الحدث الاقتصادي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقائع طاولة المدى المستديرة في كردستان .. الطاولة الرابعة: المديونيـة الخارجية.. جدولة الديون ودورها في اعادة اعمار العراق _ البحث الثالث
 

د. عبد الرحمن نجم المشهداني

في القسم الثالث والاخير من الطاولة الخاصة بمديونية العراق والتي انعقدت في اربيل بحضور حشد كبير من المعنيين بالشأن الاقتصادي والمهتمين بجوانبه المختلفة من المشاركين بالطاولة وضيوف اسبوع المدى الثقافي ممن استرعت الطاولة اهتمامهم، بل حماسهم في الاسهام بمناقشاتها والتعقيب على موضوعاتها الى درجة ان يصرح الفنان سعدون جابر مثلاً بانه كان مبهوراً بما طرحته بما طرحته الطاولة من موضوعات مهمة وخاصة اشكالية المديونية رغم خصوصية اهتماماته، وقد قدم في هذا القسم الدكتور عبد الرحمن نجم المشهداني رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في مركز دراسات وبحوث الوطن العربي التابع للجامعة المستنصرية بحثه الموسوم (جدولة الديون ودورها في اعادة اعمار العراق) حيث جاء في نص البحث:
 

بدأ الحديث عن مشكلة ديون العراق وضخامتها في اعقاب احتلال القوات الأمريكية البريطانية للعراق في نيسان من عام 2003 وإسقاط نظامه السياسي, حيث تضمنها قرارا، مجلس الأمن الدولي (1483) و(1546) إذ التمس فيهما من الدول الدائنة للعراق حل مشكلة الديون الكبيرة كونها معرقلاً حقيقياً لإعادة الاعمار والبناء الديمقراطي, فكلف نادي باريس باعتباره الجهة غير الرسمية المتخصصة بالنظر في قضايا المديونية العالمية لدراسة ديون العراق وتقديم المشورة للدول الدائنة لشطب و/أو إعادة جدولة ديونها.
أولا: نادي باريس واليات إعادة جدولته للديون:
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة ليس له تاريخ تأسيس, ويبلغ عدد أعضـائه (19) عضوا دائما هم: النمسا وأستراليا وبلجيكا وكندا والدا نمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وروسيا الاتحادية وأسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويبلغ عدد الدول المدينة له أكثر من(77) دولة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية, وتلتقي فيه الدول الدائنة من 10 إلى 11 مرة في العام للتفاوض أو التباحث فيما بينها بشأن موقف الديون الخارجية للدول المدينة أو القضايا المنهجية الخاصة بديون الدول النامية، وتعقد هذه الاجتماعات في باريس, وعقد أول اجتماع له عام 1956 عندما وافقت الأرجنتين على الاجتماع بدائنيها العموميين في باريس. عقد في عام 2004 فقط خمسة عشر اتفاقاً لشطب و/أو إعادة جدولة الديون المدينة له كان العراق احدها فضلاً عن ثمان دول من أفريقيا وأربعة من أمريكا الجنوبية.
الهدف العام:
تسعى الدول الأعضاء في نادي باريس إلى إيجاد الحلول الملائمة للصعوبات التي تواجهها الدول المدينة في سداد ديونها عبرإعادة الجدولة للديون الخارجية من خلال تغيير أساليب سداد الديون المستحقة لهم وبما يحقق مكاسب لكلا الطرفين. يتمكن الدائنون وفق هذه الاتفاقية الحصول على أموالهم لاحقا بدلا من التوقف النهائي للدولة المدينة عن الدفع، في حين تتمثل مكاسب الدول المدينة باستغلال فترة التأجيل لترتيب أوضاعها المالية والتجارية، إذ عليها معالجة العجز المالي الذي يسبب اللجوء إلى التمويل الخارجي وتنمية صادراتها للحصول على الموارد المالية اللازمة لسداد ديونها المؤجلة. ويجتمع النادي بالدول المدينة التي تحتاج إلى دين عاجل يشترط عليها التزام وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين وضعها الاقتصادي والمالي وفق اشتراطات يقترحها صندوق النقد الدولي.
ومنذ عام 1956 أبرمت الدول الدائنة الأعضاء في النادي ما يزيد على 386 اتفاقية تتعلق بـ80 دولة مدينة، بلغ مجموع الدين المغطى في هذه الاتفاقيات ومنذ عام 1983 ما يقرب من 468 مليار دولار.
وحيث إن النادي مجموعة غير رسمية فانه لا يملك أية قوانين تشريعية، مما جعل الدول الدائنة الأعضاء فيه تمتلك مرونة كبيرة في مواجهة المواقف الخاصة لكل دولة مدينة تواجه صعوبات في سداد ديونها. ورغم ذلك فقد وضعت الدول الدائنة عددا من القواعد والمبادئ المفيدة لتأمين أي اتفاق يتم إبرامه بينها وبين الدول المدينة ، وهذه القواعد والمبادئ مقبولة من قبل الأطراف كافة وتشمل اتخاذ القرارات لكل حالة على حدة، والإجماع والظرفية والتضامن وقابلية المقارنة للمعاملة.
شروط إعادة الجدولة:
لا يوافق نادي باريس على إعادة الجدولة إلا إذا استفحل العجز في ميزان مدفوعات الدولة المدينة أو ازدادت متأخرات ديونها، فهو يشترط إذن وجود حالة عسر شديد تعرقل الوفاء بالالتزامات المالية. وتبرم الاتفاقات بعد تطبيق البرنامج الإصلاحي الذي يقترحه صندوق النقد الدولي على الدولة المدينة، ويرمي هذا البرنامج إلى توازن الميزانية العامة والميزان التجاري لأن ضبط العجز المالي يحد من التضخم ومعالجة العجز التجاري تقود إلى تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي. ولتحقيق ذلك يتناول البرنامج جميع أدوات السياسة المالية والاقتصادية.
مشاكل وخطورة اعادة الجدولة :
إن إعادة جدولة الديون مع نادي باريس تستلزم موافقة الدول المدينة على شروط وطلبات صندوق النقد الدولي لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يطلبه والمتمثلة بخفض الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الضرورية وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة وخصخصة القطاع العام وتخفيض قيمة العملة الوطنية، ولكن برامج الصندوق وإعادة الجدولة تؤدي إلى مشاكل كثيرة منها:
1- تنصل القطاع العام عن دوره في إيجاد فرص عمل جديدة رغم استفحال البطالة وتقلص الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الضرورية للمعيشة وازدياد الضرائب المباشرة وغير المباشرة من اجل معالجة العجز المالي.
2- اعتمدت إصلاحات صندوق الدولي بموجب تلك البرامج على تخفيض قيمة العملة الوطنية وتحقيق التوازن في ميزانيتها وزيادة نسبة الضرائب, كذلك معالجة عجز الميزان التجاري وبالتالي تقليص الاعتماد على التمويل الخارجي فتخف أزمة المديونية، إما الدول المدينة المعنية فترى إن هذه العملية تمزق برامجها الاجتماعية المهمة وتلغي هدفها في بلوغ الاستخدام الكامل وتمس شريحة كبيرة من أصحاب الدخول المنخفضة وتحدث ردود فعل داخلية عنيفة جراء تفاقم مشكلة البطالة وإلغاء البرامج الاجتماعية.
مديونية العراق وكيفية التعامل الدولي معها:
يعد العراق واحداً من الأقطار العربية التي تتكامل لديها إمكانيات النمو والتطور الداخلية, فهو يتمتع بموارد اقتصادية كبيرة (ثاني احتياطي نفطي في العالم) وموارد مائية (نهرا دجلة والفرات), ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة, والاهم من ذلك كله شعب متعلم فيه ملاكات علمية تغطي كل الجوانب التي يحتاجها.
إن السياسات الخاطئة للنظام السابق والحروب الخاسرة التي خاضها طوال العقدين السابقين حملت الاقتصاد العراقي عبئا ثقيلا جدا ربما اقلها وطأة الديون الخارجية التي سيتحمل تبعتها ليس الجيل الحالي فقط وإنما الأجيال القادمة, التي اختلفت تقديراتها من جهة لأخرى, فقد قدرها مركز الدراسات الدولية والستراتيجية في واشنطن بـ(62،2) مليار دولار ,بينما يقدرها البنك الدولي بـ(127،7) مليار دولار، وتقدرها شركة اكزوتكس المتخصصة في تجارة ديون الأسواق الناشئة التي مقرها لندن بين (103,4) مليار دولار و(129,4) مليار دولار، وتشكل هذه الديون اصل الديون والفوائد المتأخرة عنها,وفي رسالة حكومة العراق الموقعة من قبل السيد وزير المالية ومحافظ البنك المركزي العراقي إلى مدير الاعتماد المالي العالمي قدرت بـ (125) مليار دولار أمريكي (42) مليار دولار تعود إلى دائني نادي باريس و(67.3) مليار دولار إلى غير نادي باريس ونصف مليار دولار إلى المؤسسات الاقتصادية الدولية و(15) مليار دولار إلى دائني القطاع الخاص. ويقول ريتشارد سيغال المحلل في الشركة في تقرير بحثي "لا توجد أرقام مقبولة إلى حد كبير للديون العراقية, إلا إن الأرقام المقدمة للأمم المتحدة عام 1991 كانت (42,1) مليار دولار 65% منها ناجمة عن شراء أسلحة والباقي ديون ناجمة عن تنفيذ مشاريع سبق للعراق ان تعاقد عليها مع شركات عالمية خاصة أوربية ويا بانية قبل الحرب واستمرت في تنفيذها بعد الحرب ولا تشمل هذه الأموال المقدمة من الكويت وبعض الدول الخليجية الأخرى والمختلف بشأنها في كونها هبات ومنحاً أو قروضاً وتقدر بـ 30-35 مليار دولار, قدمت للعراق أبان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
لقد زادت أعباء الديون الخارجية للعراق حتى زادت نسبتها إلى الناتج المحلى الإجمالي عن (400%) إذا ما افترضنا إن الناتج المحلي الإجمالي للعراق سيبلغ 30ملياراً عام 2004 رغم إن وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية تقدره ب 19,4 مليار دولار.
أ- توزيع الديون العراقية على البلدان الدائنة:
تتوزع ديون العراق الخارجية بين دول العالم المختلفة كما يلي:
- المملكة العربية السعودية - 25 مليار دولار
- الامارات العربية المتحدة ودول - 17.5 مليار دولار
الخليج عدا الكويت
- الكويت - 12.5مليار دولار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الديون موضوع نزاع وهي محل تفاوض (55) مليار دولار
- ألمانيا - 4.3 مليار دولار
- روسيا - 9 مليار دولار
- اليابان - 2.9 مليار دولار
- نادي لندن (الدائنين التجاريين) - 2.6 مليار دولار
- الولايات المتحدة الأمريكية (الديون الأساسية) 2.1 مليار دولار
- فرنسا ( الديون الأساسية) - 1.8 مليار دولار
- بلغاريا - 1.7 مليار دولار
- بولندا وجيكيا ورومانيا - 1.6 مليار دولار
- ايطاليا - 1 مليار دولار
- صربيا والجبل الأسود - 0.7 مليار دولار
- مؤسسات متعددة - 0.5 مليار دولار
- أطراف أخرى من نادي باريس - 19 مليار دولار
- مطالبات أطراف تجارية أخرى - 6.2 مليار دولار
- مطالبات أخرى غير معللة - 4.4 مليار دولار
- مطالبات تجارية أخرى - 2.2 مليار دولار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموع - 116.5 مليار دولار
لقد بلغت الفوائد المتراكمة على اصل الدين الخارجي للعراق خلال العشرين سنة الأخيرة إلى 50 مليار دولار من إجمالي هذه المبالغ مثلت فوائد متأخرة تراكمية لخدمة الدين حتى وجب على العراق ان يسدد للإطراف الدائنة.
- الولايات المتحدة - 3 مليار دولار
- ألمانيا - 5 مليارات دولار
- فرنسا - 6 مليارات دولار
- اليابان - 8.5 مليارات دولار
- البنوك الأجنبية المشاركة في نادي باريس 3 مليارات دولار
ب:الآثار السلبية للقروض الخارجية على الاقتصاد الوطني:
1. يفترض بالدولة المقترضة التي تلجا إلى الاقتراض ان توجه الأموال التي تحصل عليها إلى تمويل المشاريع الاستثمارية, ولكن نجدها في الغالب تتجه إلى تمويل الجانب الاستهلاكي خصوصا للسلع المستوردة ويتجه القليل منها نحو الاستثمار في المشاريع الإنتاجية, في حين كلنا يعلم إن القروض المترتبة على العراق ذهبت أصلا لتمويل مستوردات العراق من الأسلحة والعتاد الحربي لديمومة الآلة الحربية واستمرار الحروب التي خاضها النظام السابق.إي أنها لم تكن قروضاً منتجة أصلا, وبالتالي تركت أثراً سلبيا على الاقتصاد الوطني خصوصا الادخار المحلي.
2. تودي زيادة القروض الخارجية إلى تزايد معدلات التضخم وتخفيض قيمة العملة الوطنية ثم تدهور القيمة الحقيقية للأصول التي يمتلكها الأفراد مما يضطر العديد منهم إلى إيداع أموالهم في البنوك الأجنبية وهروب رؤوس الأموال خوفا من تآكلها.
3. تؤدي القروض المتزايدة وارتفاع الفوائد المستحقة عليها إلى انخفاض دخل الفرد بشكل حاد غير قادر على ان يكفي لسد حاجة الأفراد الأساسية.
4. زيادة معدلات البطالة وانخفاض مستوى التشغيل للقوى العاملة ففي العراق مثلا زادت نسبة البطالة على 28% في نهاية عام 2002 وتصل اليوم إلى ما يقرب من 50% وارتفاع معدل الفقر حتى نراه يصل في العراق إلى ما يقرب من 60% من إجمالي السكان حسب تقديرات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي.
5. خضوع البلد المدين لشروط المؤسسات الدولية والدول الدائنة الخاصة بضرورة الالتزام وتنفيذ وصفات صندوق النقد الدولي للإصلاح الاقتصادي المتمثلة بالخصخصة ورفع الدعم المقدم لخفض الأسعار الحقيقية للسلع الاستهلاكية الأساسية كالدقيق والرز والزيوت إضافة إلى الدعم المقدم لخفض أسعار الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والوقود....الخ.وكذلك إعادة رسم الموازنة الحكومية بحيث تكون النفقات مساوية إن لم تكن اقل من الإيرادات, ويترتب على ذلك زيادة معدلات البطالة وارتفاع معدل الفقر.
برنامج الاصلاح الاقتصادي المطلوب تطبيقه في العراق:
إن أهم ما جاء به برنامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي يتمثل بمذكرة السياسات الاقتصادية والمالية ومذكرة التفاهم التقنية الموقعة بين حكومة العراق الممثلة بالسيد وزير المالية في حينه د.عادل عبد المهدي والسيد محافظ البنك المركزي العراقي د.سنان الشبيبي وإدارة الاعتماد المالي العالمي السيد رودريكو دي راتو في 24/9/2004 والمتضمنة:
1. دفع متأخرات العراق إلى صندوق النقد الدولي البالغة 55.3 مليون وحدة سحب خاصة, وزيادة حصة العراق من 504 ملايين وحدة سحب خاصة إلى 1.188.4 مليون وحدة سحب خاصة.
2. تطبيق نظام ضريبي مبسط يتضمن فرض (5%) رسم إعادة الأعمار على الاستيرادات ومراجعة ضرائب الدخل الشخصية ومتعلقة بالشركات لتضمين نسبة ضريبة هامشية بـ 15%, وبالمقابل تزداد سماحات المدخولات الضريبية الشخصية .
3. بغية تحقيق الموازنة لعام 2005 سوف تقوم الحكومة بزيادة الأسعار المحلية لمنتوج النفط المشتق مثل البنزين وزيت الغاز والنفط الأبيض, وهو جزء من الخطة الهادفة إلى جعل أسعار الوقود في مستويات الإنقاذ (ويعني بيع ألتر الواحد من البنزين مثلا بسعر الكلفة الحقيقة له وفق أسعار النفط في الأسواق الدولية أي بدون تقديم أي دعم مباشر أو غير مباشر)في نهاية عام 2009.
4. توسيع قاعدة ضريبة الدخل على المدى المتوسط الأجل, واتخاذ إجراءات خاصة بالضرائب تطبق في عام 2006 والتي تشمل:
أ. تقليل رسم إعادة البناء وتحويله إلى رسم استيراد واحد.
ب. فرض ضريبة بيع عامة مع نسبة مفردة قدرها 10% تجبى عند الحدود.
ج. فرض ضريبة موحدة على السيارات المستوردة .
د. فرض ضريبة على الهواتف الخلوية .
5. إعادة هيكلة المشاريع المملوكة للدولة نهاية عام 2005.
6. تخفيض الدعم المقدم بشكل مباشر كدعم سلة الغذاء وكذلك المنتجات النفطية المستوردة وغير المباشر كتخفيض أسعار النفط المجهز للمصافي والكهرباء والماء ومدخلات الإنتاج للقطاع الزراعي المنتجات النفطية ودعم الشركات الحكومية والقطاع الزراعي وأسعار الأدوية المستوردة الذي يشكل 48.3% من مجموع المصروفات الحكومية الى 35.7% خلال الفترة 2005-2007.
التحليل الاقتصادي لمقترحات نادي باريس بشطب ديون العراق والانتقادات التي يمكن ان توجه لها :
1. ان نادي باريس قام باحتساب مطالبات الدول الدائنة دون التحقق من صحة هذه المطالبات.حيث إن ديون العراق الخارجية تقسم إلى أربعة أقسام وبالشكل التالي:
ب. ديون رسمية موثقة تعود إلى دول أعضاء في النادي وغيره قدرت نهاية عام 1991 ب42.1 مليار دولار.
ب. ديون خاصة تعود لمصارف وشركات تجارية خاصة.
ج. مطالبات مختلف في أصل استحقاقها خاصة لدول الخليج, فالعراق يعدها منحاً وهبات ومساعدات قدمت له إبان الحرب الإيرانية العراقية في حين تحتسبها تلك الدول ديوناً, ولا توجد وثائق أو صكوك تثبت صحة الادعاء لكلا الطرفين.
د. هناك مطالبات لدول أعضاء في نادي باريس وغيره ترتبت على قرارات مجلس الأمن الدولي خاصة القرار 661 الصادر في أب عام 1990 الذي ألزم الدول الأعضاء كافة في الأمم المتحدة بمنع أية تجارة استيراد أو تصدير أية بضاعة أو سلعة مدنية كانت أم عسكرية أو تعامل مالي مع العراق أو الكويت بما في ذلك تحويل آية أموال إلى العراق أو الكويت لأغراض مثل هذه الأنشطة أو التعاملات.
لقد ترتب على هذا القرار إيقاف الدول لصادراتها المتجهة للعراق حتى وان كانت في عرض البحر مما أدى إلى احتساب عشرات الملايين من الدولارات كديون تراكمت على العراق, كايطاليا التي احتسبت كأجور صيانة ورسو عدد من القطع البحرية العسكرية العراقية والتي كان العراق قد تعاقد عليها ودفع ثمنها قبل غزو الكويت وتم حجرها في الموانئ الإيطالية بعد فرض العقوبات عام 1990 وكذلك الحال مع اليابان.
2. أسهمت قرارات مجلس الأمن الدولي التي فرضت على العراق بدءاً من القرار 661 وحتى القرار 1483 الصادر في عام 2003في تضخيم مديونية العراق من خلال عدم السماح له بتصدير نفطه الا لسد نفقات لجان التفتيش واللجان التابعة للأمم المتحدة ولتغطية جزء ميسر من الحاجات الإنسانية والضرورية, رغم مطالبات النظام السابق المتكررة بزيادة صادراته النفطية ,والتي كان من الممكن آن يخصص جزء آخر لخدمة الديون علما ان كلمة الديون الخارجية للعراق لم ترد في كل القرارات التي صدرت بحق العراق بدءاً من القرار 660 حتى القرار 1483.
3. كان من الضرورة تشكيل فريق متخصص من القانونيين والاقتصاديين والسياسيين العراقيين لدراسة هذه المطالبات والتثبت من صحتها والإقرار بها ولا ضير من الاستفادة من بيوت المال والخبرة المتخصصة في هذا المجال, وحتى يمكن تحميل الاطراف التي أسهمت في تضخيم الديون المسؤولية عن تراكمها كمجلس الأمن الدولي.
4. إن الادعاء بشطب 80% من إجمالي الديون مبالغ فيه,إذ إن الشطب الحقيقي هو 30% فقط والباقي مرهون بتطبيق ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي المتمثل برفع الدعم وزيادة أسعار الخدمات العامة وزيادة الضرائب ....الخ من الإجراءات خلال فترة قصيرة جداً هي ثلاث سنوات, وهي غير كافية لتحقيق هذه الإصلاحات في ظل اقتصاد مدمر وبطالة متفاقمة وصلت 50% ومستوى فقر يصل إلى 60%,فإذا ما طبقت فكم سيكون معدل البطالة ومستوى الفقر؟ثم من يضمن عدم إعادة النظر في هذه التخفيضات إذا لم تنجح الإصلاحات أو عند تحسن الوضع الاقتصادي للعراق في ضوء تطور الموارد المالية التي يمكن آن يحصل عليها نتيجة تطور إنتاج النفط و/أو زيادة أسعاره مستقبلاً.
5. نص قرارا مجلس الأمن الدولي 1483 و1546 على إن صادرات العراق من النفط الخام مضمونة من السيطرة والاستيلاء عليها لأي جهة سواء كانت دائنة أو غير ذلك حتى نهاية عام 2007 ,كما نص القرار 1483 على عدم دفع الديون لأية جهة خلال الخمس سنوات القادمة ,وهي فترة جيدة يمكن إن يشكل فيها الفريق المتخصص للنظر في مشروعية الديون ثم السعي للمطالبة بالشطب أو إعادة الجدولة لا في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وكأنه الحل الأوحد.
6. إن معظم الديون المترتبة على العراق هي ديون عسكرية وغير مدنية ذهبت لتعزيز سلطة النظام السابق وقمع الشعب والدخول في حروب خاسرة لم يجن منها الشعب العراقي غير الدمار والويلات,وهذه الديون تسمى بالديون البغيضة وفقا للمعايير والاصطلاحات الدولية المتعارف عليها في التعامل الاقتصادي العالمي ,والتي لا علاقة للشعب العراقي بها أو بطريقة تسديدها ويمكن آن تستغل هذه النقطة في آخر المشوار والتلويح بها في عدم دفع الأرقام الفلكية اعتمادا على الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمتها بشكل دبلوماسي في نادي باريس وقد استخدمتها مرتين من قبل, ففي عام 1898 أجبرت أسبانيا عن التنازل عن ديون كوبا ,وفي عام 1923 حكمت المحكمة العليا الأمريكية بعدم قبول مطالب دائني كوستاريكا بعد قلب نظام الدكتاتور تينوكو.
7. إن نادي باريس لم يقم بشطب حقيقي للديون إذ إن ديون العراق كانت معروضة أصلا في السوق المالية العالمية بلغ فيها الدولار الواحد بثمانية سنتات في أيلول 2004 أي قبل شهرين فقط من اجتماع نادي باريس,ارتفع ألان الى 25 سنتا. أي ان الشطب من الديون يعادل القيمة الحقيقية لها ولكن على ثلاث مراحل وبشروط المؤسسات الدولية.
إعادة الاعمار والفوائد المتوخاة من الجدولة
رغم السلبيات التي مرت إلا إن العراق بحاجة ماسة إلى إعادة تكييف وترتيب وضعه الاقتصادي بما ينسجم والتحول الذي شهده نظامه الاقتصادي من النظام الاقتصادي المركزي أو الشمولي الذي يسيطر فيه القطاع العام الحكومي على معظم مفاصل الحياة الاقتصادية إلى نظام اقتصاد السوق اللامركزي والذي يمنح الدور الريادي والقيادي للقطاع الخاص, وبما ينسجم مع مرحلة التحول وإعادة البناء والاعمار للعراق, لذلك أجد إن إعادة جدولة الديون ستترك الآثار الايجابية التالية:
1. إن شطب الديون المترتبة على العراق لنادي باريس بمراحلها الثلاث والتي تقدر حصيلتها بما يقرب من 31 مليار دولار خلال الثلاث سنوات القادمة وإعادة جدولة المتبقي منها لمدة 25 سنة أخرى مع منحه فترة سماح لمدة ست سنوات يبدأ بعدها السداد ستتيح للعراق إمكانية توفير الأموال اللازمة لإعادة الاعمار وبناء قدراته الاقتصادية والسياسية, من خلال التأجيل الممنوح إضافة إلى شطب قسم كبير منها يعني إمكانية تحويل المبالغ التي كان ممن الممكن إن تدفع لسداد الديون إلى مجالات أخرى الاعمار أولها.
2. إن الخطوة التي بدأت في نادي باريس يمكن إن تتم مع الإطراف الأخرى من غير دول النادي والتي تدين العراق بثلثي الديون.
3. إن نجاح العراق في تطبيق الإصلاحات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي ونجاحه في إدارة مفاوضات نادي باريس , وما تبعها من مفاوضات ثنائية سيمكن العراق الاقتراض من المؤسسات الدولية إضافة إلى الاقتراض من دول غنية لغرض تمويل برامج إعادة الاعمار, خاصة إذا ما علمنا ان معظم البنى التحتية للاقتصاد كالطرق والكهرباء وشبكات الصرف الصحي بالإضافة إلى شبكات الماء الصالح للشرب مدمرة وبحاجة ماسة لإعادة اعمارها حتى يكون المناخ الاستثماري مهيأ لجذب الاستثمارات الأجنبية, إضافة إلى إن القطاع الخاص سواء كان المحلي أم الأجنبي لايقوم بهذه الاستثمارات وبالتالي على الحكومة العراقية القيام بها وهذه تحتاج إلى أموال ليست بالقليلة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة