تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تنظيم الأسرة الحقيقية وألاحلام .. أعلى نسبة وفيات للنساء في أثناء الولادة تحدث في العراق
 

بغداد/سها الشيخلي
الحق في الانجاب والصحة الانجابية هما حالة من السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية وهما المؤشر على ان الفرد لديه القدرة على الانجاب والحرية في ان يقرر ما اذا كان يريد ذلك ومتى وكيف؟

ويتضمن ذلك بالتبعية حق الرجال والنساء في الحصول على المعلومات وعلى وسائل تنظيم الاسرة الآمنة والفعالية التي يقدرون عليها ويقبلونها بمحض اختيارهم؟
لغة الارقام
يؤكد الدكتور علي الديوان مدير البرنامج في جمعية تنظيم الاسرة: اننا كمجتمع ليست لدينا ستراتيجية تخطيطية من ناحية الاسرة. لذا بات من الضروري ايجاد جمعيات تلفت الانتباه الى اشكاليات عديدة منها:
لدينا وفيات الامهات اكثر من اية دولة من دول العالم حيث ان هناك 350 حالة وفاة للامهات بين كل (100000) ولادة وهو اعلى رقم في العالم كما ان زيادة عدد وفيات الاطفال دون السنة الاولى يبلغ 107 أطفال لكل الف ولادة حية.
قديما كانت الصحة تعني العلاقة بين المريض والطبيب، لكننا الان نبحث عن الاسباب الناجمة عن المرض.. نحن نهتم بالطفل بكل مراحله بدءاً بالطفولة.. المراهقة.. الشباب واليافعين.. الى سن الـ18 عاما.
ويتركز نشاط الجمعية على المحاور التالية (المراهقة، الايدز، الاجهاض، الخدمات، الدعوة والمناصرة).
حق الانجاب
للاسرة الحق في الحصول على معلومات ووسائل تنظيم بما فيها تنظيم معدل الخصوبة التي لا تتعارض مع القوانين. كما للمرأة الحق في الحصول على خدمات الرعاية الصحية التي تمكنها من الحمل والولادة بطريقة مأمونة وتحسين نوعية الحياة والعلاقات الشخصية بين افراد الاسرة. كما يشمل الحق في الانجاب بعض حقوق الانسان المعترف بها اصلا في القوانين الوطنية ومواثيق الامم المتحدة الاخرى ذات الصلة المعتمدة بتوافق الاراء وتستند هذه الحقوق الى الحق الاساس لكل الازواج والافراد في ان يقرروا بحرية ومسؤولية عدد ما يريدونه من اطفال والفترات الفاصلة بين الانجاب وتوفيق الانجاب وفي ان يحصلوا على المعلومات والوسائل اللازمة لذلك.
والحق في تحقيق اعلى مستوى من الصحة الانجابية ومن هذه الحقوق ايضا كما يشير الدكتور الديوان حق الجميع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالانجاب بمنأى عن التمييز والإكراه والعنف ويجب الاهتمام بمسألة تشجيع العلاقات بين الجنسين على اساس الاحترام المتبادل ويجب تصميم برامج الرعاية الصحية الانجابية لخدمة احتياجات المرأة بما في ذلك الامهات الصغيرات واشراك المرأة في القيادة والتخطيط وصنع القرار والادارة والتنفيذ والتنظيم والتقييم فيما يتعلق بالخدمات ويجب وضع برامج مبتكرة لجعل المعلومات والارشادات والخدمات الخاصة بالصحة الانجابية في متناول المراهقين والبالغين من الذكور وان تعمل هذه البرامج على تعليم الرجال وتمكنهم على المشاركة اكثر بروح المساواة في تنظيم الاسرة ومسؤوليات البيت وتربية الاطفال وعلى قبول القدر الاكبر من المسؤولية عن الوقاية من الامراض المنقولة.

أرقام عالية

*75 مليون من حالات الحمل التي تحدث في العالم كل سنة من نحو 175 مليون حالة تكون غير مرغوبة وتسفر عن حدوث 45مليون عملية اجهاض وعن انجاب اكثر من 30 مليون مولود حي.
*تموت 70 الف امرأة كل سنة نتيجة لعملية اجهاض غير مأمونة.
*تموت 585000 امرأة، أي امرأة واحدة كل دقيقة كل سنة نتيجة لاسباب مرتبطة بالحمل.
*ما زال ما يتراوح بين 120 و150 مليون امرأة يرغبن في الحد من حالات حملهن او المباعدة بينها ويفتقرن الى الوسائل التي تمكنهن من تحقيق ذلك بفعالية.


سقفي والسنونو العائد
 

صافي الياسري

أليفا، صاخبا دؤوبا هكذا يأتي..
ومنذ خمسين عاما بدأنا علاقة وثيقة تبدأ حين يعود من رحلته الطويلة، بنقرة على شباك نافذتي في امسية نيسانية او آذارية او شباطية حتى، يتوغل بعدها من دون استئذان الى سقف غرفتي، مجددا قصره المزخرف الجذع وبواري القصب والطين سيداً جميلا بريشه الكهنوتي يخفق جنحه قرب وجهي ثم يرتد كانه يصافحني على طريقته السنونية، ذلك الملاك الذي اكاد اجزم انه حفيد طائري الاول، وحين يكمل بناءه بعد رحلاته المكوكية الدؤوب وتبيض انثاه استلقي تحت عشه تماما واراقبه وهو يطعم افراخه اللذين فقسوا بعد حين واتسمع تلك الموسيقى السماوية الوقع حتى يرحل مودعا بعائلته المتنامية من جديد الى مصائفه الحبيبة الاخرى.
وهجرته وهجرني طويلا فقد انشغلت عنه بهمومي وانشغل عني بالبحث عن سقف وعن موقع عش امين جديد.. غادرني يبحث عن سقف لم اعد املكه وكنت وعدته انه اذا انهار سقفي سأجدد بناءه تاركا له فسحة من المكان بين الجذوع و(بواري القصب) والطين الحر.
وحين تهاوت السقوف العتيقة بعد ان تآكلت بفعل الزمن والارتجاجات التي كانت تولدها انفجارات القنابل واصوات الطائرات وهي تخترق الصوت زمن الحرب البعثية والمطر الحمضي الاسود و..
وقفت على انقاضها مكتظا بوجع العجز عن رفع جذع او تصور سقف يمكن ان يرتفع بطريقة ما..
كنت قد طردت من وظيفتي البائسة، لان فردا من عائلتي لم يجر حسب هوى الحزب الحاكم وسلطانه وبرغم ان الوظائف لم تعد اعمال سخرة في زمن الرفاق المدججين بثقافة القمع والسلب والنهب، الا ان لتلك معنى آخر فثمة وجهة اخرى لعملية الطرد تلك فهي تعني سلب العائلة كلها ما كانت تناله بقية العوائل العراقية من حصة تموينية وفرها برنامج الغذاء والدواء مقابل النفط وهو من ثمار الحروب الصدامية الفاجعة.
وهي تعني ايضا عدم السفر والسعي في ارض الله فقد كنت ملزما باظهار شخصي والتوقيع في احدى الدوائر الامنية او احد المكاتب القمعية الحزبية بين الحين والاخر او حسب الاستدعاء.
وهي تعني كذلك حرمان الاولاد من فرص التسجيل والقبول في الجامعات والكليات والمعاهد العلمية، وثمة قائمة لا تنتهي من الممنوعات، والمحظورات وفي مقدمتها يطل العجز عن بناء ذلك السقف العتيد ولو بجذع نخلة وقصبة وبارية، وكنت اريده كذلك، علي اتمكن من استعادة رفيق طفولتي الذي سرقه الحزب والنظام يوم تحطم سقفي واعجزوني جميعا عن اعادة بنائه وكتب ولدي حين كبر في دفتر مذكراته: (انه حلم ما زال يراوده، هذا الشيخ العراقي السادر في حزنه العاشورائي القديم، يندب بين اللحظة واللحظة وجوه راحلات وراحلين يعرفهم ولا يعرفهم ويستلقي تحت سموات مفتوحة ويحلم بزقزقة سنونو في عشه المبني بين جذع النخلة والبارية، حرمته قرارات الحكومة على مدى خمسة وثلاثين عاما من رؤيته من جديد).
اختزل ولدي كل الحكاية لكنه اغفل من دون ان يدري اهم ما فيها هو انني هذا العام وبعد ان فر حراس الوهم وسقطت هياكل واجداث النمور الورقية وغادر اللصوص.. وفي مدة وجيزة رفعت سقف غرفتي مزينا بفسحات الاعشاش القادمة.
وبالامس سمعت النقرة الاولى على شباك غرفتي ومن دون استئذان توغل الملاك القديم وطار قريبا من وجهي كأنه يصافحني وكنت اقول لنفسي ها نحن نعود ثانية.


ذاكرة الحرب .. عيـــن لا تفارق السـماء
 

بغداد/نجلاء

حينما اندلعت الحرب العراقية - الايرانية عام 1980 كنت طفلة لا اعرف ما هي الحرب.. وماذا تعني.. لدرجة انني كنت اتخيل ان الحرب مكانها السماء.. ولا اعرف لماذا تصورت الحرب تجري في السماء.. ربما هو محض خيال.. وربما لان ذاكرتي تربت على حكايات جدتي.. التي كانت تحيل كل الاشياء التي تجهلها او لا تجد لها تفسيرا الى عالم الغيب والسماء واتذكر انني كلما سمعت حديثا عن الحرب او بيانا على شاشة التلفزة تسللت الى سطح المنزل اراقب ... اراقب السماء وفي خيالي صور لجنود ومعارك وحرب مسرحها السماء وبعد عشرة اعوام تحققت الصور التي رسمها خيالي للحرب لتتجسد امامي بالفعل على سماء الواقع.
وظلت عيناي كما في الحرب الاولى لا تفارقان السماء.. وفي الحرب الاخيرة التي اسقطت نظام صدام الدكتاتوري.. كنت كما الكثير من سكان العاصمة بغداد اراقب السماء.. بعد ان تناقلت الانباء في تلك الليلة ان اول مجموعة من الصواريخ وقد انطلقت من قواعدها في طريقها الى بغداد لتعلن بدء الحرب.. وعلى مدى ايام الحرب ظلت عيناي مشدودتين الى السماء.
وبينما كانت سماء بغداد خافتة تضج باصوات القنابل والانفجارات وازيز الطائرات.. كانت شوارعها موحشة تغط بالخوف والقلق والسكون.. بعد ان هجرها اهلها بحثا عن مكان اقل خطورة واكثر امنا يقيهم الموت القادم من السماء.
وعدت انا مرة اخرى لطفولتي.. تسللت الى سطح المنزل لاراقب حرب السماء او سماء الحرب..
كنت اراقب الصواريخ واحرص على متابعتها ما استطعت الى حيث تسقط بعد ان أهيئ نفسي لسماع دوي انفجاراتها.
ومع تقدم الايام.. وتوارد الانباء باقتراب القوات الامريكية من بغداد.. تحول شارعنا الى منطقة مهجورة.. لقد بدأ السكان يغادرون..
ولم يبق في شارعنا الا نحن وجيراننا فكنا امام خيارين اما ان نترك دارنا او نواجه قدرنا هنا..
واخترنا ان نبقى نحن وجيراننا وان يكون منزلنا هو افضل مكان للموت.
لن انسى ابدا الليلة ما قبل الاخيرة للحرب كانت ليلة مجنونة وكنت انا مثلها مجنونة.
حينما اقتربت القوات الامريكية من اسوار بغداد غير المحصنة.. وتحول حيّنا الى منطقة عمليات حربية كانت القنابل والصواريخ تمر فوق رؤوسنا.. والطائرات تلقي حممها من القنابل على بعد مرمى بصر مني..
كانت ليلة مرعبة.. لم تمنحنا فرصة لنلتقط انفاسنا... وصمتها اكثر رعبا فهو إذن لجولة اخرى من الرعب.. تبدأ عبر طائرة استطلاع صغيرة تمشط سماء بغداد وارضها..
مستهزئة بالمقاومات العاجزة عن اسقاطها مع ان ارتفاعها كان واطئا جدا.. وما ان تختفي هذه الطائرة، حتى تشن الطائرات حملة جديدة على اهداف متفرقة.
حينما ادركني الخوف.. وانا اكتم استغاثتي.. يا الله أي موت تصنعه لنا السماء؟.. وصرخت حينما استباح الفزع كل اركاني.. يا سماء بغداد ايتها السماء المحملة بالاقمار ما عدت سماءنا.. لماذا تتخلين عنا؟.. لماذا تتحولين الى وحش ناب من رعب وناب اخرى موت ودمار؟... الصواريخ تتدافع، والانفجارات حولت منزلنا الى ارجوحة.. تحطمت واقفلت كل منافذ الخلاص حتى صارت النجاة مخاضا عسيرا.
أي عين تنام اذا خاطبتها الرزايا وحولها الرعب الزاحف اليها من كل اتجاه؟
كنت اجاهد بعناد منقطع النظير اجنحة الرعب المحلقة في السماء وانا امني النفس بصباح يقبل ويمسح اثار وندبات الفزع ويمنحها املا بالحياة ويمنح العين استراحة ها قد مرت ومشاهدها التي ظلت محفورة في ذاكرة روحي.. وظلت عيناي لا تفارقان السماء.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة