نفـق
التحريــر
محمد
درويش علي
ايام كانت الكهرباء
مستمرة. كل هذا التنويع كان موجوداً في هذه البقعة الصغيرة
من الارض. ولكن شيئاً فشيئاً، أُهمل النفق، وتردى وضعه،
واغلقت المحال فيه، وبات مرتعاً للصوصية، حتى أُغلق
بالكامل!
حركة
دؤوب يشهدها نفق التحرير، تتمثل في ازالة صور المرشحين
التي ملأت النفق والقيام بصبغ جوانب بما يعكس جمال هذا
النفق الذي كنا نتمنى ان لا يصل الحال به، الى هذه الدرجة
من الوساخة والاهمال.
هذه الحركة تشمل جوانب الشارعين اللذين يخترقان النفق، من
ساحة الخلاني الى ساحة النصر، وبالعكس. اما دواخل النفق
فهذا شيء آخر، حيث تمتزج المرارة بالاسف لما آل اليه.
فالمداخل التي تؤدي الى النفق مغطاة بالازبال والقاذورات
وبقايا قناني المشروبات الكحولية، وباتت بؤرة للمشردين
السكارى في ليالي الشتاء فعندما تكون المداخل بهذه الصورة،
فكيف حال الدواخل؟!
من شهد ولادة هذا النفق، في بداية السبعينيات من القرن
الماضي، يعرف كم كان جميلاً ونظيفاً، تتوزع فيه حدائق
صغيرة، وعدد من المصورين يوثقون لحظات العابرين. وكذلك
المحال المنتشرة فيه. مكتبة تحوي احدث انواع الاصدارات،
محل للتصوير يتجمهر حوله الناس، لرؤية صورة الفنان خليل
الرفاعي وهو في قمة شبابه، بشعره المرسل، وضحكته المعهودة.
صالونات للحلاقة بأرقى الحلاقين. محل لبيع الانتيكات. محل
للتسجيلات، وفي مداخل النفق كان هنالك اكثر من بائع يبيع
حاجياته على الارض. اما الصعود والنزول الى النفق فكان
بواسطة سلم اعتيادي، وسلم آخر كهربائي.
ايام كانت الكهرباء مستمرة. كل هذا التنويع كان موجوداً في
هذه البقعة الصغيرة من الارض. ولكن شيئاً فشيئاً، أُهمل
النفق، وتردى وضعه، واغلقت المحال فيه، وبات مرتعاً
للصوصية، حتى أُغلق بالكامل!
لا ادري هل تعود الحياة الى هذا النفق؟ ام يبقى الحال على
ما هو عليه، ونقرأ السلام ثانية، مثلما قرأنا عله السلام
أول مرّة؟!
|