الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 

معالم مدينة البصرة الجميلة التي اختفت


البصرة /قاسم علوان
كانت مدينة البصرة لغاية نهاية سبعينيات القرن الماضي مدينة سياحية بالمعنى المباشر للكلمة، على الاقل للعراقيين فقط، فقد كان من يتزوج من ابناء المحافظات يقضي شهر العسل في احد فنادق مدينة البصرة، السفرات الجماعية والجامعية امختلف جامعات العراق تأتي إلى البصرة في العطلة الربيعية، ظاهرة (الكسلة) التي تبدأ مع اعياد نوروز وتستمر لأيام لم تكن معروفة في اي مدينة عراقية اخرى اذ تقام مخيمات الانس والطرب لعدة ايام بلياليها في (الاثل) او على البحر، انتهت تماماً.
اصدقاؤنا المغتربون الذين عاصروا مجد تلك الايام البهية الغابرة وغادروا حينها، والذين عادوا مؤخراً الى ارض الوطن، صعقوا من هول الصدمة! بعضهم قال (يا الهي ما هذا الخراب الذي نراه امامنا؟ ما هذا الخراب الذي يغلف كل اشيائنا الجميلة التي تركناها خلفنا قبل سنوات؟) ربما هذا هو شعور الجميع، في جميع انحاء العراق. لذا فهم يصرون على ان بصرة الاربعينيات، او حتى الخمسينيات اجمل من الستينيات، وهذه الاخيرة كانت اجمل بكثير من بصرة السبعينيات، اما بصرة الحاضر!! بصرة اليوم! فهي كارثة قائمة !! هل يعقل ان تصل البصرة الجميلة، بندقية الشرق الى هذا المستوى (الحضاري ) البائس؟ بعضهم قال:(هذا ليس وطناً بل هو مخيم، فكما يبدو ان الجميع على وشك المغادرة !!) هذا هو لسان حال جميع من عاد مؤخراً.
ايديولوجيا الاهمال
اما نحن اهلها الذين بقينا فيها صحيح اننا نشعر وشعرنا قبلاً بخرابها وانهيارها التدريجي منذ زمن تسلط صدام علينا، ولكنا اعتدنا ذلك تدريجياً ايضاً، امام قبضته الشديدة، فما باليد حيلة، ماذا نعمل ونحن نرى امام أعيننا ازالة وهدماًُ او الاستحواذ على كل معالم مدينتنا الحضارية والجميلة تدريجياً وبهدوء، وبأيد محترفة على الخراب والتخريب والسرقة؟ كنا نتساءل بيننا في المحيط الامن لنا دائماً والذي نثق بجدرانه جيداً، احياناً نختلف مع بعضنا، البعض يقول ان ازالة تلك المعالم \عملية مقصودة ومدروسة، بل هي جزء من ايديولوجيا السلطة المستبدة القائمة علينا، وجزء من تخطيطها للتخلص مما يمت للجمال والحضارة وللماضي الجميل بأي صلة او صفة.
ونرد على ذلك الرأي بأن تلك الايديولوجيا المتسلطة لم يسع لها الوقت بأن تشغل بالها او وعيها الهابط اصلاً بالتخطيط لهذا النوع من التخريب، انها لا تملك تلك القدرة على التخطيط او التنظير لهذه الاشياء، انها منشغلة بالحفاظ على نفسها فقط، وكيفية د\يمومة سلطتها تلك بالقتل، وبناء السجون، والاسلحة الكيمياوية، وما الى ذلك من ادوات لتترك الباقي لغوائل الزمن حليفها ليردم او ليهدم ما تريد هي ردمه او هدمه.
صحيح انها استحوذت على بعض تلك المعالم، وصحيح ان بعضاً آخر من تلك المعالم ازيلت عنوة وبنية سيئة او سوء تقدير، مثلاً (ساعة سورين) مقابل الجسر المؤدي لسوق حنا الشيخ قبل مدخل (سوق الهنود) والذي سمي بـ (جسر سورين) وهي ساعة كبيرة شيدها مواطن عراقي من اصل ارمني حملت اسمه تضاهي ساعة البريد التي كانت تقع قبالتها تتوج بناية (البريد والبرق والهاتف) والتي ازيلت ايضاً، او (قاعة الهلال الاحمر) بجانب مديرية شرطة العشّار، التي كانت صالة عرض دائمة للفنون التشكيلية، او النشاطات الاجتماعية المختلفة، وقد ظلت بقعة الارض التي شغلتها تلك القاعة فارغة منذ 1971 والى هذه اللحظة، والشيء نفسه يمكن ان يقال عن غلق (نادي الفنون) المؤسسة الثقافية المهمة في تاريخ البصرة الثقافي لغاية 1973. حيث تركت اماكن تلك المعالم فارغة مهملة الى هذه اللحظة. وربما كان دافع ذلك وفي هذه الحالة فقط (ايديولوجيا) إ^ذ ان وجود تلك المعالم لا يتفق مع تلك (التوجهات) الفكرية التي حكمتنا طوال تلك السنين.
الحدائق والمتنزهات
اما غياب الحدائق والمتنزهات العامة التي كانت تشتهر بهامدينة البصرة، وكذلك الجزرات الوسطية في جميع شوارع المدينة، فقد كانت على مستوى من الجمال والنظافة، ولكنها اختفت هكذا كلها بالتدريج ايضاً منها (حديقة الامة) في شارع الكورنيش تحولت الى قصر رئاسي يقال انه منح لزوجة الدكتاتور واما متنزه وكورنيش (السراجي) الذي كان يضم قصراً تراثياً للشيخ خزعل امير (المحمرة) يعود الى نهاية القرن التاسع عشر يسمى (قصر السبّاع) سمي هكذا لأحاطته بتماثيل لأسود قمة في الجمال. وقد اهتمت به بلدية المدينة في السبعينيات من القرن الماضي وبنت فيه كازينو حديثة وجميلة في وقتها، احترقت فيما بعد ذلك بسنوات قصيرة نتيجة الاهمال. ثم ليستحوذ صدام ايضاً بعد ان وضعت حربه الاولى اوزارها، ليس على القصر وحده فقط بل على كل المتنزه، ويهدم ذلك القصر الاثري، ويبني فيه مجمعاً رئاسياً يضم مجموعة من القصور ودور الاستراحة والضيافة، اطلق عليها اسماء رؤساء وملوك دول (مجلس التعاون العربي) الذي اعلن عن تأسيسه في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. و(للاسف) لم ينعم اي من رؤساء وملوك دول ذلك المجلس بتلك القصور الفارهة التي ربما لم يملكوا مثلها في ممالكهم او دولهم وهي الآن مقراً لقوات التحالف في البصرة!!
\اعدام 14 مليوناً من باسقات النخيل
في ستينيات وحتى اوائل سبعينيات القرن الماضي كان هناك سياق عسكري في الجيش العراقي لترقية الجنود والمراتب المتطوعين من الذين لا يمتلكون اي مؤهل علمي، بأن يسألوا اسئلة عامة في امتحان الترقية، وعندما سئل احدهم وهو من ابناء منطقة المعقل في ذلك الامتحان (من الذي فتح الاندلس؟ ) اجاب بدون تردد (مزهر الشاوي) اشارة الى مدير عام الموانئ العراقية آنذاك والذي اشرف في وقتها على انشاء (متنزه وحدائق الاندلس) والمرافق الاخرى القريبة منه وكذلك جميع الاحياء السكنية في المعقل والهارثة والأبلة، فقد كانت تلك الحدائق من المتنزهات الجميلة والتي شكلت معلما رئيساً من معالم مدينة البصرة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، نعم كانت (حدائق الاندلس) ولكنها اندثرت او اهملت على نحو يكاد ان يكون نهائياً في الوقت الحاضر.
هل نتكلم عن غابات النخيل التي اعد\مت بقرار (رئاسي)؟ نعم اعدام بمعنى الكلمة، اذ تم قطع رؤوس اربع عشرة مليون نخلة بقرار من (القيادة السياسية للحزب والثورة) عام 1986 اثناء التهيؤ لصد احد الهجمات الايرانية في (شرق البصرة) كما كان، يطلق عليها حينذاك، من قضاء القرنة شمالاً بإتجاه الجنوب وصولاً الى السيبة، خوفاً من ان تعيق باسقات النخيل تلك دفاعات (صدام) الجنونية او يستتر بها (العدو)!! وقد نفذت ذلك القرار احدى تشكيلات الجهد الهندسي التابعة لوزارة الاسكان والتعمير آنذاك. والى هذه اللحظة والجانب العراقي من الحدود الشرقية الجنوبية عبارة عن جذوع قائمة بلا رؤوس وارض بينما الجانب الايراني نخيل عامر وارض خضراء !
المكتبات
بالتأكيد ان دافعنا الى كتابة موضوع من هذا النوع، ليس (عقدة العصر الذهبي) عند الشعوب عندما تنظر الى ماضيها (الجميل)، لكنه الواقع الثقيل والمر والقاسي الذي يحيط بنا من كل جانب. لم يقتصر ذلك الخراب على تلك المعالم فقط، فقد امتد الى اعماق عميقة من حياتنا. هل نتكلم عن المكتبات العامة التي كانت معلما رئيساً في كل المدن العراقية، والتي شكلت مصدراً مهماً لثقافتنا ومعارفنا عندما كان ارتياد تلك المكتبات تقليداً شبه يومي في حياتنا نحن ابناء ذلك الجيل والاجيال التي سبقته؟ في الثمانينيات الغيت فقرة ارتياد المكتبات العامة من برامج الكثير من القراء والمثقفين وحتى الطلبة، ولأسباب كثيرة منها الحرب مثلاً التي جند لها الشعب بأكمله فقط الاشقاء المصريون يجوبون شوارع مدننا ويؤدون اعمالنا السابقة. اما المكتبات - الدكاكين التي كنا نرتادها لشراء الكتب والدوريات الاخرى وكيف اختفت هكذا وبشكل يكون شبه نهائي من البصرة عموماً وبالتأكيد من المدن الاخرى (المكتبة الاهلية) في احد ازقة البصرة القديمة! ورفوف قليلة اخرى في بعض محلات القرطاسية، وبسطات باعة الكتب على الارصفة، هذا كل ما تبقى من مكتبات عامرة كبيرة، كثيرة كانت تشغل اجزاء مهمة من الشوارع التجارية المهمة في العشار، وحتى في الاحياء السكنية البعيدة عن المركز، ثلاث مكتبات فقط في شارع الوطن مثلاً، مكتبة في سوق الهنود، مكتبة في سوق حنا الشيخ!! للاسف ليس لدينا جرد دقيق بذلك.
مدينة بلا مقاه
كانت في العشار ايضاً ظاهرة جميلة لا يمكن ان تلغى من ذاكرتنا، وهي المقاهي الشعبية المطلة على شط العشار، ازالتها (الحضارة) برمتها منذ سنين، بل ازيلت كل المقاهي الشعبية فيما بعد لأسباب مختلفة منها تجارية!!، نعم فمدينة البصرة لم يعد فيها مقهى واحد تصلح للجلوس في الوقت الحاضر! نعم فيها أماكن ضيقة أو مؤقتة لشرب الشاي أو (الحامض) على استعجال فقط، أو ربما أماكن أوسع قليلاَ في أزقة جانبية تزدحم بالقاذورات، هذا كل ما تبقى من مقاهي (أبو مضر) و (التأميم) وأخريات بدون أسماء. أما (البدر) و (14 تموز) والمقاهي الأخرى والمطاعم العائمة والمقاصف السريعة التي هي جزء من كورنيش شط العرب فأزيلت أيضاً لتحل محلها تماثيل ضحايا حروب صدام الذين قتلوا بإرادتهم، تلك التماثيل المتماثلة، التي أماتت ذلك الكورنيش العتيد.
دور السينما الصيفية.. النوادي الاجتماعية
أما دور السينما الصيفية فعلى ما أعتقد وما عرفته من بعض الأصدقاء فإنها ظاهرة تميز بها العراق فقط ولا تشاركه فيها أي دولة أخرى، ودور السينما تلك التي كانت في البصرة لا أجمل منها، فقد أنشئت تلك الدور للتخفيف من شدة الحر في صيفنا القاسي لروادها من العراقيين والأجانب، مثلاً سينما نادي (البورت) الصيفي في المعقل التي كانت جزءاً من نادي (البورت) الخاص بموظفي الميناء، فقد كانت عبارة عن حديقة جميلة جداً من أنواع الزهور والشجيرات المعتنى بها كثيراً تحيط بكراسي الرواد إضافة إلى مراوح الهواء العمودية. أهملت تلك الحديقة الجميلة وأضحت خراباً، وهدمت تلك الدور جميعها إلى درجة الخراب التام، تحولت الآن إلى كراجات أو مناطق مهملة، أو أماكن لتجمع النفايات.
مرة في أواخر سبعينيات القرن الماضي التقيت صدفة في العشار بأحد الأصدقاء وهو من بغداد دجاء ليقضي شهر العسل مع عروسه في البصرة، وقتها لم تكن زوجتي في المنزل، فقد كانت موفدة من دائرتها إلى بغداد!! ولما لم يكن بمقدوري أن أستضيفهم في المنزل، ذهبت بهم بدون أي شك إلى أحد النوادي الاجتماعية المنتشرة في المدينة وعلى كورنيش شط العرب الجميل التي كنا نتباهى به أمام ضيوفنا، تلك النوادي كانت تستقبل العوائل أو اعضاءها فقط، وكانت سهرة جميلة ظل ضيوفي يتذكرونها لسنوات. هذه النوادي ومن قبل سنين اختفت من حياة البصرة تماماً ولم يعد لها وجود يذكر، بل إن ذكرها الآن يعتبر خطيئة أو معصية تستحق العقاب!!


كربلاء المدينة السياحية  شوارع مزدحمة  وصافرات لايُستجاب لها!


كربلاء/ المدى
سألني صديق وقد مر عام على انتهاء الحرب:كيف نشعر أن الوضع الطبيعي عاد إلى العراق وان الفوضى العارمة وعدم الالتزام بالقانون واللامبالاة قد تلاشت ،وحل محلها الالتزام والهدوء والسير من اجل حياة لها آفاق رحبة؟أجبته وكانت عيني على مشهد الازدحام الكبير في إحدى التقاطعات المهمة:عندما يلتزم السائقون بأنظمة المرور وعندما تجد السابلة وقد وجدت طريقها السهل للعبور إلى الجانب الآخر دون معرقلات..
في كربلاء..ثمة علاقة بين المكان وبين الازدحام وقد يكون حال هذه المدينة كالمدن الأخرى.. شوارع ضيقة وسيارات كثيرة وغياب كامل للالتزام..كلما وسعت مديرية المرور شارعا ورفعت جزراته الوسطية لجعله ذا ممر واحد ازداد الشارع اختناقا سيارات تقف واحدة قرب الأخرى بصفين وأحيانا بثلاثة صفوف..باعة الأرصفة انتقلوا إلى وسط الشوارع..أصحاب المطاعم فرشوا مناضد الطعام قرب حافة الرصيف واقتطعوا جزءا من الشارع ليكون واجهة لهم وإعلانا بأنهم يقدمون الطعام بأنواعه للزبائن. خليط من الفوضى لم تكن تشاهده من قبل لكنه أضحى ميزة المدينة وبات شرطي المرور عاجزا عن أداء واجبه بعد أن كان الخوف يفرض وجوده وليس احترام القانون..فحين غاب الجلاد انفرط عقد الخوف وسيطرت الفوضى على القانون.الناس في كربلاء يشكون هذا الإهمال من قبل الجميع..أصوات المنبهات تتعالى ولم تنفع كل إجراءات مديرية المرور في الحد من الازدحام ،لان السائق يتفنن في المخالفة ويبحث عن طريق قصير ليصل إلى المكان الذي يريده حتى لو كان (رون سايد )..يقول المواطنون..أن العودة للقانون تبدأ بفرض الغرامات القاسية وليكن العمل أولا بهدوء، وألا يتقاعس الشرطي عن أداء واجبه، و أ لا تكون عينه على الساعة بانتظار انتهاء العمل، وان تكون يداه مرفوعتين طوال فترة تواجده في الشارع، وان يكون حازما بإشارته للمخالفين و ألا يستسلم سريعا لكلام المخالفين الذين يكررون إن القانون غائب وأننا نفعل ما نشاء!
كربلاء ومشاهد الازدحام
يقول عقيد المرور سعد خضير عباس مدير مرور كربلاء: حين تغيب العقوبات الرادعة فإن السواق بطبيعتهم لا يلتزمون بأنظمة المرور وهذا موجود في كل العالم لذلك وجدت العقوبات وأجهزة المراقبة وشرطة المرور يتوزعون حتى على الطرق الخارجية بقيافتهم الجميلة وأسلحتهم وعصيهم وبمساندة القوانين .في العراق إضافة إلى ما هو معروف من انحلال كامل في الالتزام بكل شيء كردة فعل معاكسة لما لقيناه من معاناة طوال 35 عاما ، إلا أن المسالة تعدت حدودها بكل تأكيد..سألناه عن سبب الازدحام في مدينة كربلاء التي تعتبر من المدن لسياحية، قال : هناك عوامل كثيرة من غير تلك التي تحدثت عنها اهمها ان عدد السيارات المسجلة في محافظة كربلاءكان قبل 9/4 بحدود 24 ألف سيارة ، منها 7 آلاف سيارة حمل و 8 آلاف سيارة أجرة و9 آلاف سيارة خصوصي، إضافة إلى وجود نظام العقوبات الرادع .. منها فرض الغرامات وحجز السائقين أو المركبات..أضوية المرور تعمل ليل نهار الشوارع مفتوحة والسائق يعرف طريقه وبأي اتجاه يسير..
بعد الحرب وجدنا شوارعنا وقد امتلأت بأنواع السيارات الجديدة التي لم يشهدها ،العراق من قبل..وقد أطلق عليها من قبل الأجهزة الرسمية تسمية سيارات المنفيست ومن قبل المواطنين سيارات الحواسم..وبعد الحرب أيضا وجدنا ولغياب القانون إن السائقين يقفون في أي مكان يشاؤون حتى غدت إشارات المرور وتقاطعات الشوارع وأماكن الازدحام كراجا موحدا..ففي ساحة قبلة الإمام الحسين (ع ) تسمع من ينادي إلى كل المدن بل إلى الدول المجاورة..فما بين بغداد والنجف والحلة والديوانية تسمع من ينادي مهران ومشهد اوعلى مبعدة منها أصحاب مكاتب السفر إلى دمشق وعمان ..ويضيف العقيد مدير مرور كربلاء: بعد الحرب وحين تعطلت جميع أجهزة الدولة دخلت إلى مدينة كربلاء وحدها بحدود 13 ألف سيارة جديدة من سيارات المنفيست، إضافة إلى السيارات التي لم تسجل حتى الآن وهي بدون لوحة أرقام..أضف إلى ذلك دخول سيارات المحافظات وسيارات الدول المجاورة التي تنقل زوار العتبات المقدسة من مختلف دول العالم إلى كربلاء وخصوصا السيارات الإيرانية وسيارات دول شرق آسيا..كل ذلك جعل من شوارع كربلاء، وهي ضيقة أصلا، تزداد ضيقا..وإذا ما أخذنا نسبة يومية لعدد السيارات الداخلة إلى كربلاء في اليوم الواحد فهي تتجاوز 1000 سيارة مختلفة الأنواع، أما في أيام الزيارات الدينية فان عدد السيارات يصل إلى اكثر من 5 آلاف سيارة مختلفة الأحجام ،فبعضها حولها أصحابها إلى فنادق وهي تبحث عن مكان قريب من منطقة الحرمين وعليك أن تدرك حجم الازدحام.
ثلاثة شوارع والبقية كتل كونكريتية
حين تزور كربلاء فانك لن تجد طريقا يسيرا إلى المدينة ،وإذا ما كنت من أصحاب السيارات الصغيرة فان الوقت الذي تقطعه في دائرة قطرها أقل من كيلومتر واحد ليس اقل من ساعة..وحين سألنا صاحب سيارة أجرة عن سبب ارتفاع أجور النقل قال: ألا ترى..علي أن أدور بين ثلاثة شوارع لأتمكن من إيصال الراكب وأتمكن من المغادرة .هذه المعادلة نبهت إلى أن المدينة ليست كبيرة رغم إنها من المدن المهمة على مستوى العالم ..يقول عقيد المرور سعد: اغلب شوارع المدينة قطعت لأسباب أمنية وخاصة شوارع ما بين الحرمين والشوارع التي تؤدي إلى مقرات قوات الائتلاف واصبح السير في ثلاثة شوارع فقط..فإذا ما عرفنا إن شوارع المدينة الضيقة متصلة مع بعضها وتدور مع حركة الزوار واقتطعنا منها أجزاء بواسطة الكتل الكونكريتية والأسلاك الشائكة، مثل شارع المحافظة الذي قطع من قبل قوات الاحتلال، والشارع المؤدي إلى طريق النجف مقابل مديرية المرور وشارعي حي الحسين وسيف فان السيارات ستتخذ الطرق المتبقية فيحدث ازدحاما مضافا إلى ما تحدثنا عنه ..أي إن المدينة مقطعة حيثما كانت هناك قوات عسكرية وأماكن خاصة ومهمة وهي كثيرة لذلك اتخذنا إجراءات مناسبة لفك الإختنافات عن وسط المدينة..لقد قمنا بتحوير الشوارع الثلاثة وجعلناها باتجاه واحد بدلا من اتجاهين ، وتم رفع الجزرات الوسطية وأصبحت حركة السيارات تشبه حركة عقارب الساعة وهذا الإجراء جعل انسيابية الحركة افضل من السابق لحين رفع الحواجز للشوارع الباقية.
إجراءات ناقصة لثقافة غائبة
وسط المدينة خليط غير متجانس.. زوار من بقاع الأرض.. باعة الجنابر نزلوا إلى وسط الشوارع واتخذوا من حافات طريق السيارات مكانا لعرض بضاعتهم بعد أن اتخذ أصحاب المحال التجارية الأرصفة واجهة لتكديس ما في داخل محالهم..سيارات الحمل اتخذت من بدايات الأفرع الصغيرة كراجا لها..سيارات الأحياء تغافل الحواجز وشرطة المرور وتقترب من وسط المدينة لتنادي على ركاب الأحياء..(كيات) إلى النجف ومشهد ومهران... حتى ضاقت الشوارع ..قلنا لمدير مرور كربلاء : إننا نرى الشوارع كلما توسعت ازدادت ضيقا ما هي الإجراءات التي ترونها كفيلة لعودة النظام؟قال..إذا لم تكن هناك ثقافة ومحاولة من داخل الإنسان نفسه بضرورة الالتزام فان جميع الإجراءات تعد ناقصة وغير فاعلة..إننا نواصل العمل لنثبت أولا إن العلاقة بين المواطن وشرطي المرور هي علاقة إنسانية وما نقوم به من فرض غرامات وحجز سيارات ما هي إلا وسيلة لإدامة هذه العلاقة..إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت آخر ريثما تنتهي ردة الفعل المعاكسة التي جاءت من فعل سقوط النظام..ويضيف العقيد سعد لقد قمنا بمعاقبة 1300 سيارة..حجز قسم منها وأحيلت أوراق أصحابها إلى المحاكم وقمنا بفرض غرامات وصلت إلى اكثر من 6 ملايين دينار ومع ذلك ترى هناك من لا يلتزم إطلاقا بأنظمة المرور وكأنه امتلك الشارع وهذا نابع من قلة الثقافة والوعي بكل تأكيد.
حواجز وتبرعات
ولان العلامات المرورية لم تعد نافعة في الزمن الحاضر ولان السائق لا يهتم بأنظمة المرور، فان شوارع مدينة كربلاء امتلأت بعوارض حديدية وقطع أسمنتية كبيرة وضعت بلا ترتيب أمام فتحات الشوارع سألنا العقيد سعد عنها وعن المبالغ التي صرفت من اجل هذه العوارض فقال:هذه العوارض لمنع دخول السيارات الكبيرة إلى داخل المدينة ووسطها لأنها تشكل ازدحاما مضافا وخصوصا في أوقات الزيارات فهي تأتي من مدن العراق إضافة إلى المركبات الكبيرة القادمة من الدول المجاورة ولان المديرية تشكوا قلة مواردها حتى تلك التي نستحصلها من مبالغ الغرامات لأنها تذهب إلى خزينة المحافظة ولا نستطيع استرجاعها ولا نحصل على أي دعم لا من قبل قوات التحالف ولا من قبل المنظمات الإنسانية ولا من قبل الجهات المعنية وكأن المرور غير خاضع لمنهج الإعمار..فقام بعض المواطنين الخيرين بالتبرع بها وخاصة أصحاب الفنادق التي هي لفائدتهم أولا فبلغ مجموع المبالغ التي تم التبرع بها اكثر من 400 ألف دينار أما المبالغ التي صرفتها المديرية على عمل ونصب هذه العوارض فقد بلغت 43 ألف دينار وهي تبرعات من قبل رجال المرور وهناك مبلغ 600 ألف دينار يصرف مع كل مناسبة دينية لتأجير شفلات تقوم بنقل الكتل الكونكريتية لقطع الشوارع الرئيسة الفرعية وهو أيضا تبرعات من قبل رجال المرور.
مديرية في غرفة واحدة
يقول مدير مرور كربلاء: إذا ما أردنا أن نطور عملنا علينا أن نهتم بشرطي المرور أولا اذ انه بعد 9/4 كان عدد المنتسبين لا يصل إلى عشرة فقط بينهم ضابطان ووصل اليوم إلى 312 منتسباً في كل مدن المحافظة، وهم موزعون على الأماكن التالية: 20 في السيطرات الخارجية ،و40 في قضاء الهندية و6 في قضاء عين التمر و4 في ناحية الحسينية أما في ناحية الحر وهي مدينة يزورها الآلاف أيضا فعدد المنتسبين هم 4 فقط أما في مركز المدينة فلدينا 135 منتسباً وهناك 103 منتسبااً يقومون بواجبات إدارية أي ليس واجبهم في الشوارع..أمام هذا العدد القليل كيف لنا أن نسيطر على عملنا وتكون لنا قوة أو احتراما من قبل السائق؟ويضيف هناك معوقات ومعاناة أخرى منها إن المديرية لا تمتلك رافعات لسحب السيارات العاطلة لتخفيف الازدحام بأقل فترة زمنية..عدم وجود دراجات نارية لفك الاختناقات وملاحقة المخالفين. عدم وجود علامات مرورية تحذيرية وإرشادية..عدم وجود أجهزة اتصالات بين النقاط المرورية المنتشرة لقلتها داخل المدينة ..ليس لدينا سيارات كافية. لدينا 20 سيارة أغلبها عاطلة وقديمة..ويضيف بحرقة و ها أنت ترى إننا نجلس في (كابينة )بلا أثاث لان بناية المديرية لم يتم تأهيلها بعد تعرضها إلى السلب والنهب والسرقة وينقصها الأثاث..الجميع من منتسبي شرطة المرور يجلسون في غرفة واحدة بلا جهاز تبريد..إضافة إلى كل هذا لا نحصل على تعاون من قبل الجهات المعنية.

صافرة بلا سلاح
شرطي المرور لا يحمل شيئا إلا صافرته ويديه وهما تؤشران ذات اليمين وذات الشمال، وبين أن يقف في وسط الشارع ليمنع تحرك السيارات إذا ما أراد أن يعطي مجالا لسيارات أخرى بالتحرك، وبين من يغافله ليتحرك فينقطع الشارع ليسمع بعدها انه لا يعمل.. وبين حقيقة العمل لبعضهم وبين من ملّ الوقوف دون أن تؤخذ إشارته ففضل الانزواء... يبقى الشارع مزدحما وتبقى عين الشرطي تلتقط أية حركة مريبة قد تودي بحياته..يقول مدير المرور: إن الحالة الأمنية هي واحدة من أهم العوامل التي تؤخر عمل شرطي المرور فقد استشهد مدير المرور السابق العقيد سجاد مهدي صالح في حادث إرهابي عندما انفجرت سيارة مفخخة قرب سيارته وكان معه المفوض هادي صالح وثلاثة جرحى إضافة إلى تعرض الكثير من المنتسبين إلى حالات الاعتداء بالضرب من قبل بعض السواق..لذلك ترى شرطي المرور يؤدي واجبه وهو لا يحمل سلاحا حتى لا يقال عنه كلام غير منطقي وفي ظروف صعبة مثل هذه التي نمر بها في مدينة كربلاء لان الاغتيال سيكون هو المحصلة لأي عمل قد نقوم به بحجة عدم وجود قانون وهذه المفردة نسمعها في كل يوم ..بمعنى إن المخالفات اكبر من أي عمل واكبر مما هو متوفر من إمكانيات العمل نفسه.


مهبط آدم
سعيد عبد الهادي
ما زال خيط الدم النازف منذ لحظة الصراع البشري الأول (هابيل وقابيل)، يخدد وجه البصرة، لم أرها من قبل، أنا ابن الجنوب، وحين رأيتها بعد عام من سقوط الحكم الدموي. صدمت بمليشيات أحد الأحزاب، تستعرض بحراب مشهرة وأجساد وشحت بالسواعد، مدينة الحروب لا تستقبل زوارها بقوس النصر، بل بأقواس من مشاعل آبار النفط، حينها فقط يعرف الزائر أنه دخل إلى مدينة تتوسد آبار النفط، ولكن، بمعدة فارغة، إذ سرعان ما نصدم بمرؤية أحياء ما زالت تعيش الحقب الطينية، قلنا لنمضي إلى قلب المدينة (العشار)، فما زلنا نردد أغاني فؤاد سالم عنه، لم يكن سوى نهر مهمل، محاط بشارعين أكثر إهمالاً، تتفرع منهما أسواق البصرة، لم تكن هي الأسواق البصرية التي رسمتها مخيلتي!! لا زنج ولا فرس ولا هنود ولا حتى بقايا من خليجيين، ولكنها البصرة!! فهذا (الخليل) ينتصب في منتصف الشارع، مشغولاً عن أطفال البصرة الفرحين بحرابهم وبأنهم استطاعوا تحقيق الحلم الأكبر بارتداء السوادـ لم أسأل بم هو مشغول، ما يدور في ذهني لماذا أوقفوا معلمهم كأنه في قصاص وهو الجالس للدرس والزاهد في أموال وأسواق التجار.
لم يبق سوق شط العرب، واجهنا السياب منتصباً دونما عكازين، ولكن النهر تحول إلى مقلع لنفايات البصرة، وعشرات السفن الغارقة تخدد وجه النهر، جسر عائم يربط ضفتيه يتمدد باسترخاء، كيف تسير السفن المحملة في هذا النهر. إنه ميت، وليس شط العرب الذي حفظنا معالمه عن كتبنا المدرسية، قلنا لنر البصرة القديمة، الشناشيل والأزقة الضيقة، ولكن الكونكريت غزا كل شيء، لقد ماتت ابنة الجلبي من زمن، ولم نخرج إلا بأحلامنا عن بصرة رسمناها كيف شئنا لنسميها (بصرياثا) مثلاً أو لنعد نحو الأبلة!! فلم يبق من البصرة غير حمام وجامع، وفيها تعرف لماذا كتب السياب أنشودة المطر برغم أنه من مدينة الأنهار (أبو الخصيب)؟ لا يعرف الإنسان ما تفعله الحرب إلا بين أزقة البصرة وفوق جسورها. نعم فهي ثغر العراق الباسم، وما زالت جذوع النخيل المنتصبة بلا رؤوس شاهداً على هذه الابتسامة.
لقد قال أحد الرحالة: من زار العراق ولم ير البصر، فكأنه لم ير العراق. وقد صدق والله، فهي وحدها التي استطاعت اختزال مآسي العراق، من ير البصرة يعرف ماذا فعلت الحروب بنا.
في مطلع القرن العشرين كانت بدء المواجهة مع القوة البريطانية في منطقة الشعيبة، الأمر نفسه استعادته البصرة مع مطلع القرن الحادي والعشرين مع القوة الأمريكية، مثلما كانت قاعدة في حربي نهاية القرن العشرين، وكأن البصرة قد حكم عليها بأن تكون قاعدة أبدية لكل الفتوحات الحقيقية منها والزائفة، لهذا كان الثمن باهظاً، أن تكون مثلاً للخراب (بعد خراب البصرة) تحصيل حاصل، ولكن ما يستوقف المتأمل، هو كيف استطاعت قاعدة الحرب هذه أن تكون قاعدة للعلم، عبر تاريخها القديم والحديث، وربما بسبب من هذا الأمر أطلقوا على البصرة والكوفة تسمية العراقين، فهن قواعد علم وحرب، وبذا اختزال العراق في حضارتين، وكل منهن حملت من وزر تاريخ، أنهار الدم فيه أكثر من أنهار الماء، وبذا لم يبق من ابن غزوان سوى سيف ما زال يقطر دماً، يخدد وجه.. وصرائف الجند تحاصر الأحياء.. مدينة تأريخها تكتبه الحروب، وربما بين جدرانها ولدت حكاية عن عنقاء، موتها يشكل لحظة ولادتها.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة