الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

أدباء عراقيون يستنكرون عملية اغتيال الشهيد قاسم عبد الأمير عجام

منذ ثلاثة عقود ونهر الدم العراقي ما زال يتدفق.. لماذا؟

عبد الحسين بريسم

طالت يد الإرهاب قبل أيام أحد رموز العراق الثقافية والأدبية وهو الكاتب قاسم عبد الأمير عجام بعد أيام قليلة من تسلمه منصب المدير العام لدار الشؤون الثقافية.

في هذا الاستطلاع عبر أدباء العراق عن شجبهم واستنكارهم لهذا الفعل الإرهابي الجبان. مطالبين باليقظة والحذر ومحاسبة المجرمين الذين يطولون أعلام العراق.

فاضل ثامر:

سيظل الشهيد عجام أمثولة رائعة

لقد حاول الإرهابيون أن يقتلوا في المبدع والإنسان والمناضل قاسم عبد الأمير عجام، البراءة والصدق والنزاهة والكلمة النظيفة. فالقتلة والإرهابيون أعداء أزليون للثقافة والكلمة الشريفة. لأنهم أبناء الظلام ويعملون على إطفاء الشموع التي تضيء الطريق إلى الغد وتضيء عتمة حياتنا، ولكنهم على خطأ فسوف تبقى كلمات الشهيد المبدع قاسم عبد الأمير متألقة في ذاكرة الإبداع والثقافة العراقية إلى الأبد، وستظل سيرته الشخصية ومواقفه الثابتة على المبدأ والحق أمثولة رائعة ينظر إليها الجميع باحترام واسع وتقدير عال. وداعاً لأبي ربيع والخزي والعار لقتلته أعداء الفكر والثقافة والنور.

هاشم شفيق

رحل صاحب القلم الجريء كاشف عيوب ثقافة الاستبداد

أن استهداف الكاتب والأديب المعروف قاسم عبد الأمير عجام، هو استهداف للثقافة الوطنية العراقية برمتها، لقد خسرنا مثقفاً وإنساناً كبيراً وناقداً مرموقاً عرف بقلمه الجريء الذي كشف عيوب ثقافة النظام الاستبدادي المباد ورموزه التي تسلقت ظلماً وعدوناً الثقافة العراقية على مدى خمسة وثلاثين عاماً.

الشهيد قاسم عبد الأمير هو واحد منا وسيبقى اسمه لامعاً في سماء الثقافة العراقية. إنه شخصية محبوبة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي ولقد ربطتني به علاقة صداقة على مدى ثلاثين عاماً. كان منذ بدايته حتى قبل اغتياله الأثيم رجلاً حنوناً ومحباً ومتسامحاً وكان دائماً يرفع من شأن الثقافة العراقية الحرة. ومساهماً في مسارها الثقافي الوطني. إنني أدين هذا الاعتداء الآثم الذي أسقط رمزاً ثقافياً عراقياً معروفاً، لكن هذه الخسارة لن تفت في عضدنا لمواصلة ثقافتنا الديمقراطية.

د.عباس اليوسفي

إن وأد صوت عجام محاولة لوأد صوت الحرية

إن انتقال التصفيات الجسدية خارج الحلقة السياسية يجعلنا نفكر ملياً بإزاء ما يحدث ولاسيما أن الرموز التي يتم اقتطاعها من جسد الحياة ليست مجرد أشخاص بل هم من المؤثرين في الوسط الاجتماعي والثقافي. فالعملية برمتها كما يتضح لا تستهدف الأشخاص بعينهم بل تستهدف بلداً بأكمله كان وما زال نقطة إشعاع في ضمير الإنسانية.

إن وأد صوت قاسم عبد الأمير هو وأد لكل الأقلام الشريفة بل هو وأد لصوت الحرية التي ما زلنا نترقب

وصولها برغم إننا موطنها الأصل. إن هذا الفعل الإجرامي لا يمكن أن يمر كما هو حال السابقات من الحوادث والأعمال الإجرامية التي أضحت تفوق كل الجرائم شناعة وقبحاً بل يجب على المثقف قبل السياسي ورجل الأمن أن يشهر أكثر من قلم ولا يقف مكتوف الأيدي بإزاء التهشيم الذي يتعرض له المجتمع العراقي بسبب الاحتلال.

هيثم الزبيدي

قتل رموزنا مخطط خطير جداً

تقف اللغة عاجزة إزاء إنسان يسفك دمه دون مبرر.. هذه الجريمة البشعة التي طالت رموزنا الواحد تلو الآخر في مخطط خطير جداً محاولين من خلال ذلك تدمير العراق عبر تجريده من أعلامه ورموزه ومن الذين يشكلون ملامح هويته. فبعد قائمة الاغتيالات التي راح ضحيتها الساسة من قادة الحركات الوطنية وبعد الأطباء والعلماء الذين كانت قائمتهم طويلة بدأ الآن دور الأدباء. إن هذا لا يليق تماماً بالعراق وطن الأدب والشعر والفكر منذ بدء الخليقة وهنا لابد أن أقول: يا بني وطني احذروا على أدباءكم واحترسوا يا أدباء العراق. يبدو أن قدرنا أن تبقى أفواهنا مكممة إلى الأبد.. فبعد عقود الطاغية التي لم يكن الأديب فيها حراً لا اعتقد أنه سيكون حراً من دون أن يصفى.

ماجد فاضل زبون

أطالب مجلس الحكم بالتحقيق السريع

تأتي عملية اغتيال الشهيد قاسم عبد الأمير عجام تواصلاً مع مسلسل الاغتيالات التي تنفذها أياد خبيثة وحاقدة بحق العلماء والأساتذة والمثقفين العراقيين وعليه فأنا أشجب واستنكر هذا العمل الإجرامي الجبان وأطالب المسؤولين في مجلس الحكم بالتحقيق السريع في هذه العملية الغادرة التي دون أدنى شك نفذها عملاء ارتضوا خدمة أعداء العراق لإخلاء الوطن من الكوادر العلمية والثقافية. وإلا ماذا يعني اغتيال المثقف؟ ولماذا يغتالون أساتذة الجامعات؟ وما الدوافع وراء قتل طبيب؟ الجواب واضح ولكن ما الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل سلطة الاحتلال أو مجلس الحكم لمتابعة القتلة. ونحن في كل يوم نصحوا على كابوس جديد والجميع لا يعرفون مصيرهم وإلى أين ستمضي سفينة العراق التي تقودها أميركا!

كريم الشامي

قتل الأديب إعاقة لتقدم البلاد

إن فعل القتل فعلاً مخالفاً لكل القيم والقوانين السماوية والإنسانية وأنا أشجب وأرفض وأضم صوتي إلى كل الأصوات التي تشجب وترفض الأعمال الإرهابية التي تعارض ما أنزله الله تعالى من قيم وأخلاق إلى الإنسانية. وإن الفعل الإرهابي البغيض الذي استهدف الشهيد قاسم عبد الأمير عجام هو محاولة لإعاقة تقدم الشعب العراقي باتجاه هدفه الأعظم وهو الخلاص من المحنة والخروج من جحيمها نحو مرحلة الاستقلال والحرية والسيادة للعراق.

فيصل إبراهيم كاظم

دم الوطن

هي الفجيعة التي لا غبار عليها.. (دمنا النقي.. توزعه المكائد أضحيات لعيد قد لا يراه إلا أحفادنا الذين سيولدون بعد ألف عام)... هكذا أرى ما أريق وما يراق.. هكذا أرى دم الوطن يتسربل في سواقي الوقائع.. ثمة من يدفع بهذا الدم إلى نهايات العدم، وثمة من يرى أن القطرة

المراقة ليست سوى نبض شريانه الأبهر أياً كان نزفها، ومن أيما جسد عراقي ينبغي أن نجلله بأرواحنا ونوشحه بسنين عذاباتنا الأبدية، وهكذا كان دم قاسم عبد الأمير عجام أو ما سال من شريانه النابض ليس سوى دم الوطن.. دما.. ودم النخيل.. دم الفرات.. ودجلة المشتعل بحرائق القرون التي ما زالت تبحث عن أضحية أخرى ولم تكتف بما أريق. ألا ينبغي لنا أن ننظر في مرايا الأفق لنرى ما يحدث، أو على الأقل لنقرأ ما تخبؤه لنا مكائد (الكاميرات أو يد الخفاء)، هل من اللائق أن نظل ندلق فناجين قهوتنا مأتماً لوجه الوطن.. أو صورة لخزن لا منقطع أو لنقل خيمة (فاتحة) لقاسم الودود.. الوديع.. أو لأي من الأسماء إذا ما استبدت فكرة الندم.. في الوقت الذي لا تجد (الشاشات) العريضة في الآفاق البعيدة غير دمنا فرجة للآخرين.


رد على مقال (وزارة الثقافة تطلق النار على نفسها)

طالعتنا جريدة (المدى) الغراء في عددها المؤرخ 12 / آيار / 2004 بمقال للكاتب قاسم محمد عباس تحت عنوان (وزارة الثقافة تطلق النار على نفسها)، ومع احترامنا لوجهة نظر الكاتب، فقد أورد المقال جملة ملاحظات وأحكام غير دقيقة عن عمل الوزارة وتوجهاتها، ولغرض عرض الحقائق وتوضيح المسائل التي أثارها المقال نضع هذا الرد، آملين أن ينشر في الصفحة ذاتها التي نشر فيها المقال.

أخذ الكاتب على الوزارة سعيها إلى جني مكاسب إعلامية من وراء تسليط الضوء على استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة، في وقت ينبغي فيه التركيز على الحاجات الثقافية الملحة في وضعنا الحالي، كما ورد في المقال، إزاء هذا يهمنا أن نؤكد على أن إبراز الوزارة لهذه القضية وسواها من الأنشطة التي تقوم بها يعكس التزامها بإظهار مكانة الثقافة والفنون والتراث في حياة مجتمعنا وذاكرته، وكشف حجم الخراب المادي والروحي الناتج عن سياسات النظام السابق والظروف الشاذة التي نشأت عن عملية إسقاطه.

هذا الالتزام لا يدخل، برأينا، في مجال ردود الأفعال فقط لأنه جزء من عملية طويلة الأمد لبناء الثقافة في بلدنا على اسس رصينة، ولرد الاعتبار لمنجزاتها ومنتجيها ومؤسساتها، آخذة بالحسبان الظرف الاستثنائي الذي يشمل البلد بأسره والمعوقات الكثيرة التي تعترض عملها تحديداً، فإن الوزارة لا يراودها وهم البحث عن مردودات سريعة، أو انتظار تحريك ماكنة الثقافة بقرارات وأوامر فوقية.

يكفي الوزارة في هذه المرحلة الشديدة الالتباس إنها استخلصت الدرس اللازم من السياسات الثقافية السابقة التي اعتمدت أساليب التسلط والإرهاب والتضليل، وإنها وضعت اللبنات الأولى لإصلاح المؤسسات الثقافية وضمان حرية المثقفين والمبدعين فرادى وجماعات، ومن هذه الزاوية نجد أن كاتب المقال قد اشتط بعيداً في قوله بأن سياسة الوزارة قائمة على (مفهوم مسبق عن مثقفي الداخل يتصف بالتعميم ويفتقد الدقة والمعلومة الصحيحة)، فنهج الوزارة الثقافي المنشور في بداية شهر كانون الثاني الماضي رفض من حيث المبدأ فكرة التعارض بين ثقافة الداخل والخارج لكونها تنطوي على تعميم زائف وثنائية عقيمة، أما من الناحية العملية فقد اشركت الوزارة عدداً غير قليل من منتجي الثقافة والإبداع في رسم سياستها والإشراف على خططها الثقافية وتنفيذها، واعتمدت في ذلك معيار الكفاءة والنزاهة قبل أي اعتبار آخر.

لقد جانب كاتب المقال الصواب حين تجاهل المشاكل الفنية والمالية والإدارية التي ورثتها دار الشؤون الثقافية عن النظام السابق، وحين افترض أن عملها خلال الشهور الماضية قد تم دون تخطيط، غير إننا في الوقت نفسه، ندرك أن هناك ضرورة ملحة للارتقاء بعمل الدار وتذليل الصعاب التي تواجهها.

 

 

أما بصدد البيوت التراثية الكائنة في شارع حيفا فقد أخطأ صاحب المقال حين اتهم الوزارة بالتفريط بها عبر توزيعها إلى جهات حزبية أو سياسية أو ثقافية، حقيقة الأمر أن ثلاثة من هذه البيوت تشرف عليها الهيئة العامة للآثار التابعة للوزارة التي حافظت على اثنين منها وتهيئ الإجراءات الأصولية لصيانة البيت الثالث، هناك بيتان آخران يحملان الرقمين 5، 6 تابعان لأمانة بغداد التي قامت بتأجيرهما إلى الجهتين المستفيدتين منهما،

 

فلماذا تحمل وزارة الثقافة مسؤولية قرار لم تتخذه، ولم يكن ضمن صلاحياتها؟

ختاماً، فإن قبول السيد وزير الثقافة بالميزانية المتواضعة لوزارته ليس سبباً كافياً للاستنتاج بأنه يبدو (غير مؤمن بدور الثقافة بما ينسجم والموقع الذي فرض عليه)، وكان يجدر بالكاتب أن يناقش طريقة توظيف الوزير لهذه الميزانية التي راعى فيها حاجات تشغيل دوائر الوزارة كافة بضمنها تلك التي تعمل بنظام التمويل الذاتي والأنشطة الثقافية المتنوعة.

وبعد، إننا إذ نحترم حق الكاتب في طرح أفكاره وأحكامه حول عمل وزارتنا، نعتقد أنه كان على جريدة (المدى) ذات المكانة المرموقة في الصحافة العراقية أن تتحقق من صحة المعلومات الواردة في المقال، فالمسؤولية مشتركة حين يتعلق الأمر بتعزيز ما هو إيجابي، وتشخيص ما هو سلبي.

مع التقدير.

وزارة الثقافة

المكتب الإعلامي


من الذاكرة الشعرية

الحاج زاير الدويج.. موهبة شعرية كبيرة

كاظم السيد علي

ما تعلم بهمي اشلون

شيت واصفر اللون

والناس كالوا مجنون

ابعكلي اقنعت بس أنه

هذا مقطع من قصدية (للهم ما تصح عوانه) للشاعر الكبير الخالد (الحاج زاير الدويج) اكتب عنه وفاء لعبقريته لانه يستحق التقدير. لكونه علماً من اعلام الشعر الشعبي وقمه شامخة من قممه. فالحديث عنه طويل. ولكني اسلط الضوء على جزء من تجربته الشعرية الثرة..

ولد في منطقة (برس) الواقعة بين مدينتي الحلة والكفل عام 1860 وانتقل مع ابيه إلى مدينة النجف. ومنذ صباه طمح الاب لأن يكون ابنه عالماً أو أديباً.. وفعلاً تحقق طموح الأب.. فأصبح اديباً شعبياً لم يباريه أحد.. فتعلم القراءة والكتابة في مدرسة (القوام) انذاك في محلة (المشراق) بعد ذلك تركها للظروف الصعبة التي مر بها بعد وفاة والده.. فحالت دون مواصلة الدراسة. وكان للعامل الديني وحضوره المستمر وملازمته للمجالس الادبية والدينية الاثر الكبير في تفجير شاعريته. مما اكسبته قابليته فذة اهلته لأن يكون في عداد الشعراء المبرزين.. امثال عبود غفلة والسيد مرزه الحلي والسيد جعفر القزويني والملا منصور العذاري وحسين النصار.. فكان (رحمه الله) يمتلك موهبة منفردة دون غيره فهو لا يمل عن المنادمة والمسامرة، محباً للنكته والمداعبة البريئة.. فكان سريع الجواب والبديهية واكثر قصائده يقولها ارتجالاً مما جعل اسمه يتردد في المجال الشعرية ومضايف السادة وشيوخ الفرات الاوسط انذاك:

ذبيتني ابجور وظلم

والروح ما تحمل هظم

من كثر ما ابجي بسكم

ذوبت شحمت عيني

وللحاج زاير مواقف وطنية تجاه بلده في الحرب العالمية عندما حوصر العراق وهدد بالحظر في عهد الدولة العثمانية تأهب العراقيون للدفاع واعلنوا الجهاد عن الدين والوطن. فحشدوا جيشاً إلى جهة (الفاو) للمحافظة على ثغر العراق.. فكان الحاج زاير مع الجيش بصفته جندياً اجبارياً.. كان يلقي على اخوانه الجنود البواسل قصائده ليشد من عزيمتهم للدفاع عن تربة هذا الوطن الغالي:

لعلوم الدين اشندينه

وين يروح اللي معادينه

او عفنه الدور الكل وجينه

احنه الموت المابي ظنه

كتب الحاج زاير الابوذية المباراة بالمثل الشعبي والمجاراة للشعر القريض والموال بالقريض كذلك مما جعله شاعراً متجدداً في هذا المضمار لأنه خرج من الوصف التقليدي الذي كان سائداً عند بعض الشعراء:

وضبي شبهوا خديه وردا

لقد اثموا بما قد شبهوه

فان الورد يذبل عند لمس

وذا يحمر مهما قبلوه

فباراه في هذا البيت من الموال (الزهيري) قائلاً:

جم دوب تقره لعد جيت الحبيب اورود

وسهام لحظك وردن بالضمير اورود

يالجذبتني دصل روض الحبيب اورود

الفخر لليوم ما هو عازلي لمس

او بصياخ الاشواك بيدية الضمير لمس

الورد يذبل يصاحب من جثير اللمس

وخدود ولفي يزودن باحمرار اورود

إن كتاباته تأتي معبرة لواقع الحياة اليومية الذي كان محملاً بالبؤس والالآم وما يدور في صدره من خلجات وعاطفة واحساس مرهف. فمفردات الحاج زاير رصينة معنى تؤثر في سامعها وتحرك الكثير من الشجون في داخله. فكان شعره سجلاً حافلاً باحداث عصره وتقاليد مجتمعه:

الهوه ايفرهد ابعكلي وانه داوي

تذل نيران هبهب وانه داوي

كلمن لعب حصل وانه داوي

خسر واهل الهوه ايلومون بية

ولم تقتصر تجربة الحاج زاير.. على الشعر الشعبي بل تعدته إلى غيره من الفنون فكان محباً للغناء لكونه كان يمتلك صوتاً شجياً.. فأخذ له طوراً خاصاً لا يزال يغني إلى يومنا هذا ويسمى بطور (الزايري) نسبة للحاج زاير ومن اطوارنا الغنائية الجميلة ومن المطربين الذين اشتهروا وابدعوا فيه المطرب الريفي الكبير (جعفوري محمد) وبعض مطربي النجف انذاك.

واخيراً في عام 1919 سكن القلب النابض بالحب والشوق والصدق قلب الشاعر والانسان الذي ما زال حياً بانتاجه الغزير الرائع وما زال شاغل الشعراء والناس.


ألف ليلة وليلة.. ملاحظات وأفكار محاولات الكتاب العرب في تهذيب الحكايات

معتصم زكي السنوي

ظهرت في مصر في الربع الأخير من القرن الماضي دراسة جامعية جادة عن ألف ليلة وليلة جمعت آراء السابقين واعتمدت على منهجي النقد والموازنة وأفادت من التفسير الاجتماعي للأشكال والمضامين والعلاقات في هذه المجموعة المشهورة من الحكايات الشعبية، وقامت بهذه الدراسة (الدكتورة سهير القلماوي). وحاول بعض الأدباء أن يهذبوا هذه الحكايات أو يعيدوا صياغتها فنهض الأستاذ أحمد رشدي صالح الأديب المصري بهذه المهمة فعمل على تحقيق الكتاب والتمهيد له بدراسة تعرف به وبتاريخه ومجالات تأثيره، كما ظهرت في بيروت دراسة وصفية لكتاب ألف ليلة وليلة قام بها الأستاذ (فاروق سعد) ونشرت في كتاب باسم (من وحي ألف ليلة وليلة) وتحدث فيه عن تأثير (ألف ليلة وليلة) على قرائح الشعراء والدراميين والموسيقيين والمصورين والمثالين، وإلى جانب هذا فإن أدب الأطفال كثيراً ما يستأنس بحكايات (ألف ليلة وليلة) جملة وتفصيلاً. أما د. محسن جاسم الموسوي فله رأيه التشخيصي الدقيق لاكتشاف أسرار ألف ليلة باعتماده على الطرائق العلمية في التفسير والاستقصاء كما يقول برسالة الدكتوراه التي قدمها باللغة الإنكليزية في بحثه الموسوم (ألف ليلة وليلة في نظرية الأدب الإنكليزي) للفترة (1704-1910) إلى جامعة (دالهوزي) الكندية وقبلت بتمييز في ربيع 1978.

وقد حدد في توطئته ومدخله ما يلي: إذا أريد الوصول إلى الاستنتاجات العلمية الصحيحة لأي موروث يعود للسنوات التي سبقت الميلاد وبعده لا بد من الابتداء بملاحظة المبادئ الآتية:

1.مطالعة النسخ الأصلية، والبحث عن المخطوطات الأساسية كتلك التي وجدت بعضاً عن السيدة نبيهة عبود والمتوفرة حالياً في مكتبة معهد الاستشراق التابع لجامعة شيكاغو، وبعد التأكد من هذه المخطوطات، وتلك التي اطلع عليها (غالان) وتوفر على بعضها الآخر شفاهاً يمكن تحديد (المواطن الفعلية للحكايات).

2.لكن هذه المواطن لا يمكن تحديدها دون دراسة (بتوغرافية) الحكاية ولا سيما المدينية منها. فالبتوغرافية يمكن أن تفيد لا في تأشير المكان فحسب، بل في التدليل على تاريخ التأليف أو الوضع التقريبي للحكايات أو لبعضها.

3.دراسة اللهجات: فحيث إن الحكاية في وضعها الأول (التقريبي) شعبية وحيث إن (العامية) و(اللغة الهجينة) بين العامية والفصحى بدأت تسود في المجالس المدينية (منذ القرن الثالث الهجري) (تقريباً) فإن من شأن اللهجة أن تقودنا إلى أصل النص، وواضعه أو مروجه.

4.دراسة الطباع والعادات والاتجاهات السائدة، وكذلك تفحص ما يتعلق بهذه من أثاث أو أزياء أو منتديات أو (حدائق) لأن هذه جميعاً تقود إلى تعيين (مكان) النص، وتاريخ انتشاره وتداوله ومعروف أن الحدائق وحدها تقدم عدداً من الأدلة (التضاريسية) والمعمارية والأخلاقية أيضاً. حتى إن هناك دراسة عن (الحديقة المغلقة) في ألف ليلة وليلة. قام بها أحد الباحثين، كما إن أحد المعماريين الأمريكان في مطلع القرن العشرين قام ببناء مدينة صغيرة موزعة حسب الخرائط العمرانية المتكررة في ألف ليلة وليلة.

5.متابعة التقاليد الدينية ودرجة التقوى، من حيث علاقتها بالفقه والتشريع من جانب، وعلاقتها بالغيبيات من جانب آخر. فمعروف أن المسلم (لا سيما العربي) يستمع إلى الغيبيات التي تحتمل المبالغة الكبيرة دون أن ينسى أنه لا يضيف على ما هو مثبت في القرآن وحديث الرسول وقصص الصحابة والأولياء كثيراً. كما إنه قادر على الاحتكام إلى الله ساعة ما يشاء، نادباً حظه، أو متضرعاً إليه، أو طالباً غفرانه من ذنب أو معصية أو زلل. وقد أصدر د. محسن مهدي تحقيقاً خاصاً بألف ليلة طبع في لندن عام 1986 جاء متميزاً في بابه.

الملك شهريار قاتل النساء

يتزوج شهرزاد الحكيمة

وتبدأ الليالي بمدخل أو تمهيد هو بمثابة تبرير لسرد الحكايات. يكتشف الملك شهريار خيانة زوجته فيقتلها ويجتاز أزمة نفسية حادة فيتخذ كل ليلة زوجة عذراء ويقتلها في الصباح، ويهرب الناس ببناتهم من المدينة. وأخيراً يتزوج شهرزاد التي تصمم على أن تكون سبباً لخلاص بنات جنسها من شهريار.. وهكذا تبدأ شهرزاد لياليها الرائعة التي حالت بين الملك وبين التهور والانحراف، وشهرزاد ابنة الوزير طلبت من أبيها أن يسمح لها بالزواج من ذلك الملك الغاضب المرير والسوداوي المتغطرس شهريار، فبعد غدر زوجته الأولى، قرر أن يتزوج واحدة كل ليلة ليقضي عليها في صباح اليوم التالي. حيث لم يعد يثق بالنساء، ورأى في هذا الأسلوب خلاصه الوحيد من غدرهن. ولم تكن شهرزاد على شاكلة غيرها من النساء: فهي تعتمد كثيراً على فطنتها ودرايتها ومعرفتها الواسعة، إنها أكثر إلماماً بوضعه النفسي من غيرها من النساء، فجاءته بمجموعة من القصص تشاغله بها كل ليلة فاعلة فيه فعل السحر والدواء، مريحة إياه تارة، ومداوية جروحه وآلامه تارة أخرى. فقصصها لا تخلو من إشارت إلى غدر النساء، لكنها وهي تكتسب ثقته بذلك، كانت تذكر أقاصيص أخرى عن وفائهن وذكائهن: ولم تزعجه بالمواعظ والنوادر المباشرة، بل جاءته بقصص مشوقة، أثارت عنده ولعاً بهذا الفن ولمدة ألف ليلة وليلة! هكذا هي الحكاية، صدقت أم لم تصدق. ولكن - والعهدة على من روى كما يقول المؤرخون في أمور تحتمل الصدق والافتراء - كانت شهرزاد قد أصبحت أماَ آنذاك. وكان الملك قد تحرر من سوداويته. أما موقفنا نحن كقراء أدب من هذه القضية فإننا نجد أنفسنا مجبرين على القبول بتخريج جاء به الناقد الإنكليزي (G. K. Chesterton) فهو يرى أن شهريار شاهد على الاستقلالية الذاتية للفن: (فلم يحصل في كتاب آخر) كما يقول في كتابه بهارات الحياة (ص56 - 60). (أن يقدم اعترافاً كهذا بمعجزة الفن ومكنته الكلية) فمتسلط كشهريار قد تأتمر بإمرته الجيوش، ولكن لزم عليه أن يستمع إلى رواية: لقد كان الفن وحده بديل الحياة.. إن حكايات شهرزاد توجد (حماس الإعجاب) و(تثير الاندهاش) هذه القراءة أيضاً عدها (أفلاطون) (مصدر الفلسفة ذاتها) لأنها شبيه بموروثه الأسطوري الجليل الذي (يستخدم فقط إثارة العجب والاندهاش).

فعل السحر ودور المرأة في الليالي

وللحسر مكانة خاصة في الليالي.. وهو سحر تتوسل به بعض الشخصيات الشريرة لتحويل البطل من آدمي إلى حيوان أو جماد كما في حكاية التاجر والعفريت ويتم هذا التحول بوساطة ماء يقرأ عليه الساحر أو الساحرة بعض التعاويذ ثم يرشه على البطل فتتغير هيئته إلى حيوان أو جماد ويظل هذا حاله حتى يأذن الله فيرسل من يبطل هذا السحر ويعيده إلى صورته الآدمية كما في حكاية (السلطان محمود صاحب الجزائر السود والكنوز من المحاور الرئيسة في حكايات ألف ليلة وليلة) يعثر البطل على كنز فينتقل من حال إلى حال ويصبح بين عشية وضحاها من ذوي الثراء والنفوذ كما في حكاية جودر وحكاية وردان الجزار. والكنز عادة يكون مرصوداً باسم شخص معين ولا يفتح إلا له. وتلعب المرأة دوراً خطيراً في الليالي.. قد تكون ملكة أو جارية ولكنها دائماً شابة فاتنة يخلب جمالها الألباب. ويتفنن الراوي عادة في وصف محاسن البطلة وصفاً يلهب خيال السامعين.. والبطلة طيبة القلب سليمة الطوية غالباً ولكنها لا تخلو من المكر والدهاء أحياناً كما في حكاية قمر الزمان والملكة بدور وللمرأة العجوز دور لا ينكر في بعض الحكايات وكثيراً ما تكون سبباً في تغيير مجرى أحداث الحكاية.. وإذا كانت في بعض الحكايات تعمل على الجمع بين العشاق فإنها في حكايات أخرى شريرة خبيثة مثل العجوز (شواهي) في حكاية عمر النعمان.

شخصيات الليالي

ومن الشخصيات البارزة في حكايات (ألف ليلة وليلة) التجار ويمثلون الطبقة البرجوازية وهم عادة على درجة كبيرة من الثراء.. يسكنون القصور ويصاهرون الملوك والسلاطين ويعيشون في بذخ وترف. غير أن أبطال الحكايات ليسوا جميعاً من ذوي الثراء بل أن منهم حرفيين ومهنيين من أبناء الطبقة الكادحة.. فيهم الخياط، والطاهي، والحطاب، والصياد، والخباز، والإسكاف، وهم جميعاً يشقون في سبيل الحصول على لقمة العيش ولا يعرفون التسول أو التشرد، بل يؤمنون بأن العمل شرف وواجب. ومن أظرف الشخصيات في الليالي الصعاليك والشطار والعياق والشاطر يذكرنا باللص الشريف فهو لا يسرق إلا لإظهار براعته وتفوقه على أقرانه في (الملاعيب) ويتميز الشاطر بملامح وصفات خاصة ولا بد أن يراعى تقاليد أبناء طائفته. ويرى بعض الدارسين أن حكايات الشطار متأخرة بالقياس إلى سير الفرسان ويرجحون ظهورها وتكاملها في الحواضر بصورة عامة وفي مدينة القاهرة بصورة خاصة. ويلعب الحيوان دوراً مهماً في حكايات ألف ليلة وليلة. فمثلاً في حكاية قمر الزمان والملكة بدور نجد أن الطير محور رئيس في الحكاية. وتتحدث بعض الحكايات عن حيوانات خرافية مثل الرخ في حكاية (السندباد البحري). وتغلب على حكايات الليالي نزعة الخير وهي تؤكد في كل مناسبة أن الخير جزاؤه الخير وإن كل شرير لا بد أن يلاقي جزاءه وإن الآثم لا يفلت من العقاب العاجل حتى لو أخفى إثمه من أعين الناس في باطن الأرض. وتطرق بعض حكايات ألف ليلة وليلة موضوعات تعليمية كما هو الحال في حكاية الجارية تودد.

أثر الفنون التشكيلية والموسيقية

في تجميل صورة الليالي

وللفنون التشكيلية مكان مرموق في ألف ليلة وليلة، فمثلاً في حكاية (تاج الملوك ودنيا ابنة الملك شهرمان). نجد أن تاج الملوك يلجأ إلى مصور ليرسم له صورة تمثل صياداً وطيوراً على جدار (المنزل الأبيض) في بستان الأميرة دنيا وتكون هذه الصورة سبباً في توطيد العلاقة بين تاج الملوك والأميرة دينا. وقد أثرت ألف ليلة وليلة في كثير من الفنون، ففي مجال القصة يبدو هذا الأثر واضحاً في كثير من القصص الاجتماعية في إيطاليا وفرنسا وإنكلترا خلال القرن الثامن عشر وفي الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر وفي مصر خلال القرن التاسع عشر. ولا تزال ألف ليلة وليلة مصدراً يستلهمه كتاب القصص في العالم حتى اليوم. وفي مجال المسرح نجد أن بعض المسرحيات العربية التي ظهرت بالقرن التاسع عشر قد استوحت حكايات ألف ليلة وليلة وفضلاً عن هذا فإن بعض (بابات) خيال الظل في الجزائر مستوحاة من الليالي كما إن كثيراً من موضوعات مسرح العرائس في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا وروسيا تقوم على حكايات مشهورة من ألف ليلة وليلة. وقد سبق أن أشرنا إلى أن ألف ليلة وليلة تعد مصدراً أساسياً لأدب الأطفال في كثير من بلدان العالم. ومن الأبروات التي استلهمت موضوعاتها من حكايات ألف ليلة وليلة أوبرا (علاء الدين والفانوس السحري) موسيقى ايزوار Isovard وتأليف أتيين Etienne وأبرا (علي بابا) موسيقى كرمبيني Grembini وتأليف سكريب Scribe وأوبرا (معروف أسكاف القاهرة) موسيقى هنري رابو H. Rabaud وتأليف لوسيان نيبوتي Lucien Nepoty أما عن أثر ألف ليلة وليلة في مجال الموسيقى فحسبنا أن نشير إلى متابعة شهرزاد لرمسكي كورساكوف ومن الباليهات الرائعة باليه (شهرزاد) وقد اهتم رسامون بتصوير شخصيات ألف ليلة وليلة وظهرت هذه الرسوم في طبعات ألف ليلة وليلة المترجمة، كما نجد في محفوظات المكتبة الوطنية بباريس عدة رسوم تمثل نماذج من ألف ليلة وليلة منها (الجارية) و (امرأة من الحريم) ونرى أثر الليالي واضحاً في بعض لوحات الفنان الفرنسي ديلاكرو مثل لوحة (نساء الجزائر) وقد استهوت هذه اللوحة الفنان بابلو بيكاسو فقدم عنها أربع عشرة دراسة تكعيبية.

ومن لوحات ديلاكروا التي تذكرنا بحكايات ألف ليلة وليلة (المهرج العربي) و (معركة عربية) و (فارس عربي يلعب على جواده) ومن الفنانين الذين تأثروا بموضوعات ألف ليلة وليلة أنجر Ingres ورينوار Rinoir وماتيس Matise من الأعمال المعاصرة لوحة (راقصة شرقية) لفان دونجي Van Dongen.

الليالي والسينما

والريادة في الأدب العالمي

وقد غزت حكايات ألف ليلة وليلة ميدان صناعة السينما، ومن الأفلام التي لاقت إقبالاً عظيماً من الجمهور فلم (لص بغداد) وفيلم (علي بابا) وفيلم (السندباد البحري). ومن أقوى الأدلة على مكانة هذا الكتاب في الأدب العالمي أن جميع المحاولات التي تعمل على تصنيف روائع الأدب في العالم لم تغفل كتاب (ألف ليلة وليلة). وإنها وضعته دائماً في مقدمة الجهود التي استطاعت أن تحظى بالخلود والتي اجتمع على الإعجاب بها ونقلها من لغة إلى لغة ومن فن إلى فن. العلماء والأدباء والمصورون والموسيقيون وكل من يحقق التجربة الفنية بالكلمة والإشارة والإيقاع وتشكيل المادة. وقد اشتهرت أسماء بعض الشخصيات في الليالي وفرضت على الأجيال ترديدها لأنها تجسم قيمة أو موقفاً أو صفة أخلاقية أو لأنها تمثل الأمل في عالم تصارعه النزعات والأهواء مثل شهرزاد، السندباد، علي بابا، والشاطر حسن. وصفوة القول: ليس من سبيل إلى فحص تأليف (موروث) كحكايات الليالي 0 غير اتخاذ عواطفنا ومشاعرنا معياراً، فنحن لا نعجب (بجني) ليالي السمر العربية أو نكرهه، لأننا أحطنا علماً أن بعض الجن فاضل والآخر حقود خبيث يمتلك طاقة على تحقيق المعجزات، لكننا نعود أنفسنا لتصديق (الخوارق) التي تسرد عن الجن، تماماً كما يحصل من تلبية واستمتاع ونحن نطلع على أعمال (هومر) العجيبة وعلى (الهنة) أو على (مسخ أوفيد). إن الثقة التي تستديم في هذه الحكايات هي نفسها التي يمنحها الإغريق لـ(الخوارق المغررة) لدى شعائرهم. فعندما يطالع القارئ هذه الكتابات فإن (قابلية الوهم والخيال تقبل بهذه) لأن أغلب الآلية الرومانسية لهذه الحكايات والأفكار التي ترد فيها (مأخوذة عن الأقدمين الأجلاء، مدعومة ومعززة بالمعتقد الشعبي السائد. وهناك حقيقة يجب التوقف عندها وهي: أن الباحث ما زال يجد في الليالي أكثر من صورة اجتماعية ونفسية ومشكلة فلسفية تستحق الدراسة والمتابعة، إلا أن هذه الحكايات تبدو للروائي الحديث والناقد الأدبي المتخصص ينابيع الفن القصصي، تمتلك مواصفات ومزايا لا بد أن يراجعها باستمرار قبل أن يواجه مشكلة الكتابة!

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة