المثالية
الواقعية ..
هنالك اسلوب صحيح لدعم
الديموقراطية في الشرق الاوسط
*بقلم:
مادلين اولبرايت
ترجمة: نعم فؤاد
عن:
الواشنطن بوست
---------------
*الكاتبة هي وزيرة الخارجية في عهد الرئيس كلينتون ومسؤولة
عن جماعة اولبرايت ورئيسة المعهد الوطني الديموقراطي.
جددت
الاحداث الجارية في العراق والشرق الاوسط حمى النقاشات
الأكاديمية بين من يدعون بالواقعيين في السياسة الخارجية
والمثاليين. اذ يزعم الواقعيون الذين يمثلون كلا الحزبين
الديموقراطي والجمهوري، بان إدارة بوش كانت ساذجة في
تعزيزها للديموقراطية في البلاد العربية، يستندون في ذلك
إلى احداث العنف الطائفي في العراق والمكاسب التي حققها
المرشحون الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية في مصر وفوز
حماس في الانتخابات الفلسطينية، ويعتقدون بانهم في ظل
الظروف التي تعصف بعرب الشرق الاوسط فان الديموقراطية لن
يكون في وسعها الا عمل القليل في اخماد الارهاب كما توقع
الرئيس بوش اذا لم تؤججه. ان من المعتاد عند السياسيين
والمعلقين ابعاد أنفسهم عن المسؤولين عن اعاقة السياسة
الخارجية. وبسبب ازدياد النظرة إلى بوش كونه مفرطاً في
مثاليته وبعيداً عن الواقع، يحاول الملتفون من حوله إظهار
أنفسهم بأنهم عنيدون وواقعيون، وهذا ما يثير مخاوفي. اذ ان
النتيجة ستكون ظهور مفهوم تقليدي بان دعم الديموقراطية في
الشرق الاوسط هو خطأ. الا انه ليس كذلك.
علينا ان نتذكر ان البديل عن دعم الديموقراطية هو ان نشترك
في جريمة دعم حكومات تفتقر إلى مباركة شعوبها. ان هذا
الاسلوب سيربك وجود الاستقرار، وسيخذل الديموقراطيين العرب
كما ستفوح منه رائحة النفاق. ولا يمكن لامريكا ان تحسن
سمعتها الملوثة كزعيمة للعالم بالتخلي عما يجعلها تختلف عن
مثيلاتها، كالصين او فلاديمير بوتين رئيس روسيا.
وفي الوقت نفسه علينا ان نسيطر على زمام توقعاتنا
–
وقد قال بوش ان امريكا
لديها (رسالة من السماء) لنشر الحرية في انحاء العالم. وقد
اعلنت وزيرة الخارجية كوندليزا رايس ان التحول الديموقراطي
في الشرق الاوسط هو الطريق الوحيد لمنع تفجير البنايات
بواسطة الطائرات. ان لغة منمقة كهذه سيكون مبالغ فيها. اذ
ان مجرد نكران الحرية السياسية هو عمل سيئ بحد ذاته الا ان
ذلك لا يعني ان تطبيق الحرية يجب ان يكون دائما وفق
رغباتنا. ان الديموقراطية تعني قيام حكومة فهي ليست بطاقة
إلى مملكة السماء حيث يهزم الشر كله ويكون الجميع متفقين
معنا. فاذا ما تطورت الديموقراطية العربية فانها ستدفع
بتطلعات العرب المبنية على مفهوم العرب للتاريخ والعدالة
إلى الامام.
ان من غير المحتمل ان يخفف حق التصويت والحصول على السلطة
من موقف العرب تجاه اسرائيل او ينهي قيام اعمال ارهابية،
مثلما اننا لم نستطع ان نمنع الارهابيين من تنظيم خلاياهم
في دول الغرب. وعلى كل حال ان على الديموقراطية خلق نقاشات
سياسية مفتوحة اكثر واوسع مع الدول العربية واخضاع
الاساطير للواقع والرد على الافكار المتطرفة بالحجج
والبراهين. ولربما يخاف البعض من انفتاح كهذا. لكن على
الامريكيين ان يرحبوا به. فلو فشلنا في ان نقيم حرية
التعبير فاننا قد نكون نسينا تاريخنا.
ان من حق الواقعيين ان يأسفوا على غزو العراق، لكن لا يمكن
لهذه العملية المضللة ان تستغل في مقاضاة دعم الديموقراطية.
ان الغرض وراء غزو العراق كان الاستيلاء على اسلحة لم يكن
لها وجود وكذلك قطع الاتصال بين صدام حسين والقاعدة والذي
لم يكن له وجود ايضا. الا ان الاخفاق الذي حصل كان سببه
القيادة ودوائر الاستخبارات وليس الحماس الشديد لتبني
الديموقراطية. فقد حقق مرشحو جماعة الاخوان المسلمين في
مصر رغم كونها محظورة رسميا نجاحا مذهلا في الانتخابات
البرلمانية التي جرت العام الماضي. وكان رد فعل الحكومة
المزيد من الاجراءات الصارمة على المعارضة السياسية (المدنية
والعلمانية). اجراءات كهذه من شانها ان تولد المزيد من
الغضب، الرئيس حسني مبارك يبدو مصمما على ان يورث ابنه
السلطة من بعده، ولكن كلما بدا على هذا النظام التهيؤ
والدعم لهذه الخطوة، قلت قيمتها. فاذا كان على القيم
الامريكية ان تكون بجانب الشعب المصري -- وهو مايجب
–
فان دعمها الإصلاح
السياسي يجب ان لا ينتابه التردد. اما في ما يخص
الفلسطينيين فعلينا ان نكون منصفين. ان الانتخابات لم تخلق
حماس، لقد تحول الناخبون نحو هذه المجموعة المتطرفة بسبب
ان الحكومة الفلسطينية السابقة لم تنتج شيئا. اما الان
وبتاثير الانتخابات حصرا فان على حماس ان تتصرف وكانها لم
تكن موجودة من قبل، وسيتطلب منها ان تفعل ما لم تفعله قبلا.
ان هذا سيولد ضغطا على هذه المنظمة وتتجنب اللجوء إلى
العنف وتجعل سياستها تجاه اسرائيل اكثر اعتدالا. ان
الديموقراطية لم تخلق حماس ولكنها قد تدفع حماس إلى
التغيير او ان تسقط .
ان كلا المحصلتين ستكونان بمثابة تحسين لشرعية الاوضاع، اذ
ان النقاش بين المثاليين والواقعيين في المسائل الخارجية
يراوح من الخلف إلى الامام مثل بندول الساعة ولا يمكن دعم
اي منهما لتطرفهما. فنجاح السياسة الخارجية يجب ان يبدأ
بالنظر إلى العالم كما هو عليه مع العمل في الوقت نفسه لان
يصبح كما نتمنا له ان يكون. وفي عالمنا المعقد هذا يتوجب،
في بعض الاحيان، على اكثر المبادئ نقاوة ان تخفف من
نقاوتها. اذ مازلنا عندما نستيقظ في الصباح ونحن مفعمين
بالامل نجد ان لامبالاتنا لاتوحي لنا بشيء ولا ترضينا. فلو
كان كل ما على امريكا ان تفعله هو دعم الاستقرار فاننا لن
نجد احد سيتبعنا لسبب بسيط، لاننا لن نكون قد سرنا باي
اتجاه. لقد ان الاوان لان نتطلع إلى الادارة التي ستعقب
ادارة بوش، اذ ان قادتنا الجدد من كلا الحزبين كانوا
سيواجهون تحديات مرعبة، منها اعادة تعريف ما تسعى اليه
امريكا في العالم. عندها ستواجهنا قائمة من المتطلبات من
ضمنها ان نفوز في معركة العقائد، والتي توجب علينا القيام
بها منذ زمن بعيد
– ضد امثال اسامة
بن لادن وابو مصعب الزرقاوي وكذلك الحد من الانتشار النووي
واستنباط سياسة معقولة لمشكلة الطاقة كما تتطلب هذه
القائمة كذلك ترميم سمعة امريكا كداعم و(مراقب) للقانون
الدولي ولحقوق الانسان. كما ان على رأس تلك القائمة
التاكيد على التزام امريكا بقضية الحرية واحترام كرامة
جميع الناس. بدون هذه الالتزامات فان كل ما سيحدث سيكون
عبثا.
|