قصــــــــة
أســـــــتـــاذ في التجــــسس
-العنوان:
(رجل في الظلال: داخل
أزمة الشرق الأوسط مع رجل قاد الموساد)
-تأليف :افرايم
هاليفي
-مراجعة:الايكونومست
-ترجمة: هاجر العاني
عن الايكونومست
تكمن
المخادعة وراء الدبلوماسية الإسرائيلية، وأحياناً
الأمريكية أيضاً، في أن أساتذة التجسس الكبار عادةً ما
يستغرقون فترة لينطلقوا من العتمة، إلا أن أفرايم هاليفي
انتظر 4 سنوات فقط، فبصفته مديراً لوكالة الاستخبارات
الإسرائيلية الموساد حتى عام 2002 وأحد مديريها التنفيذيين
الاقدمين لمدة 33 عاماً فلا بد أن في جعبته خزيناً كخزين
شهرزاد من القصص، وغني عن القول أن القليل من الأسرار
الحقيقية قد وصل إلى هذا الكتاب، والقراء الذين يحدسون
أنهم سيجدون حرفة التجارة والاغتيالات وجرعات الرسائل
الميتة والشفرات السرية سيخيب أملهم، وحتى لو كان الأمر
كذلك فبترشيح الأحداث المألوفة من خلال عدسة أستاذ التجسس
غير المألوفة يقوم المستر هاليفي بتحريف جديد لقصة الفترة
التي يركز عليها، وهي ال 13 عاماً الواقعة بين غزو صدام
للكويت عام 1990 والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
فامتلاك الأسرار يرفع حياة الجاسوس إلى ما فوق الاعتيادية
ومع ذلك فأن بعض أساتذة التجسس العصريين يقومون بأكثر من
مجرد محاولة لفهم العالم إذ أنهم يحاولون كذلك تغييره، فما
دام لدى إسرائيل اتصال رسمي ضئيل بجيرانها فأنها تلجأ إلى
ضباطها وموظفي استخباراتها كما يقول المستر هاليفي لإدارة
" الاتصالات والمفاوضات التي تحمل أكبر من مغزى مع خصومها.
ويبرز في هذا الكتاب مثالان على الدبلوماسية التي تقودها
الموساد، أولهما دورها المركزي في توجيه العلاقات مع
الأردن، ففي عشية حرب الخليج عام 1991 استخدمت الموساد
صلاتها مع الملك حسين الراحل لاستنباط ما سيتم فعله إذا ما
أطلق صدام صواريخ على إسرائيل، وقد نظم المستر هاليفي
لقاءً سرياً بين الملك واسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل في
حينها، ولم يكن لقاء عقول بل " لقاء قلوب " كما يقول
المستر هاليفي وقد أصبح الملك معجباً بعضو الموساد السابق
العنيد.
ثم وفي عام 1994 قدم المستر هاليفي، بصفته نائب رئيس
الموساد، المساعدة في إنقاذ الملك من العزلة التي جنتها
الأردن خلال تلك الحرب من تأييدها للعراق ضد التحالف الذي
قادته الولايات المتحدة، وفي اجتماع روتيني في عمان اتخذ
الحوار انعطافة مفاجئة فقد بدا الملك أخيراً راغباً
بالدخول في اتفاق إستراتيجي رسمي مع إسرائيل.
وبدعم من اسحاق رابين رتب المستر هاليفي الدبلوماسية
السرية التي بلغت أوجها في شكل اتفاق سلام رسمي،وبعد مرور
3 سنوات وبصفة المستر هاليفي سفيراً لإسرائيل لدى الإتحاد
الأوربي دعي للقيام بتدخل حاسم في الأردن.
وكانت الموساد قد حاولت اغتيال خالد مشعل أحد قياديي حماس
في عمان بحقن سم بطئ المفعول في أذنه ولم تكن المحاولة
مُتقنة وألقى الأردنيون القبض على عميلين وأُدخل الأربعة
الآخرون في السفارة الإسرائيلية، ومع تعرض معاهدة السلام
العزيزة على المستر هاليفي للمخاطرة استدعي إلى بلده
لإنقاذ الموقف، وقد قام بهذا عن طريق تدبير مقايضة،
فبمقابل الصفح (عن العملاء الإسرائيليين الستة) أطلقت
إسرائيل سراح القائد المؤسس لحماس الشيخ أحمد ياسين (فقط
لتغتاله تباعاً في أوج الانتفاضة الفلسطينية عام 2004).
وبعد هذا تم سحب المستر هاليفي ليكون مديراً للوكالة عام
1998، وعقب مرور عامين كانت الموساد تصوغ علاقات إسرائيل
مع العرب مرة أخرى.
وهذه المرة كانت مع الفلسطينيين، ففي عام 2000 فشلت
محاولات بيل كلنتون في التوسط لعقد اتفاق سلام في كامب
ديفيد، في حين لم تكن لدى إدارة جورج بوش الجديدة أية
اهتمامات كبيرة بهذا الصراع (بل لديها أفكار أقل) عن ماهية
الإجراء في هذا الصدد، غير أن رئيس الموساد بدأ بالتقاط
رسالة استثنائية من أصدقائه في واشنطن فقد أرادوا لإسرائيل
تحت حكم أرييل شارون أن تخرج بسياسة تستطيع إتباعها كل من
إسرائيل وأمريكا معاً على أن لا تخدم الأفكار الإسرائيلية
مصالح إسرائيل وحدها بل وكذلك مصالح أمريكا.
وفي عام 2002 حث ٌ فيض التفجيرات الانتحارية الفلسطينية
إسرائيل على إعادة إخضاع الضفة الغربية، غير أنه لم تكن في
ذهن الإسرائيليين فكرة واضحة عن خطوتهم التالية، وهكذا خطت
إسرائيل خطواتها في الخواء وأخرجت فكرة، وهي " تغيير
النظام الحاكم " للسلطة الفلسطينية، ووضع الجواسيس مسودة
خطة يتم بموجبها تهميش ياسر عرفات ويتولى زمام سلطته
التنفيذية رئيس وزراء فلسطيني، وكانت النية تقديم شريك
فلسطيني لإسرائيل يكون جديراً بالثقة والذي قد يمضي في حكم
دولة فلسطينية في حدود مؤقتة.
وقد أخذ المستر هاليفي هذه الخطة إلى العواصم الأجنبية حيث
استقبلت بحماسة، فقد عبدت الطريق لخطاب تغيير السياسة في
حزيران عام 2002 الذي دعا فيه المستر بوش الفلسطينيين إلى
التخلي عن عرفات.
وقد ذكرت صحيفة الايكونومست في ذلك الوقت أن المستر شارون
قد يكون هو الذي كتب الخطاب الذي يبدو أن مضامينه الرئيسية
قد اخترعتها الموساد، والتقبل عالمي النطاق للحجة
الإسرائيلية بفشل قيادة عرفات
–وتجنيد
الأمريكيين والأوربيين والروس ومصر وحتى السعودية في
محاولة لتطويقه –
كان ضربة معلٌم
من الطراز الأول قامت بها الاستخبارات الإسرائيلية.
لم تجر الرياح
بما يشتهي
وهذه الأمثلة على الدبلوماسية التي تقودها الموساد ستصب في
مصلحة أولئك المؤمنين بالقوى المؤثرة الشيطانية لوكالة
الاستخبارات الإسرائيلية، لكن سيرة المستر هاليفي تضم
الكثير من الأمثلة المقابلة، إذ يقول أنه تم استبعاد
الموساد عن حلقة المفاوضات السرية مع الفلسطينيين في
أوسلو، وكذلك مع الأمريكيين أصدقاء إسرائيل، ويتذمر المستر
هاليفي من أن عمله الحريص على الجبهة الفلسطينية قد لقي
الإهمال عندها، ولمساعدة توني بلير عند اقتراب غزو العراق،
أجبرالرئيس بوش إسرائيل على توقيع " خارطة الطريق " التي
ستكون، كما يقول المستر هاليفي، في آخر الأمر " صيغة لحلٌ
سيتم فرضه بماسورة بندقية أمريكية ".
أما فيما يخص أحداث 11/ أيلول/ عام 2001 فيعترف هاليفي بأن
الموساد، كوكالات الاستخبارات الأخرى، فوجئت تماماً، حيث
شعر أنه مأخوذ " بشعور بالعجز الكلي تقريباً "، لكنه يتذكر
قوله أنه ما دامت حرب الشرق الأوسط قد نفذت إلى القارة
الأمريكية فقد أصبحت الولايات المتحدة الآن في حالة حرب مع
الشرق الأوسط، وما دامت لا تستطيع كسب الحرب على أراضيها
فأنها ستأتي عاجلاً أم آجلاً إلى الشرق الأوسط لأجل أن
تحقق ذلك.
و المستر هاليفي معسول اللسان ذو سلوك كسلوك رئيس إحدى
كليات أوكسفورد مثل عمه الراحل السير أزايا برلين، ومع ذلك
حين يليق به أن يكون أستاذ تجسس إسرائيلي، فأن لديه موقفاً
معادياً من الحرب على الإرهاب التي يصفها بحرب عالمية
ثالثة، وهو يحاجج بأن الحكومات الغربية قد تستغل مدة
الصدمة القصيرة التي تعقب الهجمات الإرهابية لتنطلق بسرعة
من خلال السياسات الوحشية التي يرفض الشعب تقبلها وسط
الهجمات، ولكن تفكيره يحمل في طياته حدة ذهن، فإحدى
المفآجات هي أنه لا يعلن أن لا مجال للقيام بتحالف تكتيكي
مع حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وذلك لعزل القاعدة،
" سنكون مجبرين على تناول العشاء مع الشيطان ولكن يجب أن
نحذر في كل الأوقات من أنه يدس السم في كأسنا "، حيث من
الواضح أنه كان لدى المستر هاليفي العديد من جلسات تناول
العشاء المشوقة. |