الخبير
الاقتصادي جعفر ياسين:
على البنك المركزي الدخول
في سوق الاوراق عبر محفظة استثمارية تعيد التوازن
لتداولاته
حاوره/ محمد شريف ابو ميسم
اشكالية سوق العراق للاوراق المالية لاتزال على طاولة
النقاش والمداولة، بعد ان خصصت مؤسسة (المدى) الجلسة
الثالثة من سلسلة جلساتها لهذا الموضوع...
الاستاذ جعفر ياسين الخبير الاقتصادي وعضو مجلس ادارة سوق
بغداد للاوراق المالية المنحل حدثنا حول هذه الاشكالية
المستمرة فكان لنا معه هذا الحوار..
*
هناك تذمر مستمر من الغالبية العظمى من المستثمرين في سوق
العراق للاوراق المالية الحالي.. ما اسباب هذا التذمر؟
- هنالك اسباب عديدة في مقدمتها.. الانخفاض الكبير في
اسعار الاسهم الذي يعد انهياراً لسوق الاسهم في العراق وهو
يشكل خسارة كبيرة لاكبر المستثمرين من الناحية المالية في
الاسهم فكيف الحال بالنسبة لصغار المستثمرين الذين آلت
مدخراتهم الى ان تكون اقرب الى الصفر منها الى أي ادخار،
فالعلم الاقتصادي يؤكد على اهمية تحويل المدخرات النقدية
الى استثمارات في المجالات الاقتصادية المتنوعة وفي
المقدمة منها سوق الاسهم، وهذا يعني ان المدخرات وفي دول
العالم على اطلاقها تتحول الى استثمارات من خلال الشركات
المساهمة لان هذه الشركات لم تعد مشروعات فردية وانما تحقق
الحديث في الادارة الاقتصادية أي الفصل مابين ادارة
المشاريع الاقتصادية عن رأس المال فالمساهمون هم اصحاب
رؤوس الاموال وهنالك مجالس الادارة المنتجة من قبلهم
والمسؤولة عن ادارة هذه المشاريع.. السبب الآخر هو الآليات
التي اعتمدتها ادارة السوق الجديدة المتمثلة بمجلس
المحافظين التي تجعل من الوسيط هو مجلس الادارة سواءً كان
عضواً في المجلس او صاحب الحق في انتخاب اعضاء المجلس
الآخرين وهذا في رأينا من اخطر ما مرت به التشريعات
القانونية الاقتصادية في العراق..
* ما اسباب انخفاض اسعار الاسهم؟
- هنالك اسباب عديدة منها.. التشريعات السائدة الآن والتي
لم ينفذ منها الا القليل فقانون الاستثمار لغير العراقيين
ظل محفوظاً على الرف فيما يتعلق بحق المستثمرين من غير
العراقيين في شراء الاسهم وتداولها في السوق العراقية..
ومن المعروف ان حجم رؤوس اموال الشركات قد تضاعف مرات
عديدة وذلك لا يتناسب والسيولة النقدية والتراكم الرأسمالي
لدى الطبقة الوسطى القادرة على شراء هذه الاسهم، فمنذ
تأمينات عام 1964 حتى عام 2005 لم تكن هنالك طبقة وسطى
بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي، والتراكم الرأسمالي حصل في
قطاع مشاريع الدولة، وبالتالي فان دخول المستثمر غير
العراقي الى سوق الاسهم من الضرورات الاساسية التي تفرضها
طبيعة وظروف المرحلة الراهنة.. وهذا لا ينطبق على سوق
الاسهم فقط وانما على جميع القطاعات الاقتصادية الاخرى..
يضاف الى ذلك ان الشركات المساهمة سواءً اكانت خاصة او
مختلفة، لم تعد ذات مركز مالي يمكنها من الصمود امام
هجمتين رئيسيتين، الاولى فتح منافذ العراق على مصراعيها
لاستقبال جميع انواع السلع والبضائع رديئة النوعية والتي
لا يتوفر فيها الحد الادنى من الشروط التي يتطلبها جهاز
التقييس والسيطرة النوعية والرقابة الصحية، وهذه البضائع
من اسباب تدمير الاقتصاد العراقي لانها ذات نوعيات رديئة
واخطر ما في هذه السلع المواد الغذائية، التي تمثل سموماً
حقيقية للانسان العراقي، يتناولها يومياً بعيداً عن عيون
الرقابة، وهذه الاستيرادات استنزفت الاقتصاد العراقي من
ناحية وشكلت منافساً قوياً للمنتجات العراقية ذات النوعية
الجيدة، حتى ان الامر وصل ببعض (تجار المرحلة الراهنة) ان
يستوردوا بضائع وسلعاً من بلدان مختلفة وبسطو على علامات
وماركات السلع والمنتجات العراقية وهنالك وجه آخر للهجمة
وهو وجود اشكال مختلفة وبدرجات مختلفة من العصابات المنظمة
(المافيات) في الكثير من الشركات المساهمة العراقية، هؤلاء
يفرضون بالتهديد على ادارات الشركات، مطالب غير مشروعة مما
ارهق هذه الشركات حالياً وبالتالي اضعف مركزها، والامثلة
تكاد تشمل جميع الشركات والهجمتان اللتان اشرنا اليهما
تكون الدولة مسؤولة عن مجابهتهما من خلال التدخل ليس
التشريعي وحسب وانما ايضاً من خلال التدخل المادي باستخدام
ادوات السلطة التنفيذية التي تراها مناسبة وقبل فوات
الاوان لان ناقوس الخطر يسمعه الجميع والذي سيؤول في حالة
استمرار هذين الهجمتين الى تصفية هذه الشركات وبالتالي زج
مئات الالوف من العاملين في جيش البطالة الذي يتضخم يوماً
بعد آخر، وللاسف الشديد فان العاملين في هذه الشركات لجأوا
للمطالبة بحقوق غير مشروعة عن طريق التهديد في الوقت الذي
لا يدركون ان هذه المطالب تعني في النهاية غلق هذه الشركات
وتصفيتها.
* ما المخرج في رأيكم لهذه الاشكالية الكبيرة؟
- الخروج من هذا المأزق يرتبط بالدرجة الاولى بالوضع
السياسي السائد في البلد في المرحلة الراهنة، وهو موضوع
معقد ومركب فغياب الدولة بكل اركانها وفي المقدمة منها
السلطة التنفيذية، يشكل حجر الزاوية في اعادة تأهيل
الاقتصاد العراقي عموماً وقطاع الشركات المساهمة كجزء من
هذا الاقتصاد وحركته، ولكن في الامد المنظور وفي المرحلة
الراهنة ينبغي على مجلس النواب الاسراع في تشريع العديد من
القوانين او تعديل السائد منها بما يتناسب والظروف المحلية
والاقليمية والدولية فالاقتصاد العراقي مؤهل لان يتبوأ
مكانة بارزة ومتميزة في معدلات نموه بالقياس الى اقتصاديات
البلدان المجاورة.. وفيما يتعلق بسوق الاسهم الذي هو محور
حديثنا في هذا اللقاء، فان على الدولة ان تتدخل في حركة
هذا السوق كما هو جارٍ في معظم دول العالم ومنها الدول
الاقليمية فالبنك المركزي العراقي الذي كان عضواً في مجلس
ادارة سوق بغداد المنحل هو الان غائب كلياً عن سوق العراق
الحالي وهو في ظل هذه الظروف يمكن ان يدخل عبر محفظة
استثمارية في سوق العراق للاوراق المالية وبالتالي يقلل من
الآثار السلبية على اسعار الاسهم الحالية، ومن مهمات
البنوك المركزية في العالم ان تعيد التوازن الى سوق الاسهم
في الحالات التي تتعرض لها الاسواق الى هزات، صعوداً او
نزولاً في الاسعار، واقرب مثال على ذلك، تدخل ملك السعودية
شخصياً والوليد بن طلال وهو من كبار المستثمرين في اسواق
المال، للحد من انهيار السوق المالية السعودية، وتدخل
البنك المركزي الكويتي من خلال محفظته لاعادة التوازن في
سوق الكويت للاوراق المالية، فالبنك المركزي العراقي الذي
يشهد الجميع بكفاءات ادائه في الظروف الراهنة والمتمثل
اساساً في استقرار اسعار صرف الدينار العراقي بالقياس الى
العملات الاجنبية وهو امر في غاية الاهمية للاقتصاد
العراقي، حيث ان استقرار اسعار الصرف للعملة الوطنية
العراقية مسألة تدفع الاستثمار بعيداً عن الخوف من تقلبات
اسعار الصرف.. وبالتالي يمكن للبنك المركزي ان يتدخل آنياً
باستحداث محفظة للاسهم العراقية للحيلولة دون تدهور
الاسعار اولاً وايجاد المناخ المناسب لتشجيع الاستثمار
ودعم الشركات المساهمة القائمة حالياً، والضرب على ايدي
المتلاعبين في سوق الاوراق المالية، من المستثمرين
الطارئين وبعض الوسطاء، ويمكن للبنك المركزي ان يستثمر في
هذه المحفظة مبلغاً ليس بالكبير كأن يكون (500) مليون
دولار، يمكن لهذا المبلغ ان يعيد التوازن للسوق متى ما شعر
البنك بضرورة التدخل، ومن المفارقات غير الخاضعة لأي منطق
او مفهوم اقتصادي وعلمي ان المؤسسات المصرفية وفي المقدمة
منها المصرف الصناعي وشركات التأمين الحكومية قد باعت
مليارات الاسهم العائدة لها للشركات المساهمة وبالتالي فان
طرح مليارات الاسهم ومرة واحدة وفي ظروف سوق لا تحتمل هذا
الطرح وبهذه الكميات قد ادى الى انخفاضات متلاحقة في اسعار
الاسهم واكثر من ذلك فان قانون الشركات القديم الذي عُدل
فيما بعد قد سمح للمصرف الصناعي، وهو المساهم الاكبر في
الشركات المساهمة لنفسه بان يضغط على الشركات التي يترأس
في الغالب مجالس ادارتها على بيع اسهمها بدلاً من الاحتفاظ
بها كتعزيز لمركزها المالي واخيراً يجب ان نؤكد على انقاذ
المستثمرين والشركات المساهمة عن طريق تدخل البنك المركزي
من خلال محفظة استثمارية تعيد التوازن الى السوق اذا ما
اختل.. وان قيام سلطة تنفيذية وممارسة مجلس النواب لمهامه
هما البوابتان الرئيسيتان لانقاذ العراق من وضعه السياسي
والاقتصادي الراهن وكجزء من ذلك حماية وتطوير الاستثمار
العراقي وغير العراقي، ليتبوأ العراق مكانته الاقتصادية
اللائقة.
|