الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الرموز الاسطورية في الفن العراقي المعاصر (3-3)

جواد سليم انموذجاً

ومن العناصر الاسطورية الاخرى التي انشغل بها جواد سليم واستثمرها في انجازاته الفنية، الثور .. الذي اتضح متمركزاً في نصب الحرية الشهير، واشارت الدراسات التي تعاملت مع الثور بإعتباره رمزاً للقوة واشارة لتأثر جواد سليم بتفاصيل النحت الآشوري. هذا صحيح ولا نختلف عليه، ولكننا نبتعد كثيراً عن هذه النقطة وسنحاول اثارة كون الثور يمثل عنصراً له صلة مع نظام الخصب/ وعلاقة ذلك بالالوهة المؤنثة واصل الديانات المبكرة. أي ان الثور، منظومة مثل الهلال/ القمر وليس رمزاً. وهو من اهم العلامات التي تبدت من خلالها الام الكبرى، مثلها، مثل الهلال / القمر وليس رمزاً. وهو من اهم العلامات التي تبدت من خلالها الام الكبرى، مثلها، مثل العديد من العلامات الخاصة بها والتي انتجتها ضمن سياق الثقافة الامومية/ القمرية. ومن العلامات الاخرى، الافعى/ الحمامة/ السمكة/ الشجرة/ الارض/ السواستيك/ الارز/ الصنوبر.... الخ.

تتناوب علامة الثور مع العلامات الاخرى، وتقدم لنا صورة عن الامومة المؤنثة وتكون بديلاً بصرياً لها في الاختام الاسطوانية والاعمال الفنية الاخرى. وسعت الخطابات الدينية في الشرق من اجل التوحيد بين الام الكبرى وابنها القتيل بعلاقة واحدة، وهي الثور. حيث كان الثور صفة ملازمة للاله الشاب دموزي/ تموز ولديونيسيس الاغريقي ولميثرا الفارسي، حتى ان العجل المصري اكتسب قداسة مطلقة. ومما يؤكد اقتران الثور علامة دالة على الالوهة المؤنثة النص الشائع والمعروف في ملحمة جلجامش .. النص الذي يرسم لنا تفاصيل عودة الصديقين، الملك جلجامش وانكيدو من غابة الارز، مزهوين بإنتصارهما الكبير على العلامات الامومية وهي شجرة الارز/ الافعى/ خمبابا- كان حارساً لبستان الام الكبرى- ولم يستطع الملك جلجامش التخفيف من زهو وغطرسة السياسي الذي حقق نصراً عسكرياً/ بطولياً حاسماً على غابة الارز/ الام الكبرى في ابتداء الصراع بين السلطتين الشمسية/ والانثوية، وهو بإنتصاراته التي تحققت وبجهد من غيره، وقد اشر في التاريخ السياسي العراقي القديم ما يمكن ان نطلق عليه  (لحظة جلجامش) وامام هذا كله... وعندما دخل مدينة (اوروك) مستعرضاً المدينة مع صديقه التقته الآلهة عشتار، متوسلة به ان يقترن بها ويمنحها بذرته، لم يستجب لها، بل اندفع بحماس شديد الى تقريعها والتنكيل بها والقسوة عليها كثيراً، ووقتها ادركت الآلهة انانا/عشتار بأن القطيعة حصلت بينهما، لأن الملك جلجامش ولأول مرة في حياته تجاوز حياته تجاوز عليها بعنف، فطلبت من ابيها (آنو) ان ينزل لها الثور السماوي/ السحري كي ينتقم من جلجامش وانكيدو، طلبته للاستنجاد به، لأنه علامتها الباقية، المؤثرة بعد تصفية العلامات السابقة في غابة الارز.

استجاب لها الاله (آنو) وانزل الى مدينة اوروك، لكن الامر قد حسم قبل انزاله تماماً. لأن السلطة الشمسية اكدت عناصرها، وابتدأت انتاج ثقافتها ومعرفتها الدالة على مرحلة جديدة، لذا تمكن الملك وانكيدو من الثور السماوي وقتلاه وبذلك انتهت آخر العلامات الامومية والتي بإمكانها مناصرة الالوهة المؤنثة رمزياً. وبهذه الهزيمة، انسحبت انانا/ عشتار/ الام من مساحة الصراع او المواجهة المباشرة في السيادة الدينية، المنتجة لخطاب معين، مرتبط بها، وممثل لها.

هذا توصيف بسيط لواحد من العناصر الاسطورية التي استعان بها جواد سليم، ويبدو بأن هذه الموضوعة هي الموجه للقراءات التي ذكرناها سابقاً بإعتباره رمزاً للقوة والشجاعة والاحتمال. ولكني اجد ومن خلال دراستي لشخصية جواد سليم وتأكيداته المستمرة على الدور الحضاري وعمق المنجز القديم وتجسدات ذلك عبر رموز ادرك التعامل معها، واقتراناً مع صلة داخلية وظاهرية ما بين تلك الرموز بلورات هذه الدراسة عن العناصر الاسطورية، والتي تمثل بالنسبة لي – على الاقل- محاولة استعادة الكامن من المنظومات المؤسسة، ابتداءاً بالحضارة العراقية/ المصرية/ الاغريقية، وصولاً الى الديانات المتأخرة في تبلورها وحصراً ديانة الجزيرة العربية قبل الاسلام، والتي كان الثور فيها حاضنة للأم / والالوهة المذكورة الشابة، لكن هذا يمنع القراءة من الاشارة للتحولات الفكرية الخطيرة التي حصلت بالبنى الفكرية في الشرق، وخصوصاً العلامات الحيوية التي كانت الام تتبدى بها ومن خلالها، ومن تلك العلامات الثور، وهذا ما حصل في الديانة الاغريقية، حيث ظل الثور علامة شمسية وقمرية ولم تستطع السلطة البطرياركية من ازاحته تماماً دخلت اليه، متسللة شعيرات جديدة لها علاقة بالقوة والارض، وحصل اقتران ايضاً مع الام عبر عناصر تشير الى القوة الشجاعة، حيث اتسعت حاضنة العلامة الاولى والتي اشرنا اليها، لتنضوي معها شعيرة القوة. وتلك – منطقياً- ممكنة لأنها من ملامح مرحلة الرمزية / الدينية/ السحرية في طبقات الحضارة القديمة والاشتغال عليها بوعي كامل ورؤى جديدة ومختلفة، لم تقدم لنا ملمحاً خارجياً يومئ لمرجعيته مثلما هو حاصل في تجربة الفنان ضياء العزاوي واستفادته من الفن السومري، من خلال ملامح خارجية، وكذلك الفنان كاظم حيدر، في ملحمة الشهيد، حيث وفرة الرموز والطقوس التي صارت موجهاً مباشراً للقراءة، بينما جواد سليم، لم يقدم لنا مثل الذي اشرنا اليه في تجربة  العزاوي وكاظم حيدر، وانما اعتمدت اللوحة، النص على عناصرها الداخلية المتشكلة مع بعضها لتصوغ لنا خطاباً اسطورياً، هو الذي فتح لنا المجال لقراءة لوحاته/ نصوصه قراءة مختلفة، ومغايرة تماماً. واعتقد بأن سبب تأخر الثور – كعلامة رمزية وحاضنة خصب – في التجسد بأعمال جواد سليم، يعود الى تشكل منظومة معرفية متطورة، ظلت مرتبطة مع مشكلاتها وجذورها الاولى، ولكنها تبلورت متعمقة اكثر وبإتساع اكبر، بحيث حازت روافد جديدة – بالنسبة للفنان – واشتغل عليها جنباً الى جنب مع عناصر اسطورية سابقة، ذات صلة مع العلاقة الجديدة ومرتبطة بها، اضف الى ذلك كله، تحقق بلورة شبه متكاملة لمفاهيم ووعي جواد سليم لجذور ومكونات الحضارة الزراعية، التي كان الثور فيها علامة مزدوجة/ ثنائية، اشتغلت على محيط الام والابن معاً حيث عرفت الحضارات الشرقية تشاكلاً فكرياً وتعالقاً واضحاً بين الالوهة المؤنثة والاله الابن وفي فترات لاحقة من محطات تطور الديانات الشرقية.

لذا فإننا نلاحظ تشاكلاً للعلاقة بين الام/ الابن/ الثور، والذي – الثور حاز على شعيرة جديدة ولهذا ظهرت كثيراً في الرسوم / الاختام/ النحت/ وفيها الالوهة/ انانا/ وفي تطور لاحق عندما حازت انانا/ عشتار على صفة الحرب والقتال.

ان الحديث عن العناصر الاسطورية في الفن العراقي المعاصر لا تعني الحديث – فقط – عن جواد سليم، وانما تستدعي –ايضاً-  قراءة تجارب مهمة وحيوية، مثل تجربة ضياء العزاوي، كاظم حيدر، مظفر النواب، كامل عارف، نوري الراوي- في بعض لوحاته الصوفية – اضافة الى تجارب الفنانين الشباب، والتي تمركزت كلياً حول الاسطورة/ الغرائبية/ اللامعقول. لكني اجد بأن تجربة جواد سليم تستحق هذه القراءة لأسباب، اهمها زيادة الانجاز والمغامرة في دخول مساحة خطابات دينية معقدة، ومتداخلة مع بعضها ، لدرجة يصعب فيها تحديد وفرز خصوصيات التفاصيل الدقيقة، وحصراً في الفن الشرقي القديم، وهذه القراءة هي بمثابة استهلال اول عن تجربة فنان عظيم، جواد سليم، الذي ما زال  الى الآن يكشف عبر لوحاته/ نصوصه عن مستويات في الفكر والفن وتلك سمات الفن الانساني الخالد.


افتتاح دار للأوبرا في دمشق

دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي :

أخيرا، وبعد طول انتظار افتتح الرئيس السوري بشارالأسد مطلع هذا الشهر (أيار) دار الأسد للثقافة والفنون بحضور الملك الماليزي يانغ دي برتوان اغونغ الثاني عشر، وعدد من الوزراء، وحشد من أعضاء السلك الديبلوماسي، وبعض الوفود الأجنبية، والعربية، فضلا عن أعداد من الفنانين والإعلاميين والمهتمين بالشان الثقافي عموما.

وضع حجر الأساس لمشروع دار الأسد للثقافة والفنون ( مشروع المسرح القومي سابقا، ودار الأوبرا لاحقا )، سنة 1987 وكان من المفترض أن يفتتح الدار قبل أربع سنوات، لكن حريقا شب في الصالة الرئيسية،آنذاك، أدى إلى تأجيل الافتتاح إلى هذا التوقيت، وكان الرئيس الأسد قد أصدر المرسوم رقم 19 لعام 2003 القاضي بإحداث هيئة عامة باسم دار الأسد للثقافة والفنون تتبع وزارة الثقافة، وذات استقلال مالي وإداري، وجاء في المادة الثالثة من المرسوم المذكور:تهدف الهيئة إلى نشر الثقافة الموسيقية وتطويرها، ورفع مستواها، وإحياء التراث الثقافي الشعبي والاجتماعي والفني، وتعريف المجتمع بالفنون العالمية الموسيقية منها والمسرحية، وتنمية التذوق الفني لدى الجمهور، وتشجيع حركة الإبداع الوطني فنيا واجتماعيا وثقافيا.

قدم التصميم الأساسي للدار خبراء بريطانيون وفق تصاميم دور الأوبرا العالمية في القرن الثامن عشر القائمة على اللون الأحمر والشرفات على جانب الصالة الرئيسة قبل أن تتابع التنفيذ مؤسسة الإسكان العسكرية، وبلغت الكلفة الإجمالية للدار نحو ملياري ليرة سورية ( 40 مليون دولار أمريكي ).

شيدت دار الأوبرا على مساحة 45 ألف متر مربع، وهي تطل على ساحة الأمويين من الزاوية الجنوبية الشرقية خلف النصب التذكاري للسيف الدمشقي، وتضم عددا من صالات المسارح والاستقبال والمعارض أكبرها صالة الأوبرا التي تتسع لحوالي 1500 شخص مع خشبة مسرح كبيرة مجهزة بأحدث وسائل التكنيك المسرحي، وفي مقدمة هذا المسرح تقع حفرة متحركة للأوركسترا تتسع لنحو 110 عازفين ،وهذا المسرح الكبير مخصص بشكل أساسي لأعمال الأوبرا التقليدية والحديثة وللباليه وكذلك للأعمال المسرحية المتنوعة والعروض الموسيقية والفلكلورية والغنائية وكذلك للعرض السينمائي.

أما صالة الدراما فتشمل مسرحا مخصصا للعروض الدرامية الموسيقية والغنائية يستوعب 750 شخصا وهي مجهزة بنظام المشاهد المعلقة وكذلك بكواليس نظامية مكتملة الخدمات كما أنها مجهزة أيضا بحفرة أوركسترا تتسع لحولي 40 عازفا.

وهنالك الصالة متعددة الاستعمالات وهي صالة تقليدية منبسطة تتسع لحوالي 350 شخصا وهي ذات تقنية تتكيف بسرعة مع الوظيفة المطلوبة، حيث المقاعد مركبة على عربات قابلة لإعادة التوزيع ميكانيكيا مما يسمح بإعادة تشكيل الصالة لتتلاءم مع النشاطات المختلفة.

وثمة كتلة معمارية أخرى باسم كتلة المعاهد وتضم المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى ومدرسة الباليه، وقد وضع هذا القسم منذ مطلع التسعينات قيد الاستثمار لكن المكان بات يضيق وبحاجة إلى توسيع خصوصا بعد أن أضيفت أقسام جديدة إلى المعهد العالي للفنون المسرحية.

وبمناسبة افتتاح الدار وضع مدير دار الأوبرا الدكتور نبيل اللو برنامجا غنيا وضخما يستمر من تاريخ الافتتاح وحتى 30 حزيران القادم تشارك فيه الفرقة السيمفونية الوطنية مع الكورال الكبير بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، والفرقة الوطنية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عصام رافع مع جوقة الغناء العربي، وفرقة التخت الشرقي النسائي، وفرقة خماسي أورنينا النحاسي، وفرقة كورال الحجرة، وفرقة الخماسي الوتري الروسي، وتخت أساتذة المعهد العالي للموسيقى، إضافة لفرقة إنانا الاستعراضية في عرض (زنوبيا ملكة تدمر).

 واعتبر وزير الثقافة السوري محمود السيد افتتاح دار للأوبرا في دمشق خطوة حضارية وثقافية رائدة، لافتا في تصريحات صحفية إلى أن ( دار الأوبرا تعد دارا للثقافة والفنون، وصرحا حضاريا متميزا، وتم تشييده ليكمل أهداف استراتيجية بناء الإنسان عقلا ونزوعا وفكرا، ويمتلك هذا الصرح مقومات متطورة لإعداد الأطر وتأهيلها بغية رفد الحركة المسرحية والموسيقية).

وأضاف الوزير السوري (لاشك أن هذا الصرح سيسهم إسهاما فعالا في تطوير الحركة المسرحية في سوريا، وسيتيح المجال لتبادل الخبرات، وللمزيد من الفعاليات المسرحية، والقيام بالتدريبات اللازمة وبأوقات كافية تحقق الفرصة للفرق المسرحية لتجويد عملها والارتقاء به).

من جانبه أوضح مدير دار الأوبرا الدكتور نبيل اللو أن هذا المشروع كلف اكثر من ملياري ليرة سورية، وكان باسم المسرح القومي، والذي أطلق عليه البعض اسم أوبرا دمشق تيمنا بدار أوبرا القاهرة التي عمرها الآن 150 عاما، إلا أن التسمية الرسمية انتهت إلى دار الأسد للثقافة والفنون.

وقال اللو في مؤتمر صحفي (طموحاتنا اكبر مما سنقدمه، ولكن ما سنقدمه الآن يتناسب مع ما رصد لنا من موازنة بلغت 350 مليونا فقط، وهو اقل بكثير مما كانت الإدارة تطمح به حيث كانت الميزانية أضعاف هذا الرقم قبل مجيء وزارة (الدكتور محمد ناجي) عطري التي قلصت الإنفاق وميزانية وزارة الثقافة بحدود 25 في المئة.

ورد اللو بهذا الخصوص :يقول البعض أن ثمة هدرا في المال العام ينفق على هكذا مشاريع ومنشآت، وأنا أقول إن المال الذي يصرف على الفن بشكل عام، هو استثمار وليس هدرا، وهو مكسب حقيقي يجب توسيع دائرته.

وحول جاهزية الدار أوضح اللو ان الدار أصبحت جاهزة لاستقبال العروض المختلفة ولكن هذا لا يلغي وجود نواقص في التكنولوجيا( إضاءة ـ صوت . . .)، مطالبا بضرورة توفير ميزانية خاصة لتحديث وتطوير وإصلاح الأنظمة.

وأضاف اللو اننا نتعاون مع المعهدين العاليين: المسرحي والموسيقي لتقديم عروض متنوعة إلا اننا لا نستطيع إنتاج أعمال بمعنى الإنتاج حاليا، فالأمر بحاجة إلى موازنة نحن لا نمتلكها، نحن على استعداد استقبال العروض وليس إنتاجها.

 

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة