مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الطموحـات النووية الإيرانيـة والتهديـدات الأمريكيـة غير المـبررة
 

  • كلام حافل بالذكريات بشكل مخيف عن ضربة أمريكية على إيران لتحريك حرب العراق .
     

*بقلم : زبيغنيو بريجنسكي
ترجمة : هاجر العاني .

عن/ لوس انجلس تايمز

*: زبيغنيو برزيزنسكي كان مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر بين عامي 1977 و 1981

ان إعلان إيران تخصيبها مقداراً صغيراً جداً من اليورانيوم قد أطلق العنان لنداءات ملحّة لضربة جوية أمريكية وقائية حيث جاءت تلك النداءات من المصادر نفسها التي استعجلت من قبل الحرب على العراق ، وإذا كان هناك هجوم إرهابي آخر على الولايات المتحدة فيمكنك المراهنة بآخر دولار لديك على أنه ستوجه الُتهَم مباشرة لإيران بأنها المسؤولة وذلك لخلق هستيريا شعبية متعاطفة مع الإجراء العسكري .
ولكن ثمة أربعة أسباب قسرية ضد هجمة جوية وقائية على المنشآت النووية الإيرانية :
الأول : في غياب تهديد وشيك ( والإيرانيون على بعد سنوات معدودة على الأقل من امتلاك ترسانة نووية ) ستكون الهجمة إجراء حرب أحادية الجانب، وإذا تم الشروع في الهجمة دون إعلان الحرب رسميا من قبل الكونغرس، فأنها ستكون غير دستورية وستستحق اتهام الرئيس، وبشكل مماثل اذا تم الشروع فيها دون عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، أما من قبل الولايات المتحدة بمفردها أو بالاشتراك مع إسرائيل ، فأنها ستسـِمي المرتكب ( المرتكبين ) بأنه (بأنهم) خارج (خارجين) عن القانون الدولي .
والثاني : من المحتمل أن ردود الأفعال الإيرانية قد تضاعف بشكل كبير نتيجة المصاعب الأمريكية المتنامية في العراق وأفغانستان وربما تعجّل بعنفً جديدا من قبل احزاب اسلامية في بلدان مختلفة ومنها (لبنان)، ومن المرجح ان تغرق الولايات المتحدة في العنف الإقليمي لمدة عقود من الزمن أو أكثر ، ويبلغ تعداد سكان ايران (70) مليوناً وأي صراع معها سيجعل البلية في العراق تبدو بلية تافهة.
والثالث : ان اسعار النفط سترتفع ارتفاعاً حاداً، خاصة اذا خفضّ الايرانيون انتاجهم أو سعوا الى ايقاع الفوضى في تدفق النفط من حقول النفط السعودية المجاورة ، اذ سيتأثر الاقتصاد العالمي تأثراً خطيراً وسيوجَّـه اللوم الى الولايات المتحدة بسبب ذلك ، مع ملاحظة أن أسعار النفط قد ارتفعت فجأة الى أكثر من (70) دولاراً للبرميل ، الى حد ما بسبب المخاوف من صـِـدام أمريكي
ايراني .
اما السبب الاخير فهو ان الولايات المتحدة ، في أعقاب الهجمة ، ستصبح كذلك وبشكل أكثر احتمالاً هدفاً للإرهاب بينما تعزّز الشكوك العالمية في أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل هو ذاته سبب رئيس لظهور التطرف الإسلامي ، وستصبح الولايات المتحدة أكثر عزلة وهكذا تكون أكثر تعرضاً للهجوم في حين أن الاحتمالات لتسوية إقليمية نهائية بين إسرائيل وجيرانها ستكون أبعد مما كانت عليه في أي وقت مضى .
وبالمختصر المفيد ، ستكون أية هجمة على ايران اجراءً يعبر عن حماقة سياسية ، مما يحفز ارتفاعاً تصاعدياً في الشؤون الدولية ، ومع اعتبار الولايات المتحدة بأطراد كهدف للعداء الواسع الانتشار فأن عصر التفوق الامريكي قد ينتهي كذلك قبل أوانه ، فبالرغم من ان الولايات المتحدة مهيمنة على العالم في الوقت الحاضر كما هو واضح الا أنها لا تمتلك القوة ولا الرغبة الداخلية لفرض ارادتها ومن ثم تعزيزها في وجه المقاومة المطوّلة والمكلفة ، ومن المؤكد ان ذلك هو الدرس الذي قدّمته تجارب الولايات المتحدة في فيتنام والعراق .
وحتى اذا لم تكن الولايات المتحدة تخطط لضربة عسكرية وشيكة على ايران ، فأن التلميحات المستمرة التي يطلقها الناطقون الرسميون والتي مفادها أن " الخيار العسكري مطروح للنقاش " تعيق ذلك النوع من المفاوضات الذي قد يجعل ذلك الخيار غير ضروري ، ومن المرجح أن تهديدات كهذه ستوحّد القوميين الايرانيين والمتشدّدين لأن أغلب الايرانيين فخورون ببرنامجهم النووي .
كما تدعم التهديدات العسكرية الشكوك الدولية المتنامية باحتمال وجود تشجيع أمريكي متعمد لتصلب ايراني أكبر ، وما يبعث على الحزن ان على المرء أن يتساءل عما اذا كان من الممكن تبرير شكوك كهذه تبريراً جزئياً ، والا كيف يمكن تفسير موقف الولايات المتحدة " التفاوضي " الحالي ، وهو رفض الاشتراك في المفاوضات القائمة مع ايران والاصرار على التعامل فقط من خلال وكالات ( ويكون ذلك في تباين حادّ مع المفاوضات الامريكية الجارية في ذات الوقت مع كوريا الشمالية ) .
فالولايات المتحدة تخصص بالفعل موارد مالية لزعزعة استقرار النظام الايراني وكما ذكر في التقارير الاخبارية انها ترسل فرق قوات خاصة الى ايران لتحريض الاقليات العرقية غير الايرانية لأجل تجزئة الدولة الايرانية ( بأسم احلال الديمقراطية ! ) ، ومن الواضح أن ثمة أشخاصاً في ادارة بوش لا يتمنون أي حلّ مـُـنجـَز ، ويحرّضهم على ذلك قارعو طبول الإجراء العسكري الخارجيون وتحثـّـهم على ذلك الاعلانات التي تحتل صفحات كاملة والتي تضخـّـم التهديد الايراني .
وثمة سخرية غير مقصودة في وضع تساعد فيه اللغة العنيفة للرئيس الايراني محمد أحمدي نجاد ( الذي يمتلك قوى محدودة أكثر بكثير مما تلمح اليه بطولته ) (تساعد) على تبرير التهديدات من قبل شخصيات الادارة ، التي بدورها تساعد أحمدي نجاد على استغلال تصلبه الى مدى أبعد ، مما يكسبه دعماً داخلياً متحمساً لنفسه وأيضاً للبرنامج النووي الايراني .
لذا فأن هذا هو الوقت المناسب للادارة لتصحو وتفكر تفكيراً ستراتيجياً مع نظرة تاريخية وتضع في الحسبان المصلحة الوطنية للولايات المتحدة في المقام الاول . لقد آن الأوان لتهدئة الخـِـطاب ، فالولايات المتحدة يجب أن لا تقودها العواطف أو الشعور برسالة ملهـِـمة دينياً ، ويجب أن لا تفقد بصيرتها بحقيقة أن الردع قد أثمر في العلاقات الامريكية
السوفيتية والامريكية الصينية والهندية الباكستانية .
وعلاوة على ذلك فالفكرة التي يروج لها بعض الذين يفضـّـلون الاجراء العسكري والقائلة بأن طهران قد تسلـّـم في يوم ما ببساطة القنبلة الى ارهابي ( هذه الفكرة ) تتجاهل تجاهلاً مريحاً حقيقة أن فعل ذلك قد يكون مساوياً لانتحار إيران، لأنها ستكون مشتـَـبـَـهاً رئيسياً، والمناظرة النووية ستجعل من الصعب اخفاء موقع مصدر القنبلة .
وانه لأمر واقع ، مع ذلك ، ان امتلاك ايران في آخر الأمر أسلحة نووية سيزيد من التوترات في المنطقة وربما سيحثّ دولاً كالسعودية أو مصر على تقليد ايران ، وعلى الرغم من ترسانة اسرائيل النووية الضخمة الا أنها ستشعر بأمن أقل ، لذا فأن الحيلولة دون امتلاك ايران لأسلحة نووية أمر مبرَّر ولكن خلال السعي الى هذا الهدف يجب أن تضع الولايات المتحدة في الحسبان امكانيات لمدى أطول بالنسبة للتطور السياسي والاجتماعي لايران .
ولدى ايران الشروط المسبقة الموضوعية فيما يخص التعليم ومكانة المرأة في الشؤون الاجتماعية وفي المطامح الاجتماعية ( خاصة للشباب ) لتقوم في المستقبل المنظور بمضاهاة تقدّم تركيا ، فرجال الدين هم ماضي ايران وليسوا مستقبلها وليس من مصلحتنا المشاركة في أفعال تساعد على قلب تلك النتيجة . فالمفاوضات الجدية لا تتطلب ارتباطاً طويل الأناة وحسب بل تتطلب كذلك جوّاً بنّـاءً ، فالمواعيد الاخيرة الزائفة ، والتي يقترحها على الاغلب اولئك الذين لا يرغبون بتفاوض الولايات المتحدة جدياً ، تكون ثمارها معاكسة ، والاهانات وصليل السيوف بالاضافة الى رفض حتى التفكير ملياً في قلق الطرف الآخر حول الأمن يمكن أن تكون وسائل مفيدة فقط اذا كان الهدف هو اخراج عملية التفاوض عن خطها .
ويجب أن تلحق الولايات المتحدة بركب بريطانيا وفرنسا والمانيا وربما أيضاً روسيا والصين ( وكلتاهما عضوان لديهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن التابع للامم المتحدة ، في مفاوضات مباشرة مع ايران ، مستخدمةً نموذج المحادثات متعددة الجوانب المنسجمة والجارية مع كوريا الشمالية ، وكما فعلت الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية فعليها أن تشترك في نفس الوقت في محادثات ثنائية مع ايران حول الامن والقضايا المالية ذات الاهتمام المشترك .
وعقب ذلك على الولايات المتحدة أن تكون طرفاً موقّـعاً على أية تسويات تعويضية في حالة اتخاذ قرار يبعث على الرضا للبرنامج النووي الايراني ولقضايا الامن الاقليمية ، وفي نقطة ما قد تؤدي مثل هذه المحادثات الى اتفاق اقليمي على منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط
خاصة بعد التوصل الى اتفاق سلام اسرائيلي فلسطيني وكذلك تقرّه كل الدول العربية في المنطقة ، ومع ذلك ، عند هذه المرحلة سيكون من السابق لأوانه اقحام تلك القضية المعقّدة في العملية التفاوضية مع ايران .
اما بالنسبة للوقت الحاضر فيكون اختيارنا أما أن يتم حملنا على الفرار مذعورين نحو مغامرة طائشة مضرّة اضراراً عميقاً بمصالح الولايات المتحدة القومية طويلة الأمد أو أن نصبح جادين بخصوص اعطاء المفاوضات مع ايران فرصة حقيقية ، وقد كان النظام الايراني على المحك لعدة سنوات مضت غير أن المواجهة المكثفة مع الولايات المتحدة أعطته تفجراً جديداً للحياة ، وهدفنا الستراتيجي ، الذي تتبعه مفاوضات حقيقية وليس اتخاذ وضعية خاصة ، يجب أن يكون نحو فصل القومية الايرانية عن التشدد الديني .
ومعاملة ايران بأحترام وضمن نظرة تاريخية سيساعد على دفع ذلك الهدف قدماً ، فالسياسة الامريكية يجب أن لا يسيطر عليها الجو المرسوم الحالي للالحاح الحافل بالذكريات بشكل مشؤوم لـِـما سبق التدخل المضلـَّـل في العراق .


تحالف قاتل يجب هزيمته .. الافيون والفساد والطالبان
 

*كتابة/ آدم هولو واي
ترجمة/ المدى

عن/الديلي تلغراف
*كاتب المقال آدم هو لو واي: كان ضابطاً سابقاً ومراسلاً مسؤولاً لـ (آي تي ان) وهو الان عضو في البرلمان من المحافظين عن مدينة جريفشام وعضو في لجنة الدفاع

ستمر خمس سنوات منذ ان عملنا مع الأمريكان على غزو افغانستان، وقد حظي هذا الغزو بدعم عالمي تقريباً على عكس غزونا للعراق. ولم يكن هذا الغزو موضع انتقاد منذ القيام به. ولم يدع احد ان غزو افغانستان "كان غير شرعي وان قام على ادلة مزيفة". ولم تقم كما الان مظاهرات ضده.
ولن يتم انتخاب احد الى مجلس مجلس العموم البريطاني على اساس مطالبته " بخروج القوات من افغانستان فوراً".
ومن دون نقاش فان القاعدة واسامة بن لادن وبقية الارهابيين قد قاموا بالتخطيط لهجومات 11/ أيلول من افغانستان. وقد حصلوا على المساعدة والحماية من حكومة طالبان الدينية المتشددة. وقد لعنت هذه الحكومة عملياً من قبل كل انسان لاتباعها سياسات معينة مثل اعدام الأطفال بسبب تحليقهم طائرات ورقية ورفض معالجة النساء طبياً إذا كان الاطباء من الذكور فقط.
وهزيمة تلك الحكومة اصبح امراً سهلاً نسبياً، لكن هذا الهجوم قد نجح جزيئاً في تحيق أهدافه. فلم يكن احد قد صمم على القاء القبض على اسامة بن لادن. ورغم تدمير القاعدة في افغانستان فان ارهابييها لم يتوقفوا من زرع القنابل في المدن الغربية (من اوروبا).
لقد حقق الغزو مهمة التخلص من حكومة طالبان بنجاح، لكنه لم يتخلص من الطالبان أنفسهم الذين يزداد عدد مقاتليهم وقدرتهم العسكرية.
وقد نجم عن الغزو اجراء انتخابات قادت الى أول حكومة برئاسة حميد كرازاي. لكنها لم توصل البلاد الى السلام العريض والاستقرار وحكم القانون أو تأسيس أي شيء كنا نأمل قيامه مثل الديمقراطية المتحررة.
فما الذي يحدث الان؟ لقد ألزمَ توني بلير بريطانيا بارسال (5700) فرد من قواتنا الى افغانستان وبكلفة تقدر بـ(مليار) واحد من الجنيهات للسنوات الثلاث القادمة. ومهمة هذه القوات" هو ابراز قيمة الاستقرار والامن والمساعدة في إعادة الاعمار على المدى الطويل ولاحتواء تجارة الافيون بالعمل سوية مع القوات الافغانية التي تتم المساعدة على تطويرها".
واهداف الحكومة تعتمد بشكل كبير على مصداقيتها، فانت لايمكن ان تغزو ثم تتجاهل اهدافك من الغزو. فنسبة 80% من الهيرويين المنتشر في شوارع بريطانيا هو من اصل افغاني. والحكومة قد اشركت بوضوح الخارجية وموظفي وزارة التطوير الدولي مع الجيش وبذلك اوجدت الحكومة ثلاثة سبل لتقييم الاداء الحكومي والتطوير إضافة الى توفير القوة العسكرية التي ستجعل من كل ذلك ممكناً. وأصبحت الفرصة لهؤلاء الرجال والنساء مهيأة لاقتناصها وهم سيقومون بذلك فهم يؤمنون بالتغييرات التي يمكنهم القيام بها للافغان العاديين.
لقد عدت للتو من محافظة هلمند وهي المحافظة الافغانية الجنوبية المتوحشة التي تنتج المخدرات والتي ستكون مسرح العمليات لقواتنا في افغانستان .
لقد خططت ان اسوق السيارة واتوجه بها من كابل لكن تم اخباري باني "ساكون مجنونأً تماماً ان قمت بالتوجه بالسيارة جنوباً ذلك ان الطرق السريعة بين المحافظات هي خطرة تماماً لان الطالبان هناك في كل مكان".
ولذلك ذهبت جواًً برفقة مهندس زراعي اعلمني بان كل الحقول المزروعة التي سنشاهدها من الطائرة هي مزارع لنبات الخشخاش الذي ينتج الافيون. ومرة حين كنا على الأرض فقد عرفت حل معضلة كانت تحيرني. ذلك ان الطالبان كانوا مكروهين لدرجة كبيرة. وقد اقيمت احتفالات واسعة بمناسبة سقوطهم. لكن رجال الطالبان يسرحون بحرية في المناطق الريفية اثناء الليل في هلمند.
وهم يجدون قبولاً من المزارعين المرعوبين. كنت ابحث عن السبب وقد وجدته. فرجال الطالبان يعرضون قيامهم بحماية محصول المزارعين الصغار من الافيون من المحاولات التي تجري لتدميرها. فقد امتثلت الحكومة الافغانية للاصرار الامريكي البريطاني على وجوب استئصال زراعة الافيون. ولكن تلك سياسية لاتلقى شعبية في هلمند، ذلك ان المزارع الذي يزرع الافيون يحصل على عائدات تبلغ عشرة اضعاف عائدات زراعة محصول آخر. صحيح انه لن يموت جوعاً من دونها ولكنها تجلب له الكثير. والامر الذي يدفع المزارعين للغضب هو ان العديد من "منفذي القانون" من رجال الحكومة هم أنفسهم يشتركون بانتاج وتصدير الافيون. وفي الوقت الذي تدمر فيه مزارع البقية فان حقولهم تزدهر.
ولقد تمت تنحية محافظ هلمند السابق بعد انكشاف دوره الكبير في تجارة الافيون ورغم ذاك فقد ظل اخوه بمنصب نائب المحافظ.
واخبرني احد ضباط الشرطة ان 99% من رجال الشرطة في محافظة هلمند اما منتجو أو مهربو افيون أو يقومون بالعملين معاً. وان اغلب الافيون يتم شحنه خارج افغانستان بواسطة سيارات الشرطة. وان الفساد الذي تكاثر بسبب زراعة الخشخاش قد وصل الى مراتب الحكومة العليا. وتكثر الاشاعات ان كبار المسؤولين واقاربهم مشتركون في هذه التجارة. واياً كانت الحقيقة فان الشائعات تجد قبولاً في هلمند. وفي الوقت الذي يحتقر فيه الكثير من المزارعين الحكومة فانهم يخافون الطالبان الذين وعدوهم بالمساعدة في مقاتلة رجال الشرطة إذا حصلوا على حصة من محصول الافيون الذي يمدهم بالدخل. وعليه وفي هذه الاحوال فمن الصعوبة وضع حدود فاصلة بين لوردات الحرب وبين مهربي الافيون من الطالبان فمصلحتهم من عدم الاستقرار واحدة.
وكل هذا يجعل من مهمة الجنود البريطانيين صعبة وعرضة للفشل وان كانوا يحظون بدعم محلي واسع. وكما قال لي احد الافغان "إذا قام الاجانب بمنع الحرب فاننا سنرحب بهم. وسنظل نرحب بهم إذا قاموا بالاعمار. اما إذا لم يتمكنوا من البناء ولم يستطيعوا خلق السلام فاننا لا نرغب بوجودهم".
وسينجح الجنود البريطانيون إذا هم تمكنوا من ازالة القوى الباعثة على اللا استقرار. واذا استطاعوا سحق الفساد المحلي واذا ساعدوا على خلق اقتصاد لا يعتمد على الافيون بواسطة ايجاد البيئة الامنة المستقرة. وهذه "إذا" كبيرة وعديدة ولم يكن توني بلير صريحاً ومنفتحاً بصدد هذه "إذا" الشرطية وقد اخبرني احد ضباط الشرطة ان هناك "مؤامرة من التفاؤل" يكون دورها طمس المخاطر في هلمند المتمثلة بالكره الواسع للحكومة. في حين اخبرني افغاني آخر "الناس ليسوا سعداء بهذه الحكومة ولن يكونوا سعداء معكم".
وسيقدم الطالبان أنفسهم على انهم حماة القرويين من السلب الذي يقوم به "الغزاة" ويسهمون بارسال رسائل ليلية تحرض المزارعين على القتال. وتقول هذه الرسائل "ان اجدادكم (يخرمشون) قبورهم للقيام الى احفاد الجنود البريطانيين الذي قاتلوهم".
ولعلنا نسينا ان الجيش البريطاني تعرض الى مذبحة عام 1884 في هلمند. لكن الافغان بالتأكيد لم ينسوا. ولعل الطالبان تواقون لتكرار تلك المأثرة.
وسيحاول الطالبان زيادة حدة الصراع عبر تصوير القوات البريطانية على انها تحاول مناصرة حكم القانون لانه يمثل "حرباً على الاسلام" وقد نجحوا في جذب المجاهدين الاجانب لمساعدتهم. ان تسرب التكنولوجيا والأساليب القتالية من العراق هو امر واضح وكذلك قدوم المتطوعين من باكستان. وقد قال محلل استخباراتي ان حدث حقاً. فالانفجاران الانتحاريان اللذان حدثا في الاشكار جاه يؤكدان صحة هذا التحليل فالتفجيرات الانتحارية هي امر جديد في افغانستان.
وبالطبع فان الانزلاق الى الفوضى والحرب لا مفر منه وكذلك لا محيد من انتقال ناجح نحو السلام والنظام المدني. ولم تكن لمحافظة هلمند حكومة مؤثرة لعقود طويلة ومن المحتمل لعدة قرون. وستعمل قواتنا بجد مع محافظ هلمند الجديد ومع رئيس الشرطة الذي سيتم تسميته في محاولة لتحقيق الاستقرار الذي ينشده ابناء المحافظة. والذي سيمثل فرصتهم الوحيدة المستقبلية.
وستمنح القوات البريطانية الحاكم الجديد"التخويل" لتطهير الحكومة والتخلص تماماً من المهربين ومنهم الطالبان.
وكل ذلك يمكن ان ينجح إذ بالامكان القيام به.ولكنني لا اعتقد ان "ماكنة الحكومة للانباء الجيدة" قد قامت بتهيئتنا ولا تهيئة الجيش لمهمة بهذه الضخامة. مع وجود امكانيات ان تسير المهمة برمتها بنحو خاطئ غير مرضِ. فان مهمة مثل هذه قد تحتاج الى أكثر من بضعة آلاف من جنودنا والى أكثر من ثلاث سنوات ومليار جنيه لغرض انجازها.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة