الحدث الاقتصادي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقائع طاولة المدى المستديرة في كردستان .. الطاولة الثالثة: الاقتصاد العراقي وتحديات المستقبل .. ظاهرة الغش الصناعي والتجاري في اطار الفساد الوظيفي وانعكاساتها على السوق العراقية- القسم الرابع
 

د. ربيع خلف
د.ثائر محمود رشيد

لم تكن المحاورات والمناظرات التي تخللتها طاولة (المدى) الاقتصادية في جلساتها الاربع الا تسجيلاً حميمياً لمعاناة الانسان العراقي من شتى شجون الواقع الاقتصادي بمجمل مفرداته، فيما سجلت الجلسة الثالثة قراءة مسؤولة للتحديات التي تجابه الاقتصاد العراقي في مسيرته الراهنة، وبعد البحوث الثلاثة التي تناولت انماطاً شتى من التحديات تقدم الدكتور ربيع خلف التدريسي في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد ببحثه الموسوم (الغش الصناعي والتجاري في اطار الفساد الوظيفي وانعكاساتها على السوق العراقية) والذي استعرض مظاهر الغش المحلية والدولية وانعكاساتها الخطرة على الاقتصاد العراقي بشتى مفرداته.. حيث جاء فيه..
 

أولاً : ظاهرة الفساد الوظيفي مفهومها ـ دوافعها ـ أنواعها.
1)    مفهوم ظاهرة الفساد الوظيفي:
تعد ظاهرة الفساد الوظيفي أو الإداري من المفاهيم التي طالما أثارت اهتمام الباحثين ونظرا لكثرة أساليبها وتنوع سبل تغلغلها في مفاصل الدول والمجتمعات فهي تارة تأخذ معنى الرشوة وفي أخرى تأخذ معنى الاختلاس، وفي ثالثة تأخذ معنى المحاباة او التدليس، أو الحياد عن الحق... الخ، من المعاني المعبرة عن أخطبوطية الظاهرة المشار إليها، والتي تتفشى بنسب متفاوتة بين مجتمع وأخر أو دولة وأخرى، بحسب مديات التقدم فيها أو التراجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني لديها فضلا عن سبل نشأة أفرادها وطبيعة التكوين الثقافي والثقافة السائدة لدى أبناء المجتمع.
يعد الفساد إساءة إلى الثقة العامة واعتداء على النزاهة التي ترجى في الموظف العام وانه نخر في جسد المجتمع في إطار تفكك وسائل السيطرة لتنظيم السياسة الناقدة لمصداقيتها في الممارسة.
والفساد قد يكون الغش، الخداع، الكذب، السرقة، الرشوة، استغلال الوظيفة، النصب، استغلال الآخرين، وخيانة الأمانة... الخ. والفساد قد يعني أحد تلك المفاهيم او قد يجمع بينها كلها او بعضها، ولكنه في النهاية خروج عن القيم والقواعد الأخلاقية الإنسانية الصحيحة، لذا فان انعكاساته تطول جوانب ومجالات الحياة المختلفة في المجتمع ذلك ان انتشار الفساد في اي مجتمع يمكن ان يقوده الى الانهيار، ليس فقط الأخلاقي والقيمي وإنما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويعد العراق من الدول التي اخذت تعاني من ظاهرة الفساد الإداري والاقتصادي ليشمل:
•    الرشوة.
•    المحاباة والمحسوبية.
•    الاحتيال.
•    الغش التجاري والصناعي.
•    تهربات ضريبية وكمركية.
•    العطاءات والتواطؤات الضمنية.
•    فضلاً عن فساد التشريع والتنفيذ والقضاء وعدم الشفافية في التشريعات القانونية للمتغيرات السريعة الحاصلة في العالم وعدم وضع الدولة قواعد محددة واليات لتنظيم اتجاهات وحركة اقتصاد السوق والانفتاح التجاري على العالم الخارجي فجملة الظروف التي احاطت بالاقتصاد العراقي فضلا عن الحصار الاقتصادي ولدت بيئة خصبة لانتشار الفساد وجعله ظاهرة وذلك يعود الى جملة اسباب معظمها اقتصادية.
الغش الصناعي والتجاري مضامينه ابعاده الاقتصادية ـ الاجتماعية
بعد حصار طويل، استمر لاكثر من عقد، وجد العراقيون انفسهم امام كم هائل من السلع والبضائع المستوردة أو تلك المنتجة محليا لايعرفون عنها شيئاً سوى بعض الاسماء التجارية المعروفة.. سلع وبضائع ذات الوان واشكال جذابة من الصعوبة الحكم على مدى جودتها..
وبعد ان وقع المستهلك في حيرة امام هذه السلع. لايجد من يدله على الصالح او الطالح منها.. مما جعله يلجأ الى تجربتها حتى يعرف فيما بعد مدى فائدتها وقوتها ومتانتها، إلا أن هذه التجارب ادت الى هدر الكثير من أمواله وصحته في ظل غياب سلطة القانون وتهميش دور المؤسسات ا لرقابية 0 اذ اصبح العراق ارضاً بكرا للتجاروالمستثمرين على اثر فتح الحدود من كل الجهات،
وجدناالسوق يعج بانواع السلع ومن عدة مناشئ.. ولابد من القول ان اغراق السوق بهذا الشكل يلحق ضررا بالاقتصاد لانه قد يؤدي الى بيع السلعة بسعر اقل من كلفتها واقل حتى من سعرها في البلد الام ويحصل هذا الشيء من اجل تغيير منحنى طلب المستهلك والسيطرة على السوق المحلية من خلال جعل المستهلك يعتاد على نوعيات معينة من السلع ولا يستطيع ان يتخلى عنها مستقبلاً.. فهذا يعطي الفرصة امام التجار الربح السريع على حساب المستهلك سواء من كان تاجراً بالاصل او تطفل على التجارة والذي بدأ يبحث عن الربح المجرد من دون وجود اي وازع ديني او اخلاقي. مما يسبب في وجود سلع غير صالحة للاستخدام البشري اطلاقاً وقد تصل الينا سلع جيدة ولكن يتم التلاعب بمكوناتها بإضافة مواد لها وبعض التجار يلجا الى جلب سلع (درجة أولى) في البداية وبعد ان يحقق لها رواجا وسوقا جيدة يبدأ بجلب نوعية رديئة لا تحمل مواصفات الوجبة الاولى ولكنها تحمل نفس الماركة مستغلين في ذلك جهل المستهلك وعدم معرفته بالسلع وكونها لاتحمل شهادة المنشأ أصلا
1 ـ الغش الصناعي والتجاري مفهومه ـ أبعاده الاقتصادية
ا ـ مفهوم الغش الصناعي والتجاري
الغش اصطلاحا يقصد به في لغة القانون كل الوسائل والطرق الموجهة نحو تحقيق غاية غير مشروعة، او التحايل على القواعد القانونية سعيا وراء هدف مخالف للقانون و يدخل في اطار هذا التعريف مختلف انواع المخالفات المتعلقة بهذا الموضوع كالغش الضريبي والغش في الانتخابات والامتحانات، والسرقات الادبية والفنية ويدخل في هذا الاطار ايضا تزييف او نسخ او صناعة اشياء بقصد الاضرار بمن لهم الحق في صناعتها وانتاجها كتزييف النقود او تقليد الأختام او العلامات التجارية او براءات الاختراع ولكن الغش الصناعي له مفهوم ومعنى مختلف حيث انه هنا يتعلق بتغيير طبيعة البضاعة. وقد اجتهد فقهاء القانون في وضع تعريف للغش فمنهم من عرفه بانه كل تغيير يقع على البضاعة سواء بتغيير العناصر الداخلة فيها او خلطها بمنتجات اخرى او تغيير شكلها الحقيقي دون علم المستفيد منها بذلك، ومنهم من عرفه بانه صنع انتاج مغاير لحقيقة الانتاج الاصلي بشروط لاتتفق مع اللوائح او التعليمات او الاعراف المهنية وذهب فقهاء اخرون الى تعريف الغش بانه كل فعل من شأنه ان يغير من طبيعة المواد التي تدخل عليها فعل الفاعل او خواصها او فائدتها: ولاتهم الوسيلة التي لجأ اليها الفاعل في سبيل تحقيق غايته فقد يتم الغش باحلال مواد اقل قيمة مكان اخرى اعلى منها اوبانقاص بعض المواد او بإضافة مواد أخرى تزيد من الكمية وتقلل من المفعول وغير ذلك من الأساليب. وقد نص مشروع القرار العراقي الخاص بمكافحة ظاهرة الغش الصناعي في القيد أولا منه على تعريف الغش الصناعي بانه كالفعل يودي الى إنتاج وتسويق مادة مخالفة للقواعد المعتمدة في صناعتها ومن شان ذلك أن ينقص من خواصها وفوائدها ويتحقق ذلك عند حصول إحدى الحالات آلاتية :
تقليد العلامات التجارية
•    عدم استحصال الموافقات الرسمية للإنتاج
•    تثبيت بيانات او تأشيرات او علامات لا تتطابق مع مكونات المنتج الفعلية أو المقررة
•    استخدام مضافات أو صبغات للمنتج من شانها الأضرار بالمستهلك
•    اخفاء او تغيير او إزالة تاريخ الإنتاج أو النفاذ الأصلي للمنتج او إعادة تعبئة او تغليف المنتج التالف او المنتهي الصلاحية بعبوات جديدة تحمل تاريخ إنتاج ونفاد مغايرين للحقيقة وتغيير وثائق الشحن للمنتجات المستوردة.
•    إنتاج وتسويق مادة ذات مكونات تختلف كليا عن المادة المثبت اسمها او مكوناتها أو علامتها التجارية.
ب ـ طبيعة جريمة الغش الصناعي و تمييزها عن غيرها من الجرائم.
اعتبرت التشريعات القانونية الغش الصناعي والتجاري جريمة من الجرائم الاقتصادية التي من شانها الإخلال بنظام المجتمع وامنه ونظامه الاقتصادي. فضلا عن إضرارها بالصحة العامة، فالجرائم بصفة عامة تقسم بالنظر الى طبيعة المعتدى عليه، الى جرائم مضرة بالصحة العامة، وجرائم مضرة بالفرد، وضابط التفرقة بينهما هو عمومية الضرر او خصوصيته، فإذا كان الفعل يضر بالمصلحة العامة تظهر من خلال أضراره بمصلحة فرد أو مجموعة من الأفراد بعينهم وبالتالي بالمصلحة العامة. وبتطبيق هذه القاعدة على جريمة الغش الصناعي او التجاري نجد ان هذه الجريمة تندرج تحت اطار الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ذلك فعل الجاني فيها المتمثل بتغيير ذاتية السلعة تغييرا لم يجره العرف تقضي به أصول الصناعة فهو يضر بالصحة العامة واضراره بالمصلحة الخاصة لفرد أو أفراد بعينهم،فالغش الصناعي الى جانب كونه يضر بالمصلحة العامة فانه يضر بكل الاقتصاد الوطني وبسمعة الصناعة الوطنية ويودي الى اضعاف الموقع التنافسي للمنتجات الوطنية إزاء المنتجات الأ جنبية واضرار اخرى مختلفة تنصب في غالبيتها على الاقتصاد. والهدف الذي يتوخاه المشرع من تجريم الغش الصناعي وما يحققه من حماية للمنتجات الوطنية يمثل قيمة اقتصادية بالنسبة للثروة القومية.
اما تمييز جريمة الغش الصناعي والتجاري عن غيرها من الجرائم فغالبا ما يلتبس هذا المفهوم بصور الغش الاخرى ولذلك فقد تصدى العديد من الباحثين لموضوع التمييز بين جريمة الغش الصناعي وغيرها من الجرائم يالسلع وخاصة الغش التجاري وقبل التطرق الى موضوع التمييز بين هاتين الجريمتين لابد من بيان المراحل التي يمر بها النشاط الاقتصادي الانتاجي ليتبين موضع كل من الجريمتين من تلك المراحل حيث يمر انتاج السلع بثلاث مراحل:
1.    مرحلة خلق وانتاج السلعة.
2.    مرحلة توزيع السلعة المنتجة أو تسويقها.
3.    مرحلة استهلاك السلعة.
وبالرجوع الى جريمة الغش الصناعي فانها تقع في المرحلة الاولى اما الغش التجاري فان موقعه في المرحلة الثانية اي مرحلة توزيع السلعة وتداولها. وقد أكدت التشريعات القانونية هذا التمايز بين النوعية من الغش عندما نصت على كل واحدة من الجريمتين - جريمة الغش التجاري وجريمة الغش الصناعي
في مادة مستقلة مما يدل على انهما جريمتان متميزتان عن بعضهما البعض.
ويمكن إجمال أوجه الخلاف بين جريمتي الغش الصناعي والغش التجاري بما ياتي :
1. ان تاثير الغش التجاري يكون معنوياً اذ ينصب الغش في هذه الحالة على شخصية المتعاقد معه (خداع المتعاقد) اذ يتحقق الغش في هذه الحالة والخداع عن طريق القيام باعمال او اكاذيب من شانها اظهار الشيء على غير حقيقته ويختلف واقعه بينما يكون تأثير الغش الصناعي ماديا ويوثر على الصحة العامة بالدرجة ألا ساس. 2. تتحقق جريمة الغش الصناعي بمجرد وقوعها ولو لم يكن هناك متعاقدون او حتى لو لم يكن هناك مشتر معين، فهو فعل مادي مستقل خارج عن دائرة التعاقد اما في جريمة الغش التجاري فأنها لا تتحقق ألا بوجود متعاقدين يخدع أحدهم الآخر.
3. يقع فعل الغش في جريمة الغش الصناعي على السلعة نفسها المعدة للبيع على عكس الحال في جريمة الغش التجاري
خداع متعاقد فان فعل الخداع يوجه الى شخص المتعاقد.
ج. الآثار الناجمة عن ظاهرة الغش الصناعي والتجاري:
ان الاستعراض التاريخي لتعامل المجتمعات مع هذه الظاهرة يدل على أهميتها ذلك انها شكلت هاجسا لمختلف الانظمة السياسية والاقتصادية وحاولت القضاء عليها او على الاقل الحد منها. ويمكن ابراز اهم الاثار التي تركتها على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية في العراق وفقا للمحاور الآتية: اولآ : - الآثار على الصحة العامة.
ان جريمة الغش الصناعي تستلزم لوجودها محلاً ينسب إليه فعل الغش وهو في هذه الحالة (السلعة). والقصد بالسلعة هنا الأشياء التي تكون محلا للتعامل التجاري وقد نصت الفقرة (7) من المادة الأولى من قانون تنظيم التجارة العراقي على ان محل جريمة الغش الصناعي يشمل الاشياء الاتية: -
1.    الأغذية سواء ما كان مخصصا منها للإنسان أو الحيوان.
2.    الأدوية والعقاقير الطبية سواء مخصصة للإنسان أو الحيوان.
3.    المنتجات الحيوانية.
4.    المنتجات الصناعية.
5.    المنتجات الزراعية.
6.    المنتجات الطبيعية.
7.    المواد الخام.
8.    السلع والمواد الأخرى.
بتفحص تلك الفقرات التي يمكن ان تكون محلاً للغش الصناعي ندرك فورا أهميتها لحياة الإنسان وضرورة ان يحصل على سلعة سليمة وخالية من العيوب ومدى الخطورة التي تواجهها حياة الناس إذا اضطروا لان يستهلكوا سلعا غذائية او عقاقير طبية مغشوشة فالأغذية إذا كانت فاسدة او تالفة او مغشوشة ستشكل ضررا بالغا على الصحة العامة. وكذلك الامر بالنسبة الى الادوية والعقاقير الطبية التي تكمن الحكمة الأساسية في إنتاجها في إنها تستخدم للإصلاح أو الوقاية من الأمراض , فكيف يكون الحال إذا كان تناول ما هو مغشوش منها سببا في حدوث الأمراض؟
ثانياً: - الاثار على البيئة
يؤثر الغش الصناعي على البيئة حيث الإضرار بها ويمكن على سبيل المثال لا للحصر ملاحظة هذا التأثير في موضوع المنتجات الزراعية والتي نقصد بها كل ما تنتجه الارض نتيجة لعمل المزارع يدخل ضمن هذا المفهوم ايضاً كل ما يلزم للزراعة من تقاوٍ واسمدة وبذور ومبيدات وفي حال وقع الغش في طبيعة هذه المستلزمات فان ذلك كفيل بان يضر ببيئة الانسان وعناصرها الاخرى كافة كالبيئة النباتية والحيوانية والمناخ. وكذلك الحال بالنسبة لاستيراد السيارات ذات الموديلات القديمة والتي تم اخراجها من الخدمة في دول العالم بسبب تقادمها وتلويثها للبيئة وانعكاس ذلك على صحة الانسان ولكن اللافت للنظر هو ان العراق قد استورد مئات الآلاف من هذه السيارات بعد عام 2003 وما تسببه من تلويث للبيئة والانسان والتي يمكن اعتبارها اكبر عملية غش تجاري في تاريخ العراق الغرض منها تحقيق اكبر ربح اقتصادي من جهة وتدخل ضمن ما يعرف بظاهرة غسيل الاموال.
ثالثاً: - الاثار الاقتصادية.
اشرنا انفا الى ان الغش الصناعي يتحقق عند حصول عدد من الحالات منها تقليد العلامات التجارية او إنتاج وتسويق مواد ذات مكونات تختلف كليا عن المادة المثبت اسمها او مكوناتها على الغلاف أو العبوة. ولا يخفى هنا مدى الضرر الاقتصادي الذي يلحق بمنتجي السلع الأصلية عند تعرض منتجاتهم للتقليد او الغش بفقدانهم الأسواق التي يروجون فيها سلعهم، او فقدان ثقة المستهلكين بمنتجاتهم خصوصاً الوطنية وبالطبع فان هذا الضرر لاينحصر بالمستوى الفردي فالغش الصناعي الى جانب كونه يضر بالمصلحة العامة فانه يضر بكل الاقتصاد الوطني وبسمعة الصناعة الوطنية ويودي الى اضعاف الموقع التنافسي للمنتجات الوطنية ازاء المنتجات الأجنبية واضرار اخرى مختلفة تنصب غالبيتها على الاقتصاد الوطني.
رابعاً:- الاثار الاجتماعية.
ان انتشار ظاهرة الغش بجميع اشكاله له اثار سلبية على المجتمعات التي ينتشر فيها لانه بالاساس فعل يخالف واجب الاخلاص والثقة المفترض وجوده في تعاملات الأفراد مع بعضهم البعض. ويؤدي تزايد مرتكبي هذا الفعل الى إشاعة قيم الفساد والانحراف وعدم التحرج من الربح الحرام والمنافسة غير المشروعة واخراج التجار والصناع الأكفاء من حلبة الإنتاج وفقا لمقولة ابن خلدون ((السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة من السوق)).
هكذا وبانتشار التحايل على القوانين والغش في التعامل تهدد القيم الاخلاقية والاجتماعية وتتفكك اواصر اللحمة الاجتماعية التي تربط بين افراد المجتمع الواحد ويضعف صمودهم وتماسكهم امام اي خطر خارجي او داخلي يهدد وجودهم حيث يصبح هم كل فرد ان يضمن المكاسب النفسية ضاربا عرض الحائط بقيم الوطنية والولاء للامة والمجتمع الذي ينتمي اليه انفاً.
ومن الأسباب الرئيسة للغش الصناعي والتجاري:
1.    التحول إلى اقتصاد السوق دون قواعد او ضوابط محددة اذ يعاني العراق من أنظمة رقابية لا تلتزم بعملية المراقبة الشهرية أو الدورية بالشكل المطلوب
2.    التحررية التجارية وفتح الحدود امام مختلف السلع والخدمات بغض النظر عن مدى صلاحيتها اومدى مطابقتها للمعايير والمواصفات الفنية أو شهادة المنشأ.
3.    عدم وجود قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية المتصلة بتجارة السلع والخدمات خاصة ما يتعلق منها بالعلامات التجارية والأسرار الصناعية والإشارات الجغرافية وهو ما أقرته اتفاقية منظمة التجارة العالمية
4.    النقص الحاد في المعروض السلعي من المنتجات الوطنية والاعتماد الشديد على الاستيراد
5.    عدم تطبيق نظام "الايزو" العالمي الذي يمكن أن يسهم بدور كبير في الحد من الغش التجاري والصناعي بحيث تقوم الهيئة المختصة بالمواصفات والجودة بوضع قواعد وآليات تطبيق هذا النظام طبقاً لظروف واحتياجات الاستثمار والصناعة بما يحقق في النهاية النتائج التي يستهدفها. ويلزمها بضرورة اتباع النظم الدولية في إصدار المواصفات ومنح الشهادات
6.    تعدد المنافذ الحدودية لدخول البضائع فلدينا 23 منفذا حدوديا مع دول الجوار بحيث لا يمكن السيطرة عليها خاصة اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار وجود الفساد الإداري والمالي. لذلك لابد من وجود هيئة مثل هيئة الكمارك وشرطة حدود تكون قادرة على السيطرة على مسالة دخول هذه السلع والبضائع وبصورة قانونية. حيث ضعف القانون ومؤسسات الدولة بسبب الظروف الأمنية وعدم استقرار الوضع السياسي الذي بدوره يؤدي الى ضعف الجانب الرقابي وضعف إنفاذ القانون.
7.    ان من ابسط وسائل الغش عدم طلب ضمانات الشركات المصنعة لتلك السلع من قبل المستهلكين والتي عادة ما ترفق بتلك المنتجات، أو تسجيل رقم المنتج على موقع الشركة على الانترنيت فمع انعدام جهة إشرافية متخصصة تعنى بجودة السلع ومحاربة الغش والتزييف، وعدم القناعة بفتح ورش لفحص الأجهزة والقطع للمحافظة على جودة ومستوى السوق المحلي والحفاظ على الاستثمارات فيه ومحاربة الغش، فقد أدى إلى استمرار العمليات التي استنزفت السوق والمجتمع.
8.    بسبب ما يعانيه المستهلك العراقي من انخفاض القدرة على الشراء طوال مدة الحصار فانه ياخذ بالسعر المنخفض بغض النظر عن الجودة وذلك ما يسمح بإنفاذ ووجود حالات الغش التجاري والصناعي بشكل كبير.
آلية المساءلة وعناصر بناء نظام النزاهة الوطني
تعد طرق الإصلاح والرغبة في الخروج من دائرة الفساد في صميم مدى رغبة المعنيين و صناع القرار والمسؤولين عن إدارة البلاد نظراً للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الفساد وتشوه مشروعات التنمية والتي تؤدي بصورة مباشرة إلى انتهاك قيم العدالة الاجتماعية والانتقاص من حريات الناس السياسية والاجتماعية ومن تشويه لنزاهة المجتمع والمساهمة في قلب المفاهيم الأخلاقية وبجعل منطق القوة لا الحق هو الحاكم فالفساد لا يكتفي بتشويه عمليات السوق ولا يتوقف عند ضياع ملايين او مليارات الدولارات في مشاريع خائبة بل يسلب الناس المنافع التي يفترض ان تصل إليهم كما يحطم جميع أحلام المجتمع في رسم مستقبل افضل.
1)    المساءلة وظاهرة الفساد الإداري:
تعد آلية المساءلة واحدة من المعايير المهمة لتحقيق الحد من الفساد في غالبية المجتمعات باعتبارها معيارا ضابطا للأداء الحكومي وفعلا تقويميا للمؤسسات بشخوص القائمين عليها عندما تتم محاسبتهم من قبل الجهات المعنية رسميا بذلك أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرأي العام للحد من الخروقات والانحراف في عمل الحكومة التي قد تحيد عن مسارها الصحيح إذا ما ضعفت أشكال المحاسبة او جرى الحد منها عمدا مما يتسبب في هدر كبير لموارد البلاد ويحول الوظيفة العامة الى غير غايتها الأساسية والمرتجى من أدائها.
لذا فالمساءلة واجب المسؤولين عن الوظائف الرسمية سواء أكانوا منتخبين او معينين، وزراء أو موظفين أو غيرهم، أن يقدموا تقارير دورية عن عملهم وسياساتهم ونجاحا تهم في تنفيذها، كذلك يعني المبدأ حق المواطنين في الحصول على التقارير والمعلومات اللازمة عن عمل كل من يعـمل فـي إدارة الحياة العامة (نواب ووزراء وموظفين حكوميين وأصحاب مناصب) ومؤسسات كي يتأكد من ان عمل هؤلاء يتفق مع القيم ومع تعريف وظائفهم ومهامهم بموجب القانون.
وتأسيسا لما تقدم ان المساءلة إنما تعني مسؤولية المعنيين باستخدام السلطة وممارستها وتبوؤ مواقعها الرسمية تجاه الجمهور المعني الأول بتقييم السياسات العامة للحكومة وطبيعة أدائها قبل أي جهة معنية بذلك، على ان يكون ذلك التقويم ومن ورائه المساءلة الجماهيرية بأساليب وإجراءات منظمة مما يستدعي مشاركة المواطنين بشكل أوسع في آليات المساءلة لتعزيز مصداقيتها وشفافية أدائها في اكثر من قطاع كون المساءلة ضرورة من الضرورات الملحة للإصلاح. حيث وجوب خضوع صناع القرار وأصحاب المناصب الإدارية والسياسية في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني أمام أفراد الشعب والمؤسسات المعنية بتطبيق آلياتها ولكل حالة حسب حالتها للأهمية التي تشكلها في ضبط تصرفات أولئك المسؤولين وانعكاساتها على أوضاع البلاد ونزاهة الحكم فيها حيث ان عامل الضبط هذا يعطي ( إمكانية اكبر لأداء أفضل) كفاية لمؤسسات الدولة (وحتى القطاع الخاص) يفضي لإيجاد ظروف سياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية وتقلل لابعد الحدود من ظواهر التخلف والفقر والمديونية والتردي البيئي ومن أجل تفسير اعمق لآلية المساءلة نوجز ذلك بآلاتي:
1.    المساءلة التنفيذية:
ويقصد بها مسؤولية الجهاز الحكومي عن محاسبة نفسه بنفسه عبر سبل إدارية تضبط العمل الإداري وتضمن سلامة الجهاز التنفيذي، وتندرج تحت هذه الآلية الكثير من المهام منها :
استخدام التدابير الوقائية واستخدام برامج التوعية او فتح قنوات الاتصال مع الجمهور لإيصال صوتها إلى الإدارات حول ما يشوب الجهاز التنفيذي من انتهاكات لحقوق المواطن، كي تؤخذ من قبل القائمين على الأمر بنظر الاعتبار لتخويل بعض اللجان أو الهيئات بالتحقيق الفعال لتعزيز إطار المساءلة داخل المؤسسة الحكومية ذاتيا.
2.    المساءلة التشريعية:
وتعد من اعرق آليات المساءلة في النظم الديمقراطية، حينما يلعب البرلمان او ممثلو الشعب دورا مهما في تقييد الحكومة والرقابة عليها ومعارضتها في أحيان كثيرة لضمان استقامة سير العمل الحكومي، ذلك أن للبرلمان القدرة في تحديد الإطار القانوني لشكل الحكومة، حيث مسؤولية أعضاء الحكومة أمام البرلمان للاستعلام عن غرض ما او للاستيضاح وكشف النقاب عن قصور ما في أداء الجهاز الحكومي.
3.    المساءلة القضائية:
والتي تعد ركنا أساسيا في ضبط عمل الجهاز الحكومي وغير الحكومي الذي تنهض به السلطة القضائية القائم عملها على أساس تطبيق القوانين وباستقلالية تامة عن تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث امتلاكها سلطة الإرغام لتنفيذ أحكامها مما يجعلها السلطة الأكثر كفاءة وقوة في الكشف عن الخروقات التي تكتنف عمل السلطتين المشار إليهما أعلاه فهي المسؤولة عن تطبيق منع الفساد وتوجيه ومحاكمة الموظفين المدانين بهذه التهمة ومنع الانحراف.
ان غياب السلطة القضائية وعدم استقلاليتها أو تمتعها بالحصانة الكافية يعني شيوع ثقافة الإفلات من العقاب وانعدام ثقة المواطنين بإمكانات السلطة وعدم إتاحة المجال أمام المواطن للتظلم او الإبلاغ عن حالات الفساد الوظيفي.
4.    المساءلة بنظام الامبودسمان:
ويعد أحد أهم الأساليب المبتكرة للرقابة والمحاسبة التي يقوم بها جهاز متخصص بهذه الوظيفة ( ينشأ بموجب الدستور يسمى ((بالمفتش العام أو المفوض العام على مستوى الوزارة أو الدولة ككل)).
سبل مواجهة الغش الصناعي والتجاري وحماية المستهلك والسوق العراقية.
إن الخلل الذي تعانيه البيئة الاقتصادية يرجع الأصل فيه إلى تزايد معدلات الفساد وحالات الغش واختلاف أنواعها وأشكالها وتطورها المستمر بدءاً من المواد الغذائية غير المطابقة للمواصفات والسلع الفاسدة التي يتم تداولها بشكل علني بعد تغيير تاريخ الصلاحية مروراً بحملات الدعاية والإعلان لمنتجات غير معروفة مصادرها.
مما يعني ضرورة البحث عن بدائل حديثة وجديدة للحد من ظاهرة الفساد والغش الصناعي والتجاري في العراق أهمها:ـ
1. دراسة أحوال السوق وأسباب عجز التجار عن الالتزام بالمواصفات القياسية
2. إعداد بحوث تفصيلية عن أسباب الغش والفساد وأنواعه
3. تحديد صفة الشخص الذي يقوم بهذا العمل سواء كان تاجراً أو صانعاً أو موزعاً أو شخصاً يمتلك نشاطاً خاصاً.
4.    تعديل العقوبات الموجودة في القوانين الحالية ليصبح القانون مؤثراً وبأسلوب تنفيذ أقوى
5.    تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك لتكون بمثابة رقابة أهلية على الأسواق والمنتجات بدلاً من دعم جمعيات حماية المستهلك ومنحها صلاحيات إقامة الدعاوى الجنائية ضد أي منحرف أو غشاش،
6.    أن يتم نشر أسماء الفاسدين والمنحرفين بشكل واضح وصريح.
7.    حصر القائمين على مظاهر الفساد الصناعي بالغش والتقليد وضرورة العمل على رعايتهم وتوفير الإمكانات لتطورهم ووضعهم تحت الرقابة الصناعية ومساعدتهم في الحصول على قروض بشروط وفوائد ميسرة وإمدادهم بالتكنولوجيا الحديثة وتسويق إنتاجهم وإشراكهم في المعارض مما يسهم في خلق صناعة صغيرة حقيقية وقوية بمواصفات عالمية، لكن الإغلاق التام لها يخلق البطالة!.
8. يعد موضوع حماية المستهلك من المواضيع المهمة جداً في العراق وقد اصدرت الامم المتحدة عام 1985 قرارا لحماية المستهلك من بين ماتضمن: حق الامان وحق الاختيار في اختيار السلعة وحق التعويض اذا ماتعرض الى اي ضرر من اي منتج او تاجر.. وهذا مايعزز من مكانة المستهلك امام التاجر والمنتج، وحق التثقيف وهي مسألة مهمة جداً لان حماية المستهلك لاتاتي عن طريق وضع الضوابط والقيود فقط بل بخلق مستهلك مثقف وواع فضلا عن حق العيش في بيئة صحية.
9. ان حماية المستهلك عمل ليس فرديا وانما جماعي تشترك به اطراف عدة اولها المستهلك نفسه والمعني بهذه العملية اذ ينبغي عليه ان يعي مايضخ له من وسائل الاعلام في عملية الاعلان عن السلع والبضائع وبالتالي عليه ان يعرف تفاصيل هذه السلعة جودتها، نوعيتها، ومدة نفادها. اما الطرف الاخر في هذه العملية الدولة بمؤسساتها المعنية بهذا الأمر.
10. الاعلان التجاري يعد سلاحا ذا حدين فهو من اهم وسائل الغش التجاري وبقدر ماهو مهم وضروري للتعريف بالسلعة الاانه قد يمارس دورا تضليلياً ضد المستهلك لان اغلب اصحاب الشركات يهمهم ان يكسبوا السوق وان يربحوا فيمارسون نوعا من التضليل الاعلامي وهذا الامر ليس مقتدراً على العراق فحسب وانما تعاني منه اغلب دول العالم مما يحتم تدقيق صحة السلع المقدمة ومدى مطابقتها وفقا لما جاء في الإعلان.
11. قيام الجهاز المركزي للتفتيش والسيطرة النوعية من خلال شعبة الاعلام بموجب القوانين النافذة التي لم تتغير حتى هذه اللحظة بتسجيل براءات الاختراع والنماذج الصناعية واعداد المواصفات القياسية واجراء المعايير بمختلف اختصاصاتها وفحص ووسم المصوغات. ومتابعة الانتاج المحلي للمشاريع المجازة من قبل وزارة الصناعة. وعلية لابد من الإشارة الى ان الجهاز بحاجة الى دعم اضافي لتعزيز دوره وتعويض مافقده من اجهزة ومعدات. كما ان تحسن الوضع الامني يسهم في زيادة نشاط الجهاز الذي يرتبط بالنشاط الاقتصادي العام للبلد. ويمكن القول ان فعالية فحص السلع المستوردة، والمتعلقة بموضوع الجودة، متوقفة لارتباط ذلك بنشاط جهات اخرى مسؤولة عن ضبط المنافذ الحدودية. بالرغم من ان هناك عشوائية بعملية الاستيراد التي لا تخضع إلى الضوابط العملية الأصولية.
12. في حالة تطبيق اتفاقيات المنظمة فذلك يعني إن السلع المستوردة يجب ان تحظى بالمعاملة التي تخضع لها السلع المنتجة محليا (مبدأ المعاملة بالمثل) ومن حق العراق فرض تعليمات خاصة على السلع المستوردة لحماية الصحة والبيئة والأمن الوطني كما ان من حق الدولة ان تمنع دخول سلعة معينة لاسباب صحية قد تضر المستهلك مثل بعض أنواع الزيوت التي تكون غيـر صالحة للاستهلاك البشري وغير ذلك.
13. تحديد الجهات المسؤولة عن حماية المستهلك وخاصة الجهاز المركزي للتفتيش والسيطرة النوعية ومراكز بحوث السوق وحماية المستهلك والعديد من الوزارات في مقدمتها وزارة الصحة متمثلة بقانون الوقاية الصحية الذي يعطي الحق لوزارة الصحة متابعة السوق المحلية وما موجود فيها من مواد غذائية. ووزارة التجارة من خلال قانون الرقابة التجارية الذي من بين فقراته التأكيد على استيراد النوعية الجيدة من السلع التي لا تلحق ضرراً بالمستهلك وكذلك وزارة الداخلية والبيئة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة.. وهي بحاجة إلى بعضها ولا تستطيع العمل كل على حدة، قد يؤدي تقاطع عملها في تحديد مساحات الرقابة والمسؤولية وأسلوب تحقيق الأهداف.. لذا نجد من الضروري استحداث هيئة عليا مرتبطة بأعلى سلطة في الدولة لكي تنظم وتنسق أنشطة الجهات ذات العلاقة.
14. تطوير فاعلية مؤسسات المجتمع المدني وابراز دورها في مجال التقويم والرقابة وتحديد مختبرات مركزية متخصصة تقوم بفحص الغذاء والسلع وتحديث البنى التحتية من خلال تهيئة المستلزمات والاجهزة وتوفير الملاكات العلمية والفنية ودعم الاتحادات والجمعيات ذات العلاقة مثل اتحاد الصناعات العراقي ورابطة التجار العراقيين وتنظيم عملها وزيادة فعالياتها. وكذلك تفعيل دور وزارة العدل وحقوق الإنسان كونها ذات علاقة مباشرة بالتشريع واثبات الحقوق.. والاهم من ذلك كله هو خلق الوعي ونشر المعرفة الاستهلاكية من خلال إدخال مادة حماية المستهلك ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم العالي وتطوير البرامج الخاصة بثقافة المستهلك وتفعيل دور الإعلام بكل أنواعه..

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة