الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

جنون القمر يعود.. ومشكلات الأرض تتكاثر

مها محسن

تنوي العديد من الدول اعتماد مشاريع مختلفة لغزو القمر ولا يبدو لأي من هذه المشاريع مردود مباشر على بيئة الإنسان في الأرض سواء من الناحية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المناخية، بل إن معظمها، إن لم يكن كلها، يبدو هروباً من الواقع الموجود على الأرض والمشاكل المستعصية التي تواجهه هنا أو الرغبة في التباهي واستعراض القوة الفارغ وللحصول على فكرة عن هذه المشاريع سنحاول استعراضها وتحليل نواحيها السلبية.

مضت 35 سنة منذ أن وطأت قدما رائد الفضاء الأمريكي نيل ارمسترونغ سطح القمر في تموز 1969، وعلى الرغم من توقف الرحلات الفضائية المأهولة إلى القمر منذ بداية السبعينيات إلا إنه عاد ليكون قبلة المشاريع الفضائية مؤخراً فأوربا والصين واليابان والهند تتسابق لإرسال رحلات غير مأهولة إلى القمر، وكانت أوروبا هي المبادرة الأولى عندما أرسلت المركبة سمارت-1 في تموز 2003 وحاول البعض الإجابة عن السؤال المنطقي (لماذا عاد الاهتمام بالقمر؟) وكانت الإجابة أن القمر يمثل بالنسبة للدول التي دخلت حديثاً إلى نادي الفضاء مثل اليابان والصين الهدف الأقرب والأرخص لمشاريعها الفضائية خاصة وإن نقاشاً ساخناً لا يزال يجري بين العلماء حول أصل القمر واحتمالية وجود مياه متجمدة في حفر مظلمة تقع في قطبيه ولم يغب الطابع التجاري عن بعض المشاريع المقترحة فهنالك شركة أمريكية تسعى للحصول على صور القمر لإنتاج الألعاب الفيديوية بعد أن حصلت على موافقة الحكومة الأمريكية على ذلك ويبدو للوهلة الأولى أن جنون القمر قد عاد!

في تموز 2003 أطلقت المركبة سمارت-1 (وكلمة سمارت جاءت من الأحرف الأولى من الكلمات الإنكليزية (بعثات صغيرة لأغراض التقنيات والأبحاث المتقدمة)) وهي مزودة بمحرك صاروخي فريد من نوعه يعتمد على الدفع الأيوني المتوقع استخدامه من قبل وكالة الفضاء الأوروبية في رحلة غير مأهولة إلى كوكب عطارد. ويستخدم محرك الدفع الأيوني الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء التي يستفاد منها في تأيين وتسخين غاز الزينون الذي يطلق من المركبة الفضائية دافعاً إياها في الاتجاه المعاكس على أساس مبدأ الفعل ورد الفعل. وستجرب المركبة سمارت-1 نظاماً جديداً للاتصالات يدعى بنظام (اتصالات الفضاء العميق) وذلك ما سيسمح للعلماء بأن يتتبعوا المركبة الفضائية على مسافات بعيدة عن الأرض. وتحمل المركبة كاميرا متناهية في الصغر يبلغ وزنها 450 غراماً فقط لالتقاط الصور الملونة لسطح القمر في حين ستقوم أجهزة المطياف بتحليل الأشعة تحت الحمراء والمرئية والسينية المنعكسة من على سطح القمر وستساعد البيانات التي يتم الحصول عليها الجيولوجيين على تفسير الفروقات بين الأدوية الناتجة عن ارتطام النيازك في الجزء المظلم من القمر والوديان المليئة بمخلفات البراكين في الجزء الظاهر منه وقد تسلط البيانات ضوءاً على النظرية الشائعة وهي أن القمر هو من مخلفات كارثة عمرها 4.5 مليار سنة نتجت عن اصطدام شهاب بالأرض وبعد ذلك تصاعدت قطع من الأرض وغبار إلى أعالي الجو والفضاء المحيط بالكرة الأرضية ثم بدأت تتشكل غيمة أو سحابة من الأتربة والغبار والتي تشكل حلقة تدور في مدار حول الأرض ثم يتكاثف الغبار مكوناً شكلاً دائرياً ومن ثم يتحول إلى ما نعرفه اليوم بالقمر. وتبلغ كلفة المركبة سمارت-1 (109) مليون دولار إلا أن العلماء يعتقدون أنه على الرغم من التقنيات العالية المستخدمة في هذه المركبة إلا أن الملاحظ أن وكالة الفضاء الأوروبية تعاني من شحة في الخبرات الضرورية في مجال الفضاء وهذا يؤدي في بعض الأحيان إلى خسائر كارثية مثل ما حدث بالنسبة للمركبة الفضائية (بيغل) التي كان يفترض هبوطها على سطح المريخ إلا إنها تحطمت لأسباب مجهولة.

يقول المثل (أن التجار يركضون وراء العلماء) ويبدو أن استكشاف الفضاء الكوني لا يشذ في هذا المضمار حيث ستكون إحدى مركبات الفضاء غير المأهولة المسماة (تريلبلزر) أول مركبة تجارية تدور حول القمر وستستخدم صاروخاً روسياً للإقلاع من قاعدة بايكونور في كازخستان ومن ثم تذهب في رحلة من المدار إلى الأرض، ويصف أحد العلماء هذه المركبة بأنها عبارة عن كاميرا طائرة وعند وصولها إلى القمر ستلتقط صوراً رقمية عالية التفاصيل له وستنجز مهمتها في التقاط الآلاف من الصور خلال تسعين يوماً ومن المقرر أن تستخدم الشركة المالكة هذه الصور في صناعة الألعاب الفيديوية والأفلام والخرائط والمنتجات التعليمية وللحصول على هذه الصور اضطرت الشركة للحصول على إذن من وزارة الدفاع الأمريكية وقام عدد من المترفين بدفع مبلغ 2500 دولار لكل غرام لكي تضاف أشياء شخصية تعود لهم ضمن حمولة المركبة مثل البطاقات الشخصية والمخلفات المحترقة لبعض الجثث والجواهر وقطع فنية وقد وضعت هذه المواد في علبة من التيتانيوم ستكون قادرة على تحمل صدمة تحطم المركبة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر حيث يتوقع العلماء أن تنتهي مهمة هذه المركبة ويعتقد بعض العلماء أن هنالك شك في وجود إقبال على منتجات هذه الشركة المبنية على هذه الرحلة القمرية واحتمال تعرضها للخسارة المالية نتيجة لذلك من يدري؟

تعتبر اليابان من الدول الواقعة على الخط الزلزالي لذا فهي تتعرض إلى زلازل مستمرة وفي بعض الأحيان شديدة وهذا ما دفع بلدا متقدما مثل اليابان إلى إجراء بحوث واسعة في مجال الزلازل إلا أن اليابانيين لم يكتفوا بما حصلوا عليه في الأرض فبدأوا بنقل أبحاثهم إلى القمر لدراسة النشاط الزلزالي لتابعنا وتبلغ كلفة مركبة الفضاء المأهولة 100 مليون دولار في حين سيبلغ حجم الجزء الذي يدور حول القمر بحجم المكنسة الكهربائية وهو مزود بجهازين لاحتراق التربة القمرية ويشبه شكلاهما شكل السهم وهما مزودان بمحركين يساعدهما على الانتقال من مدار القمر إلى سطحه وأجهزتهما الإلكترونية تستطيع تحمل قوة تعادل 10 آلاف ضعف الجاذبية الأرضية وعندما يصلان إلى سطح القمر فإنهما سيخترقان سطحه الغباري بسرعة 900 كم/ ساعة ومن ثم يستقران على عمق 1-3 متر تحت سطحه وسيكون الجهاز بمتحسسات زلزالية وفي حين سيتم إرسال جهاز إلى الجزء الظاهري من القمر فإن الأخر سيتم إرساله إلى الجزء المخفي فيه وسيرسلان خلال سنة كاملة معلومات عن زلازل القمر وهو ما سيكشف عن التكوين الداخلي للقمر وحجم قلبه كما إن الجهازين سيكونان مجهزان بمتحسسات عن جريان الحرارة المنبعثة من قلبه. وستطلق هذه المركبة من مركز اليابان الفضائي في أيلول القادم إلا أن بعض الباحثين يطرحون الرأي القائل (ما الذي سيحدث إذا ارتطم الجهازان بالصخور؟ عندها ستكون الرحلة بأسرها فاشلة).

والآن وبعد أن استعرضنا مشاريع غزو القمر فإننا لا نجد أي مردود لمواطن الأرض الجائع والعريان والذي يتمنى تناول طعام صحي والحصول على عناية طبية. هذا ما يبدو لنا في الظاهر في الأقل.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة