الثراء البحثي الذي يقيمه الشاعر قبل توليد القصائد، والارتكازات التي يقوم عليها شعره بصورة عامة. وان مثل هذا الكشف / الجمع.. سيعين القارئ كثيراً على فهم واستقبال الشاعر الذي شهد عقوداً ضاجة بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والابداعية..، إضافة إلى ذلك فان الاضاءات تعكس قوة تمكن عالية في الاستفادة من الاسطورة والرمز والموسيقى والفولكلور، واستدراج ما هو بعيد إلى عداد اللحظة الآنية (القصيدة المعاصرة).
ان استخدام حسب الشيخ جعفر لهذه المديات الواسعة يثبت بأنه منقب كبير في التراث الانساني والحضاري. وقد آثرنا وبقصدية فنية / بحثية ان نحصي مديات الرمز والاسطورة والفولكور والموسيقى في شعر الشاعر في محاولة لكشف الجذر الذي يمد القصائد بالنسغ الحي. وكخلاصة لهذه المديات / التوضيحات..، نجد ان القصيدة عند الشاعر حسب الشيخ جعفر لم تكن وليدة لحظة إنفعال أو استرسال مباشر وتجربة ذاتية محضة..، وإنما تقوم على تخطيط مسبق مدروس لعناصرها.. بحيث يختلط ما هو ذاتي وحسي مع ما هو معرفي قادم من (هوامش) قراءته منجزات العديد من المبدعين، أو من التراث الانساني بصورة عامة، وبما ينسجم ويتوالف مع حركة خيط القصيدة الاول الصاعد من قاع التجربة الاساس والمشدود إلى جذرٍ عميق ضارب في القدم. وفي خلاصة ثانية تعكس هذه (المديات) الوضع النفسي (الجمالي) الحلمي الذي يعيشه الشاعر وجوداً وشعراً، فالنشوة الازلية هي مسعى الخلاص الذي ينشده الشاعر باستمرار...، وهكذا يقتنص كل عناصر هذه النشوة وبدلالة مديات الرموز والأساطير والفولكلور والموسيقى، وبما يتطابق مع تجربته، ومن خلال (الاستعارات) المتنوعة يضفي على هذه التجربة تنوعاً معرفياً / فنياً بحيث يجعل من كل تجارب الآخرين.. تجربة حسب الشيخ جعفر دون ان تفقد خصوصيتها.
إن عناصر النشوة / التجربة.. يكشفها هذا الانشداد الحسي العالي لموضوعات (الهبوط).. هبوط ابي نؤاس، هبوط اورفي..، كما ان هذا التحنان إلى (الحانات) ما هو إلا ملاذ حسي يقع في دائرة النشوة الازلية. (في الحانة الدائرية مثلاً)..، وان وجوه الصبايا ووجه (السيدة السومرية) يأخذ من انتباه الشاعر كثيراً، بحيث يخلط سمات الجمال في توصيف دقيق (أوراسيا).. (لا اريد ان اعطي تفسيراً محدداً لكلمة اوراسيا. فاذا شاء القارئ ان يعتبر هذه الكلمة إسماً لسيدة القصيدة فليكن له هذا، واذا رغب ان يجد في هذا الاسم التقاءً جمالياً شكلاً وعمقاً روحياً بين إمرأة آسيوية فاتنة مشبوبة وأخرى أوربية شقراء فليكن هذا ايضاً، شرط الا يهرب من بين يديه ظل القصيدة الحلمي / الزمني).
الشاعر حسب الشيخ جعفر مسكون بالدهشة (وخطى الآلهة المتثاقلة).. مسكون بدهشة الزوال..، زوال المكان، زوال الجمال، زوال الرغبة، زوال الزوبعة الثلجية، زوال لينا، زوال الروح، وزوالات عديدة داهمت الشاعر، فاستيقظ من جديد يمسك اصابع النحات لتثبيت (اللحظة) ونشوتها الأزلية.
إن موقف الصمت الذي نراه في يومياتنا الحياتية مع الشاعر.. هو انسجام كلي مع الوضع الحلمي الذي يتمنى ألا يفلت من بين يديه.. باشارة فنية إلى ان النشوة الازلية هي (مادة) متحركة باتجاه زوال ما.. وانه ينصت مراقباً هذا الزوال / الفاجع.. وما عليه إلا ان يطمئن الروح والجسد باستعادات قد تروض القلق، قلق الشاعر الحقيقي من خسارةٍ كبيرة.. لا يصح وصفها إلا بالرماد.، (رماد الدرويش).. كما ان (الريح تمحو والرمال تتذكر).. وأرى في خلاصة ثالثة ان الشاعر (حسب الشيخ جعفر) صوت فريد في مواقفه الشعرية باتجاه كيان فني / جمالي لا يقف فيه، معه إلا طوله ونشيده ومدياته ومجساته المدببة في تحسس كل جديد قادم من (قارة سابعة) وقارات اخرى.
ومن مديات التجاذب مع الفولكلور والرمز والأسطورة والموسيقى تم إحصاء الكثير، وهنا اشير إلى البعض منها وكما اوردها الشاعر في توضيحاته:
1-في قصيدة (الراقصة والدرويش) يرد اسم (أوديت).. وهو الأسم الذي يطلق في الأصل على بطلة الباليه المعروف (بحيرة البجع).. وهو يطلق في هذه القصيدة على بطلتها الراقصة التي طالما حملت هذا الاسم على المسرح.
2-(السوناتا الرابعة عشرة) عمل موسيقى معروف لبتهوفن.. وهذه القصيدة محاولة تجسيد ايقاع شعري لهذا العمل الموسيقي.
3-فيدياس: النحات الأغريقي المعروف ويمثل في هذه القصيدة محاولة الامساك بالجمال الازلي.. والقصيدة هي (الملكة والمتسول).. ويمثل ابو نؤاس محاولة البحث عن النشوة الازلية، وفي هذه القصيدة تتحد النشوة الهائلة بالجمال اتحاداً ابدياً.
4-ايريش: ايريش كيجال.. مليكة العالم السفلي في الآداب السومرية والبابلية، وأخت إنانا آلهة الخصب والحب.. وفي القصيدة السومرية (هبوط انانا إلى العالم السفلي) تهبط انانا في مملكة الموت رغبة منها في ادراك اسرارها والتغلب عليها.
5-برناسوس: موئل ربات الشعر في الاساطير اليونانية.. وكان دانتي يرى، في المطهر، ان الشاعر يقف عاجزاً عن تصوير جمال (بياتريش) الرائع.
6-في الادب السومري.. أغنية حب تعتبر من اقدم اغاني الحب في التراث الانساني.. وهي ليست بقصيدة حب دنيوية.. انما تتلوها الزوجة الملكية المنذورة في المناسبة الدينية التي تعرف باسم الزواج المقدس.. تقول الزوجة في اغنيتها (لقد اسرت قلبي.. فدعني اقف بحضرتك وانا خائفة مرتعشة. ايها العريس دعني أدللك.. فان تدليلي أطعم واشهى من الشهد..).
7-في (الرباعية الثالثة).. يلتقي
القارئ بوجه حبيبة تعمل في مخزن من مخازن (باتا).. ان لها جمالاً تراجيدياً خارقاً يذكرنا بالجمال البابلي القديم. وتاييس.. التي ينحسر المغول عن لحمها في القصيدة عاشت قبل غزو الغول بقرون عديدة.
8-في قصيدة (مرثية كتبت في مقهى).. محاولة رثاء فلاح من قرانا الجنوبية. سمع الشاعر بموته يوم كان بموسكو، وتشبثه هنا بالذاكرة محاولة إمساك بالوجه الطفولي الذي كانه، وفي القرى التي تقع قريباً من غابات البردي يقتلع الصبية سيقان هذا النبات الاخضر، بحثاً عن جذوره التي تشبه الخناجر البلورية، وفي الربيع يجنون لقاحه الاصفر الغزير، ويصنعون منه بطريقة التسخين شيئاً هو حلواهم ويدعونه (خريطاً).
في جانب معين من قصيدة (النيزك) سمحنا لأنفسنا ان نقترب قليلاً مما يقول الفيلسوف (كانت) وهو يفسر نشوء الكون. لقد وصف السديم الكوني بهاوية أزل.
10-في قصيدة سومرية قديمة يتوسل (إينمركار) إلى ربة الحب إنانا (إجعلي مزار معبد آبزوا المقدس يظهر لي كالكهف).
11-مهرج السيرك في قصيدة (الدورة) يبكي كلبته التي ماتت منذ ايام، كان يحمل معه عدداً من صورها التي ترافقه اينما ذهب، وفي القصيدة إشارة إلى اغنية (لوركا) عن السائر في نومه (خضراء، خضراء، أحبك خضراء) وثمة إشارة أخرى إلى قصيدة (إليوت) - الارض الخراب التي يقول فيها (والصيف فاجأنا إذ جاء على بحيرة (شتار نبرجرزي) بشآبيب المطر.. فاجتمينا منها ببهو الاعمدة) - والزيزفون هنا يشير إلى النغمة الرومانسية المعروفة في قصة (ماجدولين).
12-في قصيدة (القعر): في محاولة (فيدون) يقول سقراط (الا تريان عندي من روح النبوءة ما عند طيور التم؟ التي اذا ادركت ان الموت آتٍ لا ريب فيه ازدادت تغريداً عنها في أي وقت آخر، مع انها قد انفقت في التغريد حياتها بأكملها، وذلك اغتباطاً منها بفكرة انها وشيكة الانتقال إلى الله).
13-في قصيدة (عيد السيول): يخاطب الشاعر بيادق الشطرنج، في عزلته وقد حبسته الامطار الغزيرة المتواصلة، وتدفقت الازقة المنخفضة كالجداول المتراكضة.. ويقول للرخ والفيل:
إحملاني إلى (الرقتين) وهي حانة لم تعد قائمة.. فهي شبح حانة فيما وراء القناة والأمطار.
14-كارون حارس الجحيم الذي يحمل نفوس الموتى في قاربه عبر نهر الدموع، نهر (اكيرونتي) كما تزعم الاسطورة و(هبروس). هو النهر الذي ألقي فيه رأس اورفيوس.
15-في قصيدة (الطوار): لينا - صديقة الشاعر التي ورد ذكرها في قصائده الأولى.. هي ذاتها في هذه القصيدة غير انها لم تعد تلك الصبية وانما في الثامنة والخمسين من عمرها.. وهي لما تزل بالرغم من الزمن.. بهية الطلعة، جميلة، وقد التقاها الشاعر ثانية عام 1989م.. وتجولا في الزوبعة الثلجية المتلوية وفي الأمكنة القديمة نفسها.
ما تقدم هو بعض نماذج من تجاذبات الشاعر حسب الشيخ جعفر مع مديات (الاسطورة والفولكلور والموسيقى والتراث الانساني).. من هنا، يكون الشاعر في موقف معرفي سابق لتوليد القصيدة ولكن باتجاه القصيدة، وان مثل هذا (المزج) قد اكسب القصيدة الحضور والاستمرار، والتفرد الفني والجمالي وبالتالي يكون التوازي الحاصل بين المحلية والعالمية هو جوهر الفعل الشعري، هو المحصلة الابداعية في عودة (الطائر) إلى (النخلة).


ارض الغـــجر .. لعبـــــــــة التآلف.. لعبـــــة التخـــــالف
 

عباس البغدادي
لا يموت الغجري في فراشه، يموت بعيداً هناك على الثلج، على الرمل، يلبس ظل القمر وينزع جلده فيذوب ويتلاشى، غجري آخر يولد كزجاجة بلورية في يوم بارد، ابوه يقضم عمره بهدوء ينظر ويسمع شهيق المولود الجديد، يغمره ضوء القمر الذي يترسب فيه وهجاً، البذرة عارية، وناقوس الغجري يزف بشرى الولادة، اوطانهم خرائب، بدون اهات يلفون خيامهم ويرتحلون، يحطون كالطيور، داكن كبذرة التفاح جلدهم، روحه كخيال يتمطى، تتمدد، تفيض، تنحسر، تتكسر عند ضخور الشاطئ، خيمته، خياله اطول من عمره، يغتسل باوراق شجر السدر، هل سمعت بصياد ركب البحر أصله من الغجر؟ يخافون امتداد البحر وعمقه، يلوذون بالظلال هناك في الاعالي هرباً منه، الاحجار التركوازية اللون تتدلى جدائل من رأسه، الخيانة ثوب صنعه الناس، ريح متخاذلة البسته للغجري، رغبته تجتاح جسده بجنون، ارضه السهول الشاسعة، يتجمد فيها الماء ويشتعل الغجري فيها متنقلاً، يغطي وجهه بيديه حين يرى المدن الكبيرة، يدير ظهره، يغمض عينيه، يسافر يمشي، يحترق على الرمال ثم تزيل الرياح اثاره، يتنفس بقلبه بعيداً عن المدينة، خطوة بعد خطوة تنطلق الخيول بعيون ذليلة واذان سائبة مرتخية تحمل على ظهرها لحن الطيور المهاجرة يسمعها في الليل وينام، لا يعرف المصائد، لا يعرف المكائد، مستوطناتهم تغرق بالعشب الاخضر، تنحني امام رياح الشمال، تنتصب تفيق وريح الجنوب تعيد إليها استقامة الظهر المحني، لا يقرؤون لا يكتبون، تهيج رغباتهم المجنونة كرماد اصفر، يركب حصانه وقميصه مفتوح، يضع الغجرية خلفه تطوق بذراعيها خصره ويروح يجوب البقع المترامية، هناك يبدو سعيداً، يتوقف يعطس حصانه، ينظر للقرى والانهار، جدران منازلهم تبدو هالكة، يضحك، يهمس، وكفن الحزن يلف قريته، ينزل مع حبيبته، يتكئ بظهره على شجرة كبيرة، يمسك بعود يابس يرسم على الارض خطوطاً طويلة ويقطعها بخطوط عرضية، يربط حصانه وتفكه حبيبته، انه لا يهرب انه حصان غجري، حذاؤه الجلدي يدوس في الرمل، في الطين وذراعه يلفه على خصر الغجرية الناحل، ينتظرون الربيع حين تدب الحياة في الشجر وبيوتهم ذاوية تنيرها المصابيح النفطية، انه يهرب في السماء بعيداً يبحث عن ارض جديدة، النجوم تعشقهم، تقول النجمة ويقول القمر: الغجر يحدقون في السماء ملياً، يحبون لعبة الظهور والاختفاء، نبلاء متوحشون، فيهم رغبة لمعانقة المسافات، بريق السحر في عيونهم، يتسللون في قيعان عميقة، يبحثون عن فلكلور لا تحمله الارض، يختارون يحفظون، يملأون ارواحهم الظمأى بالدهشة، ودوائر جلساتهم تحت ضوء القمر يحتسون الشاي الاخضر، وضوء القمر ضوء فستان الغجرية الطويل، يمتزج في ذهنه، في عينيه فيتموج الحب صاخباً يزيح عنه تعاسة الرحلة التي لا تنتهي، خلخال الغجرية يجلد الروح، والهواء البارد ينساب عبر جلدها ليجعلها تبحث عن حضن تتدفأ فيه تتكور فيه، ووجهها المختفي بكثافة الشعر الاسود، البرد لا تشكو منه العظام فالارض الممتدة المترامية تعكس البعد الطويل عن الاسلاف، وطول مسيرة البحث عن الامجاد، عظامهم مزروعة من قلب آسيا وفاضت على الارض من كل اتجاه، اذا تفجر الماء عيوناً فقل هنا مر غجري قادماً من مقبرة الماضي البعيد، سلاسل الامتداد تطوق اجسادهم، وحصانهم حراً يذهب حيثما يشاء، زفير الغجري انتقال، وشهيقه ترحال، يسمع لحن النهر الوحشي ويرقص على انغامه، روحه حين يستقر تتلف، فينهض ويسمع الورق المتساقط في الخريف، فيسرج حصانه، يترك روحه المتعبة هناك ويحث الخطى يبحث عن الروح من جديد، عمرهم عشرة قرون، الجبال، والسهول اطول عمراً منهم، فامامها يبدون قصاراً، حلقاتهم تزدان بالعرافين، السحرة، والموسيقى، والرقص، العربة موطنهم الازلي، وصوت العجلات ينشد معزوفة الرحيل، يسقط الحرف وتسقط الكلمات حين تبدأ اوتاره تشدو، كالثلج المنهار على الاودية، البحر لا يبتلعهم بل يحملهم على ظهره ويوصلهم إلى حيث يريدون، الحقد يهلك، يموت في قراهم، حين يموت الغجري لا تعرفه إلا من القبرات التي تترنم من وحيه، لا يتزوج الغجري إلا غجرية، كنهرين يذوبان، خطف الزوجة متعة عندهم ودفع ثمنها قداسة يشربها كل حين، تتألق الغجرية حباً حين تصنع الخبز وترش الملح، الرغيف المقسوم نصفين يستقر في جوف الزوجين، فيضحكان ويهرب الملل منهما، الغجر سوط يضرب السكون، جمالهم ملون، يجلسون دوائر، يصبغون اعنة الخيل، وحوافرها، والليف تحوكه الايادي الناعمة، خيوط ملونة يكحلون بها عيون الخيل، اجراس نحاسية تتدلى كالذهب من رؤوس احصنهم ترتدي الخيول على ظهرها اسرجة من جلد الثيران، ومعاطفهم من جلد البقر الوحشي، يتداخل الزمن في الظهور، وتتخرم الذكريات، وتستحضر الارواح للراحلين، فيجف بحر العواطف، صبيانهم يحملون اخشاباً يابسة يشمونها قبل ان يوقدوها، فيشعر الغجر بانهم كالمغادر إلى امام بلا عودة إلى طريق الخشب اليابس.
قراهم مفتوحة الطرقات، حين يغادرونها تبدو كجزيرة تغوص في البحر، حين يولد غجري، يتجمعون حدقات عيونهم السود تدور في محاجرها، صرخات المولود يسمعها الجميع، يبدأ الهمس، ويتلو كبيرهم اسماء المولود الثلاثة: السري، والعلني، وآخر للقوم، الحماس يثور وكدر الاسماء السرية يحوم على رأس المولود، الاسم السري ضياع للطفولة، يصنعه الحمقى الساخرون، يهمسون به في اذن المولود، ايها الغجر لا تدخلوا رغباتكم المضمرة في قلب من لم تطأه اقدام الاحلام القادمة، الاسم الشائع مدقة تدق رأس الغجري فيستجيب له إلى الابد، اسم لقومه تصنع منه الساحرات تعاويذ تطهر الاجساد.
يتدحرج الصبي على الحشائش، يتوسد الحجر كلما كبر، يلعب بالنقود الفضية يقلبها، يتذوقها، ينظر لامه ترقص، تدور، فيفترش ثوبها دائرة ترتفع إلى الخصر فيشعر بالبهاء والبهجة، تحمله الام ترقص به تبحث عن ميناء يكبر فيه فلا تجد الا ظهور الخيل ليرتقي بها سقوف الاودية.
يسأل المولود العصافير لم كل هذا الغناء، يسمع امه تغني فينسى السؤال، وتزدحم في ذهنه اضوية النحاس والذهب في عنق وذراعي امه، ويكتشف الطفل حين يكبر انه لحن الرحيل الابدي، واللحن الحزين سيبقى ملازماً له، القرية حين تغادرها الخيول يسود الاسى فيها، يقول الغجري وداعاً ايتها القرية التعيسة فظهر الخيل قريتي، وتقول القرية عسى السهول والجبال تبارككم ايها الغجر، فينحدر إلى السهول وتبدو بيضاء مرة وخضراء اخرى، وترسم نساؤهم المستريحات وبحركات باهرة رقصات الرحيل، دورات سريعة على رؤوس الاصابع، وانحناءات بطيئة، وقفزات كأنها طيور لا تستقر واثار الاقدام تطبع.. تطبع في الثلج، تهتز الاجساد بلا انقطاع والموسيقى تتصاعد، حينها يهدأ كل شيء، وتدلف الغجرية إلى عربتها ترتمي بين احضان الغجري وتغفو، وتصحو على عجلات العربة تدور إلى امام، تصرخ الغجرية تعلن اقتراب الموت من عجوزها، يصرخ كبيرهم.. احملوه بعيداً عن فراشه بعيداً عن الخيمة بعيداً عن الغربة، تحت السماء مددوه، ينظر العجوز إلى عمق السماء يشعر كأنه هناك يتبخر يضيع، فيغمض عينيه ويغمس بالماء المالح، ويلبس احلى ملابسه ملابس الغجر الملونة، يدخل حفرته وادوات العزف التي يجيدها معه، ويستقر بعيداً هناك في الظلام، وبعد حين يسمع الغجر اصوات العزف تنبعث من بين التراب، وذراته تتحرك تنسحب ليخرج اللحن الهادئ وينتشر بين العربات، فيؤشر الغجر بايديهم اشارات الوداع انه اللحن الاخير، معالم قبورهم تضيع ويسيح فيها الرعاة، خدعة الموت تضيع بين الموسيقى المنبعثة من تحت التراب ومن فوقه، الزهرة المتفتحة تحتفل بالشباب، وقطرات المطر تتجول بين ذرات التراب ليخمد الصوت إلى الابد، يتسكع المطر عند القبور وينتظر في الحفرات لينعم هناك في السكون، فيحوم الأسى بين القبر والمطر، وتقطر سيقان الاشجار القريبة قطراتها على ذراع الغجرية العاري فتبسط ذراعها لينساب على الاوردة الزرق ويتبخر من حرارة جلدها، قطرات المطر على وجه الغجري تشتعل حباً وكرهاً وتنفجر لوعةً فتضم وجهها بيدها وتحس بالبرودة المبهجة وتضيع في احلامها، يطلق الغجري صوت الصفير اللحني موزعاً همومه في العراء اكواماً، وينظر لنغماته حلقات تدور في الفراغ تبتعد عنه علواً وهو يندفع إلى أمام، ينظر لقريته، لعربته، يرى وهج الصيف وكآبة الشتاء تركت آثارها هناك، فيكره هذه اللعبة ويحلم بالخريف والربيع ويصرخ عالياً الربيع اصله غجري بطبعه، لا تحلم ايها الغجري بالسعادة واحسن الاستماع لصوت الورق المتساقط في الخريف وتمعن بتويجات الزهور وادفع بعجلات عربتك، دعها تخترق الارض بسرعة لتجتاز مياهها الفاسدة، فحياتك امامك كالمجهول، حين تعزف المرأة الغجرية ينساب الحب من بين اناملها، يتماوج، ووجهها الذي حفرته السنين ينتظر، تضم شفتيها بقوة، وتشتعل انفاسها حرارة، بينما يظل الآخرون صامتين يتمنون ان يطول المشهد، المرأة لا تنتظر ان يتذكرها الآخرون، تكره الاشجار حين تقلع، تغفل عن جوعها وتذوب في متعتها لا تصيح بالغرباء، بصمت ولدت، وستدفن على قرع الطبول، تسير على الحبل الممدد بين مولدها وموتها حافية تجيد لعبة التوازن، تبتلع السيوف وتشق طريقها عبر الغابات قاصدة ارضاً بغير حدود.
اذا مررت بارض الغجر فشرابك الغيوم ولباسك القمر وانصت لاوتار تعزفها الروح تعزفها ايدي الغجر.


في المكتبة العراقية

موسيقى لوجوه مقنعة

صدرت حديثاً عن المؤسسة العلمية لتوثيق الانساب العربية مجموعة شعرية جديدة للشاعر احمد البياتي بعنوان (موسيقى لوجوه مقنعة) وقد وضع الشاعر مقدمة تعريفية لها بهموم الشعر والشاعر والوطن فيما احتوت المجموعة على الوان من النماذج الشعرية المتعددة الاغراض من عناوينها: تراتيل الغروب. عزاء القلوب المعذبة - الامل القادم - كلمات مفتوحة - حبيبتي بغداد وغيرها.
جاء في قصيدة (مطاف القرار):
في ماء من اماسي بلادي
سافرت إلى السهول والشمس والمحيطات
والليل يعانق شجرة الصفصاف
وسط تساقط الثلوج في الارض الملتهبة
....
يا اصدقاء الماضي والحاضر
صباح مشرق جديد وسط الغيوم
الكثيفة

ارتبـــــاك الجثث

عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد صدر ديوان جديد للشاعر حميد حسن جعفر بعنوان (ارتباك الجثث) حوى خمساً وثلاثين قصيدة نظمها الشاعر خلال العام 2003 تصور جوانب من هموم الوطن وشهدائه امثال رعد عبد القادر - محمود البريكان - حميد ناصر الجيلاوي - والجنود الذين ضاعوا وسط معارك خاسرة وهم الذين خصص لهم الشاعر مجموعة من قصائده مثل (حرب كالضحايا - شيء عن الحرب - ارتباك الجثث - الجندي المغني - ما يتركه القتلى) وسواها، وقد جاء الديوان بمجموعه صرخة من اجل الحرية وضد استباحة الانسان العراقي وموات مفكريه قتلاً ونزفاً.

بانتظار مرافئ الضوء

عن دار النقاش صدر حديثاً ديوان الشاعر نعمان النقاش بعنوان (بانتظار مرافئ الضوء) كتبت اغلب قصائده عام 2002 منها: لعبة الاحتراق - طفلتي واللوكيميا - اسطورة الرجاء - لا جدوى - مذبح الاحلام - وقد اخترنا من قصيدته (أسفار غريب) قوله:
في زحمة الترحال
تدميك الاماني
وتستوقفك الافكار
زوابع للنفس
تنسيك ما ابتدأت به
وتهد حمم استذكاراتك


في وداع الراحل الكريم الشيخ جلال الحنفي
 

  • في ذكرى الحنفي البغدادي .. اعداد المدى الثقافي

عبد الحميد الرشودي

كل يوم لنا فقيد جديد
والمنايا رواصد لا تحيد
أيتها السيدات الفواضل:
أيها السادة الأماثل:
أحيي فيكم روح الوفاء ونبل الإخاء وأنتم تنادون وتلتئمون في هذه الندوة الكريمة في هذا الصباح الحزين لتودعوا رجلاً قليل المثال نادر الطراز بين الرجال أعطى وطنه وشعبه أكثر مما أخذ، أعطى عصارة فكره وحشاشة قلبه وكتب بنجيع الدم القاني أكثر مما كتب بالمداد الأسود. فإذا استطاع الموت ان يقضي على جسده الفاني
والموت غاية كل حي فلن يستطيع أن يطوي صفحات علمه الغزير وأدبه النضيد، تلك الصفحات المشرقة والأفكار النيرة التي توج بها هامات البحث العميق والدرس الموضوعي الرصين خلال سبعة عقود كوامل حافلة بالجدال والسجال فقد إلف الفقيد الكريم السباحة ضد التيار وهذا بطبيعته قمين بان يخلق له من الأصدقاء والأولياء بقدر ما يخلق له من الخصوم الألداء صمد لهم صمد الواثق ودافع عن آرائه وأفكاره حتى خرج من أكثر هذه المعامع معقود اللواء وضاح الجبين.
وإذا كان الخالق - جل وعلا
لم يمنحه بسطة في الجسم فقد عوضه عن ذلك فمنحه بسطة في العلم وفسحة في الأجل استطاع خلالها أن يكتب ويؤلف ويناقش ويساجل حتى في صفحات الجرائد والمجلات وكان له مثول دائم في أغلب الندوات والمجالس الأدبية ومشاركة في كل موضوع يطرح ومداخلة ذكية تعينه على ذلك ذاكرة عامرة لا يعزب عنها حتى الدقائق والجزيئات وذكاء ثاقب لماح وخزين من المعلومات لا يجف معينه ولا ينضب.
حدثني الصديق الراحل جميل الشواف قال: قصد الشيخ جلال الحنفي مجلس والده العلامة الشيخ عبد الملك الشواف وفتح معه نقاشاً وحواراً في بعض المسائل الفقهية والشرعية وحين غادر الحنفي المجلس قال الشيخ عبد الملك الشواف على رؤوس الأشهاد من حضار مجلسه ان هذا الشاب الذي رأيتم أعلم المعممين. إن شهادة من الشيخ الشواف، وهو من هو علماً وأدباً
لها أثرها وخطرها وبخاصة إذا علمنا أنه قالها في غيابه وبعد مغادرته المجلس لأنها لا تحتمل المصانعة أو المجاملة.
رأيت الشيخ الحنفي أول مرة سنة 1943 وإن كنت سامعاً به ولكن لم أطبق الرسم على الجسم.. وذلك عندما دخلت جامع الآصفية لأداء صلاة الجمعة فارتقى المنبر شاب ذو عمة ضامرة كجسمه الضامر
فرأيت ثم رأيت خطيباً يرتجل الخطبة ارتجالاً فلم يقيد نفسه بالسجع المتكلف أو التغني والتنغيم الذي درج على اتباعه ومراعاته سائر خطباء المساجد فوقع من نفسي موقعاً كريماً وتقبلته بقبول حسن فأكبرت فيه روح التجديد وكسر قيود التقليد فلما انفرط عقد المصلين سألت أحدهم عنه فقال لي أنه الشيخ جلال الحنفي فقلت في نفسي هكذا فليكن الخطباء وإلا فلا. ويبدو ان الشيخ قد تأثر بخطباء المساجد في مصر فقد كان قريب العودة إلى بغداد من بعثة الأوقاف إلى الجامع الأزهر. فقد قفلت البعثة إلى العودة بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبحت مصر هدفاً للغارات الجوية الألمانية.
ثم بعد مضي عدة سنوات رأيته يتردد على مكتب مؤرخ العراق الأستاذ عباس العزاوي المحامي في خان الباجه جي الكائن في سوق الساعاتية وهناك عرفته عن كثب وقامت بيننا معرفة ومودة وقد ذكر لي العزاوي أن الحنفي كان من طلابه في دار العلوم وكان
لفرط ذكائه يثير كثيراً من الأسئلة والنقاش في الصف.
ثم تجدد لقائي به في مجلس الأستاذ الأديب الراوية السيد مكي السيد جاسم الذي كان يلتئم شمله في مساء كل ثلاثاء في داره في المأمون. أما المرحلة الأخيرة من لقاءاتي به فكانت في مجلس الأستاذ الأديب الشاعر محمد جواد الغبان الذي ينعقد في داره مساء كل أحد في شارع فلسطين وكان الحنفي من المواظبين على الحضور فقد كان مجلساً عامراً برجال الأدب والفكر في طليعتهم الدكتور علي الوردي والدكتور حسين علي محفوظ وإبراهيم الوائلي والدكتور عبد المجيد العصاب وسالم الآلوسي وعبد الغفار وعبد الغني الحبوبيان والشاعر علي الحيدري وغيرهم الكثير ممن غابت عني أسماؤهم وأسمحوا لي أن أقتبس طرفاً من هذه الصورة القلمية التي رسمها بقلمه البليغ الدكتور عبد الرزاق محيي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي الأسبق فهي من خيرة ما كتب عن الشيخ الحنفي: "والشيخ جلال
بعد على هزال جسمه وضمور عوده صعب المراس قوي النفس، يدير الحديث معك مع أدب وتواضع بقدرة الواثق من نفسه المعتد برأيه. ياخذ ويعطي، ويسأل ويجيب. ويفتح عليك أبواب الشك فيما أنت مؤمن به غير هائب أن يكسر قاعدة أو يخرج على مسلمة.
مفتاح شخصيته، إلى جانب ذكائه ودقة ملاحظته
طموح إلى أن يكون شيئاً في كل شيء وطاقة نافذة إلى كل مسارب القوة والضعف في أي مقولة مسلمة. فإن لم يجد جانب ضعف في المسلمة تلمسه في تصور خصمه لها، وهو واجد ذلك، على أي حال في كثير من القراء والمتحدثين إليه..".
كنت في صيف 1961 أتردد على مكتبة المتحف العراقي بغية الوقوف على بعض المراجع التي احتاجها في إعداد كتاب عن جميل صدقي الزهاوي فإذا بالشيخ الحنفي يأخذ مقعده إلى جانبي ويسالني عما أنا بصدده فقلت له لقد عقدت العزم على إعداد كتاب عن الزهاوي فقال حسناً تفعل وذكر أنه كان قد اتصل به وكان الزهاوي يستعين به في تدوين بعض قصائده ورسائله ثم سألته وما الذي يشغل الشيخ فقال أني أعد كتاباً عن المغنين البغداديين وقراء المقام وناولني دفتراً متوسط الحجم فتصفحته على عجل وقرأت في الصفحة الداخلية للغلاف الأخير ما هذه فحواه!
بعد الاتكال على الله انتميت إلى معهد السيد محمد الحسيني في الموسكي لتعلم فن العزف على العود وقد دفعت له القسط الأول وقد أرخ ذلك سنة 1940 وغاب عني اسم اليوم والشهر وهذا الصنيع يدل على أن الشيخ يرى رأي حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في حلية السماع ما دام لا يشغلك عن عبادة ربك ولا يدعو إلى المجون والفجور لأن الغزالي يرى ان الغناء والموسيقى ما هما إلا محاكاة لعندلة البلابل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير وهما من صنعة الله جل وعلا فضلاً عن أن السماع يشجع الجبان ويندي كف البخيل الشحيح ويوقظ المشاعر النبيلة في نفس الإنسان، ثم يخلص الغزالي إلى القول: فمن لم يرقه السماع فهو مختل المزاج ولا يجدي معه العلاج. أما نظرة الشيخ إلى أهل الأديان والملل والطوائف فهي نظرة توفيقية نظرة مسالمة وموادعة وآية ذلك أن له علاقات مودة وصداقة حميمة مع جميع هؤلاء فهو في هذه السبيل داعية من دعاة التقريب بين جميع الأديان والطوائف وقد علم هذه الحقيقة كل من قدر له أن يصحبه أو يجالسه ويطلع على خاصة أمره فما أحوجنا اليوم إلى إحلال روح التسامح والتفاهم بين جميع أبناء الشعب وأن يسود الوئام بدلاً من التنافر والخصام علنا نخرج من هذا التيه ونضمد هذا الوطن الجريح ونسعف وننقذ الشعب الذبيح فقد طفح الكيل وسال السيل وصار الأخذ بالشبهة والقتل على الظنة وأصبح المعروف منكوراً والمنكور معروفاً كأن الشاعر كان يعنينا بقوله:
أرى خلل الرماد وميض نار
        ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
هذا وفي الختام آمل أن لا تحول رهبة الموت وألم الفراق دون الإشارة إلى آثاره ومؤلفاته التي اربت على أربعين مؤلفاً مطبوعاً وأنا آت في هذه العجالة على ذكر أهمها:
1- التشريع الإسلامي
تاريخه وفلسفته الجزء الأول طبعه يوماً كان طالباً في الأزهر مبعوثاً من قبل مديرية الأوقاف سنة 1940.
2- معاني القرآن
الجزء الأول بغداد – 1941.
3-
معجم الألفاظ الكويتية في الخطط واللهجات والبيئة بغداد 1964.
4- الأمثال البغدادية في جزءين 1962
– 1964.
5-
معجم اللغة العامية البغدادية صدر منه ثلاثة أجزاء طبع الأول سنة 1963 والثاني 1966 والثالث سنة 1993 وقد وصل فيه إلى حرف الزاي.
6- المغنون البغداديون والمقام العراقي صدر عن وزارة الإرشاد سنة 1964.
7- العروض
تهذيبه وإعادة تدوينه الطبعة الثانية صدر عن وزارة الأوقاف. مطبعة الإرشاد سنة 1985 وهو يقع في 846 ص.
8- كتاب عن النبي محمد (ص) قرآنياً ص546.
إلى غير ذلك مما يتعلق بفن التجويد والإملاء والإقراء.
تغمد الله الفقيد برحمته والهم أسرته وأنجاله واصدقاءه وعارفي فضله جميل الصبر وحسن العزاء
عبد الحميد الرشودي
قاعة ديوان الشرق والغرب
صباح الثلاثاء 11/نيسان/2006


جلال الحنفي  .. الشجاعة في الوصول إلى الحقيقة
 

باسم عبد الحميد حمودي

الشيخ العلامة جلال الدين بن محيي الدين الحنفي البغدادي، قمة في المعرفة والأدب والحكمة والشجاعة في إبداء الرأي واستخلاص الحقيقة التي يذكرها دون تزويق ومقدمة الشيخ حنفي لدراسة صديقه الراحل عبد الحميد العلوجي عن الزوج المربوط الصادر عام 1964 خير دليل على تلك القدرة على التحليل فهو يدين سحر الربط ولا يؤمن به ولكنه يجد أن من الضروري البحث فيه للوصول إلى الحقيقة الشعبية في مسألة الربط وذلك لقلة خبرة العريس وخوفه والإيحاءات السلبية ليلة البناء ليصل إلى صيغ الربط والحل فيدين ذلك، والبحث عن الحقيقة الشعبية في المعارف العامة لدى الحنفي أدخله معترك العادات والتقاليد والأطعمة والأزياء والأمثال والموسيقى إضافة للدراسات الأدبية والاجتماعية والدراسات القرآنية والدراسات في علوم التجويد والإملاء واللغة وفي الزكاة والإحسان وفي علم العروض وفي معاني القرآن الكريم وله في كل ذلك كتب ودراسات بلغت أكثر من أربعين كتاباً ورسالة بين مطبوع ومخطوط.
من كتب الحنفي التي تعد مراجع في البحث إذا أغفلها الباحث فكأنه لم يقل شيئاً كتابه الخالد (المغنون البغداديون والمقام العراقي) الصادر عام 1964 عن وزارة الإرشاد العراقية وقد وضع بعد المقدمة الواسعة في المقام معجماً في أكثر من ثلثمائة مغن عراقي فيما كانت دراسته الصادرة عام 1989 بعنوان (مقدمة في الموسيقى العربية) استكمالاً تفصيلياً للبحث في الأغاني العراقية وسلالمها الموسيقية وأنواعها التاريخية والمعاصرة، ويأتي بحثه في اللغة العامية البغدادية الذي صدر بثلاثة أجزاء حتى الآن بدأها بالجزء الأول عام 1963 بعنوان (معجم اللغة العامية البغدادية)، يأتي دليلاً لا على تتبع الحنفي للكلمة العامية المفردة بل لارتباطها باللغات الأخرى أخذاً وعطاء وتطوراً ما يدل على متابعة دقيقة للتطور الخاص بالكلمة وقد وجد الحنفي الجليل القدرة على أن يكتب معجماً للألفاظ الكويتية أصدره عام 1964 وغدا مرجعاً للباحثين الكويتيين وسواهم، وكان من أسباب تأليف هذا المعجم، رحيل الحنفي لفترة عام 1959 إلى الكويت بعد فصله من الوظيفة من قبل رئيس ديوان الأوقاف آنذاك الشيخ محمد بهجت الأثري وعدم قبوله العودة إلى الوظيفة كخطيب وإمام لمسجد من مساجد بغداد برغم صدور مرسوم جمهوري بذلك بل فضل العمل لفترة خبيراً في وزارة الإرشاد وكان ذلك من صالح الأدب والتراث الشعبي حيث كتب في الصناعات والحرف البغدادية كتاباً أصدره عام 1966 ونشر (المغنون البغداديون) قبل هذا وانصرف لاستكمال بحوثه في العروض وفي معجم الألفاظ وتشجيعه إصدار مجلة (التراث الشعبي) التي صدر عددها الأول في أيلول 1963 كمجلة شهرية رأس تحريرها الأستاذ الدكتور إبراهيم الداقوقي وكان سكرتير تحريرها المرحوم الباحث الأستاذ لطفي الخوري وكان الحنفي والعلوجي وحسين علي محفوظ وسواهم من رجال الفولكلور العراقي في مقدمة المسهمين في هذا المشروع الثقافي الحيوي.
وللحنفي وجوه أخرى غير وجه الفولكلور منها وجه الشعر ووجه البحث الديني ووجه الدراسة الاجتماعية في الزواج والصحة وجنوح الأحداث وله وجه آخر هو وجه المشاكسة حيث خاض نقاشاً مع الإمام الخالصي طبع في كراس عام 1953 ودخل مع حياة الرصافي مدخلاً نقدياً في كتابه الرصافي في أوجه وحضيضه الذي أصدره كجزء أول عام 1962 وللحنفي وجه آخر هو وجه التحقيق حيث حقق كتاب الدر النقي في علم الموسيقى لأحمد بن عبد الرحمن الشهير بالمسلم الموصلي عام 1964، وله كتب ودراسات لم تطبع بعد وقد لا يطبع بعضها يوماً لصراحتها وبعثرة أوراقها.
كل ما في جلال الحنفي مضيء ويستحق التحليل والإشادة فقد كان الرجل أكبر من باحث واحد إذ هو مجموعة باحثين تبدت في أهاب رجل نحيل ذي عقل مستنير ارتدى العمة والصاية والعباءة وتسلح بعصا المعرفة دون أن يتسلح بسواها فأبدع وأعطى طوال سني عمره المديد فترك آثاراً من الطبيعي أن ندعو إلى إكرام ذكرى جلال الحنفي بالدعوة إلى طبعها من جديد فبعضها نادر وكلها بحوث أصيلة تؤسس لمعرفة جديدة.


احتفالية جمعية أصدقاء بغداد وديوان الشرق -الغرب

صباح الثلاثاء الحادي عشر من نيسان الحالي كان صباحاً حاشداً وحزينا لمحبي بغداد حيث احتشدوا في مبنى (ديوان الشرق-الغرب) بدعوة من الديوان و(جمعية أصدقاء بغداد القديمة) للاحتفال بأربعينية الشيخ جلال الحنفي وفي بدء الحفل ألقى الشاعر جواد الحطاب كلمة الديوان المعبرة عن أسى الكلمة والأدب والفولكلور لفقد الراحل ثم ألقيت كلمة شيخ بغداد العلامة أ.د حسين علي محفوظ المشيدة بالراحل الكريم ثم ألقى الباحث باسم حمودي كلمة أهل الفولكلور تلاه الأستاذ عبد الجبار محمود السامرائي بكلمة تحمل ذكرياته الطيبة عن الحنفي ثم أعقبه الأستاذ عبد الحميد الرشودي بكلمة الأصحاب ثم حيا ذكر الفقيد الإذاعي الكبير نهاد نجيب والمذيعة اللامعة أمل المدرس والأستاذ داود الرحماني وأ.د عماد عبد السلام الذي دعا إلى جمع نتاج الفقيد المبثوث في الصحف ثم سلم درع الجمعية الأستاذ سالم الآلوسي إلى الشيخة حرم الفقيد ثم القيت كلمة أهالي الكاظمية من قبل الأستاذ باسل مجيد رشيد وكان الأستاذ محمد إسماعيل يقدم الجميع بروح من الإبداع والإحساس بلوعة الذكرى.


وصية جلال الحنفي .. لا أريد تشييعاً أو مجلس فاتحة


كتب الشيخ جلال الحنفي وصيته لأهله بخط يده قبيل وفاته وقد جاءت كالتالي:
الموت حق علينا-أوصي بعدم إقامة مجلس فاتحة لي وتقبلوا تعازي كل من جاءكم إلى البيت وأحسنوا ضيافته وأوصي أن يصلي علي تلميذي الشيخ عدنان الربيعي مسبلاً -ولا أريد تشييعاً - وبالنسبة لكتاب معجم اللغة العامية البغدادية جمعت قصاصاته في خزانات المكتبة- أتمنى أن يأتي من يحب بغداد ويطبع هذا الكتاب ليخلد لبغداد لغتها وأتمنى شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.

جلال الحنفي

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة