بسبب
سوء التخطيط والتجاوزات وقلة الوعي بالقيم الأثرية...
وصمتنا!!
الزبير كنز أثري ابتلعه الزحف العمراني
البصرة / عبد الحسين الغراوي
تشير المصادر التاريخية إلى
أن موقع مدينة البصرة القديمة كان يشغل مساحة واسعة يمتد من
الشعيبة إلى منطقة الدريهمية في ضواحي منطقة الزبير، بمسافة
تزيد على 144 كم2. وهي تتكون من تلال واطئة تعلوها كسر من
الطابوق والفخار.
مدينة الزبير الواقعة على ضفاف أطلال البصرة القديمة، تأسست
في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، وقد بنى
أهلوها دورهم من خرائب البصرة، ولفت ذلك انتباه الرحالة
الفرنسي تافرلينييه فقال: (كان الأهالي \يغيرون على هذه
الخرائب فيستخرجون الطابوق لاستعماله في تشييد دورهم الحديثة).
أقدم منارة
الباحث البصري يوسف ناصر العلمي حدثنا عن الوضع الراهن لهذه
الآثار في اطار التاريخ العام للبصرة قائلاً: لم يبق من جامع
الامام علي (ع) الذي كان يسمى في بداية تأسيسه سنة (14هـ /
635م) - جامع البصرة - سوى قاعدة منارة من بين سبع
منارات.شوهدت بقايا اساطين الجامع الحجرية في ابار الدريهمية
جنوب شرق الزبير.
كشفتها التنقيبات التي اجريت من قبل جامعة البصرة وحددت
ابعاد (الجامع) بطول 159م من الشمال إلى الجنوب و 135م من
الشرق إلى الغرب، كما كشفت عن شريط زخرفي كتابي واجزاء زخارف
آجرية كانت تزين الجامع، وتم الكشف أيضاً عن قاعدتي منارتين
أحد\اهما في الركن الشمالي والغربي والاخرى من الركن العباسي
الاخير، إذ قام والي البصرة بانكلين الرومي ببنائه بناءً
فخماً وسقفه بخشب الصنوبر والساج وذلك عام 624هـ / 1226م.
وقد سبقت ذلك عدة اصلاحات تمت على المسجد منذ أن انشيء من
القصب في عام 14هـ 635م في ولاية عتبة بن غزوان على البصرة،
تم تلاه ابو موسى الاشعري سنة 17 هـ الذي أمر ببنائه باللبن
المجفف وأمر باعادة بنائه وتوسيعه زياد بن ابيه عام 45هـ
باستخدام الطابوق والساج ويفيدنا باحثنا العلي - أن عدة
توسيعات اجريت عليه اهمها في عهد الخليفة المهدي العباسي عام
161هـ. وقد اشاد الرحالة العرب والاجانب في العصور الاسلامية
به ووصفوه بابدع الاوصاف حيث قال فيه المقدسي: (بهي جليل
عامر آهل ليس بالعراق مثله على اساطين مبيضة) كما قال عنه
ابن بطوطة الذي زار البصرة عام 727هـ:
- (كنت قد رأيت عند قدومي عليها نحو ميلين منها بناءً عالياً
مثل الحصن فسألت عنه فقيل لي: هو مسجد الإمام علي بن ابي
طالب (ع)، وانه من احسن المساجد وصحنه متناهي الانفساح مفروش
بالحصباء الحمراء التي يؤتي بها من وادي السباع وأن لهذا
الجامع سبع صوامع (مآذن) احداها متحركة كما ذكر ذلك المستوفي
القزويني في كتابه نزهة القلوب).
اقدم المقابر الاسلامية
تعد مقبرة الحسن البصري واحدة من اقدم المقابر الاسلامية، إذ
يزيد عمرها على اربعة عشر قرناً، منذ تأسيس البصرة، وكانت
تقع غرب المدينة خارج منازلها واحيائها السكنية، اقيم في
جنوبها مصلى العيد.
وفي عام 270هـ / 985م توفي أحمد بن محمد الزاهد في بغداد
وحمل إلى البصرة ودفن هناك وبنيت عليه قبة. وذكر ابن بطوبطه
الذي زار البصرة سنة 728هـ / 1326م - ((إن بعض القبور في
البصرة كانت عليها قباب مكتوب عليها اسم الميت)) برغم أن
الدفن في البيوت كان شائعاً منذ القرن الهجري الاول؛ مثل قبر
مجاشع بن مسعود وطلحة بن عبيد الله على طريق سفوان، وخادم
الرسول انس بن مالك في الشعيبة.
مقبرة الحسن البصري تقع حالياً في الزبير وتقدمت المعالم
الاثارية الرئيسة، سميت باسم قبر الحسن البصري الفقيه الزاهد
المعروف الذي توفي عام 110هـ / 728م ودفن فيها، ثم توفي محمد
بن سيرين مفسر الاحلام المشهور فدفن إلى جانب الحسن البصري
وقد اكد ذلك ابن حيان المتوفى230م / 744م فقال: وأن قبر ابن
سيرين بازاء قبر الحسن البصري). وهو مربع الشكل طول قاعدته
18-19 قدماً وبني بالآجر وله قبة على شكل مخروط يزينها في
القمة، ويغطي المخروط ستة صفوف من المقرنصات، ويقع قبر الحسن
البصري في الغرفة ذات القبة المخروطية وهي من الطراز
السلجوقي الذي له امثلة في العراق مثل ضريح ذي الكفل وقبة
مشهد الشمس في الحلة وقبة الشيخ عمر السهرو ردي وقبة زمردة
خاتون في بغداد. وقد هدمها نادر شاه الذي هاجم البصرة عام
1156هـ / 1743م ثم اعيد بناؤها على الطراز نفسه عام 1743م.
ونتواصل مع باحثنا في اجواء معالمنا التاريخية الاسلامية
والاثرية حيث كشف لنا أن مديرية الاثار قامت بترميم المقبرة
عندما تعرضت لصاعقة جوية اصابت طرف المقبرة الغربي. ومن
مشاهير اهل البصرة الذين دفنوا في مقبرة الحسن البصري رابعة
العدوية / ومعاذة العدوية، ومريم البصرية وشعبة بن الحجاج
وخالد بن صفوان والشاعر الفرزدق. في حين ذكر ابن بطوطة في
زيارته البصرة أن من بين القبور قبر حليمة السعدية مرضعة
الرسول (ص) وإلى جانبها ابنها عبد الله بن الحارث ومالك بن
دينار وسهل بن عبد الله. وعند تأسيس مدينة الزبير في مطلع
القرن العاشر الهجري دفن فيها أحمد نور الانصاري قاضي البصرة
المتوفي عام 1884م والسيد طالب النقيب مؤسس الحركة الوطنية
المناهظة للعثمانيين بالبصرة المتوفى 1929، وسليمان الفيضي
عام 1951 والشاعر بدر شاكر السياب 1964/12/24، والشاعر محمود
البريكان عام 2002 والشاعر محمود عبد الخالق عام 2001
والشاعر محمد علي اسماعيل صديق السياب عام 2002م.
هذه المقبرة الاثرية التاريخية المهمة طالتها يد الاهمال
واحاطتها اكوام النفايات وأخذ العمران يزحف باتجهاها مبتلعاً
الكثير من المواقع الاثرية المهمة التي اجريت عليها عمليات
التنقيب وعثر فيها على الكثير من المسكوكات النقدية
والفخاريات، التي اكدت وجود حضارة قائمة تحت اديم هذه الارض
التي قامت فوقها البنايات والمحال التجارية والسكنية بسبب
سوء التخطيط العمراني ايام النظام المقبور وعدم الاهتمام
بهذه الثروة النفيسة من اثارنا.
وقد اكد لنا السيد هاشم محمد علي مدير اثار البصرة أن مدينة
الزبير بساط رملي تنام تحته خزائن نفيسة من الاثار، خاصة في
المنطقة المسيجة التي اجريت فيها مديرية الاثار تنقيبات قرب
جامع الامام علي (ع).
مرقد الزبير
ومن المعالم الاثرية الاسلامية الاخرى مرقد الزبير بن العوام
الذي يتوسط مركز الزبير حالياً وكانت اول محاولة لبنائه عام
368هـ، وبناه والي البصرة وتعلق عليه القناديل والحصر
والسجاد. ثم اعاد بناءه باتكين الرومي والي البصرة عام 629هـ
وزاره الهروي السائح عام 612هـ وذكر إنه في المربد بخارج
البصرة وله مسجد وزاوية يقدم فيها الطعام لعابري السبيل. وفي
عام 979هـ قام السلطان سليمان القانوني بانشاء قبة عليه
واجريت ترميمات وتوسيع على المسجد بأمر من شيخ الزبير قاسم
الزهير في عام 1335هـ. ومن المراقد الاثرية الاسلامية مرقد
طلحة بن عبيد الله، وكذلك مرقد انس بن مالك في منطقة الشعيبة
في الجهة الشمالية الغربية من البصرة القديمة، على بعد 14كم.
وقد كشفت التنقيبات عن تل يقع إلى الشمال الشرقي من مرقد انس
بن مالك خادم الرسول (ص) ارتفاعه 4-6م وبينه وبين المرقد
منطقة اثرية واطئة، تنتشر على هذا التل مواد فخارية مزججة
ومواد زجاجية مرسومة عليه الغزلان والفهود. وتنتشر على سطحه
زخارف جبسية منوعة. كما أعلمنا بذلك الباحث يوسف ناصر العلي
الذي وضع مجساته على جسد هذه الارض الطيبة الغنية بالمعالم
الاثرية التراثية المهمة التي عانت الاهمال وعدم الكشف
والتنقيب عنها على نحو جدي، الامر الذي ادى الى أن تندرس
الكثير من المواقع الاثرية التي طالتها يد الجهل فزحف عليها
العمران غير النظامي من محال تجارية إلى دور سكنية إلى
عمارات ومنطقة الدريهمية وسط مدينة الزبير خير مثال على أن
ارضها عبارة عن كنز ابتلعه الزحف العمراني فضاع تراثنا نتيجة
التخطيط العمراني لبلدية البصرة في النظام السابق.
|