الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

لا هرج ولا مرج في سوق هرج!

آمر لواء يبيع الفلافل وبائس يعتقد أنه جاك عبود وآخر يبيع ناموسيات تمنع دخول الشظايا!!

عبد اللطيف الراشد

تصوير / نهاد العزاوي

سوق الهرج معروف لدى الكثير من الناس. بأنه سوق لعرض البضائع المستهلكة (السكراب) منذ العهد العثماني. هذا السوق عالم مليء بالأسرار والخفايا والحكايات التي تشبه الأساطير بدءاً من رواده الذين يبحثون عن السلع المستهلكة الرخيصة إلى الكسبة الذين قادتهم أقدارهم لأسباب عديدة ومنها كسب الرزق الحلال والبيع والشراء.

وربما لا يعرف البعض أن لكل واحد قصة مؤلمة تستحق القراءة بتأمل، لأنهم ضحايا المجتمع والفقر والنظام والتهميش الاقتصادي والحروب والويلات التي حلت بنا!

فمن بين هؤلاء خريج الجامعة ومنهم الأستاذ والمعلم والضابط العسكري الكبير وذوو الخبرات العلمية والمؤهلات المعطلة!

والسؤال من اين تأتي هذه البضائع يومياً إلى السوق؟ ومن هم الضحايا الآخرون الذين يأتون بهذه البضائع وهي عبارة عن أجهزة منزلية. وبطانيات وملابس رثة، ومخلفات الموتى والمواسم وخليط من حاجيات غير متجانسة؟

الحرافيش

عليك أن تستريح قليلاً عند أبي خالد، بائع الشاي.. هذا إذا جلست مبكراً قبل أن تبزغ الشمس لتقوم بجولة في هذا السوق المزدحم بالناس والبضائع والجنابر والسلع الغريبة التي غزته بعد الطوفان أي بعد التاسع من نيسان من العام الماضي.

أبو خالد يعرفني وأعرفه منذ زمن طويل يطلق على زبائنه الباعة تسمية (الحرافيش)يقول: هؤلاء ليسوا حرافيش نجيب محفوظ، بل هم حرافيش وضحايا التهميش الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.

أبو الغرام لا يريد أن يكون شحاذاً

محمد عبد الوهاب عبد الرزاق الشيخلي الملقب (أبو الغرام) يبيع الملابس المستهلكة من ثياب وقمصان نوم وبنطلونات مثقوبة يقول (أبو الغرام) الناس هذه الأيام تبيع كل شيء حتى ملابس أطفالها وبطانيات النوم، نحن

نشتريها عن طيب خاطر بأسعار زهيدة وهكذا نبيعها أيضاً. ما ذنبي عمري 79 سنة وأبيع وأعيش بهذه الطريقة ومعي هذا الشاب واسمه عماد خلف السعدون وهو الآخر عاطل عن العمل بسبب إصابته في القصف الأمريكي عام 1995 في الساقين الأيمن والأيسر والصدر. نبيع ونشتري بشرف ولا نريد أن نتحول إلى شحاذين.

آمر لواء يبيع الفلافل

ازدحم السوق وعليك أن تسير بخطوات وئيدة لتتأمل الناس والكسبة والبضائع ولكن عليك أن تكون حذراً من (النكرية) من أن يخطفوا حقيبتك ومن النصب والاحتيال فربما يضعون لك طابوقة في كارتون جهاز كوري حديث العهد وتدفع الثمن وتجني الخيبة، ولكن مشاهداتك ولقاءاتك ببعض الناس تجعلك تنسى همومك في هذه القبور المتحركة.

في السوق استغربت وأنا أشاهد آمر اللواء 18 العقيد قحطان يبيع الفلافل (لفات) وقد وضع أمامه قدراً صغيراً وإلى جواره مجيد الجابري أحد الملحنين المعروفين. تذكرت أغنية (أروح وياك) لقحطان العطار. وبكيت.

قطعت خطوتين صافحني خضير لفتة الجابري الرياضي المعروف وأحد أبطال العراق المتقدمين في الجيش في ثمانينيات القرن الماضي وهو يحمل بيده ملابس عتيقة ويبدو في أسوأ حال.

نعمة حمد سبتي يقول لقد خسرت العمر كله بعد التحاقي بخدمة الاحتياط وطردوني من دائرتي (السياحة) فلجأت للبيع والشراء وأغلب بضاعتي اشتريها من الناس الذين أعرفهم ولا أتعامل مع (النكرية) هؤلاء يأتون ببضاعتهم بوقت مبكر (قبل الفجر) من قناني وملابس (حبل). وكل ما تقع عليه أيدي هؤلاء اللصوص الصغار. أرجوك أن تطالبوا لنا برواتب نحن العاطلين عن العمل.

أنا رجل طلقتني الحياة وأنام في غرفة بائسة. من يلتفت لنا؟ من يلتفت لنا بريمر أم مجلس الحكم؟

بضاعة هندية

عدد يدوية وأجهزة منزلية بسيطة، منظم مروحة، سكاكين في (بسطية) قاسم إبراهيم. يقول قاسم أعيل من وراء هذه البسطية أولادي الاثنين أعيش بدون تقاعد وعلى رحمة الله.

إلى جواره يجلس مجيد نحو منصور على دكة يضع أمامه (أطوال) قماش الململ. قلت له من أين جئت بهذه البضاعة؟ قال من الهند لأصنع للناس ناموسيات ربما تقيهم شظايا الانفجارات اليومية التي تتوزع في كل مكان من الوطن المحتل!

مخلفات الموتى وجاك عبود

قال لي خضير وهو رجل خبير بالبضائع والناس والباعة في السوق، سأزودك بمعلومات ربما تنفعك هل تعرف أن في السوق أشخاصاً متخصصين في بيع ملابس الموتى التي يأتون بها من مقبرة الكرخ (الشيخ معروف) بعد أن يتركها أهل الميت. وهناك (النكرية) الذين يذهبون إلى الشورجة ويسرقون البضاعة من هناك. وآخرون متخصصون بزيارة الفواتح ويأكلون اللحم والدجاح وينامون في أرقى الفنادق.

خلال حديثي مع خضير لفت نظري رجل يطلقون عليه د. جاك عبود (وهو طبيب معروف في بغداد يهودي عاش في البصرة وانتقل إلى بغداد وهو طبيب نفساني) قلت لصديقي خضير:

*هل من المعقول أن يكون جاك عبود ما زال حياً يرزق؟

ضحك خضير وأجابني:

- لا يا أخي هذا رجل يعمل في مجاري أمانة العاصمة ويعتقد أنه هو الدكتور جاك عبود.

قبل أن أغادر السوق شاهدت أكواماً من البضائع الغريبة: كاميرات، خوذ عسكرية، مواد غذائية أمريكية معلبة، مجلات (ثقافية) بالأطنان، عرفت أن ثمة مجاميع متخصصة بنقل نفايات الأمريكان لبيعها بأسعار باهظة الثمن.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة