الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

الجنوسة: تفكيك الخطاب الذكوري وتكامل النوع البشري
القسم الثاني
د. مي عبد الكريم محمود
الانوثة من اللغة الى الخطاب
في الثقافة العربية
ان المدلول اللفظي للمذكر الذي ينسب الى الاجساد، هو مفهوم منتج داخل الخطاب الثقافي، وهو جزء من عملية إضفاء سمة مادية عليها، ولعل هذا ما اشار اليه فوكو بأن اللغة هي بناء اجتماعي consruction social يملك السيطرة على كيفية التفطن والتفكر بالاشياء، وقد اهتم بالترابط بين اللغة وعلاقات السلطة، فخطاب الاخضاع يتحدد اولاً في اللغة المستخدمة، فاللغة العربية مثلاً تفرق بشكل واضح بين ما هو مؤنث وما هو مذكر، غير ان هذا التحديد يتعدى الواقعة اللسانية نحو الخطاب الذي يشكل ويتشكل عبر اللغة ايضاً، فالتذكير في اللغة العربية هو الاصل، ويذكر ابن جني في خصائصه بأن (تذكير المؤنث واسع جداً، لأنه ردّ الى الاصل) ويضيف قائلاً (ولن يكون التذكير اصلاً الا إذا صار التأنيث فرعاً) ويشير عبد الله الغذامي في كتابه “المرأة واللغة” الى ان الفصاحة ترتبط بالتذكير، إذ يجب عليك كي تكون فصيحاً ان تقول عن المرأة انها زوج فلان، وليس من الفصاحة ان تؤنث فتقول انها زوجة فلان، وإذا وجدنا جمع اناث بينهن ذكر واحد فالفصاحة تقتضي مخاطبتهن بصيغة المذكر الموجود بينهن لأنه وحده اصل وهنّ جميعاً فرع، ويرى د. نصر حامد ابو زيد في كتابه “دوائر الخوف” ان اللغة ايديولوجيا تمارس نوعاً من التمييز العنصري بين الرجل والمرأة، فهي تجعل من الاسم العربي المؤنث مساوياً للاسم الاعجمي من حيث القيمة التصنيفية. ففضلاً عن تاء التأنيث التي تميز بين المذكر والمؤنث على مستوى البنية الصرفية يمنع التنوين عن اسم العلم المؤنث كما يمنع عن اسم العلم الاعجمي سواء بسواء.
لقد اعتمدت الدراسات السميوطيقية على مفهوم اللغة، وذلك لبحث صفة العلامة المنسوبه الى تسميات مثل “امرأة” و “رجل”، ومن هنا فقد ارتبطت الجنوسة بتوجه خاص بدراسة اللغة، هذا التوجه ناشئ عن تحليل الخطاب دون شك، والخطاب هنا هو كل تبادل دلالي للالفاظ في سياق اجتماعي، ويؤكد باختين الذي يختلف مع سوسور فيما يتعلق بإعتباطية العلامة بأن الايديولوجيا حاضرة في مدلولات الالفاظ التي تنتج المعنى، ويرى هايدن وايت بأن الايديولوجيا هي سيرورة يتم من خلالها انتاج مختلف انواع مدلولات الالفاظ ، وهكذا تكون الجنوسة حواراً مستمراً وتبادلاً للعلامات ومدلولات الالفاظ بين الرجال والنساء، يتغير هذا التبادل عبر التاريخ، وهو قابل للتحول دون شك، وان هذه العلاقة التي يمكن ادراكها بين مدلولات الالفاظ وبين الايديولوجيات والتحولات علاقة مهمة في عملية تحليل انبناءات ذات المرأة في الخطابات التي تؤلف مفهوم حق تصويت المرأة مثلاً، فتظهر صورة الانثى بشكل دوني عن صورة الذكر اما بحجب حق ترشيحها او بحجب حق تصويتها، او يمارس المجتمع حقاً آخر هو عدم انتخابها، وذلك عبر خطابات المرشحين الذين يستخدمون مفاهيم لغوية ذكرية مثل: القادر، والمتمكن، والثري، والعادل.. واللغة هنا هي ممارسة اجتماعية وسياسية فضلاً عن انها خلق وتواصل للمدلولات داخل سياقات مادية عن طريق سيرورة التخالف، والتنوع والاختلاف، وليس بالضرورة التهميش والاقصاء، هذا يعني ان الجنوسة تسمح بخلق الفكرة عن طريق اللغة وفي الوقت ذاته تنخلق بها.
ومن منظور العلاقة الوثيقة بين النص والسياق الخطابي التاريخي كأداة لتحليل التشكلات التاريخية المادية للجنوسة هذه التشكلات التي بنتها السيرورات الاجتماعية في تبادل مدلولات الالفاظ الدينية والسياسية، وبإمكان هذه السيرورات ان تقود الى الاقصاء بمقدار تورط هذه السيرورات بعلاقات السلطة التي يخلقها النظام الاجتماعي والمؤسساتي والمادي. ومن المعروف ان اللغة هي شكل من اشكال النظم الرمزية التي تتبنى القوة من جهة وتتبنى المركز من جهة اخرى، وهي ليست اداة للتواصل حسب انما هي من الناحية الانثروبولوجية الناظم الرئيس لكل الانتاج الثقافي والانتاج العقلي والروحي للامة ، وفضلاً عن كونها سلطة رمزية فإنها اداة لهذه السلطة، وتحرص منظومات القمع بشكل عام على تحويل اللغة الى ا\دارة ومؤسسة يجدر حمايتها وصيانتها. وتتركز معظم اشكال ممارسة السلطة في الخطاب الذي تشكل اللغة مبناه ومعناه، ومثلما تنحل في نسيجه فإنها تعمل داخل السلطة وتتبنى تعبيرها وتسوغ انتشارها وتحولها، وتنبثق اول ممارسة للقوة من بنية اللسان الذي يهييء لها امكانات عمل ونفاذ وممارسة على نحو شامل ومتواصل، ومن كونها حدثاً اولاُ في الحياة الطبيعية فهي سلطة تمارس اخضاعاً لسلطة اللغة وبالتالي هي التي تنظم آليات عمل السلطة، وقد بيّن بيير بورديو ان مثل هذه السلطة الرمزية، لا تقوم بعملها إلا اذا اعترف بها من حيث هي امر طبيعي، ذلك انها - على وفق تعبيره- لا تحكم الا بمساعدة من تحكمهم.
ان ميدان الصراع الحقيقي في التاريخ هو السيطرة على ادوات الاخضاع، ومن يمتلك حق الكلام سيتمكن من السلطة، ولذا فإن احلال اللغة كأداة لإخضاع المرأة وتذويبها في نسيج الخطاب الذكوري اتاح المجال واسعاً امام السيطرة الذكورية على المجتمع، وجعلت اللغة من هذا الاستعلاء الذكوري ومن اقصاء المرأة ودونيتها وضعاً مبرراً، إن قوة الاخضاع التي تحوزها اللغة، تجعل من المرأة راضخة لجميع شروط وطرائق الهيمنة دون ارغام معلن، إنما تتحرك من خلال هذا اللاوعي اللغوي بحيث لا تجد المرأة بداً من الرضوخ والقبول لشروطها وطرائقها، فكان يتعين على الخطاب الانثوي” بحكم هذا الارغام، أن يواجه النظام المهيمن بإستخدام لغته نفسها. ومن منطلق هذا الاشتراط، كان على الانثوي ان يموضع نفسه في تجاويف الخطاب الذكوري، أو في تجاويف اللغة التي يحتلّها ويسيطر عليها، وان يعمل من هناك أي من داخلها، ليهدد بنيتها المشيّدة، بما يمكن ان يخلقه فيها من صدوع وفجوات. وبهذا تغدو اللغة حقلاً للمواجهة ومساحة للصراع، تنسرب الانوثة في فراغاتها، وتضخ محتواها في الممكن من قنواتها، لتطهرها من العنف الابوي الذي يسكنها، وهذا الفعل الذي يهدف الى اعادة بناء اللغة والوعي على نحو مغاير، يحمل معه وعداً بالتأنيث”.
‘إن سياسة الاخضاع والدونية والتهميش والعزل تستبنى طبقاً الى الخطاب الذي يحرك البنى اللسانية ذاتها، وهي التي تحرك على نحو فعال آلية الفهم والثقافة والقوانين، فهي المجاز الذي يتضمن انساق الهيمنة والاخضاع، وهي اقدر على تخبئة واخفاء انساقها عبر المجاز منها عبر الخطاب الواحد سيما ان الخطاب الواعي ظاهر ومكشوف ايضاً، وقد جعل منه عبد الله الغذامي بمثابة قناع للنسق اللغوي فإذا انتزعنا هذا القناع اي المجاز وجدنا الانساق المتحركة، (الزواج السردي) والمقصود (الزواج المجازي) هو نوع من خطاب الحب في الثقافة العربية والمعروف في خطاب الحب اشارة الى تلك العلاقة بين جنسين وهذا ثابت في النصوص الشعرية التراثية، فهي تمتد من الجاهلية الى يومنا هذا.
الجنوسة تطور المفاهيم
في الثقافة العالمية المعاصرة
يقترح هايدن وايت تعريفاً للتاريخ هو البنية الخطابية التي توحد بين الشكل والمضمون، ويضم المنعطف اللساني توجيهاً منهجياً في التاريخ، إ‘ذ انه يلقي نظرة مختلفة على الاحداث التاريخية، كما إنه يهشم التقسيمات الحتمية الاقتصادية، والحواجز الذي يقيمها التاريخ بين الاجناس بشكل عام، ان المؤرخات النسويات اللواتي انتقدن التاريخ الذي اقصى النساء، ورفضن الجوهرية البايلوجية بوصفها تفسيراً لعدم المساواة بين الجنسين، يشددن على سلطة الخطابات في بناء الاختلاف الجنسي اجتماعياً، غير ان المنعطف اللساني قاد دراسات الجنوسة نحو تحليل تراكيب الخطاب والسلطة ، السلطة بوصفها مفهوماً لتعريف مقولة الجنوسة، وتحليلاً للتاريخ السياسي للنساء، ويساعد هذا المفهوم على كشف المضاربات الاستراتيجية والتحالف بين المذكر والمؤنث التي اسست اقصاء النساء فضلاً عن ايجاد الكيفيات لإحتوائهم تاريخياً.
اما مفهوم الجنوسة فهو مركزي في النظرية النسوية كما تؤكد على ذلك عالمة الاجتماع الفنزولية كاولينا كودتا بوصفها نظرية ادرجت مؤخراً في العلوم الاجتماعية وتقدم هذه النظرية وصفاً لظاهرة خضوع النساء فضلاً عن تقديمها تفسيراً لأسباب هذا الخضوع، وتقترح ستراتيجيات لتجاوزها لأن هدفها يكمن في تحويل دور النساء داخل المجتمع من دور اخضاعي الى دور تشاركي، ويتيح تطبيق مفهوم الجنوسة في دراسات التاريخ امكانيات واسعة من شأنها تحديث المؤرخين الرسميين حسب جوان دبليو سكوت التي تشدد على الدلالة اللفظية الثنائية للمذكر والمؤنث المبنية على الاختلاف الجنسي، والمشيدة ايضاً على الترابط ما بين الجنوسة والسلطة في السياق الاجتماعي، وتعرف هذه الكاتبة الاختلاف الجنسي على انه بنية متحركة، بينما الجنوسة هي خطاب حول الاختلاف بين الجنسين، وبالتالي فإن الكاتبة تركز على رؤية الاختلاف الجنسي بوصفه تشكلا داخل الاختلاف والاختلافات.
ويلفت جاك دريدا الانتباه الى ان التقليد الفلسفي الغربي. يستند الى التقابلات الثنائية بين الوحدة /التنوع- الهوية/ الاختلاف- الحضور/ الغياب- الكونية/ الخصوصية، ومن هذا المنظور تعتقد سارة كوفمان ان التفكير يتشكل طبقاً الى انبناء دلالات الالفاظ، وإن هذه الدلالات تنوجد في الخطاب الذكوري عبر تمركزها على هوية مفترضة، تمنح نفسها قواما ثباتاً وديمومة وتطابقاً مع الطابع التقديسي للذات، في الوقت الذي تقوم فيه بتشكيل صورة مشوهة عن الآخر. ولما كانت الذات الابوية، وفي تصورها لنفسها، شاملة، مطهرة، عاقلة، نقية فإن الآخر وهو المرأة دون شك هنا فإنها ملوثة ومشوهة وعورة، او على الاقل كيان قابل للتشوه والتلويث، وقد طرحت سارة كوفمان بالتوازي مع مفهوم جاك دريدا للتمركز العقلي في الميتافيزيقيا الغربية، طرحت مفهوم التمركز القضيبي وبينت كيف ينتهي هذا المفهوم الى النبذ والاقصاء والتجويد من امكانات العقل والثقافة.
تطرح الخطابات الذكورية قيما متوازية بين الخصائص الذكرية والخصائص العقلية، وتصنع نوعاً من التبادل بينهما حضوراً وغياباً، وبمقدار ما تخلق هوة تمنع التفاعل والحوار والمشاركة فإن بناءها التراتبي يتمركز في القوة الطاردة لكل مختلف، غير مؤتلف، وإن لم تستطع حذفه كلياً فعلى الاقل تغيبه، وتختزله وترده بشكل جوهري وإطلاقي الى كينونة واحدة، وإن كانت تنجذب نحو المؤتلف فإنها تخصه بمعاني الحضور مقابل المختلف/ الغياب، والقوة، مقابل الضعف، مقابل الدونية، وهي المعاني التي تختص بها كهوية جوهرية، مقابل هوية جوهرية اخرى صامتة، تكتسب خصائصها وصفاتها من هوية اخرى هي التي تفرض عليها توصيفها الخاص بها عن طريق ما يطلق عليه بـ (حق الكلام) والذي ينشطر الى حق الحكم، وحق التصويت وحق الانتخاب، وحق الترشيح، وبالتالي فإنه هو الذي يمنح المرأة حقها في التصويت او الانتخاب او الترشيح، ولذا فإن الخطاب الذكوري يتغلغل داخل كل الخطابات، حتى داخل الخطابات الليبرالية التي تستخدم شعار “ منح المرأة الحق” و “اعطاء” و”تقديم” وهي منة ذكورية ممنوحة من المالك الى المملوك، فضلاً عن استخدامها للدعاية الانتخابية والجذب السياسي، بينما الاختلاف الجنوسي قائم على بناء الهويات على المستوى الاجتماعي والمستوى المفاهيمي وهو مثله مثل تعارض الهوية البيضاء مع الهوية السوداء، وتتجلى الهوية بوصفها نتاجاً خطابياً طبقاً الى التباينات في الجنس والعرق والطبقة، ولذا يجب التشديد على ان هذه الانبناءات هي انبناءات تاريخية وليست جوهرية، ولذلك ترتكز الفرضية الذكورية السياسية بالنظر الى تحديد التمثيل والانتخاب السياسي للمرأة على الاختلاف الجنسي والذي يستبنى على دلالات المعاني على نحو ثنائي ومتضاد ومترابط في شبكات العلاقات الثقافية والسياسية والمؤسساتية التي تمنح المذكور موقع التفوق مثل عقل للذكر/ عاطفة المرأة، قوي للرجل/ ضعيف للمرأة، صلابة للرجل/ نعومة للمرأة، وهي معاني قائمة لا في الثقافة العربية فقط انما في الثقافة العالمية ايضاً، أي انها معان ناتجه عن ممارسات تاريخية، ومن الاختلاف الجنسي نجد ان دلالات الالفاظ تشكل بشكل متضاد ومتراتب، وهذا ما يشكل بطبيعة الامر جنسنة السلطة، واقتصارها على الذكر، فالرئيس ذكر، والوزير ذكر، والقائد ذكر، لأن الذكر عاقل وقوي ومتصلب والخ وهذا الاختلاف لا تصنعه اختلا فات بايلوجية بمقدار ما هو تشوه سايكولوجي واجتماعي وسياسي.
 

من اوراق الندوة الوطنية الثانية حول استراتيجيات النظام التربوي الجديد واصلاح المناهج
ملامح النظام التربوي الجديد
يشهد العالم اليوم تغيرات حاسمة بفعل تزايد اهمية المعرفة ودورها في التنمية الوطنية بوصفها محركاً للتقدم الاجتماعي وخفض معدلات الفقر. كما يشهد تحولات في اساليب التعلم نتيجة لثورة المعلومات والاتصالات. ولذلك فقد اصبح دور التربية والتعليم في بناء اقتصاديات المعرفة والمجتمعات الديمقراطية اعظم تأثيراً من ذي قبل وأضحى اصلاح التعليم من اهم متطلبات المرحلة في معظم البلدان.
ان العراق، بلاد ما بين النهرين، هو مهد الحضارة الانسانية اذ كان موطن الحضارات السومرية والاكدية والآشورية والبابلية. وبازدهار الحضارة العربية الاسلامية اصبحت بغداد مركزا~ً عالمياً للثقافة والمعرفة والابداع تجذب اليها العلماء والادباء والمفكرين من كل حدب وصوب وقد كان النظام التعليمي في العراق يتمتع بمستوى جيد اذ حقق معدلات عالية للتعليم على جميع المستويات قياساً بالنظم التعليمية الاخرى في المنطقة. لكن هذا النظام تدهور بشكل خطير خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة لما اصابه من اهمال ومن قلة الموارد واعادة توجيهها للانفاق العسكري واولويات النظام السابق، فتدنت نوعية التعلم الى حد كبير وارتفعت معدلات الرسوب والانقطاعات عن الدراسة وتدهورت ظروف التعليم والتعلم وتوقف نمو النظم التربوية. اما المناهج الدراسية، فانها لم تتقادم فحسب وانما تعرضت ايضاً للتشويه واصبحت اداة لاغراض سياسية.
ولان التربية والتعليم قضية وجود وطني ومدخل حقيقي للتعامل مع متغيرات المستقبل والتحول الى الديمقراطية والمحافظة على عناصر الاصالة في حضارتنا فان هناك حاجة ماسة لنظام تربوي جديد وفلسفة تؤدي الى نقلة نوعية شاملة للمجتمع العراقي لكي يصبح التعليم قوة فاعلة في التنمية المستدامة واستثماراً لاعلى موارد المجتمع الا وهي موارده البشرية.
ان المجتمع العراقي يتطلع اليوم، اكثر من اي وقت مضى، الى نظام تربوي يرتقي بنوعية التعليم الى المستويات العالمية المتميزة، ويعزز القدرة على البحث والتعلّم والابتكار، ويساهم في بناء اقتصاد متجدد وتنمية شاملة، ويتيح فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الاصول والانتماءات ويقوم على دعم حقوق المواطنة وحرية التعبير والتسامح والمساواة.
لذلك فان على الدولة وضع التربية والتعليم على قمة اولوياتها وتبني استراتيجيات تمكن النظام التربوي من ان يكون اكثر استجابة حيال المتطلبات التي يفرضها عالم اليوم وان توفر لهذا القطاع الموارد اللازمة لوضع هذه الاستراتيجيات موضع التنفيذ.
غير ان على المجتمع ايضاً دوراً أساسياً في اعادة توجيه النظام التربوي وان يسهم، بكل قطاعاته ومكوناته، في رسم الفلسفة التربوية لكي يتسنى بناء المجتمع العراقي بشكل يعزز التماسك الاجتماعي والثقة باحترام التنوع في الاصول العرقية والمعتقدات الدينية والاطياف الاجتماعية.
ومما تقدم فان هذه الوثيقة تهدف الى بدء حوار وطني بشأن الفلسفة والسياسة التربوية الجديدة ومستقبل النظام التربوي في العراق من خلال طرح بعض الملامح العامة التي تم اشتقاقها من خلال نقاشات عدة روعيت فيها متطلبات المجتمع وتطلعاته وآماله والقيم والاتجاهات التي ينبغي اعتمادها للتخلص من سلبيات ورواسب الماضي. كما تتضمن هذه الوثيقة افكاراً في مجالات محددة، نأمل اغناءها بآرائكم السديدة.
أولاً: الملامح المقترحة للنظام التربوي الجديد
1.التنشئة الدينية المستنيرة.
2. البناء السليم للشخصية العراقية وانماط الحياة الصحية والسلوكيات السوية للفرد وتنمية الجانب الفكري والعقلي للانسان وابراز قدراته الابداعية.
3. ترسيخ القيم المتحضرة المتمثلة بالديمقراطية الدستورية، حرية الرأي والعبير والتربية على مبادئ حقوق الانسان، والعدل والمساواة امام القانون، والتسامح ونبذ النعرات الطائفية والعنصرية وتعزيز دور المرأة في بناء المجتمع الجديد.
4. التأكيد على دور التعليم في تعزيز العمل المنتج والتنمية الشاملة والاستجابة لمتطلبات سوق العمل.
5. اتقان علوم العصر باستثمار الاساليب العلمية والنقدية والتحليلية في التفكير. والاخذ بالاتجاهات المعاصرة التي ثبتت فاعليتها.
6. غرس الاعتزاز بالتراث العراقي وثقافة قومياته والانفتاح على الثقافات العالمية.
7. الاهتمام بالبيئة واستثمارها من اجل الاجيال الحالية والقادمة.
8. الاهتمام بتعليم الكبار ومحو الامية استثمارا#ً للموارد البشرية ودعماً للاقتصاد الوطني.
ثانياً: افكار وتساؤلات عامة
تثير المناقشات التي اجريناها حول النظام التربوي الجديد افكاراً وتساؤلات عدة تحتاج الى دراسة معمقة. لذلك ندعوكم لابداء الاراء ووجهات النظر حول بعضها.
-كيف نستوعب عناصر التراث والعقائد الدينية واستخلاص العبر من اجل فهم الحاضر وتطوير نظامنا التربوي؟
-ما التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تواجه النظام التربوي؟
-ما الاستراتيجيات التي ينبغي ان نعتمدها لكي نحقق تعليماً مستمراً ولمدى الحياة؟
-كيف نكافح نزعات العنف والايذاء بين طلاب المدارس؟
-كيف يتحقق التوافق بين قيم وحقوق الفرد والمصالحة العامة؟
-كيف ننمي قيم وممارسات العمل الجماعي لدى الطلاب؟
-كيف يتم تدريس الدين من وجهة نظركم؟
-هل ترى ضرورة لتنويع التعليم العام الى فروع تخصصية عدا الفرعين العلمي والادبي؟ وما الفروع التي تقترحونها؟
-كيف ترى دور التعليم الخاص في دعم النظام التربوي الجديد؟
-ما الرأي بشأن اجراء الامتحانات العامة للمراحل الدراسية المختلفة بهدف الحصول على شهادات دراسية موحدة؟.


سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبانية من العراق؟!
د. شاكر النابلسي
اصدر رئيس وزراء اسبانيا الجديد خوزيه ثاباتيرو اوامره الى وزير الدفاع بان يتخذ كل ما هو ضروري لعودة القوات الاسبانية الموجودة في العراق في اسرع وقت.
وهذا ما حصل. فماذا يعني هذا القرار في القاموس العربي والقاموس الغربي؟
انه يعني في القاموس العربي ما يلي:
1- ان تنظيم القاعدة قد انتصر في اسبانيا وارغمها من خلال جريمة الحادي عشر من آذار 2004؛ أي انه استطاع اسقاط حكومة المحافظين بقيادة أثنار والاتيان بحكومة الاشتراكيين بقيادة ثاباتيرو. وانه ممكن ان يفعل نفس الفعل في كل دول التحالف الممثلة في العراق. وهذا نصر كبير للقاعديين في العالم العربي والاسلامي- في القاموس العربي- الذين استطاعوا بالارهاب والعنف والدم ان يغيروا حكومات، ويسقطوا حكومات، ويأتوا بحكومات الى السلطة.
2- ان تنظيم القاعدة والقاعديين اصبحوا بين يوم وليلة وعشية وضحاها وفي غمضة عين من الذين يتحكمون بمصير العالم، وليس بالحق وانما بالباطل. ليس بالاسلام وانما بالارهاب. ليس الحكمة وانما بالجنون. الم نقرأ ان مجلة “تايم” نشرت في عددها الصادر في 2004/4/19 لائحة بمئة شخصية من قطاعات مختلفة تعتبرها تؤثر في مصير العالم.
وتتضمن اللائحة هذه السنة اسامة بن لادن (وابو مصعب الزرقاوي) اللذين في اللائحة جنباً الى جنب مع الرئيس بوش والبابا يوحنا بولس الثاني والرئيس الصيني هو جينتاو ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس والجنرال جون أبي زيد قائد القيادة المركزية الامريكية والمرجع الشيعي آية الله علي السيستاني.
3- ان القاعدة والقاعديين اصبحوا انداداً لاوربا وللزعماء الاوربيين بعد كارثة الحادي عشر من آذار 2004 الاسبانية. وهذا ما دفع ابن لادن في شريطه الاخير الى الظهور على الناس واذاعة مبادرته المضحكة على اوروبا باعلان الهدنة لمدة ثلاث شهور، والتفاوض، وانهاء حالة الارهاب المسلطة على الدول والشعوب الاوروبية حيث اصبحت القاعدة، واصبح ابن لادن يتكلم مع اوروبا الند للند والخصم للخصم والرأس للرأس بعد التجاح الذي حققه في اسبانيا من خلال كارثة الحادي عشر من اذار 2004. ويخاطبها من اعالي جبال باكستان وافغانستان، ويطرح عليها المبادرات السياسية الحمقاء، وكأنه اصبح يمثل دولة ذات قوة عظمى، وتضع رأسها برأس الاتحاد الاوروبي مجتمعاً.
4- ان تنظيم القاعدة قد اصبح يهدد كل حلفاء امريكا في العراق بعد كارثة الحادي عشر من اذار الاسباني. وهو عندما اعتدى على الاسبان على هذا النحو فرسالته بالدرجة الاولى كانت موجهة الى الامريكان قبل الاسبان. ومن هنا فقد اضحت معظم الدول التي لديها جنود في العراق (ما عدابريطانيا وايطاليا) تفكر في سحب جنودها من العراق (القوات الاوكرانية والبلغارية والبولندية وغيرها).
5- من المنتظر ان تقوم القاعدة بتفجيرات واعمال ارهابية في الفترة القادمة في ايطالياً وبولندا واستراليا وهي الدول التي لها قوات رمزية في العراق، لكي تقوم بما قامت به اسبانيا بعد كارثة الحادي عشر من آذار 2004 الاسبانية من سحب لهذه القوات.
6- من المنتظر ان تتم تفجيرات واعمال ارهابية فيما بعد في اوركرانيا وبلغاريا وباقي الدول التي لها قوات في العراق لكي تفعل ما فعلته اسبانيا وتنسحب من العراق. فقد شجعت كارثة الحادي عشر من اذار 2004 الاسبانية تنظيم القاعدة على هذا الاسلوب من الضغط، والنجاح الذي لا يحتاج الى جيوش جرارة واموال طائلة واسلحة فتاكة. فكل ما يتكفله مثل هذا النجاح الارهابي الساحق وعد في الجنة، وصك ديني بالزواج من الحور العين، وضمان مالي لأسر الانتحاريين، وكان الله بالسر عليم.
7-أثبتت القاعدة والقاعديون انهم اليد الطولى في اوروبا بفضل انتشار المسلمين والعرب في كل انحاء اوروبا (نحو 25 مليون مسلم وعربي) ومن هؤلاء من هو حاقد حقداً مالياً وايديولوجياً وحضارياً واخلاقيا.. الخ على اوروبا والحضارة الاوروبية، وينتظر اشارة من القاعدة لكي يفجر هذا الحقد بافظع ما يكون.
8-وبذا تكون القاعدة والقاعديون قد ارسلوا رسالة واضحة لدول الاتحاد الاوروبي بأن عليهم ان يمتنعوا عن ارسال اية قوات للعراق لكي لا يصبغوا الوجود الامريكي-البريطاني بالصبغة الدولية وبالاطياف السياسية الدولية، ولكي تبقى الحرب على العراق حرب الحليفين الرئيسين، وعلى هذين الحليفين ان ينزعا شوك ايديهما بانفسهما دون تغطية دولية.
أما قرار الحكومة الاسبانية الجديد بسحب قواتها من العراق فيعني في القاموس الغربي ما يلي:
1- ان الحرب على العراق هي حرب امريكية-بريطانية، ولا تتحمل باقي دول الاتحاد الاوروبي تبعات هذه الحرب برغم هذا التزويق الدولي العسكري والسياسي الذي تحاول كل من امريكا وبريطانيا ان تصبغه على قوات التحالف، بحيث تصبح قوات التحالف قوة للتحالف وليست قوات التحالف.
2- ان قرار الحكومة الاسبانية الجديد بسحب قواتها من العراق يعني نجاح محور فرنسا- المانيا- روسيا الذي يتزعم في اوروبا حملة ضد الحرب على العراق وضياع ديونه في العراق باعتبار هذه الديون مستحقة على صدام حسين وليست على العراق كما صرح بعض المسؤولين في مجلس الحكم العراقي.
3-من المعروف ان الدول التي شاركت في قوات التحالف هي التي لها النصيب الاكبر من الاستثمارات في العراق. وسوف تمنح فرص الاستثمار التي خسرتها على طبق من ذهب للمستثمرين من الدولتين الرئيستين (امريكا وبريطانيا).
4- سوف يقوم في الدول الاوروبية التي ستسحب قواتها من العراق خلاف حاد بين رجال السياسة ورجال الاقتصاد في تلك البلدان الذين وضعوا استثماراتهم في العراق ولم يجنوا منها ارباحهم المتوقعة وعلى رأس هؤلاء اسبانيا الاشتراكية الآن. فبرغم كره الاقتصاديين الاسبان للاشتراكيين إلا ان هذه الكراهية سوف تزداد اكثر فأكثر نتيجة لسحب 1300 جندي اسباني وضياع فرص استثمارية كثيرة على الاقتصاد الاسباني تقدر بمليارات الدولارات في ظل النظام الاقتصادي العراقي الجديد الذي قرر منح الاستثمارات الاجنبية ملكية المشاريع مائة بالمائة في جميع المجالات، وخفض التعرفة الجمركية على الصادرات الى خمسة بالمائة، وتحرير النظام المصرفي، ورفع كل القيود الاقتصادية التي كبّلت الاقتصاد العراقي طوال اكثر من اربعين عاماً في ظل الدولة الشمولية، مما جعل قانون الاستثمارات الاجنبية في العراق الان من اكثر القوانين العربية انفتاحاً وجلباً لهذه الاستثمارات. وهذا سيؤهل العراق ليشهد انفجاراً استثمارياً هائلاً ربما يكون اكثر من طاقته الاستيعابية. مما يعني القضاء المبرم على البطالة العراقية الحالية كما يتوقع جيوفري كمب مدير البرامج الاستراتيجية الاقليمية في مركز نيكسون.
5- الكل يعلم ان الحزب الاشتراكي الاسباني هو من اكثر القوى السياسية الاسبانية وتعاطفاً مع المحور الفرنسي- الالماني اعتقاداً منه ان توطيد الروابط مع باريس وبرلين وحلفائهما ضمن الاتحاد الاوبي وسيحفظ مصالح اسبانيا على الصعيدين الاوروبي والدولي. أما أثنار رئيس الوزراء السابق فأكد مراراً ان التقرب الى واشنطن والانضواء في سياسة بوش ومفهومه الشخصي للحرب على الارهاب سيرتقي باسبانيا الى المكانة التي تستحقها. ومن هنا نرى ان سياسة الحزب الاشتراكي ليست جديدة تجاه العراق، وليست نتيجة مباشرة لكارثة الحادي عشر من آذار 2004، وانما نتيجة لارتباطات سياسية سابقة بين الحزب الاشتراكي وبين الدول التي شقت عصا الطاعة على امريكا في حربها على العراق.
والدليل على ذلك ما كشفته مصادر في الحزب الاشتراكي الاسباني من ان رئيس الوزراء ثاباتيرو يفكر في زيادة عدد القوات الاسبانية المشاركة بعمليات حفظ السلام الهش في افغانستان وذلك من اجل الحد من الانتقادات الموجهة لقراره بسحب القوات الاسبانية في العراق. ونقلت صحف اوروبية كبرى عن مصدر رفيع المستوى من الحزب الاشتراكي الاسباني تلميحه الى ان رئيس الوزراء يريد ان يوجه مؤشراً على استمرار التزام اسبانيا بمكافحة الارهاب والاظهار لامريكا بان اسبانيا ما زالت حليفاً وفياً، وذلك حماية للاستثمارات الاسبانية الهائلة في السوق الامريكية فهل سحب القوات الاسبانية من العراق لا يغضب امريكا، وابقائها في افغانستان يرضي امريكا؟.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة