اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

طيور نافقة، إرهابيون، فرنسيسكان: إنها فلورنسا القرن الخامس عشر مرة أخرى .. بين سافونـارولا وميكافيللي

  • يلقي عصر سافونارولا وميكافيللي الضوء على مخاطر نظام يفرض هيمنة القيم على السياسة

-العنوان: سياط ونار
-تأليف :لورو مارتينيز
-مراجعة:
سيمون جنكز
-ترجمة: زهير رضوان

عن: الغارديان

جمعة عظيمة، أخبار سيئة. افكار سافونارولا تعاد من جديد. الكنيسة تخلط بالدولة، الإيمان بالسياسة والأطفال بالخطيئة الأصلية. والأسوأ، بدأت نذر الشر ترسل إلينا. في اليوم الأول من تشرين الثاني عام 1494 انقض صقر ضخم على الساحة العامة في فلورنسا، ورمى بنفسه بقوة عند بوابة القصر القديم palazzo vecchio* ليخر صريعاً. الراهب جيرولامو سافونارولا تنبأ من فوره بقدر مشؤوم. مع إن المواطنين هرعوا لحماية الأسوار، إلا أن فلورنسا وقعت تحت وطأة الوباء واحتلال جيش الملك شارل الثامن، ملك فرنسا. أرعد سافونارولا من أعلى منبر كاثدرائيته، التي لوثها الأعداء ببرازهم، من أن إيطاليا قد سقطت بيد الداعرين، السدوميين وأرباب المال، وبأنها ستجلد بالسياط إلى الأبد في مهاوي الجحيم.
الصقر الميت قد يؤول اليوم إلى بجعة ميتة. لقد أخبرنا نحن ايضاً بالأوبئة وبالأعداء الأقوياء. الإرهابيون "آلالاف منهم" يهددوننا من كل حدب وصوب. عملاء وزير الداخلية البريطاني يطوفون الشوارع، يلقون القبض على المسلمين ويسقطون اللعنة على غير المؤمنين. رئيس الوزراء البريطاني يختبئ من الحشاشين خلف أسوار أعلى من مقر إقامته في داوننغ ستريت، حيث يتلقى التعليمات على نحو دوري من راهب فرنسيسكاني، الالتماسات تقدم الآن إلى الكنيسة من اجل إنشاء مدارس دينية في المدن البريطانية. والعجيب أن نفوق خمس بجعات حول قسم الأخبار في الـ
BBC إلى حالة من الهستريا الثرثارة.
مؤرخ واحد خير من عشر فلاسفة. ومن بين أربعة كتب صدرت مؤخراً عن حياة سافونارولا، يعد كتاب لورو مارتينز "سياط ونار" أفضلها، حيث يثبت سافونارولا بقوة على أرض فلورنسا القرن الخامس عشر ثم يرفعه عالياً ليطوح به أمام أعيينا مباشرة. وصل "الراهب الضئيل" إلى فلورنسا عام 1490 ليجد مدينة غنية انتفخت بكبرياء أسرة آل مديتشي، وكنيسة فاسدة وحرباً مدمرة مع دولة بيزا، لكنها ممجدة بمايكل انجلو، وفيليبو ليبي وبوتيتشيلي. الخرافة القروسطية ما زالت تتحدى "النهضة" المتألقة. التقوى والفجور ما زالتا في تنافس.
سافونارولا الزاهد الذي يمتلك موهبة الوعظ، قدم سبيلاً للخروج من الاضطراب العظيم. لقد كان الرب قد أكد له أن الرأسمالية والترف والطغيان تلوث الجنس البشري. كان يطل كل أسبوع من ديره في سان ماركو ويحذر مواطنيه من أن الفسوق يقودهم إلى الجحيم. عندما دخل جيش الملك شارل المدينة، ادعى بانه "سوط الله"، وأرسل 4000 فتى، "ملائكة صغاراً بملابس بيض"، إلى أنحاء المدينة لضرب العاهرات والنساء غير المحجبات والأغنياء الذين يرتدون حللاً فاخرة.
هيمن سافونارولا على فلورنسا طوال ثماني سنوات. وبوفاة لورينتزو العظيم ونفي عائلته، ساعد الراهب في صياغة جمهورية جديدة، محذراً من حكم الغوغاء الجلفين، ومن أن على أهالي فلورنسا انتخاب رجال صالحين في المجلس الكبير. هذا المجلس كان تجسيداً للعدالة والنظام "أرسله الرب الذي يشمل المدينة برعايته الألهية الخاصة". أولئك الذين يحاربون المجلس "يحاربون السيد المسيح". إن فلورنسا ستشهد "محرقة الباطل" وستكون أيضاً نموذجاً للجمهورية الديمقراطية المسيحية. لكن لعنات الراهب كانت موجهة إلى روما وإلى بابواتها وكرادلتها الفاسدين. الكسندر السادس لا يستحق سوى الازدراء. روما كانت "مدينة العشرة آلاف عاهرة"، شوارعها تطفح "بالمجدفين والسدوميين" حيث "الغني يشرب دم الفقير".
رفض سافونارولا وضع قبعة الكردينال لأنها "قبعة حمراء دموية" لم يكن بمقدوره مقاومة جملة صالحة واحدة. لكن ذلك يفتقد إلى اللغة الدبلوماسية لم يتطلب من روما وقتاً طويلاً حتى دبرت تحالفاً مع الفلورنسيين المستائين لاتهام سافونارولا بالهرطقة وبأسوأ من ذلك. فقد أشيع بأنه مخنث. في عام 1498، اعتقل وشنق وحرقت جثته في الساحة العامة. كان بوتيتشيللي، المتحمس لسافونارولا، يرسم حينها رائعته عن ميلاد السيد المسيح.
يحذرنا المؤلف مارتينيز من أن لا ناخذ أشباح الماضي ونحولها إلى وحوش. لكنه ليس بعيداً عن استخلاص الدروس والعبر. كان سافونارولا جيداً حد الروعة، ومخطئاً حد الروعة. بإخفاقه في محاولته إصلاح كنيسة روما، كفل انشقاقها وبالتالي عجل من الإصلاح اللوثري. لقد صوره مارتينيز لطيفاً، رحيماً ومتواضعاً. لقد لعب بسياسات فلورنسا بمهارة وكسب دعم قياديي أهلها من الفنانين والكتاب. لكنه كخطيب ومؤلف فقد كان في القمة دون منازع.
وبينما كان سافونارولا يخطب بعنف وقسوة في كاتدرائية فلورنسا، كان شاب يجلس في الخلف يدون ملاحظاته. إنه نيكولا ميكافيللي، الأستاذ الأعظم في الفكر السياسي منذ أرسطو. لم يكن ميكافيللي مهتماً بالراهب الذي زعم أنه تحادث مع الرب
فهذا ليس شأنه بل كان مثاراً بقوة سافونارولا وقدرته على السيطرة على الجماهير "لأن حياته ومبدأه والناس الذين يخطب فيهم تكفي لتجعلهم يؤمنون به" يؤمنون حتى بنبوءات اللعنة التي يطلقها. ما حاجة حاكم للحب إن كان بمقدوره أن يكون مخيفاً؟
بالنسبة لميكافيللي كان خطأ سافونارولا هو أنه جعل الخوف واقعياً فقط في الآخرة. لقد كان يسعى إلى تلغيز الدولة
المدينة كإبداع للرب على الأرض، لكنه لم يستطع حكمها بشيء أقوى من الخطاب.
عندما واجهت المدينة الحرب والإفلاس والطاعون "والشقاق" لم يكن من الخير في شيء الدعوة إلى قمع الحياة المخملية والقمل وسدوم. كان سافونارولا يعلم بأن الجمهورية يجب أن تحكم جيداً، لكنه خلط بين السياسة والدين وإساءة الحكم بالخطيئة.
بالنسبة لميكافيللي أيضاً، أن يفقد المرء رأسه في نضاله من أجل قضية سياسة ليس "شهادة"، بل "إهمال". وبينما كان ميكافيللي يراقب سافونارولا وهو يتأرجح في مشنقته، لعله هز رأسه بيأس لأن رجلاً عظيماً كهذا قد ضلل إلى درجة اعتقد فيه بأن التقوى تعلو السلطة منزلة. إن المهمة الأولى لأولئك الذين يسعون بنبل إلى دولة أخلاقية هي أن يقودوها. وإلا فما الهدف إذن؟ ويبقى ميكافيللي هو الهبة العظيمة التي قدمها سافونارولا إلى الحضارة.
لقد عاش سافونارولا في زمن تخللت فيه الأصولية الدينية ومعصومية الكتاب المقدس كل زاوية من الحياة العامة والخاصة. الإيمان بالخرافة والمعجزات والسحر كان لا يزال حياً، وهذه المفاهيم فرضت هيمنتها على السياسة، كما فعل سافونارولا في خطبه الوعظية، وكان لها انتقامهاً. لم يكن الباذخون والعاهرات من أودى بحياة سافونارولا في عام 1498، بل رماح ونيران الكنيسة الأم.
يوجه مارتينيز كتابه إلى قرائه بعنف وقسوة. لقد اتهم سافونارولا "بإرهاب" فلورنسا وبالتالي فإن ذلك يستدعي طغياناً مساوياً بالمقابل. لكن تفاعل الأصوليين ذاته يمكن مشاهدته اليوم يلوث أفضل النظم السياسية في التاريخ: الديمقراطية الغربية. إن الحكومة البريطانية لا تزال "تؤسس" كنيسة وتخرج لمحاربة "قيم الغرباء" باسم الرب.
إن الدولة تغلف نفسها بالغموض. وكما يقول مارتينيز "شيء ما في غزل اللغة يدعو إلى افتراضات مسبقة، حتى المبهم منها". نحن ندع الوزراء يزعمون بأنهم وحدهم من يعرف ما هو صالح لنا. علينا أن نسقط على رؤوسهم كتلاً كونكريتية. ولهذا السبب ارتعد خوفاً من المصطلحات السياسية الجديدة. إنها ترفض كل أحاديث السياسة لصالح قيم ومعتقدات غير محددة. إن هذه الكلمات الجوفاء كانت تستخدم عبر التاريخ كعلامات على الطريق إلى التطرف واللا تسامح. هذه المصطلحات يجب أن تحظر، ليس بتشريعات من وزارة الداخلية، بل بقوة المحاججة المجردة.


الدوار الأمريكي

-العنوان: الدوار الامريكي
-تأليف :
برنار - هنري ليفي
-مراجعة:
لوكانار أونشينيه
-ترجمة: زينب محمد

عن:لوكانار أونشينيه

انسوا بيرنار هنري ليفي، الكاتب الذي يحظى بكراهية كبيرة، وانسوا الاخراج المغالي والمفرط، والنظام الباريسي وابن عمه النيوبوركي الذي ليس فيه ما يحسد عليه، انسوا داني بيرل، وهذه الحياة البراقة والسخية التي يحياها بيرنار هنري ليفي والتي يستخدمها كمفتاح سحري لفتح كل أبوب المعرفة المغلقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقرأوا هذا الكتاب كما لو أن أول كتاب لمثقف فرنسي يمضي لاكتشاف أمريكيا، مثل (توكفيل) قبل أكثر من 170 عاماً، (الدوار الأمريكي) هو إذاً ليس تحقيقاً بل بحث متقد العاطفة غير متحقق عن الهوية الأمريكية وعن دوافع شعب لم يكف عن إبهارنا، عماذا يبحث مؤلف (البربرية بوجه إنساني) في أمريكا عدا عن الشهرة؟ في لحظة الانطلاق تؤرق المؤلف أسئلة ثلاثة: هل للحركة المناهضة لأمريكا ما يبررها؟ هل ستكون لفكرة غرب يجمع أوروبا وأمريكا الشمالية أي معنى؟ أين الديمقراطية؟ أو لنصيغها بشكل آخر: هل ستتجه أمريكا صوب منعطف كبير في تأريخها؟ وإلى ماذا آل الحلم الجنوني الأحمق؟ أسئلة مهمة ومشروعة، ولكي نعثر على الإجابات فإن بيرنار هنري ليفي لم يأل جهداً في مساعدتنا في ذلك فهو مسافر باذخ، بلا شك، قطع عشرين ألف كيلومتر في تسعة شهور، التقى، ورصد، وتعشى (كثيراً) وزار وقرأ وتحدث وسأل واصغى وانذهل، وفي هذه الرحلات واليوميات بعض اللحظات القوية، لقاؤه مع (جيم هاريسون، الكاتب المنشق، المحبط ولكن الشرس وصعب المراس، وآخر مع (بوهوميل هرايال) في براغ عام 1989، ويذكرنا بالصور الرؤيوية لبونالو، كليفلاند وديترويف والطب المتكامل في مستشفى مايو في مينيسوتا، وحسابات (تريسي) وبابنة وزوجة أحد عمال المناجم، بالخادمة في (غراند) وكولورادو، هل ننسى بيرنار هنري ليفي؟ مستحيل، فكل سطر يذكرنا به، فهو هنا مع شارون ستون ليؤكد لنا بأنهما سبق أن التقيا وهو هنا من أجل أن يكشف لنا عن مناهضة السامية لدى هندي كبير السن ومتمرد، وهو هنا ليقلل الخلاف بين (بل كلتون) واليسار الأمريكي حول قضية (الطهر) وطموح هيلاري كلنتون السياسي في رغبتها في غسل (البقعة) وللمفارقة فإنه هنا أيضاً عبر الإلغاء الذي يضعف الأقوال: البحث وقلاع المعرفة، هارفارد، ستانفورد، والرأسمالية وأزماتها (الوول ستريت، وادي سيليكون، اترون والسلطة الرابعة وتحدياتها الصحافة، التلفزيون، الانترنت) وهذه كلها غائبة بشكل غريب عن هذه الرحلة السياحية ومع ذلك لم يكن أي غياب يدعو للأسف إلا غياب الطبقات الوسطى، هذه الطبقة الوسطى المشهورة التي جعلت أمريكا أفضل من مواخير نيفادا المطهرة أو من عربات (الآميش) كان بوسع استقراطينا الباريسي اللقاء بها في جو أسري مثلاً، ليمضي هناك بضعة ساعات على المدرج المغمور بنور الأمسيات الضعيفة في ملعب البيسبول أفضل من محاولة البحث عن المعنى الوطني لهذه التسلية في أحد المتاحف. وفي سرده، غالباً ما يضع بيرنار هنري ليفي أصبعه على القضايا الحقيقية، ولكنه يمضي قدماً قبل أن يعثر على الجواب، وكان يقول (غريب هذا الهوس بالعلم) ربما لأن المواطنة الأمريكية أكثر تعقيداً وألماً مما تبدو؟ سوف نكتفي بعلامة استفهام: فالمرحلة القادمة هي التي سوف تفسر ذلك، وفي اتلانتا، لاحظ الطبقة الوسطى السعداء ولكنه لم يمض بعيداً في لقائه وهذا شيء مؤسف، وفي بداية رحلته يشير الكاتب إلى أنه جال في الصفحات الأولى من كتاب كان الباحث الاجتماعي (الان وولف) قد أعطاه إياه قبل ذلك في بوستن، وهذا الكتاب وعنوانه (شعب واحد برغم كل شيء) يؤشر عمل (الان وولف) حول الطبقات الوسطى الأمريكية وربما كان على بيرنار هنري ليفي قراءته حتى النهاية.
رؤية سياسية
وفيه يمضي لحسن الحظ على نحو مختلف وبخاصة الخاتمة التحليلية، وتمنحنا فلسفة بيرنار هنري ليفي رؤيته السياسية (للدوار الأمريكي) وتنتهي بأزمة وليس بإخماد النموذج الأمريكي، وأخيراً فإنه يتناول أحداث الحادي عشر من أيلول والإرهاب ويدمر موضوعات فوكوياما وهنتنغتون ويعلن إعجابه بـ(مايكل والزر) منظر الحروب العادلة والظالمة، التي ينفصل عنها بشكل مؤلم برغم ذلك وبخاصة حول مسألة النقاش عن التعذيب لأن هذا النقاش غير مناسب، ثم يأتي للحديث عن نسبية التزمت الديني الأمريكي والذي يرفض مساواته مع التزمت الإسلامي: ويرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى بلداً علمانياً والدين فيها ليس مرادفاً للتطرف. وركز بيرنار هنري ليفي طويلاً على المحافظين الجدد الذين يتسمون بالجهل الكبير بالحركة الأوروبية المناهضة لأمريكا، والتي يرجع الفضل لها في إعادة الأفكار والأيديولوجية إلى النقاش الأمريكي وإدخال قيم الديمقراطية في السياسة الخارجية، ويدين لليسار ولمخابراته بشكل خاص بقيادة المعركة الضرورية ضد أبو غريب، وغوانتانامو والتعذيب


قصــــــــة أســـــــتـــاذ في التجــــسس
 

-العنوان: (رجل في الظلال: داخل أزمة الشرق الأوسط مع رجل قاد الموساد)
-تأليف :
افرايم هاليفي
-مراجعة:الايكونومست
-ترجمة: هاجر العاني

عن الايكونومست

تكمن المخادعة وراء الدبلوماسية الإسرائيلية، وأحياناً الأمريكية أيضاً، في أن أساتذة التجسس الكبار عادةً ما يستغرقون فترة لينطلقوا من العتمة، إلا أن أفرايم هاليفي انتظر 4 سنوات فقط، فبصفته مديراً لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد حتى عام 2002 وأحد مديريها التنفيذيين الاقدمين لمدة 33 عاماً فلا بد أن في جعبته خزيناً كخزين شهرزاد من القصص، وغني عن القول أن القليل من الأسرار الحقيقية قد وصل إلى هذا الكتاب، والقراء الذين يحدسون أنهم سيجدون حرفة التجارة والاغتيالات وجرعات الرسائل الميتة والشفرات السرية سيخيب أملهم، وحتى لو كان الأمر كذلك فبترشيح الأحداث المألوفة من خلال عدسة أستاذ التجسس غير المألوفة يقوم المستر هاليفي بتحريف جديد لقصة الفترة التي يركز عليها، وهي ال 13 عاماً الواقعة بين غزو صدام للكويت عام 1990 والغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
فامتلاك الأسرار يرفع حياة الجاسوس إلى ما فوق الاعتيادية ومع ذلك فأن بعض أساتذة التجسس العصريين يقومون بأكثر من مجرد محاولة لفهم العالم إذ أنهم يحاولون كذلك تغييره، فما دام لدى إسرائيل اتصال رسمي ضئيل بجيرانها فأنها تلجأ إلى ضباطها وموظفي استخباراتها كما يقول المستر هاليفي لإدارة " الاتصالات والمفاوضات التي تحمل أكبر من مغزى مع خصومها.
ويبرز في هذا الكتاب مثالان على الدبلوماسية التي تقودها الموساد، أولهما دورها المركزي في توجيه العلاقات مع الأردن، ففي عشية حرب الخليج عام 1991 استخدمت الموساد صلاتها مع الملك حسين الراحل لاستنباط ما سيتم فعله إذا ما أطلق صدام صواريخ على إسرائيل، وقد نظم المستر هاليفي لقاءً سرياً بين الملك واسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل في حينها، ولم يكن لقاء عقول بل " لقاء قلوب " كما يقول المستر هاليفي وقد أصبح الملك معجباً بعضو الموساد السابق العنيد.
ثم وفي عام 1994 قدم المستر هاليفي، بصفته نائب رئيس الموساد، المساعدة في إنقاذ الملك من العزلة التي جنتها الأردن خلال تلك الحرب من تأييدها للعراق ضد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، وفي اجتماع روتيني في عمان اتخذ الحوار انعطافة مفاجئة فقد بدا الملك أخيراً راغباً بالدخول في اتفاق إستراتيجي رسمي مع إسرائيل.
وبدعم من اسحاق رابين رتب المستر هاليفي الدبلوماسية السرية التي بلغت أوجها في شكل اتفاق سلام رسمي،وبعد مرور 3 سنوات وبصفة المستر هاليفي سفيراً لإسرائيل لدى الإتحاد الأوربي دعي للقيام بتدخل حاسم في الأردن.
وكانت الموساد قد حاولت اغتيال خالد مشعل أحد قياديي حماس في عمان بحقن سم بطئ المفعول في أذنه ولم تكن المحاولة مُتقنة وألقى الأردنيون القبض على عميلين وأُدخل الأربعة الآخرون في السفارة الإسرائيلية، ومع تعرض معاهدة السلام العزيزة على المستر هاليفي للمخاطرة استدعي إلى بلده لإنقاذ الموقف، وقد قام بهذا عن طريق تدبير مقايضة، فبمقابل الصفح (عن العملاء الإسرائيليين الستة) أطلقت إسرائيل سراح القائد المؤسس لحماس الشيخ أحمد ياسين (فقط لتغتاله تباعاً في أوج الانتفاضة الفلسطينية عام 2004).
وبعد هذا تم سحب المستر هاليفي ليكون مديراً للوكالة عام 1998، وعقب مرور عامين كانت الموساد تصوغ علاقات إسرائيل مع العرب مرة أخرى.
وهذه المرة كانت مع الفلسطينيين، ففي عام 2000 فشلت محاولات بيل كلنتون في التوسط لعقد اتفاق سلام في كامب ديفيد، في حين لم تكن لدى إدارة جورج بوش الجديدة أية اهتمامات كبيرة بهذا الصراع (بل لديها أفكار أقل) عن ماهية الإجراء في هذا الصدد، غير أن رئيس الموساد بدأ بالتقاط رسالة استثنائية من أصدقائه في واشنطن فقد أرادوا لإسرائيل تحت حكم أرييل شارون أن تخرج بسياسة تستطيع إتباعها كل من إسرائيل وأمريكا معاً على أن لا تخدم الأفكار الإسرائيلية مصالح إسرائيل وحدها بل وكذلك مصالح أمريكا.
وفي عام 2002 حث ٌ فيض التفجيرات الانتحارية الفلسطينية إسرائيل على إعادة إخضاع الضفة الغربية، غير أنه لم تكن في ذهن الإسرائيليين فكرة واضحة عن خطوتهم التالية، وهكذا خطت إسرائيل خطواتها في الخواء وأخرجت فكرة، وهي " تغيير النظام الحاكم " للسلطة الفلسطينية، ووضع الجواسيس مسودة خطة يتم بموجبها تهميش ياسر عرفات ويتولى زمام سلطته التنفيذية رئيس وزراء فلسطيني، وكانت النية تقديم شريك فلسطيني لإسرائيل يكون جديراً بالثقة والذي قد يمضي في حكم دولة فلسطينية في حدود مؤقتة.
وقد أخذ المستر هاليفي هذه الخطة إلى العواصم الأجنبية حيث استقبلت بحماسة، فقد عبدت الطريق لخطاب تغيير السياسة في حزيران عام 2002 الذي دعا فيه المستر بوش الفلسطينيين إلى التخلي عن عرفات.
وقد ذكرت صحيفة الايكونومست في ذلك الوقت أن المستر شارون قد يكون هو الذي كتب الخطاب الذي يبدو أن مضامينه الرئيسية قد اخترعتها الموساد، والتقبل عالمي النطاق للحجة الإسرائيلية بفشل قيادة عرفات
وتجنيد الأمريكيين والأوربيين والروس ومصر وحتى السعودية في محاولة لتطويقه كان ضربة معلٌم من الطراز الأول قامت بها الاستخبارات الإسرائيلية.
لم تجر الرياح بما يشتهي
وهذه الأمثلة على الدبلوماسية التي تقودها الموساد ستصب في مصلحة أولئك المؤمنين بالقوى المؤثرة الشيطانية لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية، لكن سيرة المستر هاليفي تضم الكثير من الأمثلة المقابلة، إذ يقول أنه تم استبعاد الموساد عن حلقة المفاوضات السرية مع الفلسطينيين في أوسلو، وكذلك مع الأمريكيين أصدقاء إسرائيل، ويتذمر المستر هاليفي من أن عمله الحريص على الجبهة الفلسطينية قد لقي الإهمال عندها، ولمساعدة توني بلير عند اقتراب غزو العراق، أجبرالرئيس بوش إسرائيل على توقيع " خارطة الطريق " التي ستكون، كما يقول المستر هاليفي، في آخر الأمر " صيغة لحلٌ سيتم فرضه بماسورة بندقية أمريكية ".
أما فيما يخص أحداث 11/ أيلول/ عام 2001 فيعترف هاليفي بأن الموساد، كوكالات الاستخبارات الأخرى، فوجئت تماماً، حيث شعر أنه مأخوذ " بشعور بالعجز الكلي تقريباً "، لكنه يتذكر قوله أنه ما دامت حرب الشرق الأوسط قد نفذت إلى القارة الأمريكية فقد أصبحت الولايات المتحدة الآن في حالة حرب مع الشرق الأوسط، وما دامت لا تستطيع كسب الحرب على أراضيها فأنها ستأتي عاجلاً أم آجلاً إلى الشرق الأوسط لأجل أن تحقق ذلك.
و المستر هاليفي معسول اللسان ذو سلوك كسلوك رئيس إحدى كليات أوكسفورد مثل عمه الراحل السير أزايا برلين، ومع ذلك حين يليق به أن يكون أستاذ تجسس إسرائيلي، فأن لديه موقفاً معادياً من الحرب على الإرهاب التي يصفها بحرب عالمية ثالثة، وهو يحاجج بأن الحكومات الغربية قد تستغل مدة الصدمة القصيرة التي تعقب الهجمات الإرهابية لتنطلق بسرعة من خلال السياسات الوحشية التي يرفض الشعب تقبلها وسط الهجمات، ولكن تفكيره يحمل في طياته حدة ذهن، فإحدى المفآجات هي أنه لا يعلن أن لا مجال للقيام بتحالف تكتيكي مع حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وذلك لعزل القاعدة، " سنكون مجبرين على تناول العشاء مع الشيطان ولكن يجب أن نحذر في كل الأوقات من أنه يدس السم في كأسنا "، حيث من الواضح أنه كان لدى المستر هاليفي العديد من جلسات تناول العشاء المشوقة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة