في كتابه
(التعديلية في التاريخ) الفيلسوف والمؤرخ الايطالي دومينيك
لوزوردو يدافع عن الثورات التحررية..
التعديليون يتهمون الثورات التحررية بخلق انظمة استبدادية
والدعوة للابادات الجماعية
-العنوان:
التعديلية في التاريخ
-تأليف : دومينيك
لوزودو
-عرض:
أوليفييه ميفيوركا
-ترجمة:
عدوية الهلالي
عن: ليبراسيون
منذ
اكثر من قرنين، احدثت الثورة الفرنسية هزة عنيفة في
التاريخ الاوروبي مما ادى الى ظهور مدرسة (التعديلية) او
ما يُطلق عليها بالمراجعة وهي نزعة تدعو الى اعادة النظر
في أُسس نظرية او دستور ما، وكانت المدرسة عبارة عن مركب
متعدد العناصر باحتوائها على مجموعة من الكتّاب غريبي
الاطوار مثل ادموند بروك وفرانسوا فوريه وارنست نولت وكارل
شميت، اذ اتحدَّت هذه المجموعة المتنافرة حول اعلان مشترك
يقضي باعتبار عام 1798 منطلقاً لظهور الانظمة الشمولية (التي
تعتمد على نظام سياسي ذي حزب واحد يرفض أية معارضة منظمة
وفيه تسيطر السلطة السياسية سيطرة تامة على جميع مظاهر
الامة وطاقاتها المنتجة) ومن هذه الانظمة الحركات النازية
والبلشفية..
على اساس دحض هذه الفرضية وضع المؤرخ والفيلسوف الايطالي
دومينيك لوزوردو كتابه (التعديلية في التاريخ) الصادر
مؤخراً عن دار نشر (البان ميشيل) الفرنسية.
اشار لوزوردو بدءاً الى ما ذهب اليه بروك من انّ المحتفين
بالثورات الليبرالية في انكلترا والولايات المتحدة من
العقلانيين –
قصيري النظر
–
يصبّون لعناتهم على
معارضيهم من اليعقوبيين (اعضاء ناد جمهوري في ايام الثورة
الفرنسية يتحزّب للديمقراطية ويطلق على اعضائه ايضاً
الدومنيكيين)، رغم ان الثورة الاولى قاومت امبراطورية
استعمارية خانقة للحريات بينما تكيفت الثانية مع الظروف
المحيطة بها خلال عشرات السنين وارتضت العبودية التي انتهت
في عام 1954 بظهور نظام التمييز العنصري..، ويرى بروك ان
هاتين الثورتين الداعيتين الى الديمقراطية تتقاسمان سمة
النظر الى العالم بنظرة عنصرية.. فالامريكان وعلى رأسهم
هنري فورد مثلاً يحثون على مناهضة السامية وعبدة الشيطان
من اليابانيين الذين بلغ بهم الامر حد احتجازهم في معسكرات
اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.. اما الثورة البلشفية
كما يرى نولت فقد قامت على ابادة مؤيدي النظام القيصري
ومثلها فعلت الحركة النازية حين سعت الى ابادة اليهود.
ويعترض بعض الكتاب على مبدأ الابادة الجماعية لعرق او جنس
معين ويعتبرونها جرائم يرتكبها قادة الثورات باسم التحرر
من انظمة استبدادية كما فعل ستالين الذي كان وراء مجاعة
عامي 1932 – 1933
الرهيبة والتي فرضتها لندن من قبل على ايرلندا ما بين
اعوام 1846 –
1848. ويتساءل
نولت مثلاً عما اذا كان بالامكان استبعاد او تصفية العناصر
المعارضة لنظام معين بدلاً من ابادة جنسهم!!..
بهذه الطريقة، نشأت انظمة (شمولية) تعتمد العنف وسيلة
لاشعال الثورات التحرية وبرزت اكثر خلال الحرب العالمية
الاولى عندما بدأت بعض الانظمة القوية بمطالبة جيوشها
بالخضوع المطلق لارادتها واستعباد شعوبها ومحو اراداتهم
وهو ما حدث بالضبط فيما بعد مع هتلر وستالين وموسوليني
ايضاً..
ويرى مؤلف الكتاب الفيلسوف لوزوردو ان علينا تخليص الاهداف
التحررية من النظرات القاصرة لأولئك الكتاب مستشهداً بنصوص
تؤكد مثلاً عدم مسؤولية ستالين عن جرائمه وانه لم يكن يقصد
الاساءة بل السعي وراء اهداف ليبرالية، ويدحض لوزوردو ما
ذهب اليه اردنت مثلاً من ان الاستعمار لعب دوراً كبيراً في
ظهور الانظمة الشمولية وما يصدر عنها من نظرة عنصرية الى
العالم ويرى ان تلك الانظمة لا تفضي الى القتل بالضرورة!!
ومهما تكن المقاصد الخفية التي تكمن وراء آراء الفيلسوف
الايطالي فهي محاولة كما يبدو لتبرئة الارث الثوري ورد
الاعتبار له كونه عملاً يدعو الى الثناء عليه والترحيب به
طالما يدعو الى الليبرالية والتخلّص من انظمة استبدادية!
|