الحدث الاقتصادي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقائع طاولة المدى المستديرة في كردستان(الاولى) .. ظاهـرة غسيل الامـوال .. ظاهرة غسيل الاموال وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي  - البحث الثاني
 

*الدكتور بلاسم جميل خلف

*استاذ في مركز بحوث السوق وحماية المستهلك/ جامعة بغداد

ضمن فعاليات طاولة المدى المستديرة والخاصة بظاهرة غسيل الأموال في العراق على هامش اسبوع المدى الثقافي الذي ينعقد حالياً في محافظة اربيل بكردستان العراق. كانت اسهامة الدكتور بلاسم جميل خلف من مركز بحوث السوق وحماية المستهلك بجامعة بغداد تحت عنوان (ظاهرة غسيل الأموال وانعكاساتها على الاقتصاد العراقي) بحضور حشد من الاكاديميين والمعنيين بالشأن الاقتصادي من كل ارجاء العراق فضلاً عن المشاركين من الوفود القادمة من الخارج وفيما يلي نص ورقة العمل التي تقدم بها الباحث:

تعد ظاهرة غسيل الأموال آفة العصر. وأم الجرائم، وهي جريمة منظمة لها اساليبها ومناهجها وتعد من اخطر الجرائم المالية بسبب انعكاساتها المباشرة على الجوانب الفكرية والاقتصادية والسياسية والاخلاقية على مستوى الافراد والمجتمع والمؤسسات، وهي واحدة من ابرز المشكلات الاقتصادية تعقيداً لانها تسهم في تعظيم حالة اختلال التوازن والاستقرار اللذين يعدان الركيزة الاساسية لتحقيق مجتمع الرفاهية والتنمية والتطور.
والعراق لم يألف هذه الظاهرة من قبل وان كانت موجودة فهي حالات كما حصل في نهاية عقد الثمانينيات (موضوع شحن السيارات) وكذلك الشركات الوهمية (سامكو) في منتصف التسعينيات.
ولكن بعد احتلال العراق عام 2003 اصبحت ظاهرة بسبب غياب الحكومة وتعطيل مؤسساتها المالية والقانونية والخدمية من جهة وتدوير الاقتصاد العالمي ونمو اسواق المال الدولية من جهة أخرى.
ولاهمية هذه الظاهرة وما ينتج عنها من اثار اقتصادية وسياسية واجتماعية واختلالات قيمية في المجتمع العراقي كان اختيارنا هذا الموضوع لكي يكون عنوان بحثنا.
المحور الاول
ظاهرة غسيل الأموال، مفهومها، مصادر الأموال، آثارها
هناك العديد من التعاريف الخاصة بغسيل الأموال منها:
ان كل عمل أو اجراء يهدف الى اخفاء أو تحويل أو نقل أو تغيير طبيعة أو مالية أو نوعية هذه الأموال المحصلة من انشطة أو أعمال اجرامية وغير قانونية أو غير مشروعة وذلك بهدف التغطية والتمويه والتستر على المصدر الأصلي غير القانوني لهذه الأموال، لكي تظهر في نهاية الأمر على انها اموال نظيفة ومن اصول سليمة ومشروعة بينما هي في الاصل غير ذلك.
وقد عرفه القانون المصري لمكافحة غسيل الأموال في عام 2002 على انه (كل سلوك ينطوي على اكتساب اموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو ادارتها أو حفظها أو استبدالها أو ايداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها).
وتعرفه المنظمة الدولية الجنائية الانتربول أي عمل أو الشروع في عمل يهدف الى التكتم أو التستر على طبيعة الاموال المكتسبة بصورة غير مشروعة بحيث تبدو وكأنها جاءت من مصادر مشروعة.
وتعريف اخر بانه اخفاء وطمس المصدر الحقيقي للاموال المودعة لدى الجهاز المصرفي والناتجة عن عملية غير مشروعة بهدف اكسابها صفة شرعية.
نستنتج من تلك التعاريف ان عملية غسيل الأموال تعني اضفاء المشروعية على العائدات غير المشروعة والمتحصلة من أي نشاط اجرامي.
ينتج عن هذه الاعمال والانشطة الاجرامية غير القانونية اموال طائلة تقدر بمليارات الدولارات، حيث اشارت مجموعة حملة العمل المالي الدولية (
FATF) financial action task force وهي منظمة عالمية متخصصة في مجال مكافحة غسيل الأموال ان ما يتم غسله من الاموال المحصلة من مختلف أنواع الانشطة والاعمال غير القانونية حول العالم (استنادا الى تقريرات صندوق النقد الدولي انها بين 2% - 5% من اجمالي الدخل القومي العالمي) أي يتراوح بصورة تقريبية، بين 590 ملياراً 500/1 ترليون دولار سنوياً من واقع احصائيات عام 1996، حيث يمثل هذا الرقم اجمالي الميزانيات السنوية لنحو 30 أو 40 دولة ةصغيرة تقريباً ويكفي لسداد أكثر من نصف ديون دول العالم الثالث. فقي حين تقدر هيئة الامم المتحدة حجم الأموال المغسولة سنوياً 800 مليار 500/1 ترليون دولار حيث يعادل هذا المبلغ ضعف الإنتاج النفطي العالمي السنوي تقريباً، كما تقدر نفس الهيئة ان ما يتم غسله من الاموال المكتسبة من التجارة غير المشروعة للمخدرات فقط يبلغ نحو 120 مليار دولار سنوياً.
وتشير المعلومات المتوفرة ان عمليات غسيل الأموال في روسيا وحدها تتراوح بين 25% - 50% من الناتج المحلي الاجمالي لروسيا و13% لبريطانيا كما تعتبر كلا من سويسرا والولايات المتحدة الاميركية والمكسيك ملاذا كبيراً لغسيل الأموال. جدول (1) يوضح حجم الأموال المغسولة سنوياً في بلدان مختارة وعبر القطاع المصرفي
اسم الدول     المبلغ مليار دولار
سويسرا     345
منطقة الكاريبي    342
لوكسنبورج     327
امريكا     300
جزر البهاما     155
المجموع     1469
المصدر زهير سعيد الربيعي، غسيل الأموال، الامارات العربية المتحدة مكتبة الفلاح، السنة 2005
هذا وقد اشارت ندوة مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والتي عقدت بالقاهرة في 30 /10/ 2000 الى ان حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً على مستوى العالم يعادل 25% من اجمالي التعاملات في اسواق المال العالمية، التي يجد فيها غاسلو الأموال فرصهم باعادة تدوير الاموال دون الاهتمام بالتوظيف الجيد وهذا يؤدي الى اختلال الاسواق المالية. هذا وتشير الدراسات الى ان 70% من حجم الأموال المغسولة يأتي من تجارة المخدرات والباقي من انشطة أخرى مثل تجارة السلاح والزئبق الابيض وتزييف العملات.
وتعد نيويورك اكبر مركز عالمي لغسيل الاموال الا ان لندن تعتبر منافساً قوياً لها وترجع زيادة الاقبال على لندن الى عدم تعقد النظام فيها وزيادة قدرته على اجراء التعاملات الضخمة المرتبطة بغسيل الأموال. وقد اشارات تقديرات الأمم المتحدة الى ان حجم الأموال القذرة التي تتعرض لعملية الغسل في العالم اصبح من الضخامة بحيث يتجاوز حجم التجارة الدولية للبترول ويأتي في المرتبة التالية لحجم التجارة الدولية للأسلحة. تعد جرائم غسيل الأموال (
Money Laundering) اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي، انها التحدي الحقيقي امام مؤسسات المال والاعمال، وهي ايضاً امتحان لفترة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة، وغسل الأموال، جريمة ذوي الياقات البيض، تماماً كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية وغسيل الأموال ايضاً، جريمة لاحقة لانشطة جريمة حققت عوائد مالية غير مشروعة .
فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية أو ما يعرف بالاموال القذرة، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة، ولهذا تعد جريمة غسل الاموال مخرجاً لمأزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالاً باهظة، كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها وتجدر الاشارة هنا الى ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الأموال ارتبط بجرائم المخدرات بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الأموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دولياً على قواعد واحكام غسيل الأموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية، غير ان هذه الحقيقة اخذة في التغيير، إذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلاً لغسيل الأموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها وكذلك، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية (جرائم الكومبيوتر والانترنيت) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الأموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات، وذات القول يرد بخصوص انشطة الإرهاب وتجارة الأسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية.
وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الأموال متغيرة وعديدة، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية (مواد ثمينة)، وموجودات عقارية أو نحو ذلك، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الأكثر استهدافاًَ لانجاز انشطة غسيل الأموال من خلالها، واذا كانت البنوك مخزن المال، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الأموال القذرة صفة المشروعية .
ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيس في عمليات الأموال، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديداً عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية (الأجنبية) لحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها.
وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط أكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية أو بنوك الويب على شبكة الانترنيت، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال.
ومن جهة أخرى، فان البنوك ذاتها، تعد رأس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الأموال، لحماية نفسها اولاً من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها أو مشاركتها في هكذا انشطة، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الأموال .
خطوات عمليات غسيل الأموال
يمكن تقسم المراحل التي تتم من خلالها عمليات غسيل الاموال الى ثلاث مراحل رئيسة:
1- مرحلة الايداع أو التوظيف
ويتم فيها التخلص من الأموال القذرة والتي تكون نقداً وذلك بايداعها مجزأة في حسابات بنكية قائمة أو شراء شركات سياحية واوراق مالية ليتم تسهيلها في بنوك دول أخرى لاحقاً وتعد هذه المرحلة الاصعب في المراحل الاخرى وذلك لاحتمال انكشاف امر الاموال الا انه بمجرد قبول هذه الاموال في النظام المصرفي كايداعات نقدية أو شيكات فانه يصبح من السهل اتمام المراحل الاخرى.
2- مرحلة التغطية أو التمويه أو التشتيت.
وتعد هذه المرحلة اقل خطراً من سابقتها حيث تتم هنا عمليات ابعاد متعمد لهذه الأموال ونقلها الكترونياً حول العالم عبر سلسلة متواصلة من التحويلات البرقية والالكترونية حيث تستخدم القنوات المصرفية العالمية المتاحة اضافة الى الحسابات المصرفية للشركات الوهمية التي لاتمارس أي نشاط اقتصادي حقيقي سوى تلقي التحويلات المالية ثم إعادة ارسالها الى طرف آخر وغالباً ما يتم اختيار البلدان التي لا تطبق قوانين صارمة أو فعالة في مجال مكافحة غسيل الأموال.
3- مرحلة الدمج أو الخلط.
وتعد اقل المراحل خطورة وهنا يتم استرجاع الاموال واعادة ضخها الى الاقتصاد المحلي والعالمي كاموال مشروعة عبر شراء العقارات والأوعية الاستثمارية المختلفة.
وبهذا تكون قد اختفت معالم الجريمة التي تقود الى معرفة الاصل الحقيقي لهذه الاموال وبالتالي اصبح بامكان المجرمين وشبكات الجريمة المنظمة الاستفادة من هذه الأموال واعادة تدويرها لصالحهم وبما يخدم استمرار اعمالهم الاجرامية.
العوامل المساعدة لتزايد هذه الظاهرة
هناك مجموعة من العوامل التي ساعدت في نمو هذه الظاهرة واتساعها وبالامكان تصنيف تلك العوامل الى ما ياتي:-
اولاً:- عوامل البيئة الداخلية
يمكن القول ان العوامل التي ادت الى ولادة ظاهرة غسيل الاموال هي البيئة الداخلية وهي تكون ملائمة لتلك الظاهرة من الاختلالات الهيكلية التي تصيب الاقتصاد القومي وضعف السياسات الاقتصادية، والفوضى المصاحبة لعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
ثانياً:- عوامل البيئة الخارجية
ان سياسات الانفتاح واستمرار الاختلالات الهيكلية والعلاقات المفتوحة على الاسواق المالية العالمية هي الاساس في نمو هذه الظاهرة حيث تؤدي الاسواق العالمية قدراً من نمو ظاهرة غسيل الاموال وبنسبة 25% من حجم العمليات، وما يفعل ذلك وينمي الظاهرة هو المناخ الذي افرزته العولمة التي بانشائها اسواقاً جديدة ليس لها موقع جغرافي ويصعب السيطرة عليها مما يؤدي الى تزايد حجم الجريمة الاقتصادية، واعلان بحق الدول قبولها الاموال غير المشروعة بتقديمها تسهيلات مقابل فوائد، فضلاً عن دور المصارف العالمية في تسهيل عملية تحويل الاموال مقابل الحصول على معدلات ربحية من دون رقابة او تمييز عبر ضمانات من مصرف التجارة والائتمان العالمي، وقد سماه البعض (مصرف المحتالين والمجرمين العالمي).
مصادر الاموال غير المشروعة
وتمثل جميع الاموال غير المشروعة التي تصب في وعاء الاموال القذرة والناتجة عن انشطة او اعمال اجرامية وغير قانونية او غير مشروعة، وكالاتي:-
-التجارة غير المشروعة للمخدرات والمؤثرات العقلية.
-التجارة غير المشروعة لمختلف انواع الاسلحة النارية والذخائر.
-جرائم الرشوة والاختلاس والاضرار بالمال العام والتعدي عليه.
-جرائم الاضرار بالبيئة (النفايات السامة والنفايات النووية).
-الفساد الاداري والمالي والسياسي (ويسمى احياناً جرائم اصحاب الياقات البيض).
-الارهاب والقرصنة وخطف الطائرات واحتجاز الرهائن للمطالبة بفدية.
-جرائم الغش والاحتيال وخيانة الامانة وعمليات الغش التجاري.
-التهرب الضريبي.
-السرقة بمختلف انواعها بما فيها سرقة الاثار وسرقة حقوق الطبع والتوزيع للمصنفات الادبية او العلمية والاقراص المدمجة للكومبيوتر..
-الابتزاز والاغتصاب والسلب والنهب.
-التزوير بجميع اشكاله وانواعه.
-التهريب ومعاملات اسواق العملات الاجنبية والبضائع غير المرخصة (السوق السوداء).
-تجارة الرقيق الابيض والبغاء والدعارة واستغلال الاطفال والنساء.
-تجارة اعضاء الجسم البشري.
-تهريب المهاجرين بصورة غير مشروعة.

الاثار الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة غسيل الاموال
ان نمو واتساع حجم الظاهرة يعني ازدياد اثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع وقد توقع صندوق النقد الدولي ان الحجم المالي لهذه الظاهرة يتراوح بين (600-1500) مليار دولار وهذا مبلغ لايمكن الاستهانة به على الاطلاق ولذا فان حجم الاثار السلبية سيكون كبيراً ومنها الاتي:-
اولاً:-الاثار الاقتصادية
يمكن تلخيص جملة من الاثار السلبية على الاقتصاد القومي منها:-
1-تسهم في رفع معدلات التضخم وبالتالي ارتفاع حاد في الاسعار مما تزيد الفقراء فقراً والاغنياء من المتعاطين مع هذه الظاهرة غناً.
2-تعمل على اضعاف الدخل القومي الذي يعد مؤشراً على مستوى رفاهية المجتمع من خلال استنزاف الاقتصاد الوطني وعدم توجيه تلك الاموال الى الاستثمارات المحلية التي من شأنها زيادة الطاقة الانتاجية.
3-ضعف القطاعات الانتاجية بسبب ضعف الادخار والاستثمار وبالتالي سيطرة منتجات الدول الاجنبية على الاسواق المحلية.
4-هروب الاموال الى الخارج وهذا من شانه زيادة الاختلال بين الادخار والاستهلاك.
5-يسهم في عدم استقرار الاسواق النقدية والمالية مما يضعف قيمة العملة المحلية، وبالتالي شراء العملة الاجنبية او ادخارها في مصارف خارج الدولة.
6-التهرب الضريبي يعني انخفاض الموارد المالية للدولة وهذا يؤدي الى زيادة الاختلال بين الايرادات والنفقات.
7-ارتفاع التكاليف التي تتحملها الحكومات بسبب تفشي الجريمة وانعدام الامن في المجتمع الناتجة من غسيل الاموال مما يعني وجود اعباء مالية تتحملها الحكومة للحفاظ على الامن باعتباره احد الركائز الاساسية للرخاء والتنمية.
جدول 2 النفقات التي تتحملها الحكومة الامريكية بسبب غسيل الاموال

التفاصيل     المبلغ مليار دولار
مكافحة جرائم سوق العمل    120
تعويضات البضائع المسروقة    60
مكافحة تجارة المخدرات     40
حوادث السيارات التي يسببها مدمنو الكحول      110
الحماية الشخصية     64
نظام العدالة الجنائية     78
المجموع     472
ثانياً:-الاثار الاجتماعية
1-انتشار الفساد والجرائم الاجتماعية مثل انتشار العصابات.
2-ظهور حالة الاختطاف او الحجز لغرض اجبار الاخرين على دفع مبالغ او تهديدهم بعدم التدخل بسياسات منظمات غسيل الاموال.
3-ضعف مستوى الخدمات المقدمة للجمهور وظهور تلوث البيئة.
4-افساد الجهاز الاداري من خلال شراء ذمم المسؤولين والاداريين.
5-تغلب المصلحة الفردية على المصلحة العامة.
6-تزايد حدة مشكلة الفقر وتدني مستويات المعيشة لمعظم ابناء المجتمع.
7-تخريب المجتمع من خلال الفضائيات ووسائل الاعلام المسيطر عليها من قبل عناصر الظاهرة.
المحور الثاني
ظاهرة غسيل الاموال في العراق

يمكن القول ان هذه الظاهرة لم تكن مالوفة ومعروفة في العراق وان وجدت فهي حالات ففي نهاية عقد الثمانينيات ظهرت حالة بيع السيارات بالاجل القريب ولمدة شهر مثلاً وبسعر يفوق سعر السوق بمقدار 20% حصل ذلك في العديد من معارض بيع السيارات وكان ضحيتها المئات من المواطنين، اما في النصف الاول من عقد التسعينيات فقد ظهرت العديد من الشركات الاستثمارية الوهمية امثال شركة (سامكو) التي كانت تستلم الايداعات المالية من الافراد وباسعار فائدة مرتفعة جدا تصل الى 20% شهريا وقد ذهب ضحيتها الاف المواطنين بسبب ظروف الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على العراق.
الا انه في نهاية عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة بدأ الحديث عن هذه الظاهرة ولو بشيء محدود بسبب ضعف قدرة القطاعات الانتاجية على توفير السلع والخدمات مما نشأ بما يسمى بالسوق السوداء وعمليات تهريب نفط وسلع من العراق بسبب الحصار الاقتصادي.
اما بعد الاحتلال عام 2003 وما شهده العراق من غياب للحكومة بكل مؤسساتها وما خلفه الاحتلال من تدمير للبنى التحتية وانكشاف السوق العراقية ادى ذلك الى ان يكون العراق بيئة ملائمة لوقوع الجرائم من جهة وغسيل الاموال من جهة اخرى.
وبالامكان تشخيص بعض معالم وسمات البيئة الداخلية والخارجية والتي ادت الى نمو الظاهرة وبشكل سريع وكالاتي:-
1-البيئة الداخلية
حيث هيأت الاجواء بعد الاحتلال عام 2003 وغياب الدولة بكامل اجهزتها ومؤسساتها الى ولادة هذه الظاهرة لغياب دولة القانون والاجهزة الرقابية وسياسة الاغراق والسوق السوداء وانكشاف السوق العراقية امام الاسواق العالمية بما فيها سلع جديدة ورديئة فضلا عن فتح الحدود العراقية مع العالم بدون قيد او شرط ويدعم ذلك سهولة تداول الاموال وتحويلها الى الخارج وضعف القطاعات الانتاجية على توفير السلع والخدمات.
وتوقف العديد من الانشطة الاقتصادية اما بسبب التخريب او التدمير او المواد الاولية او انقطاع التيار الكهربائي او بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والانفلات الامني وعدم وجود سياسات اقتصادية مستقرة وواضحة المعالم للعمل بها وشيوع تجارة الممنوعات والسلع غير الخاضعة للرقابة وتزايد معدلات الجريمة بكل انواعها.
2-البيئة الخارجية
لقد تفاعلت مكونات البيئة الداخلية مع مكونات البيئة الخارجية لخلق بيئه ملائمة لولادة ونمو ظاهرة غسيل الاموال في العراق حيث ان عملية سياسات الانفتاح على الاقتصاد العالمي بعد انكشاف السوق ادى الى تكوين الارض الخصبة لهذه الظاهرة وان العالم يشهد تطوراً ملموساً في هذه الظاهرة فاصبح العراق الملاذ الامن للقيام بالجريمة او غسل الاموال من قبل المافيا العالمية، فضلا عن الاسواق الجديدة التي انشئت في العالم بظل العولمة وليس لها موقع جغرافي يمكن السيطرة علية وتزايد حجم الجريمة الاقتصادية في العالم واعلان بعض الدول قبولها الاموال غير المشروعة وتقديم التسهيلات لها مقابل فوائد عالية مما يمكنها من الحصول على ربحية عالية دون رقابة ومسألة قانونية.
مصادر الاموال غير المشروعة في العراق
هنالك العديد من المصادر التي تصب في وعاء الاموال غير المشروعة في العراق من اهمها الاتي:-
-سرقات المصارف والبنوك بعد احتلال العراق والتي قد تمثل نسبة عالية في تكوين وعاء غسيل الاموال في العراق.
-الاموال المتاتية من سرقة وتهريب الاثار الثمينة وبيعها في الاسواق العالمية.
-تهريب المكائن والالات والمعدات والمصانع الى الخارج.
-تهريب النفط ومشتقاته.
-الغش الصناعي والتجاري بعد انكشاف السوق العراقية وغياب دور الدولة ومؤسساتها.
-عمليات تزييف العملة.
-عصابات السرقات والخطف.
-الاموال المخصصة لاعادة الاعمار التي تتجه نحو اقامة مشاريع وتقديم خدمات وهمية.
-المتاجرة بالمخدرات.
-الرشوة والفساد الاداري، والتربح من الوظائف العامة.
-الاموال التي كانت بذمة مسؤولي المالية في بعض مؤسسات الدولة خلال الحرب الاخيرة.
-الشركات الوهمية.
الاثار الاجتماعية والاقتصادية لغسيل الاموال في العراق
اولا: الاثار الاجتماعية:
لقد ادت ظاهرة غسيل الاموال في العراق الى بروز جملة من الاثار السلبية على صعيد المستهلك والمجتمع العراقي ومنها:
1-تخريب منظومة العلاقات الاجتماعية التي كان يشار لها بالبنان في العراق وتخريب النسيج الاخلاقي.
2-ظهور حالات الاختطاف والاغتيالات حتى بعد دفع المبالغ المالية.
3-اختلال توازن الهيكل الاجتماعي وتزايد حدة مشكلة الفقر وتدني مستويات المعيشة للغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي.
4-ساهمت في انتشار الفساد والجرائم الاجتماعية والفساد الاداري والرشوة وغير ذلك.
5-ساهمت في تخفيض المستوى المعاشي المواطنين من خلال توفير السلع والخدمات المغشوشة والتي تباع باسعار مقاربة لمستويات الدخول ولكنها لم تدم طويلاً مما تصبح عبئا على المستهلك نفسه.
6-تخريب المجتمع من خلال تجارة المخدرات والذي كان العراق قبل عام 2003 يعد من البلدان الخالية من استخدام المخدرات ولا يوجد مايشير الى عكس ذلك.
7-ازدياد معدلات الجريمة في العراق وتنوعها وتشابكها (سياسية واقتصادية وامنية وارهابية وغيرها).
8-ساهمت في الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الاثار الاقتصادية
هناك مجموعة من الاثار الاقتصادية السلبية التي خلفتها ظاهرة غسيل الاموال في العراق اثناء وقوع الجريمة او غسل الاموال لان معظم الاموال المغسولة اما سرقة المصارف والبنوك او تهريب مكائن والات ومعدات ومصانع وسيارات واثار الى الخارج او دخول بضائع مغشوشة الى الاسواق العراقية وهذا كله يزيد من الاثار الاقتصادية السلبية ويميز الظاهرة عن الظواهر العالمية على الرغم من حداثة الظاهرة في العراق الا ان تجاذب عوامل البيئة الداخلية والبيئة الخارجية ادى الى انطلاقها بسرعة فائقة، ومن الاثار الاقتصادية السلبية الاتي:
1-ان الظاهرة ادت الى اضعاف الدخل القومي من خلال ما ياتي:-
-استنزاف رؤوس الاموال (العملات الصعبة) التي تمت سرقتها من المصارف وتحويلها للاستثمار في خارج القطر.
-الاثار الناجمة عن تهريب المكائن والالات والمعدات والمصانع الى خارج العراق وبيعها باسعار منخفضة وهي تمثل راس مال ثابت ومهم.
-المساهمة في تعطيل المشاريع الصناعية مما افقد البلد طاقته الانتاجية التي هي اصلاً منخفضة.
-ضعف القطاعات الانتاجية بسبب ضعف الادخار والاستثمار.
2-ان هروب رؤوس الاموال الى الخارج ادى الى اختلال التوازن بين الادخار والاستهلاك وهذا سيجعل الدولة ملزمة بالتحويل الخارجي مما يزيد من المديونية.
3-عدم الاستقرار النقدي (سعر الصرف) والخوف من تقلبات مستقبلية مما يعني قيام الافراد بشراء العملات الاجنبية وادخارها داخل او خارج العراق.
4-سوء توزيع الدخل وتركزه بيد فئة طفيلية قليلة اثر سلبا في العدل الاجتماعي.
5-ان ادخال السلع المغشوشة الى السوق العراقية ادى الى قتل الصناعة الوطنية وفقا لمبدا ابن خلدون (السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة).
غسيل الأموال والغش الصناعي والتجاري في العراق
بعد انكشاف السوق العراقية وفتح الحدود مع البلدان المجاورة وتعطيل دور المؤسسات ذات العلاقة من كمارك، الامن الاقتصادي، جهاز التقييس والسيطرة النوعية ودوائر الرقابة الصحية وغيرها من المؤسسات تحولت السوق العراقية من سوق مسيطرة عليها وبنسب عالية إلى سوق مكشوفة، فقد دخلت انواع من السلع الرديئة والمغشوشة وكميات كبيرة جداً وحتى ان بعض السلع من المخدرات اخذ تداولها في بعض المحافظات بشكل اعتيادي وتباع باسعار تقل عن كلفتها والغرض منها تخريب المجتمع والمستهلك العراقي.
لقد اتجه اصحاب الاموال القذرة لغسيل اموالهم نحو العقارات، شراء البيوت والعمارات وقطع الاراضي وادى ذلك الى ارتفاع كبير جدا في اسعارها حيث ارتفعت الى اكثر من اربعة اضعاف ولكن سرعان ما تلاشت بسبب عدم قيام دوائر التسجيل العقاري بنقل الملكية مما حدا بهم إلى التوجه نحو التجارة ولاسيما ان السوق العراقية، التي تشكو من نقص كبير من السلع والخدمات بعد حصار دام (13) ثلاث عشرة سنة ولذلك تم استيراد انواع من السلع الكهربائية (تليفزيون، الستلايت، الثلاجات، المجمدات، المراوح، مولدات الكهرباء الصغيرة.. وغيرها، السيارات بانواعها، الملابس، الادوات المنزلية، والمواد الغذائية وغير ذلك). وان اسباب التوجه لغسيل الاموال الى السوق العراقية هو ان معظم اصحاب الاموال القذرة هم من الطفيلين الذين تنقصهم الخبرة والمعرفة بالتجارة والاسواق العالمية، وحجم السوق والطبيعة الاستهلاكية للمستهلك العراقي ومستويات الدخول.. وانعدام الضرائب في المراحل الاولى، وانعدام الاجراءات الادارية المالية والقانونية وسهولة تحويل الاموال الى الخارج وبدون مساءلة قانونية او مالية او ادارية تذكر ولذا تساهم السوق العراقية في غسيل الاموال لانها افضل مكان لعملية الغسل.
ولكن عملية الغسل هذه ادت الى تلوث السوق العراقية وما انعكس ذلك على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلك بسبب استيراد أردأ انواع السلع، واحد الامثلة على ذلك استيراد السيارات حيث تم استيراد (1250 الف سيارة منذ حزيران/2003 ونهاية عام 2005).
ومن خواص هذه السيارات
ان معضمها من الموديلات القديمة والتي قد تجاوز 15 سنة على انتاجها.
-ان معضمها قد تم اسقاطها واخراجها من الخدمة بسبب عمرها الانتاجي وتلوثها للبيئة وتكاليف صيانتها العالية.
-انخفاض اسعارها في دول المنشأ والتي تم شراء بعضها بحدود (100-200دولار) للسيارة الواحدة.
-ان معضمها من شركات اصلاً رديئة ولايمتاز انتاجها بالجودة والمتانة.
-عدم ملائمتها للمناخ في العراق.
-ان عملية ادامتها واصلاحها مكلفة جداً وذلك لحجم الادوات الاحتياطية التي تحتاجها وتعقيداتها.
-عدم جلب الادوات الاحتياطية.
-تعدد المناشئ مما يصعب توفير ادواتها الاحتياطية.
نستنتج من ذلك ان المستهلك العراقي اولاً والاقتصاد القومي ثانياً سيتحمل الاعباء المالية والاقتصادية والبيئية لاستيراد تلك الانواع والموديلات من السيارات.
ومما تجدر الاشارة اليه هو ان عمليات غسل الاموال في العالم تتم عبر المؤسسات المالية، البنوك والمصارف والاسهم، ولكن اللافت للنظر ان عملية غسيل الاموال في العالم تتم عبر المؤسسات المالية، البنوك والمصارف والاسهم، ولكن اللافت للنظر ان عملية غسيل الاموال في العراق اخذت طريقها في عملية الغش الصناعي والتجاري، وهذا ما يجعل خطرها مزدوجاً الاول متمثل بالجريمة عينها والثاني عملية الغسيل التي تمت من خلال الغش الصناعي والتجاري ودخول السلع المغشوشة للسوق وبالمقابل فقد ربح المجرم مرتين الاولى اثناء وقوع الجرم والثانية الارباح الناجمة عن عملية الغسل من خلال السلع المغشوشة والتي استوردها وباسعار زهيدة جداً وباعها باسعار مرتفعة.
اتضح لنا ان انكشاف السوق العراقية وامكانية تقبلها للمزيد من السلع المغشوشة بظل انعدام دور المؤسسات المالية والرقابية والادارية للحد من هذه الظاهرة وعدم وجود ضرائب مالية والكمارك واي مساءلة قانونية او مالية او ادارية هي الاساس الذي جعل الغش الصناعي يشكل القناة الاساسية لغسيل الاموال في العراق.
التوصيات
على ضوء النتائج التي توصلت اليها الدراسة فاننا نوصي بالاتي:-
1-اصدار التشريعات والقوانين والانظمة التي تعتبر ان العمل بعناصر هذه الظاهرة جريمة يحاسب عليها القانون لمرتكبيها او من يخفي او يتستر على اية معلومة عنها.
2-قيام البنك المركزي العراقي بدوره في عملية غسيل الاموال.
3-قيام المصارف الحكومية والاهلية بالتحقق من الاشخاص وهوياتهم، وخصوصا الذين يتعاملون معها بحجم اموال غير طبيعية.
4-بناء جهاز للرقابة يعمل على الاشراف والتنفيذ الصحيح للانظمة والقوانين والتعليمات الصادرة بخصوص هذه الظاهرة.
5-السيطرة على المنافذ الحدودية ومنع عمليات تهريب السلع او الاموال او دخول البضائع الممنوعة سواء السلع المغشوشة او المخدرات الممنوعة.
6-تشكيل هيئة متخصصة بغسيل الاموال ورفدها بالكوادر العلمية والفنية والادارية ولها صلاحيات مطلقة تعمل على عدم وقوع الجريمة من جهة وكشف مرتكبي الجرائم السابقة من جهة اخرى على ان تشمل الكوادر العلمية المختصين بالسياسة النقدية والسياسة المالية والتجارية الصناعية والعدل وحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني.
7-ضرورة منع هذه الفئة الضالة التي لا تريد خيراً للعراق من السيطرة على وسائل الاعلام (التلفاز والصحف والاذاعات) لتخريب فكر المستهلك.
8-الاستفادة من التجارب العالمية في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة مع الاخذ بنظر الاعتبار الخصوصية العراقية.
9-ضرورة تنمية الثقافة الوطنية لدى المستهلك من خلال اجهزة الاعلام.
10-ضرورة العمل بكل الوسائل الممكنة للقضاء على الفساد الاداري في العراق لانه اهم عوامل نمو هذه الظاهرة.
11-ضرورة التعاون والتنسيق مع الدول المجاورة للحد من هذه الظاهرة.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة