الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

 صابات لسرقة الأدوية وتصنيعها في البيوت .. شركات ومذاخر بلا أجازات تستورد الأدوية وتبيعها

عبد الكريم العبيدي

إلى أين كانت تذهب الأدوية المستوردة إلينا ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء؟ وبأية صفقات مشبوهة كانت تعقد؟!

(بعضنا) كان يعرف أدق تفاصيلها وأسرارها، ولكنه اكتفى بالصمت حفاظاً على سلامة رقبته.. أما اليوم، بعد سقوط الطاغية، فقد بدأ يسهب في تفاصيلها. وسط الخراب الذي تجاوز المذاخر والشركات والصيدليات ونفذ إلى النفوس فاستحال وباء!

 صفقات / رشاوى

(في العهد المباد، كان الفساد شاملاً، طال الحياة كلها... فكان لابد لوزارة مهمة مثل (الصحة) من أن تضيع بكل مرافقها في ذلك الفساد).

يقول الطبيب الصيدلاني (ع.م.أ): (لم يسلم في وزارة الصحة شيء بسبب جرائم صدام، كانت وزارة عصابات وتكتلات غريبة.. حصلت فيها الكوارث، خصوصاً بعد تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، فقد سيره صدام وفق أهوائه وحساباته المتهورة والغبية.. وراح يعقد الصفقات / الرشاوى مع الدول التي يرى أنها مهمة ومؤثرة في تهميش الحصار أو الحد من قسوته عليه وعلى زبانيته.. لقد كان يحلم كثيراً، وكانت كل أحلامه زائفة!).

(ذات مرة) يضيف الصيدلاني: (أبرم عقد مع شركة روسية لتزويدنا بالمضادات الحيوانية، بقيمة عشرة ملايين دولار، وبعد سنتين على استمرار تدفق شحنات هذه المادة، تبين أنها تالفة، وغير صالحة.. وعندها أجري تحقيق في ملابسات هذه الجريمة، فاتضح إن الشركة وهمية ولا وجود لها، وكل ما في الأمر أن عصابة كبيرة في وزارة الصحة، لها نفوذ كبير لدى النظام، اتفقت مع عصابة في السفارة العراقية في موسكو على إيجاد موردين للأدوية تحت اسم شركة وهمية وغير قانونية. تماشياً مع رغبة صدام في عقد الرشاوى مع الدول، وتقاسم الغنيمة بين جميع الأطراف!!.. وما أن فاحت أولى روائح تلك الجريمة حتى صدر أمر من (الجهات العليا) بغلق ملف الجريمة فوراً، وصرف النظر عن العشرة ملايين دولار في فترة هي من أحرج وأقسى المراحل التي مر بها العراق..

إن عقد الصفقات (يقول محدثنا): (كان محكوماً بمواقف تلك الدول من نظام صدام. ومن أهميتها في المحافل الدولية.. فهي لا تخضع لأي آلية علمية تعتمد على جودة الدواء ونوعيته، وحاجة السوق، ودور (البديل المحلي) ونمطية الاستهلاك.

ونتج عن ذلك التسييس الأحمق، استيراد كميات هائلة من مادة دوائية واحدة، ما دامت متوفرة في مخازن تلك الدولة التي أراد صدام لفت نظرها، دون الأخذ بعين الاعتبار كمية الدواء المستورد ونوعيته، وشحة المواد الأخرى، وحاجة السوق إليه!، مما أدى إلى تكديس تلك المادة الفائضة وخزنها لسنوات عديدة ومن ثم تلفها بعد نفاد صلاحيتها!!

أحياناً (يضيف قائلاً) يتم التعاقد على أدوية معينة مع مناشئ رديئة، ومعروفة السمعة استجابة لتوجيهات صدام بضرورة عقد المزيد من الصفقات (الهوائية) مع دولة معينة دون غيرها، ويحصل نتيجة لذلك وصول شحنات كبيرة من تلك المادة ذات الموصفات الرخيصة جداً. والتي لا تتناسب مع أي مادة من نوعها مصنعة في دولة نامية من دول العالم الثالث!!).. وكم من مرة يتم التعاقد على أدوية معينة فائضة في تلك الدولة التي يريد صدام انعاش اقتصادها على حساب العراقيين، فتصلنا بكميات كبيرة، ويتم خزنها حتى تفسد تماماً دون أن يسأل عليها أحد!

 

كانت وزارة لصوص!

ويضيف الصيدلاني (ع.م.أ): في الوقت الذي كانت فيه الأموال الطائلة من العملة الصعبة تهدر هنا وهناك تنفيذاً لأوامر صدام وأهوائه المريضة، كانت اللقاءات المستمرة تجرى بين صدام وكوادر الشركة العامة لصناعة الأدوية لغرض (حلب الروح العراقية) على خلق البدائل، وإنشاء صناعة دوائية محلية تضاهي المواصفات العالمية (!).. كان الغرض من كل ذلك التغطية على الأموال المصدرة، وعكس صورة زائفة عن حقيقة الوضع المأساوي الذي يعيشه العراقيون، وكانت (الكوادر) تعاهد زوراً وبهتاناً لنيل التكريمات الفخمة والصعود إلى مناصب إدارية بطرق وحيل زائفة مقابل تصنيع أدوية رخيصة وذات كفاءة محدودة جداً، وعقد صفقات سرية في أروقة الشركة والوزارة على حساب حاجة السوق، وصحة المواطنين، وفقدان الكثير من الأدوية).

لقد كانت وزارة عصابات (يضيف محاورنا): أجزم لك أن كل كوادر الوزارة، من وزيرها إلى أصغر شخص فيها من المتنفذين حصراً، هم غير أكفاء، بل بالعكس كانوا فرقاً من اللصوص والمجرمين، لا هم لهم غير جمع المال وعقد الصفقات والحصول على المناصب!

ويضيف: كم من مرة يتم إبرام صفقات مع شركات هندية لشراء دواء معين (رفض الكشف عنه!) وتصل شحنات كبيرة منه وتتلف في المخازن لعدم حاجة السوق إليها!!.. وذات مرة تم التعاقد على شراء دواء مضاد لالتهاب اللوزتين (!) مع شركة انكليزية تعمل تحت غطاء (معين) وكان سعر العلبة الواحدة (عشرة) دولارت، أي بحدود الـ(25) ألف في ذلك العهد (!؟) للعلبة الواحدة.. وهذا السعر الخيالي كاف لمعرفة زيف هذه الصفقة، فمن يقدر على شراء علبة دواء بهذا السعر لمعالجة التهاب اللوزتين؟! علماً أن البديل المحلي متوفر دائماً في الأسواق وبسعر زهيد جداً!!.. ولكن الواقع كان شيئاً آخر.. إذ تم تحويل الصفقة برمتها إلى مكتب عبد حمود وعلي حسن كيمياوي وتم بعد ذلك تهريبها باسطة عصاباتهم ونقاط التفتيش العائدة لهم إلى تركيا وبيعها بسعر التراب!!.. لقد كان النهب والجرائم مستمران من الوزير إلى المسؤولين الكبار في الدولة.. فذات مرة انتجت شركة الأدوية في سامراء كبسولاً فارغاً تم ملؤه بمادة الكلوكوز، وبيع في الأسواق؟! ومرة أمر حسين كامل الذي كان مشرفاً على الشركة نفسها بتعبئة قناني كبيرة بشراب لسعال الأطفال، سعة القنينة الواحدة ثلاثة لترات (!!) وكانت خطوة (فريدة) حقاً في عالم الأدوية سخر منها القاصي والداني لعدم كفاءتها ومقعوليتها، ناهيك عن مواصفاتها الصحية المتدنية!!

جرائم

كل المستشفيات (يقول محدثنا) مرتبطة تقريباً بوزارة الصحة دون شك باستثناء مستشفى العوجة المرتبط مباشرة بديوان الرئاسة(!).. كان له استيراده الخاص من الأدوية الشاملة طوال فترة الحصار، وكان كادره متميزاً يحظى باعتبارات عديدة... وعلاوة على ذلك، كانت محافظة (صلاح الدين) من أولى المحافظات التي ترسل اسطولاً حديثاً من سيارات الحمل الحديثة لغرض نقل شحنات الأدوية حال وصولها إلى مخازن الوزارة، في حين تبقى حصص المحافظات، خاصة الجنوبية منها مخزونة لفترة طويلة لعدم توفر وسائط النقل الخاصة بها، وعدم تمكنها من توفيرها أصلاً!!

أما الهدايا والمساعدات الإنسانية التي تصل من جميع المنظمات فكانت مخصصة حصراً لعلي كيمياوي وعبد حمود وعصابتيهما. حيث يتم نقلها إلى خارج القطر بموافقة وكيل الوزارة السابق، وبيعها هناك!!

 

جهاز فحص واحد فقط!

يقول الدكتور الصيدلاني محمد فوزي حلمي صاحب صيدلية الرياش: ثمة شركات معتمد عليها في الوقت الحاضر لتصنيع وبيع الأدوية في السوق لسد الحاجة المحلية، وهي شركات أهلية تجارية حاصلة على إجازات من قبل وزارة الصحة ويخضع انتاجها للمركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية منها: (شركة الفرات والصفا والشهيد والانعام ووادي الرافدين والشرق الأوسط وظفار) وغيرها. والحق أن تصنيعها يحمل مواصفات جيدة. ولكن ثمة أدوية تأتي من مناشئ أخرى عديدة لا تخضع للفحص وليس عليها رقابة، وهذا ما يجعل الوضع الدوائي سيئاً في الوقت الحاضر.. وحسب علمي أن وزارة الصحة تقوم في الوقت الحاضر بتشكيل لجان فحص وتقوم بزيارات مفاجأة لهذه المناشئ وتعمل على سحب الإجازات وفحص الأدوية، خاصة للمذاخر التي لا تملك إجازة خاصة وتقوم باستيراد الأدوية من مناشئ مختلفة وأضاف: هناك أدوة موجودة في الأسواق جاءت من مناشئ متعددة بدون فحص وبدون رقابة.. واعتقد أن أغلب هذه الأدوية تباع على (محلات الممرضين) أكثر مما تباع على الصيدليات.

وتطرق إلى الحال التي آل إليها المركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية فقال: تعرض المركز لموجات النهب التي تلت سقوط النظام مما أدى إلى تعطيل فاعليته بشكل كبير، وانعدام قدرته على متابعة عمله المهم في المراقبة والفحص.. فعلى سبيل المثال كان المركز يمتلك ستة أجهزة فحص من نوع (HPLC) ولكنه الآن لا يملك سوى جهاز واحد فقط.. مما أدى إلى انخفاض قدرته العملية والفعلية إلى 30% تقريباً!!

وأضاف: أكثر ما يؤلمني حالياً هو ظاهرة الإقبال الشديد على بعض الأدوية واستعمالها بطرق غير صحية وبلا إرشادات طبية لغرض الحصول على منافع لا علاقة لها بطبيعة الدواء وأسباب وجوده في السوق.

فهناك إقبال واسع من قبل البنات على (حبوب دكسون) المستخدم علاجا لزيادة الشهية ولكنه يعمل على حفظ الماء في الجسم، ويؤدي إلى الانتفاخ، ولهذا زاد الإقبال عليه من قبل الفتيات اللائي يرغبن بزيادة أوزانهن (!!) برغم أن لهذا الدواء أعراضا جانبية كثيرة منها: أنه ينخر العظام ويسبب عدة أعراض أخرى فما بالك بأخذ جرعات كبيرة منه؟!

وبين أنه يحاول أن ينصح المراجع ويبين له مخاطر هذا الدواء في حالة استخدامه بطريقة غير صحية، ولكن أغلب المراجعين يصرون على شرائه برغم التحذيرات!!

وأضاف: هناك ظاهرة خطرة تكمن في الإقبال الشديد على بعض الأدوية واستخدامها كمادة للتخدير والإدمان عليها من قبل بعض الشباب، ومنها السومادريل الذي يستخدم مسكناً  لآلام المفاصل، وشراب بلماكودين المضاد للسعال والفاليوم وغيرها، وهذه ظاهرة خطرة يجب أن ينتبه لها الجميع ويحاولوا مكافحتها لما تسبب من مشاكل خطرة في الأدمان وسوء الاستخدام غير الصحية والمهلكة..

ماء مقطر.. لا غير!!

يقول (...) وهو طبيب صيدلاني رفض الكشف عن اسمه: في السابق كانت هناك حصص توزع بشكل منتظم.. أما الآن فنعتمد على شركات تجارية وعلى مستوردين مجازين من قبل وزارة الصحة.. واعتقد أن شحة بعض الأدوية لا تزال موجودة ولكنني لم أر الآن ظاهرة الاستغناء عن نصف الدواء المقرر من قبل الطبيب بسبب العوز والفقر أيام الحصار وهذا ما يجعلني متفائل.

وأضاف: أكثر ما يقلقني هو النصب والاحتيال الذي يقوم به ضعاف النفوس من جمع قناني الأبر المستخدمة وتعبئتها بمادة الملح أو الماء الممزوج بصبغة مشابهة، وتغليفها وبيعها في السوق.. إنها ظاهرة خطرة يجب مكافحتها سريعاً..

وبين عدداً من حالات الاحتيال فقال: بعض الممرضين العاملين في المستشفيات يقومون بزرق المرضى بالماء المقطر ويسرقون الأبر المخصصة للمرضى، خاصة أولئك المصابين بانزلاق الغضروف وآلام المفاصل من الراقدين في المستشفى وهذه ظاهرة لم ينتبه لها الكثير!!

وأضاف: هناك عصابات تقوم بتصنيع الأدوية عن طريق جمع القناني الفارغة وملئها بالماء والأصباغ وتغليفها.. ومما يجب ذكره أن بعض الأطباء مع الأسف يشخصون نوع العلاج للمرضى المراجعين في ضوء الأدوية المتوفرة في الصيدليات المتعاونة معهم والقريبة من عياداتهم مقابل رشاوى تتم بينهما سراً وهذا العمل برأيي يصل إلى حد الجرائم!!

قد لا تجد دواءاً معيناً في أكثر من صيدلية، وإذا ما وجدته، فلربما يكون سعره باهظاً، وما عليك إلا أن تتجول قليلاً في أرصفة الباب الشرقي وباب المعظم وبغداد الجديدة وأحياء أخرى عديدة في بغداد وعندها ستصطدم اقدامك باكداس كثيرة من مختلف أنواع الأدوية وبأسعار زهيدة جداً!

أحد الباعة قال: (استورد) بضاعتي من قبل بعض الممرضين والممرضات العاملين في المستشفيات!! واضاف: هناك (وسطاء) كثر يقومون بجمع الأدوية من أشخاص وبيوت ومحلات ويقومون ببيعها لنا!! وكما تعرف فلا يوجد في الوقت الحاضر مراقبة ولا حساب ولهذا كثر (أمثالي) من الباعة في هذه الأرصفة!! واعترف بأن هناك الكثير من العصابات التي تقوم بتصنيع الأدوية والاحتيال والنصب على الباعة وأحياناً على الصيادلة أنفسهم بسبب دقة تزويرهم لصناعة الأدوية المزيفة!!

في عهد صدام كانت عصابات الأدوية تسرق المساعدات وتنهب الأدوية المستوردة بتوجيه ومتابعة من مجرمي النظام أنفسهم أما الآن فعصابات الأدوية تحولت إلى التصنيع والغش والاحتيال في ظل الفوضى الذي طال الصيدليات والمذاخر ومحلات زرق الأبر أيضاً!!


 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة