تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ملاكات هندسية عراقية تشيِّد أكبر جسر في بغداد .. بين القاهرة وأور سينهض جسر الطالبية

بغداد/محسن التميمي

مدير المشروع: العمل يجري على وفق افضل التصاميم الفنية وانجزنا منه 75% برغم تهديدات الارهابيين بمنعنا من العمل.
على الرغم من مشاهد العنف والتفجيرات الدموية الا ان العراقيين ماضون في اعمار بلادهم، وتتواصل الجهود في أكثر من مكان لتأهيل وتطوير وانشاء مشاريع خدمية وصحية..
مشروع جسر الطالبية الذي يربط بين حيين مهمين في بغداد هما حي القاهرة وحي اور واحد من المشاريع التي شارفت على الانجاز.
امانة بغداد الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذا العقد احالته الى شركتين عراقيتين في مجال البناء والاعمار هذا الجسر هو واحد من عدد من الجسور التي يجري العمل بها في عدد من مناطق بغداد.
عن اهمية هذا المشروع يقول مديره المهندس خالد اسماعيل ان اهمية هذا الجسر تأتي لتخفيف الزخم المروري على جسور الطالبية والشعب على قناة الجيش.
ويذكر المهندس خالد ان مدة العقد (390) يوم عمل ابتداءً من تاريخ تسليم الموقع. وقال: لقد باشرنا بالعمل الفعلي بحدود الشهر السادس من العام (2005) بناءاً على العقد المبرم مع امانة بغداد والذي يتضمن مرحلتين تصميم الجسر وتنفيذه من قبل شركتنا والتصميم كان من قبل واحدة من ارقى الشركات العالمية التي ساهمت بتصميم الجسر لان الكفاءات المحلية لا تمتلك الخبرة المطلوبة في تصميم الجسور فتمت الاستعانة بهذه الشركة التي لها نشاطات عالمية ومعروفة دولياً بالاشتراك مع الملاك التصميمي لشركتنا وكان لنا دور في أعمال تحريات التربة والتصاميم الاولية والتصاميم الاساسية والهندسية والدراسة المرورية وبعد مصادقة امانة بغداد وبدأنا أعمال التصاميم الانشائية والتصاميم الهندسية للجسر.. تصاميم هندسية وكهربائية بالكامل وهذه التصاميم تم مصادقتها من قبل دائرة التصاميم في امانة بغداد وباشرنا على شكل مراحل والمرحلة الاولى كانت مرحلة الركائز وقامت بها شركة الفاروق وهي إحدى الشركات الحكومية وكانت ركائز من اكبر الركائز المستخدمة في العراق بقطر (متر) والطول بحدود (22) متراً والجسر يتميز بضخامته ويعتبر من اكبر الجسور التي تنفذ في بغداد وفي العراق بصورة عامة.
والتنفيذ عراقي مئة في المئة وليس هناك اية خبرة اجنبية في عملية التنفيذ.
* وما هي المراحل التي قطعتها الشركة لتنفيذ الجسر؟
- وصلنا الى مرحلة 90% من الركائز ومرحلة قطاعات الركائز وصلنا الى مرحلة 55% ومرحلة الاعمدة في الجسر وصلنا الى 25% منها وهناك تداخل في العمل وبالنسبة للمقتربات انهينا الاسس لها بنسبة 100% وبالنسبة للجدران الكونكريتية انهينا منها نسبة 80% والجسر الذي نقوم بتنفيذه يتميز بخلوه من التقطاعات والاشارات الضوئية والحركة ستكون حرة في أربعة اتجاهات، باتجاه شارعي الامام علي وعمر بن الخطاب وذلك ما يسهل عملية المرور ويقلل من الازدحام وستكون هناك عملية احياء لمنطقتي القاهرة وحي اور وبنفس الوقت حتى نظهر الجسر بارقى صورة وارقى مواصفات عالمية قمنا باستيراد قوالب من ارقى الشركات العالمية حتى يظهر الجسر بالمظهر اللائق وهذا الجسر أول منشأ منذ حوالي عشر سنوات وبنفس الوقت قمنا باستيراد المواد الداخلة في الجسر من شركات عالمية معروفة دولياً ومنها وسائل التحميل المطاطية التي تم استيرادها من الشركة المصنفة رقم (1) دولياً.
وفي الوقت نفسه قمنا باستيراد معمل كونكريت (ضباطة مركزية) حتى نتمكن من السيطرة العالية على انتاج (الخرسانة) وحالياً المعمل في طور النصب وعملية تشغيله ستكون خلال شهر .
* وما هي ابرز المعوقات التي واجهتكم خلال عملية البدء في تنفيذ هذا المشروع الكبير؟
- ابرز المعوقات الناتجة عن تأخير العمل تعود لسببين:
الاول ان معظم الأرض المخصصة لبناء الجسر كانت مشغولة من قبل المشاتل والمعوقات، الثانية هي البنية التحتية التي كانت من خطوط مجاري وخطوط ماء صافٍ وخطوط ماء خام وكذلك خطوط كهرباء وخط تلفون محوري.
بالاضافة لعدم توفر الخرائط الدقيقة للبنية التحتية علماً ان الخرائط تم تزويدنا بها بعد المباشرة بالعمل وليس قبل الاحالة وكنا قد تفاجأنا بها لكونها كانت أعمالاً ضخمة جداً ولم نستطع المباشرة في العمل الا بعد مدة ستة اشهر لحين ازالة كل التعارضات التي كانت تقف امام البدء في العمل ونحن صورنا ذلك باشرطة فديو وهي موثقة لدينا حتى اضطرت الشركة لتغيير تصميم الجسر لمرتين وهناك اقسام من التعارضات لا يمكن إزالتها مثل الكيبل المحوري وخط دفع الماء الذي يغذي قاطع الرصافة باكمله وهذا لا يمكن تغييره ولم تحصل الموافقة على تغييره لذلك قمنا بتغيير ودعامات الجسر لمرتين حتى نتجاوز هذه العقبات وكل ذلك كان على حساب زمن العمل وبنفس الوقت فان الوضع الامني اثر علينا بصورة كبيرة وقد تعرضنا للكثير من التهديدات من قبل الارهابيين خاصة في بداية العمل وجسر بهذه الضخامة يحتاج لعمل مستمر وبدوامين ليلاً ونهاراً وقد استعنا بالعشائر لحماية المشروع إضافة لوجود حراس من امانة بغداد وشرطة بلدية الاعظمية.. وهنا اود الاشارة الى ان هناك تعاون بلدية الاعظمية ودائرة المشاريع ودائرة المهندس المقيم إضافة لكادر الامانة في المقر العام الذي دعمنا بشكل كبير وكان هناك تعاون من قبل شركة الفاروق الحكومية وقاموا بجهد كبير بانجاز الركائز وكذلك المركز القومي للمختبرات الانشائية الذي دعمنا بمختبر محلي في سبيل فحص المواد الانشائية وكان هناك دعم من قبل حراسات الامانة وحراسات وزارة الداخلية وكان دعماً مهماً بالنسبة للشركة. وأود هنا ان اوجه شكري للسادة اسماعيل خليل المدير العام لدائرة بلدية الاعظمية وكامل سلمان مدير شعبة العقارات وجميل جخر مسؤول متابعة دائرة الاعظمية لما ابدوه من تعاون كبير في سبيل سير العمل بطريقة منتظمة.


سبائك الذهب.. وكلب القائد المؤسس

عمران السعيدي

تأكيداً للموضوع الذي تحدث فيه الزميل محمد الحمراني في العدد الصادر يوم 24/4 لجريدة المدى وتحت عنوان (كيف تحول ذهب العراقيات الى رصيد ساجدة خير الله) اود الاشارة هنا الى حديث جرى بيني وبين احد اتباع النظام وهو من حماية العائلة الحاكمة آنذاك راح يتباهى (منفوخاً) بانه يعمل الان على مرافقة حقائب ساجدة وبناتها الثلاث والمليئة بسبائك الذهب الثمينة وذلك عقب الفترة المؤلمة للتبرعات القسرية التي فرضت على العوائل العراقية إبان الحرب العراقية- الايرانية. وجاءت هذه التبرعات بشكلها المؤلم والتي سحبت فيها (الرفيقات) ما كانت تمتلكه المرأة العراقية من قطع ذهبية، وبطريقة ارهابية لا مثيل لها مصحوبة بالتهديد والوعيد والويل لمن لا تتبرع بقطعة أو أكثر من الذهب حيث تحسب هي وعائلتها من الخونة (المارقين) الذين يدعمون اعداء الامة بقيادة (القائد الضرورة) وفعلاً تأكد ذلك من خلال توجيه التهم بالتبعية لايران والخيانة العظمى للعديد من العوائل التي لم يكن بمقدورها التبرع بالذهب دعماً للمعركة (الخالدة) دفاعاً عن (البوابة الشرقية) لهذه الامة.
ويؤكد هذا الرجل بانه يرافق الحقائب المليئة بالذهب اسبوعياً وعلى طائرة خاصة متجهة الى سويسرا وبعض الدول الأوروبية الاخرى وشحن هذه السبائك بعد ان تمت عملية إذابة القطع الذهبية وتحويلها الى سبائك صافية، وكان يؤكد كتابة اسماء ساجدة وبناتها الثلاث رغد ورنا وحلا على كل حقيبة خاصة بهن. وهكذا يكون ذهب (القادسية الثانية) قد تحول الى رصيد ذهب في بنوك أوروبا يعود الى عائلة (الطاغية). وذكر هذا الرجل حادثة طريفة تدعو الى البكاء والحزن على الحال الذي آلت اليه أوضاعنا أيام (القائد الضرورة).
ملخص الحادثة: انه في اثناء إحدى الرحلات المرافقة لتلك الحقائب وإذا بعدد من الشباب يصعدون الى الطائرة وهم في حالة قلق ورعب شديدين ومعهم كلب ابيض كبير الحجم وبسلسلة تلمع صعدوا به الى داخل الطائرة وهم يقولون بانه كلب (القائد المؤسس) الرفيق (ميشيل عفلق) وهو في حالة مرضية شديدة تستوجب علاجها في فرنسا. وفعلاً جلس الكلب الابيض في احد المواقع المخصصة. ولم يكن في الطائرة غير حقائب الذهب وشلة المرافقين.. وطاقم الطائرة.. وتحلق الطائرة مسرعة في سماء بغداد باتجاه باريس كي تصل في الوقت الاسرع حفاظاً على صحة كلب (القائد المؤسس). واكد علاجه لدى كبار الاطباء البيطريين هناك وعاد بعد شهر من النقاهة معافى وبكامل قواه الجسدية والعقلية وفرح (القائد المؤسس) والرفاق الذين صاحبوا الكلب الابيض.


مشاهـدات في قرى لم تدخل التاريخ .. رحلة إلى الماضي السحيق في قرية السيد صفر
 

الكوت/د. آمال كاشف الغطاء

لا استطيع ان اقول إلا ان آلة الزمن لـ(أج. جي. ويلز) نقلتني عبر الزمن.. ليس الى المستقبل ولكن الى اغوار الماضي حيث كان يعيش الإنسان البدائي.. لقد رأيت البدائية في صورتها الاولى وهي تعيش تناقضات القرن العشرين وبصماته على القرن الواحد والعشرين .. انها قرية (سيد صفر) الواقعة على الحدود العراقية الايرانية في محافظة الكوت، القريبة من مدينة بدرة، وقد اكد من التقيت بهم انها ليست القرية الوحيدة فكل قرى الجنوب تتشابه من حيث نمط الحياة والفقر والجهل، والفوارق تنعدم بين هذه القرى، وهي تلتف حول عالمها الذاتي مؤكدة قبولها للجديد الذي ترغب فيه من دون ان يكون له اثر في نمط حياتها وطبيعة تعاملها مع المجتمع، انها تعيش حالة فقر اسميه (فقر الحداثة) فالقرية تملك بعض مقومات القرن العشرين كالستلايت وتفتقد الى كل مقومات الحياة الملبس والمسكن والماء والتعليم والصحة والملابس..
ويطرح السؤال التالي: ما نوع الوعي لدى هؤلاء الذي يجعلهم يقتنون الستلايت وهم محرومون من ابسط مقومات الحياة..؟ ربما يكون الجواب فقر الحداثة.
العلب الطينية
العلب مبنية من الطين وهي ليست بيوت بما هو متعارف عليه علمنا المدني، فهناك ما شهدناه من طين، لقد قادتني (جميلة) لأرى بيتها وعندما دخلت لم أر غير التلفزيون والستلايت وبعض الافرشة وستائر معلقة، فتساءلت: لماذا تضعين الستائر..؟
قالت: هناك شباك وعندما رفعت الستارة لم تكن مساحة الشباك تتجاوز قدماً مربعاً واحداً وكان عليّ ان اخرج من هذه العلبة لأسير بضع خطوات الى الجهة المقابلة في فضاء مكشوف للمطر والحر لأرى المطبخ والحمام، انها علب مرصوفة الى بعضها، كان علي ان اصعد مرتفعاً عبارة عن كتل حجرية وبدا لي ذلك متعذراً وسألت (جميلة): كيف يمكنك الصعود، قالت: سترين، وصعدت بخفة الغزال.. هذا هو عالمها، لقد رأيت المطبخ والحمام لم اجد أي اختلاف لا في البناء ولا المقتنيات.. كان هناك تشابه الى حد بعيد، فالسقوف مصنوعة من الواح من الخشب مغطاة بالنايلون لتقيهم من مطر الشتاء وشمس الصيف الحارقة، الأرض عبارة عن اخاديد تسكنها الهوام الى جانب الإنسان، الجدران لا تختلف عن الأرض كثيراً من حيث وجود الاخاديد.
ان ما يميز المطبخ عن الغرفة والحمام هو وجود اوان في المطبخ، وتلفزيون في غرفة الجلوس، وإناء بلاستيك يسمى الطشت في الحمام لا يوجد أكثر من ذلك هذ هو بيت جميلة إحدى شخصيات هذه القرية المميزة.
ثم ذهبت الى بيت شيخ المنطقة دخلت الى ساحة دائرية كبيرة جداً مبنية من الطين توجد فيها فتحات مزودة بابواب من التنك (صفائح علب الزيت) ويشع من هذه الفتحات الظلام فلا يرى الإنسان ما هو بداخل هذه الفتحات، وعندما سألت عنها قالوا انها غرف لافراد العائلة، ولفت نظري في الساحة الداخلية للمنزل وجود سيارة كبيرة وستلايت وعرفت انهما وسائط الاتصال مع العالم الخارجي وعندما قمت بالتصوير تساءلوا: على أي قناة سوف تظهر..!
قادتني احدى النساء الى غرفة كان فيها سرير وفراش ودولاب ملابس وكلها من ارخص الاثمان وأسوأ النوعيات ولم يكن في تلك الساحة ولا البيوت ولا القرية الا مرافق صحية واحدة بعيدة جداً مخصصة لضيوف القرية وعلى الضيوف ان يذهبوا الى العراء لقضاء حاجتهم في ظل شجرة قرب المجرى المائي، لقد اعتادوا على ذلك، سألتهم عن الأرض فقالوا انها ملك الدولة وقد يهاجرون في الوقت الذي لا يحصلون فيه على غذاء لحيواناتهم.. لم يعن وجودي لهم شيئاً في البداية ولم يكن احد منهم يسعى لعرض مطالبه ولكن اصررت على ان اسمع منهم وان اوصل صوتهم عبر الإعلام.
الطفولة البائسة
لا وجود لمدرسة في هذه القرية وتوجد في القرية المجاورة التي تبعد ثلاثة كيلو مترات وعلى الطفل ان يسير وسط شارع غير معبد تمزق حذاءه المهترئ الاحجار والحصى وان يتحمل الحر والبرد والمطر والغبار ليصل الى المدرسة.. انها عملية تعذيب منظمة تمارس ضد الطفل وكان الحل الامثل هو ترك المدرسة لهذا بقي الأطفال من دون مدارس.
ان منظر الأطفال يحز في النفس فملابسهم مهلهلة وحين سألتهم من اين تشترون الملابس.؟ قالوا: انها بالات (ملابس مستعملة) وهذه تشترى من الكوت والجديدة منها من ميدنة بدرة، لقد كانت ملابسهم تحمل مالا يستهان به من الاتربة والاوساخ اما شعر الأطفال فهو يبدو كأنه لم يمشط منذ زمن بعيد، إذ انه عبارة عن خصل نافرة الى الاعلى وكأنها حراب وهم حفاة لا يعرفون لبس الحذاء لقد اعتادوا السير على تلك الأرض الوعرة.
سألت الأطفال ماذا يريدون؟ وكان الجواب غريباً وهو ( لا اعرف) وادركت ان هؤلاء الأطفال يفتقدون الى الحياة التي تتميز بالتنوع والاختلاف، فهم يعيشون عالم التشابه، كل شيء يشبه الاخر، البيوت، المقتنيات، الاعمال التي يمارسونها متشابهة، ولكن حسب ما اخبرني احدهم ان لديهم قوة جسمانية بحيث يتمكن الطفل من الذهاب الى الجاموسة ليمسك الثدي ويرضع منه كما انه قادر على ان يحصل على الحليب من الجاموسة حسب الطرق الاعتيادية.
الطفل يضرب باستمرار لسبب تافه فقد ضربت طفلة امامي عدة مرات على ظهرها ولسبب تافه وهو جلوسها الى جانبي اذ اعتبر هذا الأمر تحدياً سافراً منها .. عللت الامهات الضرب للاطفال باسباب تافهة منها جحيم الطفولة وشقاؤها .. فجمعت الامهات الباقيات وتوسلت اليهن واخذت عهداً منهن كضيفة اول مرة ان لا يضربن الأطفال.
نساء وأسئلة
المرأة تتمتع بالقسط الاوفر من الحقوق وسط عالم لا مقتنيات فيه، ولا مدينة، ولا عمران، انها تمارس دوراً انتاجياً وانجابياص.. المرأة عصب الحياة والرجل هامشي تماماً، يخلد الى النوم والراحة والجلوس في المضيف وهي المسؤولة عن توفير لقمة العيش حيث تذهب الى المدينة لتبيع اللبن والقيمر وتشتري بدلاً منه ما يقتاتون به، لا استطيع ان اعرف الموازنة بين الحرص على شرف المراة وعفتها وبين ترك فتيات بعمر الزهور ويسرحن في العراء مع ما قيمته ثمانية ملايين دينار من المواشي.
ان النساء يعانين من شطف العيش وصعوبة الحياة، تبدو الواحدة وكأنها تجاوزت عمرها بعشر سنوات وتتزوج عن طريق الخطبة الى اقاربها ويستطيع ابن عمها ان ينهي عنها ويمنعها من الزواج.. وهناك حرص على عدم تزويج المرأة الى غريب لانها اداة انتاج.. لم ار عانساً بينهم، فالظاهر ان المراة تفضل الزواج بمعاق أو عاطل على ان تبقى عانساً ولا تلد المرأة في المستشفى. وقد يحدث عوق نتيجة الولادة.. (فاطمة) خرساء صماء ولكنها ذكية شديدة الفطنة لها ثلاثة أولاد، واثنتان من البنات، وهي عمالة دؤوب، فهي تعيل زوجها.
ان ما تحرجت بالسؤال عنه هي الأموال..! هل هي بيد المرأة ام بيد الرجل..؟ فهم يذهبون يومياً الى مدينة بدرة لشراء الغذاء ويملكون ثروة كبيرة من الجاموس ولكن من المسؤول عن ديمومة هذه الثروة ونمائها وجمع المال؟
المرأة عنصر انتاج ولولاها لماتت العوائل جوعاً ولكن يبقى السؤال قائماً: من الذي يدير الأمور..؟؟
الوضع الصحي
ربما معظم القرويين يتمتعون ببنية قوية جداً، ولكن لا وجود لاثار الشباب، المراة بعمر المراهقة وتبدو كأنها بعمر الكهولة نتيجة العمل المرهق والولادات المتكررة والحياة الصعبة ونرى اثر ذلك على الوجوه التي تملؤها التغضنات والتجاعيد.
البنية الضعيفة لا تستطيع ان تقاوم قساوة الحياة، فلا وجود للماء سوى عن طريق التناكر (السيارات الحوضية) وعندما ينفذ يستعملون ماء المجرى لغسل الاواني والملابس وعمل اللبن (الرائب) وحتى للشرب وفي هذه الحالة يتعذر عليهم غسل اجسامهم لقد رأيت مولدات واعتقد ان المولدة للتلفزيون والستلايت.
اغلب الذين رأيتهم فقدوا الكثير من أسنانهم والظاهر ان الأسنان لا تعالج وانما تصل الى حد وتقلع، وطبعاً لا وجود لفرشة اسنان ومعجون.. ان طعامهم الذي قدم لي عبارة عن خبز ولحم وكان من أردأ الانواع وعندما طلبت اللبن والقيمر لم يكن لديهم فالكمية كلها تباع في المدينة،والغاز منذ ثلاثة اشهر لم يصلهم فهم يطبخون على الخشب والحطب.
هذه هي الحياة!
لقد قالوا جميعاً بصوت واحد نريد مدرسة نريد مسجداً، انهم محرومون من مصادر المعرفة، لديهم تلفزيون وستلايت وسيارة وكتاب الله الكريم(القرآن) لا يعرفون عنه شيئاً لانهم لا يقرأون و يكتبون ولا يوجد مؤذن ينبه للصلاة، والوعي السياسي معدوم لديهم وربما لا حاجة لهم به فحياتهم نادراً ما تتأثر بتطورات المدينة، لقد ذكروا ان هذه حياتهم منذ الآباء والاجداد.
الخلاصة
ان هذه المجتمعات صاحبة فضل على الدولة فهي إنتاجية وليست استهلاكية، فضلاً عن الزراعة تقوم برعاية الثروة الحيوانية وبيع منتجاتها وهي لا تستنزف عصب الاقتصاد القومي انهم أثرياء مادياً ولكنهم فقراء ثقافياً لعدم توفر المدارس انهم أغنياء نفوس ولكنهم فقراء من الناحية البيئية فهم يفتقدون ابسط مقومات الحياة. انهم أقوياء جسدياً فالواحد منهم يستطيع ان يمسك الثور من قرنيه كما اخبروني ولكنهم ضعفاء في قدرتهم على المطالبة بحقوقهم لانهم لا يعرفون التنوع والاختلاف، انهم أذكياء محرومون من الوصول الى مصادر المعرفة. انهم مجتمع متكامل يعيش الاكتفاء الذاتي يفتقد الى التواصل الاجتماعي وايجاد مصادر الوعي الانساني كالمسجد والنادي والجريدة والمجلة والكتب. اطفالهم يملكون الوقت الكافي ولكن لا يملكون قلماً ودفتراً ولعباً ومجلة يقتلون بها الزمن. لديهم تلفزيون وستلايت وسيارة ومولدة ولا يملكون مطبخاً ومرافق صحية لانهم يفتقدون القدرات الثقافية لتطوير حياتهم. انهم احباؤنا وابناء وطننا قدموا الضحايا من اجلنا ولم نقدم لهم قطرة ماء ولا كتاباً مدرسياً ولا ومضة نور.ان هذا المجتمع الذي يطلق عليه (الريف) محروم من التمتع بالجهد الذي يبذله فهو يبذل من طاقاته اضعاف ما يحصل عليه وفائض الجهد يتمتع به ابن المدينة سيشكل هدراً كبير للثروة الحيوانية والدخل الحاصل منها وتدميراً للاقتصاد الزراعي للبلد وانما المطلوب تشجيعهم بتوفير العلف الحيواني والماء الكافي فقد كانت هناك شكوى مريرة من عدم توفر العلف والمراعي وعند عدم توفر المراعي لا حل سوى الهجرة الى مناطق أخرى.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة