هل تختفي البضائع العراقية من
الاسواق؟
- إستيراد بلا
ضوابط والدولة لا تدعم والصناعيون يتحولون إلى تجار!
- صناعتنا غير
قادرة على المنافسة بسبب انفتاح السوق العراقي على
البضائع الاجنبية من دون قوانين
- الغش الصناعي
وتزوير العلامات التجارية من اهم المشاكل التي يواجهها
الصناعي العراقي
بغداد/اياد عطية
وقف
تحسين حميد صاحب معمل التاج لخياطة الألبسة الولادية ينظر
إلى بضاعته المكدسة في مخازن معمله وقد اكلتها العثة بعد
ان بارت سلعته وفقدت القدرة على منافسة الملابس المستوردة
التي اغرقت السوق وتميزت بجودتها وانخفاض ثمنها.
اعاد الرجل حساباته مرة ومرتين ادرك بعدها ان لا خيار
امامه سوى اغلاق معمله وتصفية حساباته وتسريح عماله
ليضيفهم إلى قائمة العاطلين عن العمل ويبحث هو عن عمل آخر
غير الصناعة ومتاعبها.
غير ان الامر مختلف تماماً بالنسبة إلى اصحاب معامل
المنتجات البلاستيكية وحتى بالنسبة إلى صاحب معمل نيسان
لانتاج مواد الالبان والمرطبات، فعلى الرغم من دخول منتجات
مستوردة تنافس منتجاتهم ومن مناشئ مختلفة. فان الطلب على
منتجهم زاد وارتفعت ارباحهم.
ومع ذلك فان احصائية اصدرها اتحاد الصناعات العراقي تشير
إلى ان اكثر من 80% من المصانع قد اغلقت ابوابها وتوقف
الانتاج لاسباب مختلفة اهمها عدم القدرة على المنافسة فضلاً
عن مشاكل اخرى تتعلق بالاوضاع الامنية والقوانين واشارت
الاحصائية إلى ان 20% من المصانع تعمل بنصف طاقتها.
هذه معاناتنا
يقول المهندس نافع مزاحم صاحب مصنع لمواد التجميل وهو
صناعي اضطر إلى غلق مصنعه الصغير وتصفيته.. ان اصحاب
المصانع واجهوا العديد من المصاعب والعراقيل في عملهم
وخصوصاً الحرفيين واصحاب المصانع الصغيرة سواء في اثناء
حكم النظام السابق أو بعد سقوطه. فالحرفي غير قادر على
المنافسة العادلة في السوق وعادة ما يلجأ إلى التعامل مع
التجار بشروط قاسية واسعار اقل من مثيلاتها لانه لا يحصل
على دعم من الدولة.
وبالنسبة إلى الصناعيين في مجال صناعة التجميل فانهم
يستوردون المواد الخام من خارج العراق ويتحملون بذلك كلف
انتاج عالية ولهذا فنحن لا نستطيع منافسة مواد التجميل
المستوردة. وظل تعاملنا محصوراً مع عدد محدود من التجار
العراقيين الذي يفرضون علينا السعر على حساب النوعية،
والفرد العراقي بعد تحسن دخله لم يعد يهتم بالسعر الرخيص
قدر اهتمامه بالنوعية الجيدة والمناشيء الاجنبية، كما ان
السوق تعرضت إلى غزو من مختلف المناشيء بلا اية رقابة
فدخلت السوق مواد تجميل تحمل علامات تجارية لكن اغلبها مضر
بالصحة، واسعارها رخيصة وقد ساهم غياب اجهزة السيطرة
والتقييس والرقابة وعدم وجود قوانين تحمي المنتج العراقي
في عدم قدرتنا على مواجهة ومنافسة هذه البضائع.
حماية قانونية
ودعم مادي
ويقول المهندس نافع مزاحم.. ان كل ما نطلبه من الدولة هو
قانون يحمي المنتج العراقي من تقلبات الاسعار ومنحه
تسهيلات مصرفية، فالقروض المصرفية الحالية تعجيزية وتثقل
كاهل الصناعيين، كما اننا نطالب بمتابعة ومراقبة المواد
والسلع الداخلة إلى العراق.
اذ لا يمكننا منافسة بضائع تحمل ماركات تجارية عالمية
وسعرها رخيص لانها مغشوشة وغير خاضعة للمواصفات المناسبة
واستطيع ان اقول لك بامانة اننا نملك القدرات العلمية
والبشرية والايدي العاملة الرخيصة التي تمكننا من اقامة
افضل الصناعات لو حصلنا على حماية قانونية ودعم مادي وقروض
ميسرة، وإذا لم يحصل هذا واستمر الوضع على ما هو عليه
فاقرأ على الصناعة العراقية السلام.
اما السيد خالد ابو التمن صاحب معمل لانتاج المنظفات "الشامبو
والقاصر" فيقول: كنت أتعامل مع عدد من التجار في المحافظات
لاسيما تجار النجف والموصل والبصرة وبابل ولكن بعد دخول
البضائع المستوردة ذات المناشيء المتنوعة والاسعار
المنخفضة توقف التعامل مع زبائني الذين فضلوا البضائع
الاجنبية. حاولت ان اخفض السعر لكن المادة الخام التي
استوردها مكلفة، واخيراً اغلقت المعمل وتوجهت إلى العمل
التجاري، وبدلاً من ان اكون مصنعاً لمواد التنظيف اصبحت
مستورداً لها.
ولا اخفي عليك ان ما احققه من ارباح في التجارة تقوق
الارباح التي كنت احققها في الصناعة.
لا نملك حلولاً
اخرى
ويقول اسعد الحمداني صاحب معمل لانتاج العطور: لم تعد
علامة المنشأ العراقي وجودته قادرة على منافسة المصنوع
الاجنبي الذي يحمل علامة المنشأ أو ماركات اجنبية معروفة
ولهذا لجأ بعض الصناعيين إلى الغش ونقلوا معاملهم البسيطة
إلى منازل بعيدة عن عيون الرقابة وقاموا باستيراد وتصنيع
عبوات اجنبية وتعبئتها بمنتجم.
لا استطيع ان اغش.. وقررت بيع معملي الصغير إلى احد العمال
وعرفت اخيراً انه انضم إلى جوقة الغشاشين ويستدرك الحمداني
موضحاً.. ان اشباه المصانع التي نملكها لا يمكنها الصمود
امام اية بضاعة مستوردة من اية دولة مجاورة فما بالك وقد
دخلت إلى العراق بضائع من مختلف المناشيء العالمية واصبحت
السوق العراقية مرتعاً لكل منتجات الدول بلا رقابة ولا
تصنيف.
لماذا نجح الآخرون؟
ومع ان الحديث تركز على فشل الصناعات العراقية المحلية في
منافسة الصناعة الاجنبية التي اغرقت السوق العراقية إلا ان
هذا لا يمنعنا من الإشارة إلى وجود صناعة عراقية نجحت في
منافسة المصنع الاجنبي والتفوق عليه ولذا طرحنا السؤال:
لماذا نجح صناعيون عراقيون على قلتهم واستطاعوا تقديم منتج
وطني بمواصفات عالمية؟
المهندس والصناعي عبد الواحد ابراهيم اجاب عن سؤالنا
بالقول: نعم هناك من نجحوا ولا اريد ان أمتلك من اسباب
نجاحهم واعتمادهم اساليب فنية وعلمية في تطوير صناعاتهم
واحد هذه الاسباب هو اعتمادها على اسلوب التكامل الصناعي
وحسن اختيار الصناعة التي عملوا فيها، فمثلاً اصحاب مصانع
الالبان انشأوا مزارع لتربية الابقار لانتاج الحليب ومعمل
لانتاج العلب، ومطبعة خاصة بهم وحتى في التسويق لمنتجاتهم
اعتمدوا على انفسهم، لكن السؤال هل بدأوا من الصفر ام بدعم
حكومي؟ الجواب بكل تأكيد انهم حصلوا على دعم كبير حتى
وصلوا إلى هذه المرحلة التي تفوقوا فيها على اقرانهم محلياً
وحتى عالمياً هم الآن في المقدمة، اما الذين حصلوا على دعم
الدولة وفشلوا فهؤلاء لم يكونوا اصحاب اختصاص أو علم ولا
يملكون عقلية صناعية وهم طارئون على المجالات التي عملوا
فيها، وكان همهم تحقيق الكسب السريع على حساب بناء صناعة
وطنية قابلة للتطور وبالطبع فان السياسات السابقة للدولة
والفساد المستشري انذاك والمحسوبية والعلاقات والرشاوى
والواسطات ساهمت ببروز مجموعات لا تمتلك الخبرة ولا
الدراية والعلمية في مجال عملها حصلت على دعم الدولة
واقامت صناعات بائسة اثبتت الايام فشلها ونأمل ان لا يتكرر
هذا الامر الآن، ولا يؤسس لجيل يعتمد العلاقات والمحسوبية
ويفتقد إلى العلمية والمهنية في بناء الصناعة العراقية وان
تهيئ الدولة الفرص والدعم لاصحاب الخبرات والاختصاص وليس
لنهازي الفرص والمتعكزين على دعم الدولة ممن يبحثون عن
الربح السريع على حساب تطور الصناعة العراقية وتقدمها.
لم نجن غير الوعود
ويقول نائب رئيس اتحاد الصناعيين سعد باقر وتوت: ان الفوضى
التي تشهدها السوق حالياً نتيجة اغراقها بالبضائع الرخيصة
والفائضة عن حاجة المستهلك المحلي وغياب الرقابة على
البضائع المستوردة والاموال الممولة لشرائها الحق ضرراً
بالغاً بالصناعة العراقية، خاصة ان اغلب المواد المستوردة
غير خاضعة لمقاييس السيطرة النوعية والصحية.
ومن جهتنا في اتحاد الصناعيين فقد طالبنا المسؤولين في
الحكومة والوزراء المعنيين بضرورة وضع ضوابط قانونية امام
البضائع المستوردة وفق معايير اقتصادية تستند إلى حماية
الاقتصاد الوطني والصناعة الوطنية ووضع حد لتدفق السلع
الاجنبية وبما يضمن فسح المجال امام المنافسة الشريفة
والعادلة امام الصناعة العراقية ونقلنا هذه المطالب ايضاً
إلى منظمة التجارة العالمية، وأوضحنا لهم موقفنا من انضمام
العراق في الوقت الحالي إلى المنظمة بانه غير مجدٍ لعدم
تكافؤ الفرص فالاقتصاد العراقي سيئ والصناعي أسوأ وان
العراق بالنتيجة لن يستفيد من انضمامه إلى منظمة التجارة
العالمية في الوقت الراهن.
وعلى الرغم من الطلبات العديدة التي قدمت إلى المسؤولين
والوزراء في الحكومة فاننا لم نجن غير الوعود ولم تقم
الدولة باي اجراء يفيد الصناعة العراقية مع ان الامور تسير
نحو التدهور على الرغم من اهمية القطاع الصناعي من تنوع
وتطوير مصادر الدخل الاقتصادي الوطني الذي ما زال معتمداً
على القطاع النفطي.
ان التوسع في قطاعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها
ودعم وانشاء مشاريع جديدة عبر توجيه الجزء الاكبر من فرص
الاستثمار للصناعات الصغيرة والمتوسطة يؤدي إلى انعاش
الاقتصاد الوطني وامتصاص البطالة.
|