رواية (حب
تشي) - شبق وحسيات ثورية أخرى
ميشيكو كاكوتاني
ترجمة: نجاح الجبيلي
تدور
رواية " أنا مينينديث " السحرية الأولى حول مساعي امرأتين
لاسترداد الماضي: مساعي امرأة كوبية شابة لاكتشاف هويتي
والديها وجمع قصة هجرانهما لها؛ وجهود امرأة كوبية أخرى
أكبر سناً، وهي رسامة تدعى تيريزا، قد تكون هي أم الساردة
–
في استذكار الحب الأكبر
في حياتها وعلاقتها الغرامية مع الأسطورة تشي جيفارا.
تعرض رواية " حب تشي" الكاشف نفسه الذي استعملته الكاتبة
في مجموعتها القصصية المؤثرة الصادرة عام 2001 بعنوان " في
كوبا كنت راعياً ألمانياً" في رواية التفاصيل العاطفية،
لكن النغمة والمزاج يختلفان بلا ريب. وبينما تمزج أغلب
القصص القوية للمجموعة السخرية بالشفقة بأسلوب تشيخوفي
رقيق فإن لب هذه الرواية يظهر وكأنه يتخذ نموذجه من الصوت
الغنائي المركّز لرواية ماركريت دورا " العاشق" التي ظهرت
كأحسن رواية في عام 1985.
إنها استراتيجية سردية ذات ذروات وعوائق واضحة، وفي أحسن
أحوالها تمسك قصة مينينديث بالقوة المركزة السحرية للحب
الشبق وقابليته على جعل الإنسان يرى العالم بشكل جديد وأن
يثير الطاقات الساكنة ويلهم الفن الفعال وأن يضيء الدنيوي
بومضة من الأهمية. وفي أسوأ أحوالها تتاجر القصة بالخصوصية
الصحفية والتفاصيل السايكولوجية لعمل المؤلفة الأول من أجل
نثر تجريدي ثقيل لرواية رومانس (" كان حب تشي مثل زبد بحر
شاحب، مثل ريح بين النجوم") وعلى الرغم من أن علاقة تيريزا
الغرامية تقع خلف كواليس كوبا الثورية إلا أن هناك فقط
صوراً عابرة عن الاضطرابات التي جرت في البلد: القنابل
المتفجرة في أركان الشوارع وفي المدارس وخارج صالات
السينما. الشوارع التي يملأها الجنود الشباب الملتحون؛
تدمير مكتب صحفي؛ مانيكانات المتاجر، بقية من عصر مضى يحمل
شاهداً صامتاً على التغيرات المتشنجة.
توصف هذه الأحداث كونها لازمة مصنفة لحب تيريزا: الثورة،
مثل العلاقة الزانية مع تشي، هي البركان الذي سيغير إلى
الأبد مشهد الحياة اليومية. والبدايات المبتورة لكل منهما
ستكشف بمرور الوقت الشعور بالخسارة والإمكانيات المهجورة.
تكتب السيدة " مينينديث" " الأحداث العنيفة مهما تكن
نتيجتها هي نادرة وساحرة مثل الحب العظيم"، فالقنابل
والثورات والبراكين والأعاصير
–
أي شخص مر بها وعاش، إن
كان نزيها، سوف يخبرك بأنه حتى في أعماق خوفهم كان هناك
انتعاش ولكنهم انتزعوا من حياتهم حتى ذلك الوقت".
إن قصة غرام تيريزا
–
وانسحابها العاطفي اللاحق
بعد رحيل تشي
ومولد ابنتهما –
تؤطرها قصة بحث
الساردة عن أمها. وهي تسأل مراراً جدها الذي رباها في
ميامي لكن أجوبته دائماً محيرة على نحو مؤذ: كل ما سيقوله
بأن ابنته أصرت على أخذ رضيعها خارج كوبا ولم تثمر
محاولاته فيما بعد للاتصال بها.
إن بحث الراوية الشبيه ببحث تيلماخوس يأخذها إلى كوبا حيث
تطرق على أبواب جيران جدها القدماء باحثة عن شخص قد يكون
عارفاً بأمها. وأخيراً تتوقف عن السفر إلى هافانا وتتركها
الرحلات مرهقة " ليس فقط بسبب الشك بل أيضاً بسبب الحزن
الذي أصبحت أفهمه بوضوح أكثر مع كل زيارة". وهي تقرر بأن
هافانا " الجميلة جداً عند أول لمحة كانت في الواقع مدينة
الآمال المتلاشية وفي كل مكان أمشي أتذكر أن كل ما في
الحياة يميل إلى الاضمحلال والدمار".
ثم بعد أن تقرر التخلي عن بحثها تتسلم الراوية رزمة غريبة
مجهولة المرسل؛ تحتوي الرزمة على بعض الصور لتشي جيفارا
وبعض الكتابات: ذكريات متفرقة توجز قصة العلاقة الغرامية
المحطمة لتيريزا.
وعلى الرغم من أن قصة تيريزا الشبيهة بقصة دوراس " العاشق"
يمكن أن تؤول إلى استغراقات ثقيلة متكلفة إلا أن السيدة
مينينديث تنسج حكايتها ببراعة كي تحرّك آليات الذاكرة
المعقدة المشوهة. وبينما تدور ذكريات تيريزا مراراً حول
الماضي وتفرغ أحداثاً معينة في قالب جديد بشكل مفرط بينما
تطرز أخرى، فإن القارئ يقوم بالتحقيق في صحتها وحاجة
الراوية للإيمان بالأسطورة التي استحضرتها حول حياتهما.
وإن ابتدأت رواية " حب تشي" كأنشودة وعي ذاتي لوحشية الحب
الافتدائية فقد انتهت كتأمل دقيق إيجازي في أسرار الذاكرة
والهوية، وهو العمل الذي على الرغم من زلاته العرضية،
يوسّع المنطقة الروائية الموهوبة للسيدة مينينديث.
|