المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الشعر العراقي خارج البلاد في ربع قرن .. مـحــنــة الـقـطـيـعــة الـمزخرفـة في سوسيولوجيا الثقافة الشعرية العربية (2 - 3)
 

شاكر لعيبي
حصيلة جمالية مبعثرة
إن ما لم يصل من ذاك الإرث الشعري، الكبير عددياً والمتنازع على قيمته نقدياً، يشكّل حصيلة جمالية ضائعة إلى حين استردادها وإعادة تأطيرها بعدالة في حركة الشعر العراقي من جديد.
ثمة "ضياع" بالمعنى المجازي للكلمة (وما أشد سطوة المجاز في الواقع) لمنجز شعري، وثمة "حصيلة" استطيقية مبعثرة هنا وهناك لم يكن ممكنا بشكل قهري في داخل البلد الإلمام بها، وفي خارجه حصل اضطراب في متابعتها بسبب حمى الأماكن وسكرة المهاجرين إليها. لم يكن بالإمكان لمَّها وضمَّها بسبب قطيعة جغرافية مؤكدة بين الداخل والخارج (وقع رفضها لفظيا وعاطفيا بعد احتلال العراق لكن الكل تقريباً يتابع منطقها الآن)، كما قطيعة أكثر دهاءً بين الخارج والخارج نفسه، نجمت عنها عوالم شعرية تطورت بكيفيات متفارقة وبمزاعم صحيحة مرة وفادحة مرات.
ليس المقام هنا، كما فُهم الأمر في عجالة القراءة، مقام تمجيد عالم واحد من تلك العوالم المتشظية ولا منح أفضلية لأي منها على أساس قوة اللوعة والعذاب الإنسانيين، لكنه مقام توصيف بارد.
الأسماء المعلومة والنصوص المجهولة
ها هي إذن واحدة من المفارقات الناجمة عن الأمر الموصوف: ثمة (أسماء لامعة) ومشهورة في ذاك الإرث من دون أن تُعرف في العراق أو تُقرأ لها مثلما يتوجب نصوصها الشعريّة المعبّرة عن النجاح المُفترَض، أو الإخفاق الفني غير المصرَّح به علناً في الداخل لكن المعمول به والمُشتغل عليه بدهاء على يد جلّ الحركة الشعرية في ذاك الداخل (انظر ما لم يقله زاهر الجيزاني في المقابلة الممتعة والذكية التي أجراها معه موقع "ألواح" في إسبانيا). إن نصوص المنفى قد قُرئت متشظية.
يمثّل ثقل حضور الأسماء العراقية في الخارج بمعزل عن نصوصها الشعرية أو القليل النزر منها ظاهرة فريدة في المشهد الشعري العربي. ففي ندوة أقامها أحد المواقع الحوارية الصوتية المباشرة على النيت استمعنا لتعليق مباشر يذكر المتكلم فيه أنه يعرف يقيناً أسماء البعض من الشعراء لكنه لا يعرف بالفعل نصوصها. حقيقة مفزعة وحيرة مزدوجة بالنسبة لكل من القراء النابهين وللشعراء.
ومهما كانت القيمة الجمالية الفعلية لنصوص إرث شعري عريض خارج العراق، فمما لا شك فيه أن لا أحد قد توقف جاداً لفحصها وتصنيفها ونقدها ثم إدراجها في الأرشيف الشعري العراقي المجيد أو تنحيتها منه، كما حدث مع أقرانهم أنفسهم داخل العراق. لا أحد تقريباً حتى من بين النقاد المتخصصين المراقبين تطور القصيدة العراقية الحديثة. كانت بعض الحوارات التي دارت مع أحد النقاد العراقيين في الصحافة اللندنية تنطلق من حقيقة تجاهله المطبق للشعر العراقي وانحنائه المحموم على أصوات لعلها قليلة الشأن في الشعر العربي من الحقبة نفسها. لهذا السبب فقد منح أولئك النقاد القلائل أهمية مشكوك بها لأصوات شعرية عربية، نسائية خاصة، على حساب ذاك الإرث المراد هجرانه.
مخاوف المؤسسة الرسمية والخوف منها
كان هناك أحياناً ما يشابه القفز المتعمّد على الشعر العراقي خارج العراق، طالما أن المؤسسة الرسمية الثقافية لم تكن تحبذ إسماع وسماع الشعراء المقيمين خارج البلد، وفق اعتبارات وصلت أحياناً حد الخيانة العظمى (انظر قوائم عدي صدام حسين بهذا الشأن). كانت هناك بالفعل خيانة داخلية جذرية للنص الشعري المُراد ترويجه وترويع الثقافة العراقية به طيلة ثلاثين سنة، وإنْ بتلاوين شتى وأقنعة رمزية أو صوتية أو صوفية تعلن كلها عن مأزق جمالي بالدرجة الأولى.
إننا نعلم أن قفز الأقلام النقدية القليلة البارع على الشعر العراقي المنجز خارج البلد، تمّ لأسباب شتى يقف الخوف على رأسها، ثم بؤس النزعة الفردانية المتضخّمة للبعض من شعراء الداخل السعداء بتنحية شطر أساسي من الشعر العراقي لصالح أعمالها، وهو ما نشمه ونقرأه في خفايا السطور ونتلمسه حتى اللحظة في ظاهرة النظر بعدم الرضا (المعلن عنها جهاراً نهاراًَ) من فكرة عودة الشطر المنفيّ إلى أرضه. وهذا من العجب العجاب.
غير أن نتائج هذا القفز تكاد تصير، مرة أخرى، قاعدة ثابتة في تبجيل صورة واحدة للشعر العراقي في الداخل من جهة، وتأبيد صورة الشعر في الخارج من جهة أخرى في ضبابية (الماضي) وفي (البواكير) و(البدايات) الهشة، أو في صورة (شعر سياسي) بأسوأ معنى للكلمة (من أجل توثيق تلك التهمة بالاستشهادات انظر: الشاعر الغريب في المكان الغريب)، أي في صورة هزيلة هزلية في نهاية المطاف، وفي هيئة مقلقة لن ترضي جمهرة من الشعراء العراقيين.
لنسجّل هنا كلمة واضحة من أجل السياق التاريخي فحسب: إن انحسار بعض مراكز السلطة منذ بداية التسعينيات وسعيها الزائف بانفتاح ما، قد سمح بالاستشهاد بأسماء شعرية خارجية في ثنايا المقالات الصحفية (مثل مقالة فاروق يوسف في جريدة الجمهورية 4-10-1994: شعراء السبعينيات بين الحقيقة والتضليل) وحتى الأطروحات الجامعية (مثل عمل حميد قاسم: سفر النار، دراسة نقدية في الظواهر الفنية في الشعر العراقي الحديث 1974- 1994)، لكن مجرد إيراد عابر، خافت، باهت وتعداد لا معنى عميقا خلفه، ومن دون تعمّق طفيف بنصوصها أو انحناء أكاديمي عليها. ستمنحنا تلك الأطروحات المكتوبة في الجامعات العراقية خير دليل على نزعة التأشير العجول المحايد في أحسن الأحوال، وفيها يقع نوع مماثل من القفز أو الجهل المطبق بالشعر العراقي. وقد تذرع مؤلفو تلك المقالات والطروحات، مشافهة دائماً وليس كتابة، بالسيوف المسلطة على رؤوسهم واعتبروا أن الإشارة إلى من أشاروا إليه كان يشكل نوعاً من التحدي. وقد يكون الأمر كذلك، غير أن سقوط ثقافة الغراب القومي لم يحسّن من أداء النقد العراقي، خارجاً وداخلاً، الثابت ثبوتا مريحاً في أفكاره النهائية.
التشظي على المستوى النقدي كذلك
في سجال هادئ مع ناقد عراقي (وكل سجال يقول ما لا يُقال عادة يُعتبر عدوانا وانتهاكا لحرمة العقل الخامل)، كتب الأخير يقول بثقة أن لا توجد "تجليات نصية" في نصوص محاوِره. وكان في ظننا يعبّر عن وصول النصوص الشعرية متشظية إليه، وعدم متابعته. ثمة برهان آخر على القطيعة الدرامية بين مساحتين ومعرفتين في تصريح لـعادل عبد الله يرد فيه ما معناه أن لم ينجم عن السبعينيات إلا القليل من الآثار الشعرية المهمة أو الكبيرة.
ثمة (تشظ) على مستوى النقد، وهو متلق آخر ومؤوِّل، لا يفعل سوى قراءة نص شعري هنا وآخر هناك على فترات زمنية طوال، الأمر الذي كان من شأنه شرذمة التجربة الشعرية وتقطيع أوصالها إلى عناصر غير متسقة لا تسمح برؤية وتتبع المسارات الفعلية والوجودية والمرجعية التي خرجت منها. لقد سادت مقولات بل تهم ثابتة للتجربة الشعرية خارج العراق منها: التشابه (كم كتب سعدي يوسف ذات مرة)، الانحناء على ثيمات محددة افتراضية، الجمود الأستطيقي، اجترار نص واحد وحيد منذ ثلاثين عاما، واتهامها خبط عشواء بتهمة الأيديولوجية (انظر مداخلتنا القديمة: هل شعراء السبعينيات محض كائنات أيديولوجية؟). والمفردة أيديولوجيا كانت تسود وكأنها موظة ودُرجة لم ينفك يلوكها اللائكون، من دون توقفات عميقة تليق بمفهوم مثلها، وها هي بضربة ساحر تنحسر اليوم من قاموس النقد الأدبي والسياسي، لأنه يرى أن لها وجوداً يبرهن عليه اشتداد حمى الأيديولوجيات المتصارعة في العراق الحالي.
البعد الأخلاقي في الحقل الشعري
تعني الكلمة الفرنسية الأخلاقي éthique (الأطيقا كما تترجم في تونس) ذاك الجزء من الفلسفة الذي يستهدف إرادة وفعل الإنسان من وجهة نظر معيارية. وبهذا المعنى نستخدم المصطلح. إنه أشارة إلى تضافر المعرفة بالرهافة الإنسانية المجربة حتى لا نقول بالعدالة. ومن هنا يمكن رؤية ما حدث على أنه ليس فحسب تشظيا نقديا لكنه تشظ أخلاقي، طالما يقع استبعاد الإرادات الشعرية لحيوات إنسانية بغياب أي دليل معياري، وبالاتكاء على علم أخلاق محلي مطمئن إلى معاييره (لاحظ عدم الاهتمام في الصفحات الثقافية المحلية على سبيل المثال بإرث الشعر المعنيّ حتى لو أوردت تعقيبات واستطرادات مقطوعة السياق عنه).
تصير مراجعة البعد الأخلاقي المنسيّ ضرورةً في شروط الثقافة العراقية الموسومة بالارتباك والتشابك من كل نوع، خاصة على المستوى الثقافي. فإن الاطيقا المعيارية في العراق الحديث تختلق، عل ما يبدو، معيارها الخارج عن معايير نظرية المعرفة عبر سطوة الحدث المريع الواقع في عراق ما قبل 2003 وغياب الغرماء الشعريين والإفادة من استبعادهم الفيزيقي. وأحسب أن تلك السطوة قادت إلى فقدان الذاكرة وأن ذاك الغياب قاد إلى الاحتكام إلى مقررات شعرية مطمئنة وإن تلك الإفادة تبرهن على نوع خاص من الإطيقا. إن صوتا شعريا بارعا من دون شك مثل زاهر الجيزاني قد يعبّر، في المقابلة المشار إليها أعلاه، عن تضافر مجمل العناصر الموضوعية والبسيكولوجية وعدم إمكانية المتابعة الثقافية، الموصوفة كلها في مداخلتنا، وهو يستخدم خطاباً متوقداً مشحوناً بالتوترات والشعر والإحالات السياسية وغيرها لكنه مشحون أيضا بفقدان الإطيقا، مسمياً أصوات ما يُطلق عليه (بالمربّع الذهبيّ) في جيله داخل العراق مستبعدا خليل الأسدي على سبيل المثال منه. أطيقا الأسدي لا تطابق مثيلها في المربع الذهبي فهو يصنع لنفسه مثل كل شاعر وبعيدا عن البهرجة، مربعه السحري. في المنفى ثمة مربع آخر، فضيّ، لا توفّر المناسبةَ أطيقا أخرى مشابهة لما يركن إليه الجيزاني، لاستبعاده من الشعر العراقي السبعينيّ (والأمثلة كثيرة).
هكذا نجد إن المشكل الأخلاقي يتشابك والشعر حتى أن مصطلح (الظلم) ذا الطابع العائم والديني سيكون ممكنا لدى أحد النقاد فيما يتعلق بالشعر العراقي في سنوات السبعينيات (انظر ما يقول ناظم عودة: إن جيل السبعينات العراقي قد ظلم كلّه، وهو يتحدث مفرطاً عن الظلم المحيق بالشاعر خزعل الماجدي!). ولا يخفى في هذا السياق أن دلالة استخدام المفردة من طرف الناقد الكريم تشير إلى أن حقل الشعر لم يفلت من مبدأ غياب العدالة بجميع أشكالها في العراق الحديث، وأن مشكلة البعد الأخلاقي تجد لها أصولا متجذرة عميقا في التراث الشعري والفكري والسياسي العربي الإسلامي.
الروافع الأرضية والمؤسسات الثقافية ومراكز القوى الفيزيقية
ما كان وما زال ينقص الشعر العراقي في الخارج هو (الروافع) و(المؤسسات) و(مراكز القوى) و(المظلات) بمعانيها السامية والحضارية الأمينة لحرية الفكر والثقافة والشعر كما قلة (المدافعين المتحمسين) النبلاء، وهو ما لم يكن ينقص الشعر مجايله في داخل البلد طيلة عقود وإن كانت تنقصه غالبا تلك المعاني. كل فعل خارجي له علاقة بالشعر يبقى فاعلاً على أي حال في النشاط الشعريّ، وليس في إبداع النص الشعري الكبير كما ألمحنا.
إن دوال واشتراطات من طبيعة لا نصية ولا ميتافيزيقية مثل ما نصف هنا، تعني أن النص لا يمكن أن يرتفع إلى مستواه الحقيقي من دون إشهاره دورياً للملأ أولا. ويتم الأمر عبر منابر أدبية ثابتة، وهي مفقودة أو متنافرة ومبعثرة على يد جماعات مهاجرة مهمومة بأقاليمها الجغرافية (ألمانيا والدول الأسكندنافية وبريطانيا). يتم أيضا عبر روافع نقدية صاحية الضمير، ومؤسسات أدبية ذات تاريخ بالمعنى العميق للكلمة: الجامعات ومراكز البحث والتجمعات الأدبية، وهذه كلها كانت حاضرة في عراق الداخل بالمقارنة فحسب من هذا الباب مع خارجه ووقع استثمارها خير استثمار من طرف الشعراء، وفيها يساجل الفعلُ النقديُّ المشروعَ الشعريَّ الشخصيَّ ويدافع عنه.
تبرهن أعمال الترجمة المنتظمة التي تقوم بها مؤسسة مثل الجامعة الأمريكية في القاهرة للروائيين المصريين من مختلف الأجيال ودعواتها لمؤتمرات شعرية، التأثير الطاغي للمؤسسة في دفع الإبداع والترويج له، وتبرهن على أن غيابها درامي بالنسبة للمثقف العراقي، وهي تؤخذ هنا دليلا فحسب على نتائج غياب عمل المؤسسة الثقافية وشدة تأثيره على الشعر العراقي في الخارج.
إن غياب المظلات المؤثرة قاد إلى وضع الشاعر العراقي المغترب كما يُقال، المنفيّ كما نقول في عزلة من كل نوع، والغض من القيمة المتوترة للنصوص، ليس من طرف جماعات المافيا العربية التي تتبادل المنافع، ولكن أيضا من قبل أبناء جلدته الذين تغدو شروط عملهم شروطا للمهارة الفردية في اختراق محميات المافيا الثقافية، بجهود حثيثة ماكرة.
ونلاحظ في هذا السياق أن بعضا من أقسى النقود والنعوت لتي وُجهتْ، ربما انطلاقا من عمل اللاشعور، في نقد بعض الشعراء والأدباء العراقيين لا يمكن أن تستخدم المصطلحات والمفردات والتعبيرات نفسها فيما إذا حضرت مراكز القوى والمؤسسات التي يمكن أن تحتفي به وتسيج بروحها أزهار حقله الإبداعي والشخصي. كل هذا يفسِّر، في آن واحد، محاولات استبعاد الشعراء العراقيين من بعض أهم المنابر العربية، كما اللهجة القاسية فيما بينهم أثناء سجال معرفي سرعان ما يزوغ عن هدفه.


من المكتبة العراقية
 

الطابور

قصص: يعقوب الغزاوي
صدرت للقاص والباحث يعقوب الغزاوي مجموعته القصصية الجديدة (الطابور) وقد ضمت عدة قصص قدم لها المؤلف وفق رؤيته للقصة الحديثة وقد صور في عدد منها معاناته في الغربة وللقاص الغزاوي مجموعة من الكتب منها (حديقة اللغة) والكتابة للطفل و(وقائع الحركة الفكرية في العراق المعاصر) وروايتان .
 


الطوفان

رواية: احمد سالم
صدر للاديب احمد سالم الجزء الثاني من روايته (الطوفان) صور فيها جوانب من حياة المواطن العراقي ومعاناته في الظروف الراهنة وسعيه للوصول الى غد افضل.


مرقاب خفي

شعر: هادي الناصر
صدر حديثاً للشاعر هادي الناصر ديوانه الجديد (مرقاب خفي) جمع فيه عدداً من قصائده الحديثة التي تصور جوانب من حياة العراقيين وامنياتهم في الحب والخير والعطاء.


سفر السرمدية

عبد الخالق الركابي
رواية جديدة للروائي الركابي صدرت حديثاً عن دار الشؤون الثقافية بـ 400 صفحة، قدم لها الناقد د. مالك المطلبي الذي اعتبرها عملاً ابداعياً رائعاً، وقد قدم عبد الخالق الركابي فيها نموذجاً جديداً للرواية العراقية الحديثة.


الحكاية التراثية

د. قيس كاظم الجنابي
عن سلسلة الموسوعة الثقافية صدر عدد جديد وهو كتاب الناقد د. قيس كاظم الجنابي بعنوان (الحكاية التراثية- تنوع الافكار ووحدة التأثير) تناول الباحث فيه مواصفات الحكاية التراثية وجذورها القديمة واشكال السرد فيها.


في مهرجان المبدعات العربيات في تونس.. إبداع المرأة العربية في مجال نقد الفنون
 

متابعة:د.عواطف نعيم
بدعم من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية أقيمت الدورة الحادية عشرة لمهرجان المبدعات العربيات في مدينة سوسة من الفترة 20، 21، 22، 23 من العام الحالي 2006 في شهر نيسان، ويُعد هذا الملتقى واحداً من التظاهرات الثقافية المهمة التي تُعنى بمتابعة وتقييم النشاط النسوي العربي في مجالات الفنون والثقافة، وفي هذه الدورة خصص الملتقى للاهتمام بالنقد النسوي في مجالات الفنون التشكيلية والمسرحية والسينمائية والموسيقية، وقد ضيفت إدارة هذه الدورة عدداً من المبدعات العربيات المتميزات في هذا الاختصاص من سوريا والعراق ومصر ولبنان وقطر والكويت والامارات، والجزائر، وفلسطين، والاردن، إضافة الى مشاركة مبدعات من الدولة المضيفة تونس، وقد توزعت الجلسات الخاصة بمناقشة المحاور والمداخلات الخاصة بهذه الدورة على مدى ثلاثة أيام بحدود جلستين لكل يوم واحدة صباحية تبدأ من الساعة التاسعة صباحاً والثانية مسائية تبدأ في حدود الساعة الثالثة والنصف عصراً وتتواصل حتى الساعة الثامنة مساء، كما تم على هامش المهرجان تقديم عرضين سينمائيين جديدين الاول فيلم روائي طويل بعنوان (خشخاش) للمخرجة السينمائية (سلمى بكار) والثاني بعنوان (فيزا) وهو شريط سينمائي قصير للمخرج (ابراهيم اللطيف). إضافة الى وجود معرض للفنان (المنصف بالشيخ)، تحت عنوان (العين وما رأت).
وقد كان (نزل تاج مرحبا) هو المكان الذي وقع عليه الاختيار ليكون مقراً للملتقى ومركزاً لفعاليات المهرجان، وهو معلم سياحي كبير من معالم مدينة سوسة الجميلة في القطر التونسي، وقد تم توزيع المداخلات للجلسات الصباحية والمسائية على الشكل الآتي:-
الخميس 20 نيسان صباحاً
الجلسة العلمية الاولى رئيسة الجلسة الاستاذة حياة شرادة. استقبال المشاركين والمشاركات، ومن ثم إلقاء كلمة الترحيب من قبل السيدة نجوى المنستيري مديرة المهرجان، بعد ذلك بدأت فعاليات الجلسة الصباحية الاولى بمداخلة للسيدة (فوزية المزي) من تونس تحت عنوان (موقف المبدع من الخطاب النقدي النسائي)، تلتها السيدة من القطر السوري وهي (لبلاس حتاحت) والتي كانت مداخلتها تتحدد تحت عنوان (تأريخ النقد النسائي في سوريا)، بعد ذلك قدمت السيدة فريدة مرعي من مصر مداخلتها والتي كانت تحت عنوان (موقف المبدعات المصريات من الخطاب النقدي النسائي في مجال السينما)، بعد ذلك تم فتح باب النقاش أمام الحضور لمدة تزيد عن الساعة والنصف، بعد ذلك فسح المجال لاستراحة قصيرة أعقبتها الجلسة العلمية الثانية والتي توزعت فيها المداخلات على الشكل الآتي:-
الجلسة العلمية الثانية، رئيس الجلسة الاستاذ حاتم بن عثمان قدم رئيس الجلسة الباحثات المشاركات للجلسة العلمية الثانية معرفاً بكل واحدة منهن ثم إبتدأ بتقديم السيدة عواطف نعيم في مداخلتها التي جاءت تحت عنوان (النقد النسوي هل هو تذوق حسي إنطباعي أم أطر أكاديمية متخصصة؟)، بعد المداخلة الاولى جاء دور السيدة (جازيه الفرقاني) من القطر الجزائري لتقدم مداخلتها تحت عنوان (الخطاب النقدي النسائي في مجال المسرح بين الحضور والغياب) تلتها السيدة (موزة عبد الله المالكي) من دولة قطر لتقدم مداخلتها تحت عنوان (رؤيا سيكلوجية لمسرحية عشتار لحياة الرايس).
أعقب هذه المداخلات الثلاث فتح باب النقاش أمام الحضور وقد تواصل النقاش لمدة تزيد عن الساعتين، الجلسة العلمية الثالثة جاءت في صباح يوم الجمعة 21 نيسان وكان مقرها المعهد العالي للموسيقى، وقد كانت على الشكل الاتي:-
رئيس الجلسة الاستاذ المنصف شعرانه.
قدمت السيدة (سميحة بن سعيد) من تونس مداخلتها تحت عنوان (واقع النقد الموسيقي في العالم العربي) أما السيدة سحر طه من لبنان فقد تحددت مداخلتها تحت عنوان (تجربتي في النقد الموسيقي)، وجاء بعد ذلك دور السيدة نورة أمين من تونس لتقدم مداخلة تحت عنوان (النقد الموسيقي ومدى حضوره في المشهد الاعلامي التونسي)، وكدأب المهرجان فتح باب النقاش امام الحضور أعقب ذلك إِستراحة ثم تم الانتقال الى الجلسة الثانية والتي قدمت فيها السيدة (سهير أسعد) من جمهورية مصر مداخلة تحت عنوان (النقد الموسيقي في مصر وإسهامات المرأة فيه)، بعد ذلك تحول مكان الجلسة العلمية الرابعة في وقتها المسائي الى نزل تاج مرحبا، حيث ترأسها الاستاذ المنصف المحواشي، وإبتدأت مع مداخلة للسيدة (هالة فؤاد الماوي) من جمهورية مصر تحت عنوان (قراءات في الخطاب النقدي النسائي) بعد ذلك قدم الاستاذ (السيد الهادي خليل) من تونس مداخلة تحت عنوان (الناقد أمام تحديات الطمس والتهميش)، وجاء دور السيدة المخرجة التونسية (سلمى بكار) لتقديم شهادة عن عملها في مجال الاخراج السينمائي لا سيما بعد أن تم عرض فيلمها الروائي (خشخاش)، ثم فتح باب النقاش أمام جمهور الحضور.
يوم السبت المصادف 22 نيسان، ثم تقديم الجلسة العلمية الخامسة صباحاً في المعهد العالي للفنون الجميلة، وقد كان السيد (حافظ الجديدي) رئيساً لها، وكانت أولى المداخلات للسيدة (رشيدة التريكي) والتي جاءت مداخلتها حول (ميزات النقد وتقييماته)، بعد ذلك جاء دور السيدة (سامية الزو) من الاردن لتقدم مداخلتها تحت عنوان (الابداع في الفن التشكيلي من خلال الاعمال الفنية العربية)، وبعد استراحة قصيرة، تواصلت جلسات المداخلات، إذ قدمت السيدة (رويدة الكناني) من القطر السوري مداخلة تحت عنوان (النقد النسائي في مجال الفنون الجميلة والعوائق التي تواجهه)، أعقب ذلك فتح باب النقاش امام جمهور المتلقين، أما الجلسة العلمية السادسة والاخيرة فقد تم تقديمها عصراً في نزل تاج مرحبا، وقد كان رئيس الجلسة الاستاذ (محمد زين العابدين)، وكانت المداخلة الاولى للسيدة (كوثر الحكيري) من تونس، تحت عنوان (النقد النسائي خصوصيات)، المداخلة الثانية كانت مع السيدة فاطمة يوسف علي من الكويت وجاءت تحت عنوان (شهرزاد من المحكي الى الحكم خصوصية الخطاب النقدي النسائي)، اما السيدة (رفيقة بن مراد) من تونس فقد قدمت مداخلتها تحت عنوان (النقد النسائي من النص الى الانشاء)، أعقب تلك المداخلات فتح باب النقاش امام جمهور المتلقين وقد كان مجمل النقاش يدور حول الخطاب النقدي بوصفه ممارسة ثقافية إبداعية لا تعتمد الفروقات الجنسية بقدر إعتماد الاستعداد والموهبة والاحساس وغنى الجانب المعرفي وأهمية التخصص العلمي المطلع على خصوصيات النقد ومواصفاته وضوابطه وأسسه، بعد ذلك جاءت الجلسة الاختتامية، إذ القى السيد عبد الرحمن الأمام والي مدينة سوسة كلمة إختتام المهرجان وقدمت كل من السيدتين (أميرة غنيم) والسيدة (حسناء السلطانية) التقرير العام ثم تم عقد جلسة تقييمية للمهرجان شاركت فيها كل المبدعات العربيات الحاضرات في هذه التظاهرة الى جانب مشاركة سيدات وسادة ممن واكبوا فعاليات المهرجان وحضروا جلساته العلمية، يبقى مهرجان المبدعات العربيات واحداً من التظاهرات الثقافية المهمة التي تفعل دور المرأة العربية وتثري المشهد الثقافي العربي وتسلط الضوء امام النشاط الابداعي للمرأة في مجالات الفنون والادب، وقد كان هناك توجه خرجت به التوصيات والمقترحات التي قدمت في إطار الجلسة التقييمية يقضي بانفتاح المهرجان على العلوم والتكنلوجيا لتعميق وإغناء هذا الجانب والتعريف به في إطار ملتقى المبدعات العربيات.


سهيل سامي نادر روائياً .. "التل".. حفر محموم تتعمق معه الألغاز والأسرار
 

خالد الحلّي _ملبورن

في رواية "التل" لسهيل سامي نادر، يطالعنا المنقب الآثاري الدكتور فؤاد، وهو في موقع مفكر محموم يدس انفه في حفر التراب وحفر الحياة، ويوازن بين وصف الحفريات ووصف الحياة الداخلية في لجج نزف حضاري دائم، إذ يجد ومجموعة العاملين معه هنا وهناك، التبعثر نفسه والضياعات نفسها، التحلل والثلوم والبقايا والكسور، فيؤلفون منها صوراً ناقصة ومزيفة، معتقدين في كل مرة بوجود عمق لم يصلوا اليه بعد.
يبدأ البحث والتنقيب في "تل الزعلان"، الذي نجده تل خوف وهواجس مقلقة في الغالب، وفق اربعة احتمالات، وقد أخذ التل يضغط على حياة فؤاد كلها، وهو يحاول الانسلاخ من قلقه الداخلي ومن إرباكات حالات مطلقته فاتن وابنتهما ليلى. لقد قبل العمل في التل وتحدياته على مضض: "لقد قبلت مثلما قبلت الماضي. رفضت ثم احنيت ظهري، أمّلت وفعلت العكس".
وإذ تتدفق من هذا الموقع رؤى وافكار كثيرة، ذات مغازٍ عميقة تتعلق بالموت والحياة، بالحرية والاختناق، بالزيف والحقيقة، يبدو لنا واضحاً ان كاتب الرواية الذي عرفنا له من قبل ما يميزه كصحفي وناقد، حاول ان يسرب الكثير من الرموز والدلالات، وهو يكتب روايته ويصدرها قبيل انهيار نظام صدام حسين الاجرامي، وهكذا نجد انه كثيراً ما يحاول الربط بشكل خفي، بين الواقع المضطرب والحاشد بالظلم والتناقضات للقرن الهجري الرابع الذي يدور التنقيب حول بعض مخلفاته الأثرية، وبين واقع الاوضاع في العراق عندما كان النظام الصدامي يحكم قبضته عليه.
ولعل شيئاً واضحاً من انعكاسات ذلك بدا جلياً على شخصيات وتسلكات مجموعة التنقيب الاثري، التي ضمت ثلة من العمال غريبي الاطوار، لكنها كانت مجموعة موحدة اختارها الدكتور فؤاد بنفسه، ويبرز بين المجموعة برهان، الذي غالباً ما يفاجئهم بافعال غريبة، بين فورة واخرى، لكنه سرعان ما يعود الى حالته الطبيعية، او الى أي اهتمام مجنون آخر، حتى انه حلف ان يغير صديقيه الحميمين حسن وصباح كي يصبا في مساراته، فبدا في بعض الحالات وكأنه رئيس عصابة، اخذ كلٌّ دوراً فيها، وتركوا اعمالهم، إلا انه تدارك ذلك عندما وجد ان الامر قد تطور الى ما يشبه السباق الجنوني لتحطيم التل حتى ولو على رؤوسهم!
تتسربل احداث الرواية والتنقيب باللاجدوى وخيبة المسعى، إذ يبدو "تل الزعلان" وهو يحيطه الموات من كل جانب: فراغ عاطل، امتدادات ترابية مدوخة، افق دائري مكتمل، سماء، لا شيء آخر، لا شيء حتى ولا العلامة الخرقاء، ممسكاً بقوة باقدامهم كأنه مقذوفة سماوية سقطت في هذا المكان واسرتهم.
وليس غريباً في ضوء هذا ان نجد " الصورة الاخيرة للتل مضحكة، اذ بدا من الخارج مثل سدة ترابية فوق فم واسع مفتوح لها برج عسكري مرتفع. اما من الداخل فهو خندق عميق تحد به جدران بين قائمة وساقطة ومجموعة هائلة من الثقوب والحفر ومجاميع من الانقاض والآجر منتشرة هنا وهناك". وكل هذا ستتركه المجموعة لغيرها فهو لا يحتاج الى تنقيب.
في غرائبية محببة يهبط على المجموعة ويشارك في اعمالها سعدون المجنون وحمامته المجنونة التي سماها على اسم صديق له وبدأ يعلمها الكلام. ويبرز لدى المجموعة بعد عمل طويل وشاق دليلان اولهما رسالة اخفاها ناسخ في جلد مخطوط لكتاب "البيان والتبيين" للجاحظ، وجرى تسميتها فيما بعد باسم رسالة الطباخ. وثانيهما رسالة وجدها سعدون المجنون داخل اسطوانة كتبها ابو حامد عباد بن عباس بن عبد الرحمن. واذ تندمج رسالة الطباخ بجنون نفعي مورس في مؤسسة معزولة؛ نجد ان كاتبها بإعادته تشكيل الاحداث وتوزيعها برموز، اسدل الستار على اسماء حقيقية، فظهرت امامنا قوى لها زعامات تتبادل الرقابة والتأثير. ففي ورشة عمل لنسخ الكتب "انقسم العاملون الى قسمين، عاملين ومراقبين، ملائكة وشياطين. ووجد ملاكاً متفرداً مكانه في المطبخ فقبض عليه، آخذاً اسمه منه، منفصلاً به عن الآخرين الغفلين. وكان في البدء ناضل من اجل الانفصال عنهم فهو لا ينتمي لأحد بل لآلته المطبخية وحدها، ثم اوهم نفسه فيما بعد بأنه متحكم بالمكان بواسطة هذه الآلة".
اما رسالة ابو حامد عباد، فقد شرحت الاحداث للذكرى والانتفاع، وقد اراد بها كاتبها "مواصلة حياته في موته القريب، منتمياً كلياً الى مصادره الاخلاقية".
تتماسك الرواية عبر فصولها الاحدى عشرة التي اندرجت بـ353 صفحة من القطع الكبير، بما يربطها من خطوط ودلالات. وقد بلغ العمل ذروته في الجزء الاخير الذي حمل عنوان "طائر الفهم"، اذ يستوقف الدكتور فؤاد داء الفهم الذي كان سعدون يغذي حمامته به: فالكائنات التي تفهم اكثر من غيرها تموت اسرع من الحيوانات بطيئة الفهم، فكيف الحال مع حمامة رقيقة؟ يهزه هذا بقوة ويعيد اليه ما جرى للحلاج مع طائر التصوف الذي جاء يسأله عن الصفاء فأجابه: اقطع جناحك بمقارض الفناء وإلا فلا تتبعني. فسأله الطائر: بجناح اطير؟ فالزمه الحلاج: ويحك ليس مثله شيء وهو السميع البصير، فوقع الطائر يومئذ في بحر الفهم وغرق.
وتتسرب في سياق الرواية بانسجام وترابط اهتمامات الروائي التشكيلية والتراثية، فهو اذ يكتب فصلاً بعنوان "مفكر رودان والفرسان الثلاثة"، يسمي بعض ما عثروا عليه من آثار يتيمة بذلك، ويذهب الى ان تمثال رودان المفكر ينتمي الى النصبة التي قصد بها الجاحظ العرض الحركي للجسد، لانه يبيّن ويقدم بياناً عن نفسه في لحظة تفكير. انه يفكّر لكن لا نعرف بماذا. انه يمثل دوراً.
ومع البناء المترابط والمتماسك الذي تجسدت به الرواية، نجد ان كاتبها قد عبّر عن معرفة جيدة بطبيعة واسرار ومتطلبات التنقيب الاثري، والاحاسيس والمشاعر التي تراود المنقب قبل واثناء بدء العمل، مما ساهم في اكساب الرواية قدرة اكبر على شدّ واقناع القارئ.
ولعل من المآخذ البسيطة على سهيل انه افرد اكثر من ثلاث صفحات لحديث هاتفي بدون انقطاع او مقاطعة من قبل مطلقته، وكان من المفضل ان يجعل ذلك على شكل رسالة، لانه مما لا يعقل او مما يبعث الملل ان ينهمر ذلك الحديث بدون انقطاع او رد وكأنه يصلنا عبر جهاز تسجيل.


(سرّي للغاية)
 

شعر/ موفق محمد

ألم ترَ ان لا حمار في العالم يشبه موفق محمد
فهو الوحيد الذي يسير على قدمين اثنين
عابراً الشوارع من المناطق التي يشم فيها
جلدَ اخيه الوحشي
لاعناً من دجّنه
فهو يخاف الحكومة
وهذا وحده كافٍ لتتويجه ملكاً
رغم انه يكره الاضواء
فلم يقف شامخاً مُبرطماً على قاعدةٍ
أُسقطَ صنمها
محذّراً الجماهير بعد الذي ذاقته الآن
ان لا تفدي بدمها اياً كان
راسماً بأذنيه علامة النصر
لاطشاً ذيله بين إليتيه خجلاً
من القادمين الذين عانوا الامرين في المنافي
وبعدُ
لم يسمع غير الذبح
وموسيقى السوط المعزوفة ليل نهار
فلا رأي له بأدب الداخل او الخارج
ما دام الجميع يحملون لواء الأنا التي
حشرت العراق بمرحاض جهنم بشفافية
قلَّ نظيرها
دع الحمار طائراً فوق بساط الفسيفساء
الذي انضجوه حتى احترق
ليهبط حالماً بالستر والامان
وهو المربوط الى العربة مذ كان جحشاً
بريئاً لاهياً لا يعرف معنى القطعة
المعلقة في رقبته وهو يسير جنب
اخيه الاكبر
الحيوان تحت التجربة
وقد صقلته التجاريب حلوها ومرها
فانفرد بالعربة
لم يخطر في باله
عفواً هو ليس له بالٌ اصلاً
ان يركب طائرةً
ولم يفرح الا مرةً واحدةً
حين قرأ على جدار آيلٍ للسقوط البول للحمير
فمات تحته قبل ان يفرغ ما في رأسه
من سموم
يشرب صرفاً نخب عذابات لم يذقها
وهو يجلس على عجيزته غرداً طرباً
ماسكاً بيمناه بطلاً من تشريب التمر
الذي صنّعه بيديه
بجهاز تقطير لم تعره لجان التفتيش إهتماماً
فصنّع منه ما صنع من اسلحة الدمار الشامل
صوته جميلٌ
لكنه لم يغن لاحد الا مرةً لأمر يتعلق
في رقبته
فوقف وهو يتوكأ على جراحه
ابعد اللاقطة عن فمه رغم وجود التيار
الكهربائي وهو يطوّحُ
ارد اشتري حصان واركب على البعير مطي
وانهك نهيك الذي مزكوط غفلة ابمطي
من حيث إلي روح يتفصل عليه مطي
ويزود منهه ربع سويلي منه جحش
واللي تظنه اسد واكف اكبالك جحش
ارد الحك الناس خو ما ظل بمكاني جحش
اكبر فرد يوم حتماً حتى اصيرن مطي
فألهب الجمهور
وصفّقوا له كثيراً
وخرجوا وهم يحملونه على اكتافهم
هاتفين
(لو نعرف انته بيا طولة)
هو في الستين من عمره
ولا يملك شبراً في المعمورة
ولا زاويةً في زريبةٍ
ولم يسلم عليه احد من ابناء جلدته
لامرٍ ما يتعلق في نسبه
لم يخلفْ احداً
رغم فحولته التي يمكن ان يقف عليها
مستغنياً عن قوائمه الاربعة
يخرج وحيداً عارياً كما خلقه الله
ويعود مثخناً بالجراح
جرّاء السياط التي تشترطها الازمات
التي تعصف بالبلاد
فعلام خروجه يا صاحبي!؟
قالها اخٌ لم يفارق طولته منذ سقوط
العهد الملكي
انا افكر اذن انا ديخ
فلم يهدأ له بال
ولم يرض بالموت ولا بالصخونة
فهو دائم البحث عن صاحبه الذي قال
له في صباه:
إن الاوطان لا تعطي شيئاً لأمثالنا
فلا بد من منفىً حتى لو كان بين فكّي اسد
فم يجد له اثراً
والثعالب تذيقه الامرين في الطرقات
فلم تبق له سروالاً يسترُ عورته
لم يتمرغل على هواه
ولم ينهق بصوت عالٍ
فالشروط الجديدة صعبة
والحواجز كثيرة
والعيون لا تكف عن مراقبته
بعد حصوله على وظيفته الجديدة
في معامل الطابوق التي تصبغ حميرها
بالاسود كعلامة فارقة على بياض
قلوبها
بعد ان قدم ما قدم من اوراق ثبوتية
تثبت تضرره المزمن من الانظمة السابقة
والقادمون يطلبون المزيد منها
فصل في اليوم الاول بسبب انتماء سابق
فقرر ان يملأ البلاد نهيقاً
فالعالم طيط
قنبلةٌ لا احد يعرف لحظتها
وزعاطيط
هو الآن يرفلُ بالدمقس وبالحرير
بعد ان عبّدته احدى المنظمات العالمية
بالقار
لتخلصه من الذباب الذي اكل لحمه
واعدة إياه
بذيل سريع الدوران
واذنين ترهفان السمع
وعينين بصيرتين
وحمولات قصوى
لينفرد ثانية بالعربة


حوارات ثقافية ساخنة في موضوعة الارهاب وصراع الثقافات
 

محيي المسعودي _ عمان
شهدت العاصمة الاردنية عمان في الايام الاخيرة من شهر آذار 2006 نشاطات وفعاليات ثقافية كثيرة كان من ابرزها فعاليتان الاولى ملتقى عمان الثقافي الثاني عشر والذي رعته وزارة الثقافة الاردنية والفعالية الثانية والتي سبقت الملتقى كانت مؤتمر الارهاب: الجذور، الظاهرة آليات المكافحة، ورعت هذا المؤتمر وحضرت له الدائرة الثقافية في امانة عمان الكبرى.. اما الذي ميّز هذين النشاطين او الفعاليتين فهو صلتهما المباشرة والملحة بالواقع العربي والعالمي معاً وفي هذا الوقت تحديداً حيث يتفاعل الموضوعان المطروحان على الساحتين العربية والعالمية بشكل متسارع يذهب بالعالم الى اتجاه مجهول في ظل اختيارات صعبة.. وفي الملتقى الثقافي حاول المتحدثون الاجابة عن سؤال العصر وهو ثقافات الامم: صراع ام تواصل؟! وشهد الملتقى على مدار ثلاثة ايام حوارات معمقة ونقاشات مستفيضة تصارعت فيها الآراء اكثر مما اتفقت على الرغم من انها جميعاً تتفق من حيث المبدأ على انه يجب ان تكون ثقافات الامم مكملة لبعضها البعض وان تتجنب الصدام والصراع لان كل بني الانسان هم اخوة على هذه الارض، وقدمت مجموعة من المفكرين والمثقفين والاكاديميين العرب والاردنيين اوراق عمل جرت مناقشتها وتناولت الاوراق موضوعات ومفردات ثقافية في هذا المضمار.. فقدم الدكتور ناصيف نصار من لبنان ورقة عمل بعنوان التواصل الفلسفي والمجال الدولي وقدمت الدكتورة هند ابو الشعر من الاردن ورقة عمل بعنوان صورة الآخر في التراث العربي الاسلامي، الاعتبار لاسامة ابن منقذ انموذجاً وقدم الدكتور انور الزعبي ورقة بعنوان في قيم الحوار والتعايش.. وتعددت الاوراق في المؤتمر بتنوع الموضوعات فتعرض بعضها الى منطق العلاقة بين الحضارات والاعلام الثقافي والعولمة والفكر النسوي الغربي بين الشرق والغرب.. وقدم الدكتور سالم المعوش من لبنان ورقة مهمة حول "الثقافة الشعبية العربية" وكانت بعنوان "التراث الشعبي والهوية: صراع ام تواصل" واعتبر الدكتور حسن محادين من الاردن ان التاريخ هو المرايا الفكرية المتقابلة.. كما قدمت الدكتورة سلوى العمد قراءة في كتاب هنتنغتون صدام الحضارات وذهبت بعض الاوراق الى مناقشة تمظهرات صراع الأنا الآخر.. معتمدة الاستغراب نموذجاً وحاولت ورقة اخرى تقصي حركة الاستشراق ومدى تأثيرها في الحوار بين الغرب والاسلام وذهب بعض المتحدثين الى الفنون والموسيقى فقدم الدكتور عبد الحميد حمام ورقة عمل بعنوان كيف نساهم في اثراء الارث الموسيقي البشري اما الدكتور أمل نصر من مصر فقدم ورقة بعنوان تقييم الفنون الشرقية بين مفهومي صراع وتواصل الحضارات.. وقدم الدكتور مهند مبيضين ورقة مثيرة بعنوان الحضارات تأكل بعضها: محلات الافتراق والالتقاء وتناول الاستاذ مفلح العدوان مثيولوجيا الارض الواحدة (حوار الاسطورة.. اسطورة الحوار) اما الدكتور عبد الله المنزلاوي فقدم ورقة بعنوان الحضارة في التصور الاسلامي بين المفاهيم والسلوك ومن تابع هذه الاوراق والنقاشات التي دارت في ملتقى عمان الثقافي يدرك الحاجة الملحة جداً الى تفعيل الثقافة وليس الى التنظير فيها ولها لان الثقافة العربية التاريخية فيها الكثير من الاجوبة للاسئلة التي تطرح ولكن العلة كامنة في الثقافة الشعبية والاعتقادات والتابوات السياسية الدولية التي تحول دون كل تقدم في هذا الاتجاه لحل مشكلات الانسانية في كافة الميادين..
وقبل هذا الملتقى كان قد عقد مؤتمر برعاية امانة عمان الكبرى يخوض في موضوعة الارهاب وتعريفه كظاهرة لها جذورها التاريخية وبحث المؤتمر في مفردات هذه الظاهرة من خلال اوراق عمل اساتذة ومفكرين ومثقفين واعلاميين من الاردن والدول العربية.
ومن الشخصيات التي حضرت المؤتمر الاستاذ حسني عايش والدكتور احمد الكبيسي والدكتور عزمي طه والاستاذ فهمي هويدي ومن السعودية الاستاذ زكي الميلاد والبطريرك ميشيل صباح من القدس والكثير من الاسماء الاخرى وتناول المؤتمر على مدار ثلاثة ايام موضوعات وعناوين كثيرة جرى طرحها ومناقشتها
مثل دور التسامح والاعتراف بالاختلاف وجرى تناول ادوار المعرفة في الاجتهاد الفكري في مكافحة الارهاب والاسباب والآليات التي ينبغي التعامل بها مع هذه الظاهرة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة