ثلاثة
كيانات عراقية ستكون مشكلة واحدة كبيرة
بقلم
/ انتوني كوردسمان
ترجمة / عبد علي سلمان
عن:النيويورك تايمز
البعض
من الخبراء والسياسيين يهيمون بفكرة ان تضع امريكا في
اعتبارها تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات عرقية ودينية.
مبررين ذلك بانه السبيل الوحيد للقضاء على التمرد اضافة
لكونه سيمكن قواتنا من الخروج بوقت مبكر. وهم في ذلك على
خطأ. ذلك ان تهشيم العراق لن يخدم المصالح العراقية أو
مصلحة الولايات المتحدة. وسيجعل الحياة لعموم العراقيين
أسوأ. والمشكلة الاولى انه لا توجد في العراق خطوط فاصلة
عرقية مرتبة ومنظمة.
فلا يوجد احصاء سكاني ذو جدوى على مستوى العراق يظهر
الكيفية التي توزع بها العرب السنة والعرب الشيعة والاكراد
وبقية المكونات واين يعيشون.
وقد اوضحت ذلك بصورة جلية العمليتان الانتخابيتان اللتان
أجريتا منذ الاطاحة بصدام حسين. وفي كل الاحوال ففي المدن
والمحافظات الثماني عشرة توجد اقليات معتبرة.
ولذلك فان تقسيم البلد وفقاً لمقاييس طائفية او عرقية
سيتطلب القيام بعمليات ترحيل واسعة. ومن المحتمل ان يكون
هذا اجراءً عنيفاً ويفقر اولئك الذين يجبرون على الرحيل
ويخلف إرثاً من الخوف والكراهية. والاكثر من ذلك فانه
سيؤخر الانتعاش السياسي والاقتصادي العراقي.
وفوق كل ذلك فان العراق قد تمدن كثيراً مع نسبة 40% من
السكان المتعددي الاعراق من سكان المنطقتين الكبيرتين
بغداد والموصل. وقد شاهدنا في ايرلندا الشمالية وفي
البلقان مقدار الصعوبة في شق المدن. وفي حالة العراق ذي
الاقتصاد الفقير والخدمات المركزية المتخلفة فلا يمكن فصل
العنف عن الاقتصاد. فعند تقرير لمن تعود مدينة النفط
الرئيسة كركوك سيكون الاكراد في وضع بالضد من بقية
المكونات العراقية. اما البصرة الميناء الوطني فمن المحتمل
ان تفقد كل ملامح شخصيتها المدينية (غير الدينية) عندما
يتم تقسيم البلاد. من المرجح ان هذه الامة لن تنقسم بدون
ان ينقسم معها الجيش وقوى الامن والشرطة.
ان تقسيم البلاد يعني اساساً تقسيم الجيش وقوى الامن
وتقوية الميليشيات (وكل ذلك سيؤدي إلى مزيد من العنف).
وبالطبع ليس ثمة من سبيل لتقسيم العراق بدون ان تنطلق
المعارك للسيطرة على النفط. ومن المعروف ان 90% من عائدات
الحكومة تأتي من صادراتها النفطية. وليس للعرب السنة في
الغرب حقول نفط ليطوروها. ولذا لن تكون هناك عائدات نفطية.
اما الاكراد الراغبون بحقول النفط الشمالية وليس لديهم
الحق الشرعي بذلك ولا يوجد سبيل حقيقي لتصدير النفط الذي
سيقومون بانتاجه (ذلك ان جيرانهم من السوريين والاتراك
والايرانيين لديهم سكان اكراد عنيدون ولذا فلا مصلحة لهم
بمساعدة اكراد العراق لتحقيق حريتهم الذاتية الثابتة). اما
السيطرة على البصرة فسيكون قضية بحد ذاتها مع وجود
المجموعات العديدة التي تنتظر الانفصال لتسيطر على النفط
في الجنوب.
وسيلحق تقسيم العراق الاذى باستقرار المنطقة وبالحرب على
الارهاب. فالمجموعات الاسلامية المتطرفة والتي لها علاقات
بالقاعدة ستهيمن حالاً على المتمردين السنة. والتقسيم
سيزيد من سيطرتهم على عمود العراقيين. ومع حرمان السنة
العراقيين من اموال النفط فان الحكومات السنية مثل مصر
والعربية السعودية ستجبر على تقديم الدعم لهم حتى لو كان
ذلك في سبيل تجنب سيطرة المسلحين المتطرفين على هذا الجزء
من العراق.
وبالطبع فان ايران ستتبارى في سبيل شيعة العراق. اما
الاكراد فليس لديهم اصدقاء. فتركيا وايران وسوريا ستفتش عن
سبل كي لا يستقر الشمال وتستثمر الخلافات بين الحزبين
السياسيين الرئيسين الكرديين. وفي نهاية المطاف فان هذا
التقسيم سيمتد إلى بقية الشرق الاوسط والعالم العربي مما
يخلق صراعات محلية ويوجد نوعاً من التوتر الديني الذي يغذي
التطرف الاسلامي.
لقد ارتكبت واشنطن اخطاء كبيرة في العراق والتي من المحتمل
ان تؤدي إلى حرب اهلية.
وعلى كل حال فان من المؤكد عملياً ان تقسيم العراق سيجعل
الامور اسوأ ويبعث رسالة مفادها ان امريكا قد هزمت وانها
تركت امة وشعباً خلفها. وحتى لو تجاوز احد ما حقيقة ان
الولايات المتحدة هشمت العراق بصورة مؤثرة وانها تتحمل
مسؤولية 28 مليون مواطن عراقي، فان من المستحيل انكار ان
الانسحاب وترك فراغ في السلطة في منطقة في غاية الخطورة هي
استراتيجية سيكون من الصعب ان تكون قابلة للنجاح.
كاتب المقال انتوني كروسمان زميل مسؤول في مركز الدراسات
الدولية والاستراتيجية ومؤلف كتاب "حرب العراق:
الاستراتيجية والاساليب المرحلية والدروس العسكرية".
|