حكاية
قرية من الأهوار ..
هدم الطاغية 57 منزلاً في قرية (آل عريثم)في يوم واحد
- ما زال ابناء
القرية يشربون ماء المستنقعات ومدرستها الوحيدة من
القصب!
- قرية "آل عريثم"
شهدت مهرجاناً خطابياً بـ (180) مليون دينار ولا تزال
بلا كهرباء وسكانها لم يشاهدوا المسؤولين الا قبل
الانتخابات.
الناصرية/ حسين كريم
العاملي
مرت
سيارة الكوستر التي اقلتنا من فندق الجنوب في مركز مدينة
الناصرية الى قرية آل عريثم على ضفاف هور (ابو زرك) 35 كم
شرق الناصرية بالكثير من المطبات والطرق الوعرة قبل ان تصل
الى تلك القرية النائية التي ارتأى منظمو مهرجان الاهوار
الثاني للشباب ان يقيموا فعاليات مهرجانهم فيها، هذا
المهرجان الذي اثار تندر سكان القرية التي ما زالت تفتقر
للماء والكهرباء والخدمات والابنية المدرسية، فمدرستها
الوحيدة التي تضم ثلاثة اكواخ فقط مازالت حتى الآن مبنية
من القصب منذ ان شيدها سكان القرية على حسابهم الخاص في
العام الماضي.
تخصيصات ولكن
ونحن نجلس في
السيارة تحدث الكثير من الاعلاميين الذين جاءوا لتغطية
فعاليات المهرجان عن مبلغ يقدر بـ 180 مليون دينار لتغطية
فعاليات المهرجان التي ستقام في هذه القرية البدائية
الموغلة بالفقر والتي لم تتمكن حتى سيارات الوفود الحديثة
من المرور في طريقها الترابي مما اضطر معظم ضيوف المهرجان
الى السير ما يقارب الـ 500 م مشياً على الاقدام ليبلغوا
ساحة الاحتفالات الرطبة التي فرشها المنظمون باعواد البردي
الخضر حتى لا تغوص اقدامهم واقدام ضيوفهم في الطين.
تندر
سكان القرية الذين
لم يعتادوا مثل هكذا فعاليات تحلقوا حول ضيوف المهرجان
وامطروهم بوابل من الاسئلة، اسئلة تستفهم في معظمها عن هذا
الحضور غير المعهود وعن ماهية المهرجان وما يمكن ان يحققه
لقريتهم المعدمة وحين علموا انه مهرجان رياضي هز بعضهم يده
وزم شفتيه معبرا عن امتعاضه وعدم رضاه في حين وقف البعض
الآخر ليستمع لخطب المسؤولين المليئة بالوعود والاشادة
ببطولة ابناء القرية التي اضطهد النظام السابق أبناءهم
وهدم في يوم واحد اكثر من 57 منزلا من منازلها.
تهديم منازل
القرية
وامام هذا الخراب
الذي تشهده قرية آل عريثم والحرمان الذي يعيشه سكانها ولا
منطقية التخصيصات الكبيرة المخصصة للمهرجان بات من غير
المعقول ان نقف على الحياد ولا نبالي بمعاناة السكان
وحكايتهم عن المأساة التي يعيشونها من دون ان ننقلها عبر
صفحات المدى فكانت لنا هذه اللقاءات مع عدد من سكانها:
السيد ابو عماد السيد يوشع حفيد السيد يوشع صاحب المزار
المعروف في قرية آل عريثم التي اقيم فيها المهرجان تحدث عن
معاناة قريته قائلا:
كانت قرية آل عريثم/السيد يوشع المأوى الرئيس للكثير من
معارضي النظام السابق والمقاومين له ونتيجة تعاطف سكانها
مع المعارضين قام النظام باضطهاد أبنائها وملاحقتهم
وتهجيرهم حتى بلغ به الامر مطلع التسعينيات الى القيام
بتهديم 57 منزلا من منازل القرية في يوم واحد كما قام
ازلام النظام بتهديدنا بتهديم مرقد السيد يوشع (الذي يعتبر
مقدسا في مناطق الاهوار) في حال استمرار دعم القرية
للمعارضين حيث كانت معظم اتصالات المعارضين بتنظيماتهم
وعوائلهم تتم عبر زيارة العوائل لمرقد السيد يوشع ايام
الجمع لكي لا ثير تلك اللقاءات شبهات الاجهزة الامنية.
والقرية على الرغم مما قدمته من تضحيات ودعم للمعارضين
الذين يتبوأ البعض منهم مناصب عليا في الدولة الا انها
مازالت على حالتها البدائية ولم تنل أي اهتمام حتى الآن
فلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا خدمات صحية ولا ابنية
مدرسية كما ان منازلها التي هدمت في السابق وأبناءها الذين
تضرروا من سياسية النظام لم يتم انصافهم او تعيينهم في اقل
تقدير ولم يحظَ أي منهم بفرصة عمل مناسبة في اجهزة الدولة،
وعموما القرية مازالت تشرب الماء من مستنقعات الاهوار
الملوثة ومازالت مدرستها الوحيدة مبنية من القصب.
المسؤولون
والانتخابات!
وعتب ابو عماد على
المسؤولين الحاليين الذين كانت تربطهم بسكان القرية علاقات
وثيقة ايام المعارضة قائلا:
لقد اصبحنا لا نرى المسؤولين الذين كنا نقاسمهم ايام
المعارضة لقمة العيش الا في فترة الانتخابات ونحن من
خلالكم نطالبهم بالاهتمام بالمظلومين وتعويض المتضررين
ونقول لهم كان الاجدر بهم ان يوفروا الماء والكهرباء لقرى
الاهوار بالمبالغ المصروفة على هذا المهرجان فاقامة هكذا
مهرجانات في وسط الخراب هو حالة نشاز لا تنسجم مع الواقع
وقد كنا نتمنى ان تتزامن اقامة المهرجان مع حملة لمد شبكة
المياه وايصال التيار الكهربائي ليشعر ابناء الاهوار ان
هناك اهتماماً حقيقياً بمعاناتهم.
من سيئ الى أسوأ
ووافقه الرأي احمد
حاتم قائلا :
حتى الآن لم نشهد أي تغيير على ارض الواقع فاوضاعنا
المتردية لم تبق على ما كانت عليه في العهد السابق بل
ازدادت سوءا بسبب تعرض منازلنا للغرق ولأكثر من مرة فقد
تضررت نتيجة ذلك اكثر من 400 دار في ارتفاع مناسيب المياه
الذي شهدته المنطقة مؤخرا كما ان القرية مازالت تفتقر الى
الماء والكهرباء والخدمات الصحية والى فرص العمل للعاطلين.
وباختصار ان الوضع الذي نحن فيه أسوأ من السابق.
اما الحاج ابو كامل فقد عبر عن استيائه من انفاق ملايين
الدنانير على مهرجان الاهوار قائلا:
لا ارى أي مسوغ لاقامة مهرجانات في مناطقنا التي ما زالت
تعاني الاهمال والحرمان وباعتقادي ان التبرير الوحيد الذي
اراه مناسبا لاقامة مثل هكذا مهرجانات هو حرص القائمين
عليها على انفاق المبالغ المرصودة في مناطق بعيدة عن
الاضواء ورقابة الجماهير المثقفة والا بماذا تفسر تخصيص ما
يقارب المئتي مليون دينار (حسب زعمه) على مهرجان يقام في
قرية نائية مازالت تفتقر لابسط الخدمات ويعيش سكانها في
فقر مدقع؟
مجرد كلام
ومن جانبه عبر
الشاب خزعل عبد عن رأيه قائلا:
لم نقبض سوى الوعود والامنيات والكلمات المنمقة فحالنا لم
يتغير وهو باق على ما هو عليه منذ ان نشات القرية وقد كنا
نتمنى ان يجري اهتمام جدي بواقع الاهوار من خلال النهوض
بواقع الخدمات واقامة المنشآت الصناعية والسياحية لتشغيل
العاطلين لكن هذا الامر على ما يبدو يحتاج الى وقت طويل في
ظل حركة الاعمار السلحفاتية.
موت مبكر
في حين اصر حميد
عجيل واحمد حاتم وحسين علي الذين جرى تسريحهم من اللواء
الرابع جنوب بغداد بعد ان خدموا في صفوفه ما يزيد على
الاربعة اشهر على نقل شكواهم للمسؤولين قبل ان يتحدثوا عن
همومهم ومعاناة عوائلهم:
مازالت منازلنا تتعرض للغرق والانهيار مع كل ارتفاع
لمناسيب المياه والدولة كعادتها في كل المرات تقف موقف
المتفرج من معاناتنا ولم تقدم ما هو مطلوب منها حيث تكتفي
في معظم الاحيان بالمساعدات التي تقدمها المنظمات
الانسانية وهذه المساعدات في احسن الاحوال لا تسد الا
الجزء اليسير من احتياجاتنا الكبيرة وطالبوا بالاهتمام
بواقع الاهوار واكساء وانشاء الطرق والمستوصفات. الشارع
الوحيد الذي يمر في قريتنا هو طريق عسكري سابق ويعاني
حاليا التخسفات والحفر كما ان ارتفاع مناسيب المياه تجعله
في معظم الاحيان غير صالح لسير المركبات كما ان منطقتنا
تفتقر الى المستوصفات الصحية فالذي يتعرض عندنا لحالة
طارئة في وقت متاخر لا يمكن نقله الى المستشفيات ويظل
يعاني على فراش المرض ويموت في مكانه في بعض الاحيان وما
اكثر الحالات المرضية الطارئة التي تحصل نتيجة استهلاك
الماء الملوث فحالات الاسهال التي تصيب الاطفال لا تنتهي
وكثيرا ما تؤدي بهم الى الجفاف والهزال والموت المبكر هذا
ناهيك عن لدغ البعوض الذي يسبب مرض الملاريا.
واضاف حميد عجيل قائلا:
لقد عشنا اربعين سنة محرومين وسنبقى اربعين سنة اخرى ننتظر
فرصة مناسبة فحتى التطوع في صفوف الشرطة والجيش اصبح بست
اوراق (600 دولار) وسعيد الحظ من يحصل على هذه الفرصة.
هموم صيادي السمك
في حين تحدث
الصياد مالك سمير الذي استثمر وجود ضيوف المهرجان ورغبتهم
في الاطلاع على عوالم الاهوار للحصول على بعض النقود من
خلال نقلهم بزورقه السومري الى غابات القصب في عمق الاهوار
عن متاعب مهنة الصيد قائلا:
مهنة الصيد غدت متعبة والهور لم يعد زاخرا بالاسماك مثلما
كان قبل تجفيف الاهوار فمعدل ما اصيده حاليا لا يتجاوز
الخمسة اوقيات في اليوم في احسن الاحوال وفي بعض الاحيان
لا احصل الا على ما يكفي لوجبة غذاء لعائلتي من السمك
الصغير، ولو توفرت لي فرصة عمل مناسبة لما لجأت لهذه
المهنة المتعبة.
وعن الصيد الجائر قال:
الصيد الجائر محرم وممنوع في هور (ابو زرك) بالذات وقد
اتفقت عشائر المنطقة على تحريم الصيد بالسموم والكهرباء
وقرروا معاقبة واحتقار كل من يستخدم هذه الطرق في عمليات
الصيد ونحن حاليا نستخدم الشباك في صيد الاسماك وهي انواع
وتعتمد على حجم السمكة فمنها السبيعي والثميني والتسيعي
وقد نضطر في كثير من الاحيان الى التوغل في عمق الهور
ولاكثر من كيلومتر للحصول على الاسماك وذلك من خلال
استخدام الزوارق البدائية (البلم).
وشكا سمير من ارتقاع اسعار الزوارق قائلا:
لقد بلغ سعر الصريجية (بلم صغير) ما يقارب الـ 200 الف
دينار في حين تراوح سعر الشختورة ما بين المليونين
والمليونين ونصف المليون دينار.
قلة التخصيصات
وفي الختام توجهنا
للمهندس علي حسين رداد مدير ناحية الاصلاح التي تدخل قرية
العريثم ضمن حدود صلاحياته لنساله عن اسباب معاناة سكان
الاهوار فقال:
قدمنا 81 مشروعا تشمل قطاعات الصحة والتربية والطرق ومحطات
تصفية المياه والمراكز الصحية لتنفيذها في ناحية الاصلاح
التي يبلغ عدد سكانها 45900 نسمة لكن للآن لم تحصل
الموافقة الا على 15 مشروعا فقط ونحن نتظر الموافقة على
المشاريع الاخرى.
وفي الوقت الحاضر تعتمد مناطق الاهوار على مساعدات
المنظمات الانسانية اكثر من اعتمادها على امكانيات ودعم
الدولة فتخصيصات الدولة قليلة جدا ولا تتناسب مع تكاليف
اعادة اعمار البنية التحتية المدمرة بالكامل والمهملة منذ
زمن بعيد فمناطق الاهوار مازالت تعاني سياسة التجفيف
والتهجير القسري فعلى سبيل المثال هناك عشر مدارس في ناحية
الاصلاح مازالت مبنية من القصب كما ان هناك 50 قرية تفتقر
للكهرباء وهناك ايضا الكثير من القرى والمناطق التي تتقطع
بها السبل في مواسم الامطار.
اما في مجال الاتصالات فالناحية معزولة ومنقطعة تماما عن
العالم بسبب عدم وجود بدالات وعدم وجود تغطية للهاتف
النقال كما ان هناك خمسة آلاف مهجر ومرحل في داخل وخارج
القطر في طريقهم للعودة الى مناطقهم في الناحية وهذا
بطبيعة الحال يحتاج الى الكثير من الامكانيات ليتم
استيعابهم وتوطينهم في مناطقهم التي نزحوا منها سابقا.
|