الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

أول مدينة خليجية شهدت ولادة جامعة

التنومة.. عين على جرحها الذي عمقته الحروب وأخرى ترقب الإعمار!

البصرة / عبد الحسين الغراوي

يروي اهل التنومة معادلة هي إن (الحاجة نومة + تلها= تنومة) وهم فرحون باسمها المنحوت هذا الذي تؤطره حكاية شعبية تعرفها الجدات وكبار السن، الحكاية تعود إلى عام 1914 خلال الحرب العالمية الاولى، لكن هذه السيدة الجميلة المتربعة على عرش محبة اهلها (التنوميين) ما زالت إلى الآن تئن من جراحات الحروب التي ادمت قلبها واضطرت أهلها إلى هجرها وتحولت منذ عام 1980 إلى ساحة معركة. ولا بد من الاشارة هنا إلى أن التنومة هي اول مدينة جنوبية وخليجية تأسست فيها جامعة، حدث ذلك عام 1964 حين افتتحت جامعة البصرةالتي ما لبثت ان غرقت هي وجامعتها  عام 1969، وكيف للذاكرة البصرية أن تنسى مشهد العباراتين (ابن بطوطة) و(ابن ماجد) وعبارات الطرق والجسور وهي تقوم بنقل طلبة الجامعة إلى كليتهم في قضاء العرب ذهاباً واياباً، وعندما اخذت الجامعة تتعرض إلى القصف خلال الحرب العراقية الايرانية انتقلت إلى كليات باب الزبير، في حين غاب عن الذاكرة موقعها الاول في التنومة، بعد أن تحول الآن إلى ارض جرداء!! هذه كانت قراءة سريعة في الخطوط الموشومة على جسد التنومة التي نبدأ بحل معادلتها الكيميائية (تل+نومة=تنومة) وفي جولتنا الميدانية كانت محطتنا الأولى مع مدير شرطة قضاء شط العرب السيد علي

منشد عدنان الذي فتح لـ(المدى) قلبه وقال - ينهض رجال شرطة قضاء شط العرب بدور رائد في مطاردة المجرمين والخارجين على القانون من اجل تثبيت دعائم الأمن والاستقرار وحماية المواطنين وممتلكاتهم، لأن مدينة التنومة منفذ حدودي مهم، حيث منطقة الشلاامجة محاذية للحدود الإيرانية، وهذا المنفذ الحدودي يشهد يومياً دخول الآف الايرانيين القادمين لزيارة العتبات المقدسة، وهذا الزخم في عدد السيارات أثر سلبياً على حركة عبور السيارات على جسر التنومة الذي تحول إلى مشكلة تتطلب الاسراع لمعالجتها.

وأضاف: إن شرطة التنومة كثفت من دورياتها وألقت القبض على عدة عصابات لسرقة السيارات والتسليب وما زالت مفارزنا تشدد من قبضتها الحديدية لمطاردة المجرمين.

العمة (نومة) اولاً

ولحسن حظي التقيت مصادفة بأحد رياضيي المدينة وعرفت إنه اللاعب والمدرب هاشم محمد حنون - الفتى التنومي الذي انتقل إلى بغداد ثم عاد إلى مدينته بلقب (هاشم جوية) وهو، كما عرفت منه، سعيد بهذا اللقب الذي يعتبره وسام شرف طرز سجله الرياضي، وعندما عرفت إن بامكانه حل (معادلتنا الكيميائية) طلبت منه التحدث بعيداً، عن الرياضة وقريباً من حل لغز الاسم لهذه المدينة فابتسم وقال:

-حكاية التسمية شاعت عند عامة الناس في قضاء شط العرب وحسب ما جاء على لسان رواة الحكاية الشعبية عام 1914 تحديداً خلال الحرب العالمية الاولى، كان ثمة تل عند حافة المدينة المحاذية للحدود الايرانية تسكن قربه امرأة عجوز طاعنة بالسن عندها (بسطية) صغيرة تبيع فيها بعض الحاجيات فكان الاطفال يترددون عليها، وكانت النسوة يصرخن بأطفالهن إلى اين انتم ذاهبون؟ فيرد الاطفال ببراءة إلى تل نومة، وإذ اقترن اسم الحاجة (نومة) باسم (التل) صار اسم المدينة (التنومة).

إهمال متواصل

تحملت مدينة التنومة الكثير من معاناة سنوات الحرب واهملت حتى قبل اندلاع الحرب الأولى وما زالت حتى يومنا هذا تئن بصمت من الم السنوات العجاف التي مرت على جسدها المليء بالنتواءات، بالرغم من ان جامعة البصرة عندما تأسست فيها عام 1964. كان لها تأثير كبير في تغيير نمط حياتها الريفية والفلاحية إلى الحياة الحضارية، وبدأت المدينة تشهد توسعاً في رقعتها الجغرافية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية. وبعد رحيل الجامعة عنها عادت كما كانت مثخنة بالجراح.

سلمان حسين الكنعاني رئيس المجلس البلدي في قضاء شط العرب قال:

-المجلس تشكل خلال شهر آب من العام الماضي وحال اجتماعنا وضعنا خطة خدمية ركزنا فيها على خدمة اهالي القضاء ومتابعة شؤونهم، وكان من اهم القضايا التي واجهتنا هي مشكلة تعويض المواطنين الذين تضررت بساتينهم وأراضيهم الزراعية وممتلكاتهم وتهدمت بيوتهم بسبب الحروب وبدورنا تابعنا معاملاتهم

في محافظة البصرة وما زلنا ننتظر وهذه المعاملات تعود إلى عام 1991!! اما المشكلة الاخرى كما يؤشر رئيس المجلس البلدي فهي مشكلة (جسر التنومة) الذي يؤخر نقل المواطنين والسيارات بسبب عبور طوابير السيارات على ممره الوحيد بفتحتيه الملاحية المخصصة لمرور السفن والبواخر والزوارق.

ونتيجة لهذه المعاناة قام اهالي المدينة بتظاهرة طالبوا فيها بضرورة انشاء جسر آخر يحل ازمة العبور ولكن دون جدوى.

إن الحاجة الملحة للجسر تزداد لدى اهالي قضاء شط العرب في الحالات المر      ضية الطارئة، إذ يصبح نقل المريض في سيارة عسيراً للغاية، وتنتج عن ذلك حالات وفيات قبل وصول المرضى إلى المستشفيات وزاد من وقع المشكلة دخول السيارات الايرانية باعداد كبيرة محملة بالبضائع.

وطالب بضرورة اعادة (ناحية عتبة) لاهميتها الزراعية ولتشجيع اهلها المهجرين للعودة اليها بعد تنظيفها من الالغام ومخلفات الحرب.

وإذا كنا تعرفنا على حجم معاناة اهالي قضاء شط العرب والاهمال الذي لحق به منذ العهد المباد فان خططاً مستقبلية قد وضعت للاهتمام بها يقول عنها المهندس حيدر عبد الرزاق:

مشاريع ولكن على الورق!

-وضعت خطة مستقبلية تشمل انشاء طرق جديدة اطوالها ثلاثة كيلومترات فضلاً عن أربعة مشاريع اخرى: منها تبليط واكساء الشوارع وانشاء سوق عصري للتخلص من ظاهرة انتشار الباعة على الجزرات الوسطية اضافة إلى إنشاء منطقة للتبادل التجاري في المنفذ الحدودي بالشلامجة، والمتابعة بهذا الخصوص جارية مع لجنة الاعمار في المحافظة ولكننا نعمل على ألا تكون هذه المشاريع المستقبلية على الورق فقط.شأنها في ذلك شأن الكثير من المشاريع التي يترقب تنفيذها اهالي القضاء، ومنها مشكلتهم المزمنة مع جسر التنومة..

اول مختار

في عام 1930 كان الحاج مزعل الماجدي اول مختار للتنومة وورد على لسانه إن معركة حدثت مع الجيش الانكليزي في منطقة رأس الجسر أدت إلى انسحاب الجيش البريطاني عام 1914، وكانت هناك ناحية واحدة تابعة لقضاء شط العرب هي (ناحية عتبة) ولأن المنطقة كان يوجد فيها تل كان بعض الجنود الهنود (الكركة) ينامون بإسناد رؤوسهم إلى حافته فأخذ الناس يوم ذاك يطلقون على المنطقة (تل النومة) والتي تحولت بفعل تكرار نطقها إلى (التنومة). عند المركز الصحي في التنومة توقفنا مع الدكتور علوان حسين، مدير المركز الذي اعطانا تصوراً عن عمل المركز واهم خدماته الصحية قائلاً:

يعتبر الجانب الصحي في القضاء من الجوانب الاساسية المتعلقة بحياة المواطنين، وبرغم ما نبذله لكن الوضع الصحي يبقى مرهوناً بتأمين المستلزمات الطبية

والعلاجية وتوفير الادوية. والمعاناة الاكبر هنا - هي الحالات الطارئة خاصة في الليل، عندما ينقل المريض إلى مستشفيات البصرة لعدم وجود مستشفى في التنومة، تواجهنا (الطامة الكبرى) طوابير السيارات التي تريد العبور على جسر التنومة وهو بممر واحد ويضيف - لا بد من تخليص الناس من هذه الحالة عن طريق انشاء مستشفى عام في قضاء شط العرب يقدم خدماته الطبية والعلاجية السريعة للحالات الطارئة.

ولدينا ملاكات صحية كفوءة والمركز يضم عدة اقسام: الرعاية الصحية وطب الاسنان وصيدلية تعاني شحة في الادوية ما ادى إلى تناقص عدد المراجعين فسابقاً كنا نستقبل (400-500) مراجع حالياً 100 فقط، وعن أكثر الأمراض شيوعاً افاد الدكتور علوان حسين..

-شخصنا الكثير من الامراض المنتشرة في القضاء والتي تسبب الموت احياناً منها امراض الجهاز التنفسي والهضمي والمغص المعوي والتسمم الغذائي، فضلاً عن حالات حوادث السيارات وانفجار المخلفات الحربية المتبقية خاصة في القرى ولدينا فرق صحيةلتنفيذ حملات صحية لتلقيح الاطفال..

هكذا هي الآن مدينة التنومة التي تحملت ويلات الحروب وآثارها السلبية التي خلفها لها النظام السابق مثل باقي مدن العراق، لكنها الأكثر جرحاً ونزفاً ودمار، خاصة إنها مدينة زراعية فقدت نخيلها وهجرها اهلها بعد أن استباحها شيطان الحروب.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة