الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

كل القوانين الدولية ترفض استخدام القوة بإفراط والاعتقال بلا مبرر والتعذيب هل تظل انتهاكات حقوق الإنسان في العراق مستمرة في ظل الاحتلال؟!

المحامي حميد طارش الساعدي

لا يمكن انتهاك حقوق الإنسان في الظروف الاستثنائية، ومنها ظروف الحرب والاحتلال، بل على العكس شددت جميع الاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ذات العلاقة، على منع التوسع في أي إجراء يمكن أن يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان وخاصة في ظل الحروب والاحتلال. وبعد مضي أكثر من عام على إيقاف العمليات العسكرية الرئيسة في العراق من قبل قوات التحالف والتي أدت إلى القضاء على نظام حكم الطاغية صدام، كان العراقيون يأملون في نظام يحترم حقوق الإنسان وتبرز أهمية ذلك للعراقيين من خلال معاناتهم الكبيرة في انتهاك حقوقهم على أيدي النظام المباد، بل كان الأمل ملحاً ومشروعاً في أن تؤسس قوات التحالف، ومن خلال خبرات دولها في المجال الديمقراطي، آليات عملية تضمن احترام حقوق الإنسان لكن الذي حدث هناك عدة خروقات لحقوق الإنسان يمكن بيانها تباعاً.

القانون الدولي

أعطت اتفاقية جنيف الرابعة الحق لدول الاحتلال بأجراء تغييرات على قوانين الدول المحتلة لسببين، أولهما يتعلق بأمن قوات الاحتلال وتطبيق الاتفاقية المذكورة، وثانيهما يتعلق بمصلحة السكان وجاء ذلك من خلال نص المادة (64-2) من الاتفاقية المذكورة. وكذلك نصت المادة (27) منها على (الأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام للأشخاص وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير. ويجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن. ومع مراعاة الأحكام المتعلقة بالحالة الصحية والسن والجنس، يعامل جميع الأشخاص المحميين بواسطة طرف النزاع الذي يخضعون لسلطته، بنفس الاعتبار دون أي تمييز ضار على أساس العنصر أو الدين أو الآراء السياسية.

على أن لأطراف النزاع أن تتخذ إزاء الأشخاص المحميين تدابير المراقبة أو الأمن التي تكون ضرورية بسبب الحرب)وجاء في تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر (في الصفحتين 200-201) على هذه المادة، أنها (تعلن مبدأ احترام شخص الإنسان والطبيعة غير القابلة للهتك للحقوق الأساسية للرجل والنساء، ويمضي التعليق إلى (أنه يجب فهم حق احترام الشخص بأوسع معانيه، وهو يشمل جميع حقوق الفرد، أي الحقوق والصفات التي لا يمكن فصلها عن الانسان بالحقيقة البديهية لوجوده وقواه العقلية والجسدية، وهي تشمل بوجه خاص، الحق في السلامة الجسدية والمعنوية والعقلية - وهذه صفة أساسية ملازمة للإنسان) وتجدر الإشارة هنا إلى أن نصوص القانون الانساني الدولي ملزمة للجميع ولا يسمح أي منها بأي أنتقاص وقد ترجمت على شكل تعليمات موجهة إلى افراد القوات المسلحة للدول من خلال الكتب العسكرية لغرض التثقيف عليها والتقيد بها من قبل افراد القوات المسلحة للدول المختلفة وقد جاء ذلك في كتاب (قانون الحرب البرية، الجزء الثالث، 1958) في بريطانيا وكتاب (قانون العمليات الحربية البرية، دائرة الكتيب الميداني للجيش، 1956) في الولايات المتحدة الامريكية، يضاف إلى ذلك فان القانون الدولي الانساني يلزم دول الاحتلال باحترام معاهدات حقوق الانسان التي تشكل الدولة التي احتلت اراضيها جزئياً أو كلياً طرفاً فيها، وكذلك أكدت لجنة حقوق الانسان، التي تراقب تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ذلك في تعليقها العام رقم (26) حيث نص على أن (الحقوق المكرسة في العهد تعود إلى اشخاص يعيشون في أراضي الدولة الطرف) ولهذا يتعين على الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة الالتزام الكامل بقواعد القانون الدولي الانساني ومعاهدات حقوق الانسان في إدارتهما للعراق، وتتفوق ضمانات الحماية للإنسان في معاهدات حقوق الانسان على ضمانات القانون الدولي الانساني خاصة في التصدي للفوضى خارج العمليات العسكرية واستخدام القوة وعمليات القاء القبض وهذا يعني أن تأمين ضمانات حماية حقوق الانسان، أياً كان مصدرها القانوني والمشار اليها انفاً، يكون واجباً ملزماً للولايات المتحدة وبريطانيا في إدارتهما الحالية للعراق.

القانون المحلي

نصت المادة (65) من اتفاقية جنيف الرابعة على أن (القوانين الجزائية التي تسنها دولة الاحتلال لا تصبح نافذة إلا بعد نشرها وإبلاغها للسكان بلغتهم) بينما اصدرت سلطة الائتلاف تشريعات عديدة واعتبرت نفاذها من تاريخ توقيعها وهذا ليس خرقاً للنص الدولي المذكور فحسب بل خرقاً لأسس القانون التي تتطلب اعلام الناس بمواد القانون من خلال نشره بالجريدة الرسمية واعطاء مدة كافية لشيوعه بينهم حتى تترتب على ذلك مساءلتهم في حالة خرق مواده، أما الخرق الثاني للنص الدولي فهو واضح من خلال ما جاء في نص الفقرة (2) من القسم الثالث للأنظمة والاوامر الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة (... وينشر الأمر أو النظام باللغات ذات الصلة ويتم توزيع كل ما نشر منها على أوسع نطاق ممكن. وفي حالة نشوء أي اختلاف بين مضمون النص المكتوب باللغة الانكليزية والنص المكتوب بأي من اللغات الأخرى يؤخذ بالنص المكتوب باللغة الانكليزية ويعتد به) وهذا خلاف ما يقتضيه النص الدولي اعلاه من ابلاغ السكان بلغتهم.

استخدام القوة

بلا شك لا زالت كثير من المظاهر المسلحة تحدث في اماكن متفرقة من العراق وهذا يعني انطباق قواعد القانون الدولي الانساني على هذه الاحداث والتي بموجبها تلزم دول التحالف بعدم القيام بالهجوم المباشر على المدنيين ما لم يشاركوا في الاعمال الحربية مع اشتراط أن يكون الرد على الهجمات العسكرية منسقاً مع مبدأ التناسب ووفقاً للمبادئ الاساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية التي أصدرتها الأمم المتحدة والتي تقضي بعدم استخدام القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وإلى أدنى حد تقتضيه الظروف بينما تشير الاحصائيات إلى قتل أكثر من (10.000) عراقي منذ 20 آذار 2003 مع أعتراف العميد الامريكي مارك كيميت في شباط 2004 قائلاً (إننا لا نملك القدرة على تسجيل جميع الاصابات التي تقع في صفوف المدنيين)، وما زال المدنيون العراقيون يقتلون كل يوم وكثير من حوادث القتل لم تشهد التغطية الدولية وكأن شيئاً لم يكن، وعند التدقيق في الكثير من عمليات القتل تجدها ناتجة عن الاستخدام المفرط للقوة من جانب جنود التحالف، بل تجد بعضهم قتل اثناء مشاركته في التظاهرات السلمية، والجيش الامريكي يعترف بذلك من خلال دفعه تعويضات محدودة لعدد قليل من الضحايا، حيث صرح بذلك في تشرين الثاني 2003، بلغت (1.5) مليون دولار أمريكي، أما بالنسبة لأغلبية الضحايا فالأمر أكثر سوءاً وتعقيداً حيث لا تتوفر أمام عائلات الضحايا سبل تظلم بسبب إصدار أمر في حزيران 2003 من سلطة الائتلاف (الفصل 2 (3) من المذكرة رقم (3) يقضي بمنع المحاكم العراقية عن النظر في القضايا التي ترفع ضد جنود التحالف وأي مسؤول آخر تابع للتحالف وبذلك لم تتم مقاضاة أي جندي من التحالف على قتله مواطناً عراقياً بصورة غير قانونية، وهذا خرق لقواعد القانون الانساني الدولي والاعلان العالمي لحقوق الانسان التي نصت مادته (3) على (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه) وابسط اجراء كان يمكن أن تقوم به سلطة الائتلاف هو الإعلان عن الآلية التي بموجبها تتم بها محاكمة مرتكبي الجرائم ودفع التعويضات للضحايا واعلان نتائج التحقيقات.

الاعتقال

سجلت كثير من الخروقات للقانون أثناء عمليات القاء القبض على العراقيين واحتجازهم في سجن أبو غريب، الذي مورست فيه ابشع الجرائم بحق الانسان خلال نظام صدام المنهار، حيث أشارت اتفاقية جنيف الرابعة إلى نطاق محدود لقوات الاحتلال للتشريع وهو عبارة عن استثناء كما نصت المادة (64) من الاتفاقية المذكورة، ونتيجة لذلك نصت المادة (66) من الاتفاقية على أنه في حالة إصدار دولة الاحتلال أحكاماً تشريعية، يجوز لها أيضاً أن تنشئ (محاكمها العسكرية غير السياسية والمشكلة تشكيلاً قانونياً، التي تعقد في الاراضي المحتلة، ويفضل عقد محاكم الاستئناف في البلد المحتل)، وهذا يعني أن أغلب مواد القانون الجنائي العراقي لا زالت نافذة وهي تنص على إبلاغ  المتهم بالتهمة الموجه اليه اثناء اعتقاله وعدم استعمال الاساليب المهينة اثناء الاعتقال، قد تم الكثير من عمليات الاعتقال من قبل قوات التحالف دون مراعاة ذلك، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ما نشرته السلطة المؤقتة للائتلاف في تشرين الثاني 2003 لقائمة بأسماء (8.500) معتقل على شبكة الانترنيت ومعظمهم محتجز إلى أجل غير مسمى ومن دون تهمة بوصفهم (متهمين بأنهم إرهابيون) أو معتقلين (أمنيين) وخلال اللقاء بالعائلات التي تنتظر خارج سجن أبو غريب، تقول، إن معظم أقربائهم قبض عليهم في مداهمة جرت بلا تمييز ولا يعرفون مصيرهم أو مكان احتجازهم، والكثير من المعتقلين تجاوزوا فترة (90) يوماً، التي حددتها المذكرة (3) الصادرة من سلطة الائتلاف، المقررة لأجراء المراجعة القضائية، أي مثولهم أمام قاض لتحديد مصيرهم، وهذه الضمانة أقل من ضمانة القانون العراقي التي حددت (24 ساعة) لأجراء المراجعة القضائية وهذا يمكن اعتباره خرقاً لحقوق الإنسان حيث أكدت المادة (4/9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على تمتع أي معتقل بالقدرة على طلب إجراء مراجعة قضائية، وليس إدارية فقط، وفي أي وقت يشاء، لشرعية اعتقاله وإطلاق سراحه إذا كان الاعتقال غير قانوني.

التعذيب

تؤكد التقارير وشهادات الشهود بأن فضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين على ايدي جنود التحالف ليست هي الاولى من نوعها، ومثلت خرقاً سافراً لحقوق الانسان والمواثيق الدولية حيث نصت المادة (5) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة) كما تضمن المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في عدم التعرض للتعذيب وعلقت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة على ذلك إنه (لا يجوز تضييق هذا الحكم حتى في حالات الطوارئ الاستثنائية) وهذا يعني أن الحالات التي يعيشها العراق وهي بمثابة، حالات طوارئ استثنائية، لا تعطي الحق بالتعذيب أو المعاملة المهينة من قبل أفراد التحالف تجاه العراقيين، وأمتد تعليق اللجنة المذكورة ليشمل، اعتبار الحبس الانفرادي، تبعاً للظروف، وبخاصة إذا بقي الشخص بدون اتصال بالآخرين، من ضروب التعذيب المحرمة. وفي حالة النزاع المسلح الدولي أو حروب التحرير الوطني تحظر المادة (11) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف أي عمل يمس (الصحة والسلامة البدنية أو العقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم أو يتم احتجازهم أو اعتقالهم أو حرمانهم بأية صورة أخرى من حرياتهم).

وفي حالة المنازعات المسلحة غير الدولية، تحظر المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع (المعاملة القاسية والتعذيب) فيما يتعلق بالأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية. كما تحظر المادة المشار إليها (الاعتداء على السلامة الشخصية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب) وإضافة إلى ذلك تحظر المادة (4) من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأعمال الآتية في كل زمان ومكان وهي (أ- الاعتداء على حياة الأشخاص وصحتهم وسلامتهم البدنية أو العقلية ولاسيما القتل والمعاملة القاسية كالتعذيب والتشويه أو اية صورة من صور العقوبات البدنية... (ج) انتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان والاغتصاب والإكراه على الدعارة وما ما من شأنه خدش الحياء... (ح) التهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة) وعملاً بالمادة (16) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، تنطبق الالتزامات الواردة في المواد (10، 11، 12، 13) على كل من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، ومن هنا فأن المادتين (12، 13) تتطلبان من الدول كفالة تقصي الشكاوى بشأن وقوع أعمال تنطوي على تعذيب أو معاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة على السواء، وبالمثل، عملاً بالمادة (10)، يتعين على الدول أن تدرج في تدريب الموظفين بانفاذ القوانين والموظفين الطبيين والموظفين العموميين، تثقيفاً ومعلومات بشأن حظر التعذيب / المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة. أما المادة (4) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة فقد ألزمت كل دولة طرف أن تكفل اعتبار كل عمل من أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي. كما تكفل الدول تمتع الضحايا بحق واجب التنفيذ في تعوض منصف وكاف لضحايا التعذيب (كما في المادة (14) من الاتفاقية المذكورة)، وعدم الاستشهاد بأية أقوال يتم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال (كما في المادة (15)).والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، طرفاً في هذه الاتفاقية، والعراق أصبح طرفاً فيها بعد صدور قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية والتي نصت المادة (23) منه على أنه الحقوق المذكورة في القانون ليست هي الوحيدة بل يضاف إليها الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها والتي تعد ملزمة له وفقاً للقانون الدولي، حيث لم ينظم إليها نظام صدام المباد لاشتهاره بارتكاب جرائم التعذيب على المستوى الدولي.

ومن أسس قواعد معاقبة القائمين بالتعذيب بأنها تشمل المباشرين وغير المباشرين أي مسؤولي القائمين بالتعذيب الذين كان يجب عليهم مراقبة ما يجري ومنع حدوث جريمة التعذيب وهذا ما يفسر المطالبات باستقالة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي.


في ضوء الفضيحة الامريكية في تعذيب المعتقلين العراقيين : البعد والوطني الدولي لتحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الانسانية

د. حيدر ادهم الطائي

يعرف القانون الدولي بإعتباره نظاماً قانونياً يعمل على تنظيم العلاقات بين اشخاص القانون الدولي، وهم بشكل اساس الدول والمنظمات الدولية.

ومع ذلك فإنه لا يمكن انكار وجود توسع افقي مطرد لفروع القانون الدولي وقواعده. وما يعرف حديثاً بالقانون الدولي لحقوق الانسان هو واحد من هذه الفروع التي تعنى بقضايا حقوق الانسان وحرياته الاساسية في وقت السلم او في حالة النزاعات المسلحة. والحقيقة ان جانباً مهماً من مضمون القواعد القانونية التي يشملها هذا الفرع الجديد لها بعد وطني داخلي، فتحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الانسانية جرى تحريمه في الدساتير الوطنية وبموجب العديد من الاتفاقيات الدولية.

تحريم التعذيب والعقوبات

في السويد ما برحت حقوق الانسان والحريات الاساسية تحظى بحماية القانون السويدي منذ عام 1350 تقريباً. اما اليوم فإن الحقوق والحريات الاساسية محمية بموجب الدستور اذ يوفر الدستور السويدي الحماية للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية على الرغم من عدم وجود قانون مستقل للحقوق، إذ يتضمن الفصل الثاني من اداة الحكم (الدستور) عدداً من اهم الحقوق والحريات الضرورية للانسان ومنها تلك المتصلة بتحريم التعذيب والمعاملات القاسية وغير الانسانية اذ ان الاكراه الممارس من قبل السلطات العامة للافصاح عن رأي في مسألة سياسية او دينية او ثقافية او اية مسألة مماثلة امر محظور. كما تحظر المادة الخامسة من الفصل الثاني من اداة الحكم (الدستور) العقوبات الجماعية و التعذيب والتأثير او التدخل الطبي من اجل انتزاع الاعترفات او منع الادلاء بها.

ان النصوص المتقدمة تمثل نموذجاً لدولة توصف بأنها تحترم حقوق الانسان الى حدٍ بعيد. وفي المقابل يمكن الاشارة الى الدستور التركي الصادرعام 1982 وهي دولة لا تمثل نموذجاً يحتذى به في احترام حقوق الانسان اذ تشير المادة (17) من دستورها الى عدم جواز اخضاع أي شخص للتعذيب ا و سوء المعاملة او العقوبات او المعاملات التي تتنافى مع كرامة الانسان.

وفي آخر دستور عراقي مطبق وهو دستور 1970 المؤقت اشارت المادة الثانية والعشرين في الفقرة (أ) الى ان (كرامة الانسان مصونة، وتحرم ممارسة أي نوع من انواع التعذيب الجسدي او النفسي) وتبدو المفارقة جلية في ضوء ممارسات النظام السابق مع هذا النص الدستوري الذي كتبته يدُ الجلاد.

موقف الاتفاقيات الدولية

نصت العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بمسائل حقوق الانسان على تحريم التعذيب والمعاملات القاسية وغير الانسانية منها ما جاء في الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي اكدت في مادتها السابعة على عدم جواز اخضاع أي فرد للتعذيب او العقوبة او معاملة قاسية او غير انسانية او مهينة، وعلى وجه الخصوص فإنه لا يجوز اخضاع أي فرد دون رضائه الحر للتجارب الطبية او العلمية.

اما الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان فقد قضت في مادتها الثالثة على انه (لا يمكن ان يخضع احد للتعذيب او العقوبات و المعاملات غير الانسانية او الاستثنائية). والحقيقة ان هذه المادة تشبه الى حد كبير المادة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق  الانسان التي نصت على انه (لا يعرض أي انسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية او الحاطة بالكراهة).

يبدو مما تقدم ان هناك اجماعاً دستورياً ودولياً على المستوى الوطني والدولي على تحريم التعذيب والمعاملات غير الانسانية او القاسية ويمكن تثبيت الملاحظات الآتية على هذه النصوص:

1. ان النصوص جاءت مطلقة في مضامينها. أي ان تحريم التعذيب والمعاملات غير الانسانية والقاسية هو امر غير جائز في جميع الاوقات سواء في الظروف الاعتيادية او في الاوقات الاستثنائية.

2. ان حجم الانتهاكات كما هو معروف في تقارير دولية مختلفة ما زال كبيراً ويكفي ان نشير الى فضيحة تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن ابي غريب من جانب جيش تابع لدولة دخلت حرباًُ واحتلت بلداً تحت شعارات حقوق الانسان مما يستدعي البحث مجدداً في اكثر نقاط الضعف بروزاً في النظام القانوني الدولي على وجه الخصوص الا وهي ضرورة وجود آليات قضائية فعالة لمعاقبة القائمين على انتهاكات حقوق الانسان وهو امر قد حدث بخصوصه تطور ملحوظ في العقد الاخير من القرن الماضي عندما انشئت العديد من المحاكم الجنائية الدولية.

3. ان اشاعة الوعي بين اوساط المواطنين في جميع البلدان بمضامين الحقوق التي تحفظ كرامة الانسان وحريته امر من الضرورة بمكان للوصول الى افضل النتائج خدمة للانسان، وهنا تلعب اجهزة الاعلام المختلفة دوراً اساسياً في اشاعة هذا الوعي. والحقيقة ان وجود مثل هذا الوعي لدى الناس مع ضمانات قضائية وآليات لمعاقبة المجرمين على مثل هذه الانتهاكات سوف يعزز مضمون هذه الحقوق الى حدٍ كبير اما اذا لم تتوفر هذه الضمانات القضائية الفعالة فإن الامر قد يؤدي الى السير بإتجاه معاكس وهذا بدوره سيقود الى نتائج غير مرغوب فيها.


 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة