الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

قناة الجزيرة
وأدلة نصية للتحريض على العنف والإرهاب


جرجيس محمد حسين
لا شك في إن على قناة (الجزيرة) شكوكاً كثيرة خاصة من العراقيين بسبب السياسة المتقصدة التي تنتهجها ضد أغلبية الشعب العراقي لجرح شعورهم بكل صلافة وقساوة غبر مألوفة على نطاق الإعلام الفضائي، وهي معروفة بأنها تتناول الشؤون العراقية بدون التزام بالحقائق وبدون موضوعية في طرحها للمواضيع والبرامج المتعلقة بالشان العراقي. ومن المفارقات الغريبة أنها وقفت إلى جانب نظام دكتاتوري قمعي بكل قوة كنظام صدام الذي جلب للعراق كوارث وحروباً لا طائلة لها وارتكب بحق شعبها جرائم تشمئز منها الإنسانية والبشرية.. وهذا ليس بغريب عنها لان نفس هذه القناة وقفت ضد تطلعات العراقيين عند تحرير العراق من الجور والظلم الذي عانى منه العراقيون لأكثر من 35 سنة من الحكم الاستبدادي، وليس بخاف أن (الجزيرة) لا تزال تقف ضد كل ما هو خير للعراق.. إلى هنا قد يكون المشهد مألوفا في مسألة التحيز والوقوف إلى جانب دون ألآخر.
ولكن أن تقوم (الجزيرة) بالتحريض على العنف وارتكاب الجرائم والإرهاب بكل جهارة و حرية من خلال توجيه إعلامي متعمد لقلب الحقائق والوقوف ضد محاولات العراقيين للخروج من المأزق المفروض عليهم من الخارج بفعل أفراد وجهات ومنظمات إرهابية دولية وإقليمية. ولكن هيهات أن يمر هذا التوجه المتقصد والمخطط له من زمان لتأزم الوضع العراقي دون دراية ودون حس من لدن العراقيين والجهات المعنية في العراق، فهذا لا يمكن القبول به أبدا لان الطروحات التي تقدمها (الجزيرة) عبر برامجها في القناة الفضائية وعبر موقعها على الانترنيت طروحات مبطنة تحمل في طياتها ومعانيها دعوات للتحريض على العنف والإجرام والإرهاب، ودليلنا على ذلك هو نصوص سنذكرها من خلال هذا المقال تتبناها (الجزيرة) كوجهة نظر لها عند التحليل أو إبداء الرأي .. وهذا ما يدفع بنا إلى القول كيف نفسر معاني هذا السؤال المطروح للتصويت من قبل (الجزيرة) في الفترة 12-15/ 4/ 2004 هل تعتقد أن احتجاز المقاومة العراقية للأجانب مجدٍ؟.. ومعاني هذا السؤال الآخر المطروح من (الجزيرة) في الفترة 15-18/ 2/ 2004 هل يخدم استهداف الشرطة العراقية أهداف المقاومة؟.
ولكي يكون كلامنا مستندا إلى أدلة وحقائق لا لبس فيها فاني أحيلكم إلى الأسئلة التي تطرحها الجزيرة من خلال موقعها على الانترنيت بشكل سؤال للتصويت عليه من قبل زائري الموقع، وعلى سبيل المثال فأني اذكر لكم السؤالين المدونين أدناه المأخوذين من تصويت (الجزيرة) في موقعها على الانترنيت مثالا على ذلك. وعند التأمل في النتائج و التحليل الذي تتبناه القناة الفضائية نجد أنها تحمل دعوة حقيقية للتحريض على العنف والإجرام والإرهاب، ولإيضاح الفهم أخرجت النصوص التي تحمل سمة التحريض من التحليل نفسها كأدلة نصية مقتبسة من تحليلات ووجهات نظر للقناة ووضعتها تحت عنوان أدلة نصية من تحليل (الجزيرة) تحرض على العنف.

سؤال التصويت: هل تعتقد أن احتجاز المقاومة العراقية للأجانب مجدٍ؟
النتيجة: 79.9% نعم، 20.1% لا
الفترة: 12 -2004/4/15
عدد المشاركين في التصويت: 91775 مشاركاً
التحليل:
اعتبرت غالبية المشاركين في استفتاء للجزيرة نت في الفترة الواقعة من 12 إلى 2004/4/15 أن احتجاز المقاومة العراقية للأجانب رهائن مجد في الحرب على قوات الاحتلال في العراق. وأيد 79.9% من المشاركين الذين بلغ عددهم 91775 هذا التوجه، في حين عارضه 20.1% فقط. وكانت جماعة عراقية تطلق على نفسها اسم “سرايا المجاهدين” قد هددت في الثامن من الشهر الجاري بقتل ثلاثة مواطنين يابانيين تم احتجازهم من قبلها، وطالبت الحكومة اليابانية بسحب قواتها الموجودة في العراق مقابل إطلاق سراحهم. وعلى صعيد عمليات خطف الأجانب في العراق كانت وكالة أنباء الصين الجديدة قد نقلت يوم 2004/4/12 نقلا عن دبلوماسي صيني في بغداد أن مجموعة مسلحة اختطفت قبل يوم سبعة صينيين وسط العراق، وفي التاريخ نفسه أكدت الخارجية البريطانية الإفراج عن البريطاني غاري تيلي الذي خطف في الناصرية جنوبي العراق. كما تم الإفراج عن رهائن من جنسيات مختلفة، وهم ثلاثة باكستانيين وتركيان ونيبالي وهندي وفلبيني. وفي تطور لعمليات خطف الرهائن أعلن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني مقتل أحد الرهائن الإيطاليين الأربعة في العراق على يد خاطفيهم، وقالت الجماعة المختطفة إن قتل الرهينة جاء ردا على تصريح لرئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني اعتبر فيه أن سحب قواته من العراق غير قابل للبحث والنقاش. وإثر تصاعد عمليات خطف الأجانب وازدياد حدة العمليات العسكرية بدأت عدة دول بالتفكير في سحب رعاياها العاملين في العراق، في حين حذرت دول أخرى رعاياها من مغادرة معسكراتهم.
نصوص تحرض على العنف وارتكاب الارهاب:
1- اعتبرت غالبية المشاركين في استفتاء للجزيرة نت في الفترة الواقعة من 12 إلى 2004/4/15 أن احتجاز المقاومة العراقية للأجانب رهائن مجد في الحرب على قوات الاحتلال في العراق..
2- وأيد 79.9% من المشاركين الذين بلغ عددهم 91775 هذا التوجه.

سؤال التصويت: هل يخدم استهداف الشرطة العراقية أهداف المقاومة؟ النتيجة: 51.9% نعم، 48.1% لا
الفترة: 15 - 2004/2/18
عدد المشاركين في التصويت: 46432 مشاركاً
التحليل:
مالت أغلبية بنسبة 51.9% من المشاركين إلى اعتبار أن استهداف الشرطة العراقية يصب في أهداف المقاومة هناك، في حين لم تتفق مع هذا الرأي نسبة 48.1% من أصل أكثر من 46 ألف مشارك في استفاء للجزيرة نت للفترة من 15 - 2004/2/18وقد تكون الغالبية ذهبت لهذا الرأي لاعتقادها أن قوات الاحتلال هي من قام بالإشراف على إنشاء الشرطة العراقية، ما يدفعها للتشكيك في وطنيتها. وتفيد الأنباء من العراق أن قوات الشرطة العراقية تنتشر في شوارع رئيسية ببغداد وخصوصا قرب تجمعات الاحتلال ومراكز الشرطة، غير أنها لم تتمكن من ضبط الأمن في العراق حيث تنتشر حالات السلب في البلاد خاصة في الليل. ويعتقد المحلل السياسي سعد الحديثي في حوار مع الجزيرة نت إن الدور الأساسي الذي أنشئت من أجله قوات الشرطة العراقية “يتمثل بخدمة قوات الاحتلال”، معتبرا أن هذا يضعف من دورها في حماية العراقيين لصالح حماية الاحتلال. وأشار الحديثي إلى أن بعض عناصر هذه الشرطة تقوم بالوشاية -وأحيانا بشكل كاذب- على بعض العراقيين مما يؤدي لاعتقال القوات الأميركية لبعض الأبرياء أو الإضرار بالمقاومة الوطنية. ويرى مراقبون في العراق أنه إذا كانت المقاومة العراقية تقف وراء العمليات التي تستهدف قوات الشرطة فإنها قد تقصد من ذلك ضرب مشروع الاحتلال لإقامة ما يسمى بأجهزة تابعة ومتعاونة معه، وذلك عن طريق بث الرعب في نفوس بعض العراقيين الذين يسعون إلى صفوف الشرطة لأسباب في مقدمتها الأسباب الاقتصادية. واعتبرت النسبة الثانية أن استهداف الشرطة العراقية لا يخدم المقاومة، فهناك من العراقيين من يرى أن الشرطة العراقية تؤدي دورا جيدا في حماية الناس، ومن الشواهد ما قام به أحد أفراد الشرطة العراقية قبل أيام عندما نزع فتيل قنبلة زرعت في أحد شوارع بغداد مخاطرا بحياته من أجل حماية الناس. وهذا ما يؤكده مسؤولو الشرطة العراقية بأنهم يرمون لخدمة بلادهم وتحقيق حالة الأمن والاطمئنان للناس هناك. ودان عضو هيئة العلماء المسلمين عبد السلام الكبيسي -الذي يرى أن المقاومة العراقية كسرت كبرياء الاحتلال- التفجيرات التي استهدفت مراكز الشرطة وذلك في حوار مع الجزيرة نت. كما أن البعض من المتابعين للحالة العراقية قد لا يؤيد استهداف الشرطة العراقية خشية أن يجر مثل هذا التصرف إلى اقتتال عراقي يبرر للاحتلال الاستمرار على الأرض. يذكر أن حصيلة التفجيرات التي استهدفت مراكز الشرطة العراقية بلغت أكثر من 600 شرطي عراقي في هجمات مختلفة كان أبرزها ما وقع في مدينة الفلوجة في الرابع عشر من الشهر الجاري وأدى لمقتل أكثر من عشرين شرطيا.
نصوص تحرض على العنف وارتكاب الإرهاب.
1- مالت أغلبية بنسبة 51.9% من المشاركين إلى اعتبار أن استهداف الشرطة العراقية يصب في أهداف المقاومة.
2- وقد تكون الغالبية ذهبت لهذا الرأي لاعتقادها أن قوات الاحتلال هي من قامت بالإشراف على إنشاء الشرطة العراقية.
3- ما يدفعها للتشكيك في وطنيتها.
4- ويرى مراقبون في العراق أنه إذا كانت المقاومة العراقية تقف وراء العمليات التي تستهدف قوات الشرطة فإنها قد تقصد من ذلك ضرب مشروع الاحتلال لإقامة ما يسمى بأجهزة تابعة ومتعاونة معه، وذلك عن طريق بث الرعب في نفوس بعض العراقيين الذين يسعون إلى صفوف الشرطة لأسباب في مقدمتها الأسباب الاقتصادية.


مفهوم جديد للمقاومة في العراق


د. محمد السيد سعيد
تزلزل أحداث العنف المجتمع العراقي وتسهم في مضاعفة الحيرة حول كيفية إعادة بناء بلد حر ومتحد بأكثر كثيراً مما تزلزل الاحتلال الأمريكي. ولهذا نحتاج للتفكير معاً حول نوعية المقاومة التي نريدها جميعاً- عراقيين وعرباً - لإنهاء الاستعمار الأمريكي للعراق وإعادة بنائه. ويحتم ذلك مناقشة عدد من القضايا التي لا تزال تمزق العقل العربي بما فيه العقل العراقي.
الحقائق الكبرى
أولى هذه القضايا هي منهج النضال من أجل تحرير العراق ولا شك أن الشعب العراقي له حق النضال المسلح ضد الاحتلال. ولكن الممارسة الفعلية لهذا الحق ليست شيئاً (أوتوماتيكياً). فكل مجتمع يجب أن يأخذ في الاعتبار جميع المعطيات والظروف التي تحيط بقضيته الوطنية ومستقبله السياسي ليقرر متى وعلى أي طريق يقرر استعمال حقه القانوني.
وبالنسبة للعراق هناك ثلاثة معطيات أساسية تحدد المقاومة المسلحة أولها: أن العراق يعيش حالة عنف مستدام منذ عام 1958 وقد دفع ثمناً غالياً من دماء أبنائه في الصراعات الداخلية والقمع السياسي الخارق والحروب الدولية العقيمة التي خاضها مع جيرانه وخلال فترة الحصار الوحشي الطويل. ويكفي أن التقديرات تقول بأن نصف مليون شخص قتلوا أو جرحوا في الحرب العراقية الإيرانية وحدها. فإذا أضفنا لهم عدد من قتلوا أو جرحوا في الحرب الأمريكية عام 1991 وبسبب الحصار ومن قتلهم نظام صدام حسين لكان عدد الضحايا مضاعفا في الأقل. ونضيف لذلك شتاتاً طويلاً لنحو مليوني عراقي فضلاً عما أدى إليه ذلك كله من تصدع اجتماعي وإنساني مؤلم للغاية. ويكون واجب كل من لديه حس أخلاقي أن يتجنب مزيداً من الآلام إذا كان ذلك ممكناً.
ولعلنا إنطلاقاً من الشعور بالأخوة العربية نظهر تعاطفاً أعظم مع محنة الشعب العراقي هذه فلا نشجع كل من يريد تفجير مزيد من العنف في العراق حتى نتأكد أنه لا سبيل لإنهاء الاحتلال إلا بالنضال المسلح. فأكثر الأمم لا تخوض حرباً واحدة من النوع الذي خاضه العراق كل قرن. فيكون من باب الظلم للعراق والعراقيين أن يخوضوا ثلاثاً منها فضلاً عن حرب أهلية مستدامة في غضون ثلاثة عقود فقط. ولنتذكر أن بعض العرب خارج العراق كانوا قد أظهروا نفس الحماسة، أو أقل قليلاً، لتلك الحرب العقيمة في مواجهة إيران وهو بلد شقيق مسلم بمسميات مشابهة وبشعارات فيها قوة العاطفة نفسها وقلة الحكمة ذاتها. ولذلك يجب أن نراجع هذا التفضيل العجيب للرد بأشكال عسكرية على كل ما يقع علينا من محن ومظالم بغض النظر عما إذا كانت تؤدي إلى نتيجة مرغوبة أو لا تؤدي. فالحكمة من القتال هي صنع حياة أفضل وليس الانتحار الجماعي أو استكمال عملية إبادة تعرض لها شعب كالعراق طوال تاريخه الحديث. بل لعلنا ننتج حالة تقود إلى سلام عام في المنطقة يكون سلاماً عربياً وليس أمريكياً لنقوم بإعادة بناء منطقتنا وحضارتنا بعدما أثخنتها الجراح من كل جانب بسبب عنف لم يتوقف وحروب لم يكسبها أحد منا منذ عشرات السنين.
ومن ناحية ثانية فالعنف ضد العراقيين والأمريكيين وغيرهم من قوى الاحتلال يستند إلى قاعدة اجتماعية وحيدة وهي المجتمع السني. ويعني ذلك أن قرار المقاومة المسلحة لا يشمل الشعب العراقي كله بل قد يضاعف من الضغوط الشديدة التي تستهدف تمزيق وحدة هذا الشعب. ومن يتوق لتأكيد وحدة العراق ملزم بتأمل عميق لنتائج الأعمال المسلحة التي تمارس في الوقت الحالي ويعانيها العراقيون بأكثر مما يعاني الاحتلال. وهنا شكوك قوية في أن من يقوم بالمقاومة المسلحة هم من بقايا نظام صدام حسين فضلاً عن متطرفين دينياً. وغالبية من يقوم بالأعمال العسكرية ينتمون للفاشية الدينية والقومية ولا يملكون رؤية ديمقراطية تحترم الإنسان والمواطن وهؤلاء هم الأكثر قدرة على حسم الصراع حول الحكم فيما لو نجحوا في هدفهم الاستراتيجي وهو الدفع نحو إنهيار سياسي يقود إلى فراغ قوة لا يملؤه أحد غيرهم. فيكون الشعب العراقي قد عانى الحرب والاحتلال والاذلال ليعود من جديد إلى نظام مشابه للنظام السابق ويكون قد خسر مرتين وعاد إلى نفس ما كان عليه الوضع قبل الغزو أو أسوأ منه.
أما الاعتبار الثالث وهو الأكثر أهمية فيما يتعلق بهدف مقاومة وإنهاء الاحتلال فهو أولوية استعادة السياسة إلى المجتمع العراقي وإلى مفهوم المقاومة. فبعد أكثر من ثلاثة عقود من القمع الوحشي والحروب الدولية والأهلية تمزق نسيج المجتمع وفقد كل أشكال التنظيم السياسية التلقائي الحر. وفي هذه الظروف لن يكون من الممكن أبداً إنجاز عملية إعادة بناء العراق إلا عبر السياسية الديمقراطية بما تشتمل عليه من تنظيمات سياسية مستقلة وحرة وهيئات تمثيلية وحريات عامة ورغبة في التوصل إلى حلول سلمية للخلافات وتناقضات المصالح والوصول إلى حلول وسط والتقيد بروح ونص القانون واحترام حق المواطن في الحياة الآمنة والسلم الأهلي.
ولا شك أن نظام الاحتلال ومواقفه ضاعفت من صعوبة ذلك كله سواء بحلها للإدارة المدنية والجيش والشرطة أو بتعمدها إقامة الحياة السياسية الجديدة على أسس طائفية وعرقية فضلاً عن أخطائها وانتهاكها للحقوق الأساسية للإنسان في العراق كما تشهد المنظمات الأمريكية نفسها. وتملى الحكمة والمصالح الوطنية أن يكون تصحيح ذلك كله بوسائل سياسية ومدنية أحد أهم معاني المقاومة وأهدافها وهي معاني وأهداف أعظم وأفضل من القيام بعمليات عسكرية تستكمل تدمير العراق ولا تبنيه.
المستقبل السياسي
إنطلاقاً من هذه الاعتبارات والحسابات يحتاج العراق إلى مفهوم جديد للمقاومة. ويعنى هذا المفهوم قبل كل شيء بانتاج وطرح رؤية حول المستقبل السياسي والدستوري للعراق. وفي إطار هذه الرؤية يتم النضال من أجل التحرر الوطني وإنهاء الاحتلال ومن أجل إنضاج أفضل شروط ممكنة للوصول إلى هذا المستقبل. فيقرر العراقيون معاً في ضوء هذه الرؤية متى وكيف يتم اللجوء إلى الوسائل العسكرية عندما يكون ذلك ضرورياً ولا غنى عنه؟
وقد قطع العراقيون شوطاً لا بأس به على هذا الطريق ويجب استكماله وتصحيحه على الطريق إلى إعادة بناء دولتهم. والدستور المؤقت ليس أفضل ما يمكن إنجازه ولكنه كاف لتدشين عملية يمكن أن تصحح ما اشتمل عليه من عيوب والوصول إلى حلول تفاوضية حول ما يثور عليه الخلاف والمضي في هذه العملية يستلزم الإسراع في اتخاذ التدابير الضرورية للعودة إلى الشعب من أجل وضع دستور دائم وانتاج هياكل نيابية سليمة. وهنا يتميز مفهوم المقاومة الضروري لإنجاز تلك المهمة عما وقع بالفعل في ظل الاحتلال. فالطريق الوحيد السليم لتأمين تلك العملية قانونياً وسياسياً وأمنياً هو العودة لصيغة الأمم المتحدة كبديل لسلطة الاحتلال باعتبارها السلطة الدولية التي تملك مفتاح الشرعية والخبرة الضرورية لاستكمال بناء الدولة العراقية وفقاً لمبدأ سيادة الشعب. ولذلك كان استهداف الأمم المتحدة من جانب ما يسمى لمبدأ سيادة الشعب. ولذلك كان استهداف الأمم المتحدة من جانب ما يسمى “المقاومة” عملاً واعياً وكاشفاً لطبيعتها الفاشية ولهدفها في أحداث إنهيار سياسي وقانوني تملؤه وحدها في غيبة الشعب العراقي والأمم المتحدة. وقد أخطأ مجلس الحكم الانتقالي ربما بتاثير العناصر العملية للاحتلال فعلاً في تفليت الأمم المتحدة من واجبها في قيادة العملية السياسية والدستورية في العراق. وأخطأ الأمين العام بالتسرع في الانسحاب من العراق بعد تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد. كما أخطأ الأخضر الإبراهيمي في وضع تقرير متسرع يكتفي بالمطالبة بتأجيل الانتخابات ولا يوصي بالبدء الفوري في اتخاذ التدابير للقيام بهذه العملية الجوهرية. وكأن الجميع قد تواطأ على إلقاء الشكوك حول عملية تسليم السلطة للعراقيين بنهاية ايار المقبل ومن ثم العمل على إنهاء جميع مظاهر الاحتلال بأسرع ما يمكن.
ولذلك يتركز الأمل الحقيقي في إنجاز هذه الأهداف كلها في بناء قاعدة حقيقية للمقاومة العراقية بدءاً من طرح رؤية سياسية سليمة لإعادة بناء العراق وتكتل جميع القوى الديمقراطية حولها. ويستلزم هذا البناء بدوره تعزيز العملية النشيطة حالياً لإعادة تنظيم الشعب العراقي ذاته.
إن مجمل هذه المعطيات تدفع كل من لديه عقل إلى منح الأولية للتنظيم السياسي للمجتمع العراقي وتنظيم الجدل الاجتماعي والفكري على الصعيد الوطني. وبالنسبة لمجتمع لم يتح له التنظيم السياسي الحر لعشرات السنين وعانى من الهيمنة الكاملة والتدمير المنظم لهيئاته المدنية والسياسية المستقلة من المتوقع أن تكون مهمة التنظيم السياسي للشعب والتنظيم الفكري لنخبته السياسية أمراً في غاية الصعوبة. ولا شك أيضاً أن هذه العملية ستكون مشوهة وبعيدة عن المساواة في الفرص. كما أن ضمانات العقلانية والنزاهة والمصلحة الوطنية العامة ستكون غير كافية. ومع ذلك فهي ممكنة وهذا هو ما يشعر به المشتغلون بالسياسة والعمل العام في العراق. فهناك مجتمع متشوق للمعرفة والمناقشة والتعبير الحر عن نفسه واستكشاف ما يمكنه من السيطرة على الشروط الأساسية لمصيره السياسي. وكل ما يطلبه هو الحد الأدنى من السلم الأهلي اللازم لاستكمال هذه العمليات بما فيها إنهاء الاحتلال بجميع مظاهره وعلى الأخص الاحتلال العسكري.
الدور العربي
إن استكمال هذه العمليات الضرورية لبناء دولة ديمقراطية يتطلب إنهاء سيطرة الاحتلال على القرارات الأساسية لإعادة البناء بما في ذلك إعادة بناء الجيش والشرطة. ويعيدنا ذلك إلى الأهمية القصوى لعودة الأمم المتحدة إلى العراق للإشراف على العملية السياسية برمتها ولن يكون من الممكن تحقيق هذا الهدف بدون أن يطلبه العراقيون أنفسهم. ولذلك يحتل هذا الموضوع قمة سلم الأولية في أي مفهوم جديد وسليم للمقاومة. ثم إن إنجاز تلك العمليات من جانب العراقيين أنفسهم بصورة نزيهة يتطلب المصالحة مع النفس والتاريخ. ومن قبيل هذه المصالحة أن تتم محاكمة الأفراد المسؤولين عن جرائم كبرى لحقوق الإنسان بدون مصادرة حق أي من القوى السياسية والفكرية بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو العرقي في المشاركة في الجدل السياسي وصنع المستقبل العراقي. ويتحتم إلغاء ما قررته سلطة الاحتلال من قرارات تعسفية مثل حل حزب البعث أو منع العسكريين السابقين من العمل في الجيش والشرطة. فلا يجب أن يمنع أي حزب أو مواطن من المشاركة في الجدل الاجتماعي والفكري لمجرد الانتقام من نظام سابق لم يأت من فراغ وإنما من تقاليد سياسية لم تكن أكثر القوى السياسية بريئة منها تماماً.
ويستلزم استكمال هذه العملية قيام العرب بدور كبير في تأمين شروط نجاحها. وهنا نصل إلى تحديد مسؤولياتنا كعرب بدقة ودون تسرع نندم عليه كما نندم على كل شيء بعد فوات الآوان. قد نفكر في العراق لتحقيق أهداف سياسية مباشرة وضيقة. وهذا مشروع في الأوقات العادية. ولكنه قصير النظر وضار على المدة البعيد. فمن الأفضل للعرب جميعاً أن يسهموا في استعادة العراق حراً وديمقراطياً وقوياً من أن يفرحوا بظاهرة عنف تدفعه إلى الجحيم. وقيام العرب بمسؤولياتهم الحقيقة في مساعدة العراقيين على إعادة بناء دولتهم ومجتمعهم هو المدخل الصحيح لإنتاج مفهوم أرقى للمقاومة والتضامن العربي. ويعني ذلك مساعدة العراقيين على التفكير في المستقبل بصورة إيجابية وليس من منظور الماضي وتعزيز الأطر المناسبة لحوار وطني عراقي واف حول القضايا الجوهرية لبناء مستقبلهم السياسي المتحرر من الاحتلال ومنظوره المخرب. ثم إن الدعم المادي والمعنوي لعملية إعادة بناء الدولة والمجتمع هو أمر ضروري لترجمة معنى التضامن. ولكن أم الأدوار التي يمكن للعرب أن يعلبوها هو العمل الدبلوماسي اللازم لتأمين عودة الأمم المتحدة للأشراف على تلك العملية ومن ثم إنهاء سيطرة الاحتلال ومطالبته بالرحيل.
هذه هي المقاومة كمطلب عراقي وواجب عربي كما أفهمها. والله أعلم.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة