وجهة نظر حول
عملية الاصلاح الاقتصادي في العراق
مازن الوادي
باحث - وزارة المالية
قد يكون من الخطأ الاعتقاد بان الإصلاح
عملية منتهية يتم تطبيقها لمرة واحدة بل هي عملية مستمرة
لغرض تصحيح الأخطاء التي ترافق عملية البناء وكذلك من اجل
تطوير القدرات والسياسات والتكيف مع المعطيات الجديدة.
وإزاء تدهور معطيات الاقتصاد العراقي الحالية يكون الاصلاح
حاجة ملحمة تستوجب التوقف عندها ودراستها بتأن بعيداً عن
الرغبة في التغيير فالعملية يجب أن تكون اكثر من كونها تجربة
تحتمل الفشل والنجاح، فالعراق بلد غني بثرواته المادية
والبشرية ومع ذلك فقد تدهورت حالة الاقتصاد خلال العقدين
الماضيين لاسباب رئيسة اهمها الحروب والعقوبات الاقتصادية
ويستدل على ذلك من عدة مؤشرات فقد\ انخفض الناتج المحلي
الاجمالي وتفاقمت المديونية والبطالة وانخفضت الاستثمارات
اضافة إلى تدني جميع مؤشرات التنمية البشرية.. وإلى غير ذلك.
لذا فان أي جهود للاصلاح الاقتصادي يجب أن تستند إلى خطط
واستراتيجيات دائمة وليس حلولاً وقتية مسكنة. ولقد كان
الاقتصاد العراقي اقتصاداً مغلقاً تسيطر عليه وتديره الدولة
مع ذلك فلايمكن الجزم بان الاقتصاد العراقي كان اقتصاد\اً
اشتراكياً ومن المؤكد أيضاً إنه لم يكن اقتصاداً راسمالياً
ومما لا شك فيه أننا بوصفنا جزءاً من العالم النامي - الذي
نشأت فيه حكومات عسكرية ساهمت في تشويه الهيكل المؤسساتي
للدولة وغيبت الديمقراطيات لانزال نعاني هذه التركة الثقيلة
التي انعكست بالضرورة على الوضع الاقتصادي - لا يمكن أن نصدق
بنجاح تجارب مستوردة تتجاوز الحالة العراقية لتستنسخ تجارب
نجحت في بلد\ان وتسببت في كوارث في بلدان أخرى وإنما يجب أن
نبني تجربتنا على الخصوصية المحلية بكلا تفرعاتها الاجتماعية
والسياسية. وقد تزايدت الدعوات مؤخراً منادية بضرورة التحول
نحو اقتصاد السوق باعتباره كما يراه كثيرون الحل الأمثل
لمشكلات الاقتصاد العراقي وتتمثل حاجة الاقتصاد العراقي في
التحول نحو اقتصاد السوق في جملة عوامل أهمها: تنويع القاعدة
الإنتاجية وتقليل الاعتماد على النفط من اجل المحافظة على
خطط التنمية لما قد يطرأ عليها من تغييرات في ضوء تذبذب
إيراد\ات النفط بسبب تذبذب الانتاج والأسعار. وهنا يجب أن
نورد بعض الملاحظات المهمة:
أن التحول إلى اقتصاد السوق معناه تحديد النهج الرأسمالي
للاقتصاد مع أن مفردة (الرأسمالية) من الصعب أن تدل على حالة
معينة للاقتصاد فيما لو أطلقت بتجرد، فهناك اكثر من 150 دولة
تصر على أن اقتصادها رأسمالياً وإذا أمعنا النظر فيها فأننا
سنجد اختلافات متعددة فيما بينها رأسمالية الدولة
والرأسمالية ذات الوجه الإنساني إلا إنها جميعاً تشترك
تقريباً في الموقف بالنسبة للملكية الخاصة مع الاعتماد على
السوق والياته في حركة البضائع والخدمات وراس المال.
*أن اعتماد اي برنامج اقتصادي يجب أن يكون مستنداً إلى طبيعة
وكفاءة الموارد المادية والبشرية المتاحة، فليس من المفيد
مثلاً أن تتبنى الدولة نظاماً ضريبياًض يتطلب وجود درجة
عالية من التعليم عند\ دفعي الضرائب أو درجة عالية من
الأمانة عند محصليها بينما تكون الدولة عاجزة عن توفير اي من
هذين المطلبين، كما انه من المجازفة الاعتماد على آليات
السوق في دولة تكيف فيها الاقتصاد مع توجيه وإدارة الدولة
فالسوق مشوهة وغير ناضجة لذا فمن الحري أولا تهيئة السوق
ومعالجتها من تشوهاتها قبل الشروع بعملية التحول هذه من خلال
مجموعة إجراءات منها على سبيل المثال: إصلاح سوق الأوراق
المالية وتحديد سياسة مصرفية واضحة وكفوءة وتحديد / والسيطرة
على اسعار الصرف وتنظيم القوانين بالشكل الذي يضمن عدم
تقاطعها مع بعضها.
*من الضروري أن تمارس الدولة دوراً في عملية التحول
الاقتصادي، فالدولة هي المستثمر الأكبر في رأس المال البشري
وهي المنظم الأكثر كفاءة للاقتصاد، وتزداد أهمية دور الدولة
في اضطلاعها بعملية التخطيط لتعظيم المنفعة أولاً ولضمان أقل
قدر من التضحيات ثانياً ولدفع الآثار السلبية المحتملة ثالثاً.
*عدم الاندفاع بقوة نحو الانفتاح والتحرير الاقتصاديين
والإصلاح مع الأخذ بنظر الاعتبار الأزمات المالية التي تعرضت
لها بعض الدول كما في الأزمة الآسيوية 1997 فقد برز أخيراً
اتجاه يدعو إلى ما يسمى بـ (حوكمة الشركات) والذي يهدف أساساً
إلى تحجيم دور الشركات أو تقليل الأثر السلبي الذي يمكن أن
تسببه في الاقتصاد عن طريق ترسيخ عدد من معايير الأداء بما
يدفع إلى تدعيم الاسس الاقتصادية في الاسواق وكشف حالات
التلاعب والفساد وسوء الادارة بما يعمل على المحافظة على
استقرار الاسواق من خلال الحكم والرقابة من قبل جهة رقابية
داخلية.
*ضرورة تطبيق وتدعيم (الديمقراطية الاقتصادية) لضمان نجاح اي
صيغة للإصلاح من خلال إشراك نخب المجتمع المدني في صنع
القرارات المنظمة لعملية التحول والإصلاح هذا لن يتحقق قبل
تحقق الديمقراطية السياسية المرتبطة أصلاً بالتخلص من حالة
الاحتلال.
وأخيراً فان نجاح اي صيغة للإصلاح يجب أن ينعكس على حياة
المواطن فان لم يحدث ذلك فان محاولات التغيير ستكون جهداً
عبثياً غير مدروس انطلاقاً من الترابط العضوي الذي يرهن نجاح
التنمية بانعكاسها على حياة البشر.
|