مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ثلاثة كيانات عراقية ستكون مشكلة واحدة كبيرة
 

بقلم / انتوني كوردسمان
ترجمة / عبد علي سلمان

عن:النيويورك تايمز

البعض من الخبراء والسياسيين يهيمون بفكرة ان تضع امريكا في اعتبارها تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات عرقية ودينية. مبررين ذلك بانه السبيل الوحيد للقضاء على التمرد اضافة لكونه سيمكن قواتنا من الخروج بوقت مبكر. وهم في ذلك على خطأ. ذلك ان تهشيم العراق لن يخدم المصالح العراقية أو مصلحة الولايات المتحدة. وسيجعل الحياة لعموم العراقيين أسوأ. والمشكلة الاولى انه لا توجد في العراق خطوط فاصلة عرقية مرتبة ومنظمة.
فلا يوجد احصاء سكاني ذو جدوى على مستوى العراق يظهر الكيفية التي توزع بها العرب السنة والعرب الشيعة والاكراد وبقية المكونات واين يعيشون.
وقد اوضحت ذلك بصورة جلية العمليتان الانتخابيتان اللتان أجريتا منذ الاطاحة بصدام حسين. وفي كل الاحوال ففي المدن والمحافظات الثماني عشرة توجد اقليات معتبرة.
ولذلك فان تقسيم البلد وفقاً لمقاييس طائفية او عرقية سيتطلب القيام بعمليات ترحيل واسعة. ومن المحتمل ان يكون هذا اجراءً عنيفاً ويفقر اولئك الذين يجبرون على الرحيل ويخلف إرثاً من الخوف والكراهية. والاكثر من ذلك فانه سيؤخر الانتعاش السياسي والاقتصادي العراقي.
وفوق كل ذلك فان العراق قد تمدن كثيراً مع نسبة 40% من السكان المتعددي الاعراق من سكان المنطقتين الكبيرتين بغداد والموصل. وقد شاهدنا في ايرلندا الشمالية وفي البلقان مقدار الصعوبة في شق المدن. وفي حالة العراق ذي الاقتصاد الفقير والخدمات المركزية المتخلفة فلا يمكن فصل العنف عن الاقتصاد. فعند تقرير لمن تعود مدينة النفط الرئيسة كركوك سيكون الاكراد في وضع بالضد من بقية المكونات العراقية. اما البصرة الميناء الوطني فمن المحتمل ان تفقد كل ملامح شخصيتها المدينية (غير الدينية) عندما يتم تقسيم البلاد. من المرجح ان هذه الامة لن تنقسم بدون ان ينقسم معها الجيش وقوى الامن والشرطة.
ان تقسيم البلاد يعني اساساً تقسيم الجيش وقوى الامن وتقوية الميليشيات (وكل ذلك سيؤدي إلى مزيد من العنف).
وبالطبع ليس ثمة من سبيل لتقسيم العراق بدون ان تنطلق المعارك للسيطرة على النفط. ومن المعروف ان 90% من عائدات الحكومة تأتي من صادراتها النفطية. وليس للعرب السنة في الغرب حقول نفط ليطوروها. ولذا لن تكون هناك عائدات نفطية. اما الاكراد الراغبون بحقول النفط الشمالية وليس لديهم الحق الشرعي بذلك ولا يوجد سبيل حقيقي لتصدير النفط الذي سيقومون بانتاجه (ذلك ان جيرانهم من السوريين والاتراك والايرانيين لديهم سكان اكراد عنيدون ولذا فلا مصلحة لهم بمساعدة اكراد العراق لتحقيق حريتهم الذاتية الثابتة). اما السيطرة على البصرة فسيكون قضية بحد ذاتها مع وجود المجموعات العديدة التي تنتظر الانفصال لتسيطر على النفط في الجنوب.
وسيلحق تقسيم العراق الاذى باستقرار المنطقة وبالحرب على الارهاب. فالمجموعات الاسلامية المتطرفة والتي لها علاقات بالقاعدة ستهيمن حالاً على المتمردين السنة. والتقسيم سيزيد من سيطرتهم على عمود العراقيين. ومع حرمان السنة العراقيين من اموال النفط فان الحكومات السنية مثل مصر والعربية السعودية ستجبر على تقديم الدعم لهم حتى لو كان ذلك في سبيل تجنب سيطرة المسلحين المتطرفين على هذا الجزء من العراق.
وبالطبع فان ايران ستتبارى في سبيل شيعة العراق. اما الاكراد فليس لديهم اصدقاء. فتركيا وايران وسوريا ستفتش عن سبل كي لا يستقر الشمال وتستثمر الخلافات بين الحزبين السياسيين الرئيسين الكرديين. وفي نهاية المطاف فان هذا التقسيم سيمتد إلى بقية الشرق الاوسط والعالم العربي مما يخلق صراعات محلية ويوجد نوعاً من التوتر الديني الذي يغذي التطرف الاسلامي.
لقد ارتكبت واشنطن اخطاء كبيرة في العراق والتي من المحتمل ان تؤدي إلى حرب اهلية.
وعلى كل حال فان من المؤكد عملياً ان تقسيم العراق سيجعل الامور اسوأ ويبعث رسالة مفادها ان امريكا قد هزمت وانها تركت امة وشعباً خلفها. وحتى لو تجاوز احد ما حقيقة ان الولايات المتحدة هشمت العراق بصورة مؤثرة وانها تتحمل مسؤولية 28 مليون مواطن عراقي، فان من المستحيل انكار ان الانسحاب وترك فراغ في السلطة في منطقة في غاية الخطورة هي استراتيجية سيكون من الصعب ان تكون قابلة للنجاح.
كاتب المقال انتوني كروسمان زميل مسؤول في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومؤلف كتاب "حرب العراق: الاستراتيجية والاساليب المرحلية والدروس العسكرية".


حرب الجواسيس

بقلم: توماس باورز
ترجمة: فاروق السعد

عن: نيويورك تايمز

جاءت استقالة بورتر غوس بعد 18 شهراً من محاولته ادارة وكالة المخابرات المركزية و تسمية الجنرال ميخائيل هايدن للحلول محله لتجعل من الحقيقة التالية شيئا قد حدث في الواقع قبل عام. ان وكالة C.I.A وكما كانت منذ 50 عاماً، لم يعد لها من وجود. فبعد ان كانت المؤسسة الامريكية الرئيسة، هبطت الوكالة الان الى مجرد خليط من ذراع عملياتي و خدمة ساندة الى مكتب مدير الامن القومي سريع النمو، برئاسة جون نغروبونتي. ان C.I.A التي كانت تقوم بالتنسيق، والتوقيع على جميع "المعلومات الاستخبارية المنجزة" - لم تعد كذلك. و ان مدير C.I.A الذي اعتاد ان يتراس اجتماعات رؤساء العديد من المنظمات التي تشكل "المؤسسة الامنية" - لم يعد كذلك. و C.I.A التي اعتادت ان يكون لها القول الفصل في العديد من اوجه "المهام" الاستخبارية - لم تعد هكذا. وكان اخر ما غاب هو الدور الذي جعل من الوكالة ارفع جهة مسؤولة عن ايجاز الرئيس. الان يعود هذا العمل الى السيد نغروبونتي، بميزانيته البالغة 1 مليار دولار و كادره الذي يتكون من 1500 شخص. و اخر ما اذل و دمر C.I.A بعد عقود من الصراع البيروقراطي في واشنطن قد كان فقدان الدعم. رفض البيت الابيض في عهد بوش قبول تحمل المسؤولية لـ "فشلين استخباريين " كبيرين" دفعا الغونجرس إلى اعادة تنظيم مؤسساتنا. كان الفشل الاول الملقى على عاتق الوكالة هو عدم قدرتها على منع الهجمات المفاجئة في 11/9. في الحقيقة، لقد حذرت C.I.A (و اخرون) البيت الابيض مرارا خلال الاشهر الثمانية الاولى من عام 2001 من ان هجوما ما كان قادما و من اين، و لكن ادارة بوش لم تفعل شيئا. و لاسباب نفسية قومية عامة، كان فشل البيت الابيض في التحرك قد تم التغاضي عنه و غفرانه من قبل الشعب، في حين تمت محاسبة C.I.A (و اخرين) محاسبة قاسية لفشلهم في توقع اليوم و الساعة. اما الفشل الثاني فقد كان الزعم - "بثقة عالية" - في تقرير استخباراتي وطني ارسل من قبل C.I.A الى الكونجرس في تشرين الأول 2002 يفيد بان العراق كان يحرز تقدما نشيطا في برامج اسلحة الدمار الشامل. و لكن هذا الاكتشاف كان بالنتيجة قد سحب من الوكالة من قبل البيت الابيض و البنتاغون. لقد اعتقد محللو الوكالة العاملون على الموضوع بان صدام حسين كان لديه شيء ما، و لكنهم علموا ان دليلهم كان واهيا و مبهما؛ و العديد من رؤسائهم كانوا على علم بوجود دليل معاكس و لكنهم طمسوه. و كان الجميع ممن في C.I.A - من جورج تنت، المدير في حينها، و الى من هم ادنى - على علم من ان الوكالة ليس بامكانها ان تعلم مفتشي الامم المتحدة حول المكان الذي يمكنهم العثور فيه على اي شيء خلال فترة دامت اشهر. و كانت C.I.A تعرف بانها لم تكن على علم بنوع البرنامج الذي كان العراق يمتلكه بحق، كما ان غياب ضغط البيت الابيض ربما يقود المحللين الى كتابة تقييمات استخبارية تعكس شكوكهم. (من الجدير بالملاحظة بان لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، و بالرغم من تقديم الوعد بالقيام بذلك، قد كانت مترددة بشكل لافت للنظر في فحص مصدر الضغط المسلط من اجل قرع الطبول للتحذير من المعلومات الاستخبارية عن الاسلحة، او كيفية استخدامها من قبل البيت الابيض.) كان يمكن للرئيس بوش ان يقبل المسؤولية عن هاذين الفشلين. و كان يمكن ان يتبع مثال الرئيس جون كيندي، الذي تحمل اللوم عن محاولة C.I.A الكارثية لوضع جيش المتمردين على الشاطئ في كوبا عام 1961. و بدلا من ذلك، اخفت الادارة وجود تحذيرات قبيل 11/9 لاطول فترة ممكنة و واصلت الاصرار لعدة اشهر بعد حرب العراق على ان اسلحة صدام حسين الممنوعة ما زالت موجودة، كما قامت بمنع اي عملية تحر رسمية عن دورها في المبالغة في المعلومات الهزيلة التي كانت موجودة. ان القاء اللوم على C.I.A عن حالات الفشل تلك قد قادت الى ارسال بورتر غوس الى لانغلي. كان من اولى مهامه هو وضع حد لما كان البيت الابيض يعتقده نقصا في الولاء الى سياسة الادارة. ان تلك الخيانة المفترضة قد اتخذت شكلين: تسريب المعلومات الاستخبارية لفترة ما قبل حرب العراق التي توقعت حدوث مشاكل ما زال البيت الابيض يحاول التقليل من شانها؛ والتقارير المتشائمة من الميدان التي كانت على الضد من الاعلانات الوردية عن التقدم الصادرة من البنتاغون. و على اية حال، جابهت السيد غوس عقبتان رئيستان: حرون الوكالة تجاه الطلب منها باصلاح امر ما (جمع المعلومات و تحليلها) لم يكن بحق مكسورا؛ و عدم تشجيع مراتبها على لعب دور المساند الى مكتب مدير الوكالة الوطنية للمخابرات. تاريخيا كان لدى C.I.A زبون واحد هو الرئيس. وعندما فقدت اولويتها في رفع التقارير الى البيت الابيض، كانت الوكالة قد اخبرت بالنتيجة بانها تستطيع من الان فصاعدا ان تتحدث الى نفسها. بالاضافة الى ذلك، على المستوى الانساني المحض، من الواضح بان السيد غوس قد اثار بشكل خاص كل من في C.I.A في الاتجاه الخاطئ. ان الاستقالات الجماعية قد استنزفت الوكالة من الخبرات و المواهب، الى ان استنتج البيت الابيض - و السيد نغروبونتي - بان الوقت قد حان لرحيل السيد غوس، ايضا. ان المهام التي يواجهها المدير اللاحق لوكالة C.I.A ستكون تلك التي تركها السيد غوس غير مكتملة - اعادة تجديد كبرياء الوكالة و حيويتها رغم دورها الهزيل و مكانتها الهابطة؛ رفع معنويات محللي الاستخبارات الذين يعلمون بان صناع السياسة سيقرؤون الان ورقة مكتب السيد نغروبونتي؛ و اعادة احياء قابلية مدير العمليات للوكالة على تجنيد الجواسيس، التسلل الى المنظمات المعادية و القيام بعمليات سرية. و في نفس الوقت، سيتوجب على رئيس C.I.A المقبل ان يحمي اجنحة الوكالة من غزوات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي كان يقوم ببناء قدرات البنتاغون على تجنيد الجواسيس و القيام بعمليات سرية، و التي كما يرى لا تتطلب نفس النوع من التخويل الممنوح لانشطة C.I.A. ربما ان السبب وراء اختيار البيت الابيض لميكائيل هايدن، الجنرال في القوة الجوية و الان يعمل كنائب الى السيد نغروبونتي الذي كان رئيسا للوكالة القومية الوطنية للمخابرات، هو انهم ياملون بان رتبته ستقويه في ساحة المعارك مع الجيش. و بطرق اخرى، على اية حال، يبدو ان الجنرال هو خيار غريب، مكتوب عليه ان يواجه المشاكل في عملية المواجهة. قد تكون مشكلته الكبرى هي في حقيقة انه قد خلق و ساعد في اخفاء البرنامج الواسع لـ N.S.A للتنصت الذي كان يستهدف الامريكان، و ما زال غير شرعي في اعين الكثير. او ان اعضاء مجلس الشيوخ سيتجاهلون هذا و سيعترضون بدلا من ذلك على نقص خبرته في ادارة وكالة التجسس الكلاسيكية ، و هو النوع الذي تنوي C.I.A ان تكونه - مرة اخرى. ان عملية تجنيد الجواسيس لم تكن على افضل ما يكون عن طريق رئيس تنفيذي كان تركيزه منصبا على الاقتصاد و الانتاجية؛ ادارة العمليات السرية تتطلب حصافة بشرية بالغة الدقة للابتعاد عن المشاكل. ان كانت الخبرة الاستخباراتية و "الاحساس" من اهم المؤهلات للبحث عن المدير القادم، فان الجنرال هايدن لا بد ان يكون في نهاية القائمة. و بما ان اسمه قد ارسل الى مجلس الشيوخ فان الطريق يبدو بشكل عام شاقا؛ حتى ان بعض الجمهوريين قد اعترضوا على اعطاء المنصب ضابطاً عسكرياً، او لهذا الضابط على وجه الخصوص. ولكن شخصاً ما سيستلم المنصب، و انه لن يفعل اي شيء لمحاولة "تغيير الوكالة" ان كنا نعني بهذا جعلها كما كانت عليه من قبل - الوكالة الرئيسية للمخابرات الامريكية. يمتلك مكتب مدير المخابرات الوطنية الان هذا المنصب. و ربما ان افضل ما يمكن لمدير C.I.A ان يامل به هو اعادة الجميع الى العمل، في الوقت الذي يقوم فيه بتذكير الكادر بانه من الشرف ان يسقط المرء والسيف بيده، و سيتوجب على مدير المخابرات الوطنية في المرة القادمة ان يتحمل اللوم.


من يقف بوجه الهند لتكون قوة عالمية؟

ترجمة/ زينب محمد

عن:مجلة شؤون دولية

هل الهند مرشحة لتكون قوة عالمية؟ سؤال طرحه الباحث م. س راجان الاستاذ الفخري في معهد الدراسات الدولية في جامعة جواهر لال نهرو الهندية، وقبل الاجابة على هذا السؤال استعرض الباحث تأريخ نشوء نظام الدولة القومية ذات السيادة في اوربا في منتصف القرن السابع عشر حيث حصلت جميع الدول على الاعتراف بسيادتها واستقلالها، وبالمساواة على الرغم من الاختلافات الكبيرة بينها الا ان بدء ظهور هذا النظام شهد سيطرة عدد صغير من الدول الكبرى على العالم مما دفع الاغلبية الساحقة صغيرة كانت ام متوسطة الحجم والامكانات الى ان تناضل ضد هذه الهيمنة وهي لا تزال تناضل خصوصاً ان بروز المنظمات الدولية كالامم المتحدة رافقته سيطرة مماثلة للدول العظمى على تلك المنظمات ولم يلغ ذلك ظهور حركة عدم الانحياز كرد فعل للخلاص من تلك الهيمنة مع تزايد عدد المنتمين الى الحركة التي تؤلف في الوقت الحاضر ثلثي عدد الدول التي انضمت الى الامم المتحدة أي (113) دولة من اجمالي الدول الاعضاء في المنظمة العالمية البالغ (185) عضواً. ويذكر الباحث انه منذ قيام الحرب الباردة في الثمانينيات حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام (1991) تحول العالم من عالم ثنائي القطب الى عالم احادي القطب تسيطر عليه الولايات المتحدة الامريكية ما اثر على طبيعة العلاقات الدولية القائمة على تعدد الافكار، الامر الذي حد من قابلية الدول الـ(184) المتبقية، ومن بينها الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، على المناورة بعد ان شهدت القرون الثلاثة والنصف الماضية ظهور العديد من القوى الكبرى الا انها انتهت لهذا السبب او ذاك لتبقى اميركا وبريطانيا وروسيا الاتحاد السوفيتي سابقاً والصين وفرنسا كقوى عظمى، تم الاعتراف بها منذ عام 1945 ولكن اطرافاً عديدة صارت تسعى لاحياء عالم متعدد الاقطاب، وفي ضوء هذه الحقيقة تساءل الباحث عن موقع الهند (احدى الدول المرشحة لنيل العضوية الدائمة في مجلس الامن). وفي ايلول من عام 1954 وفي اثناء حديثه عن الصين كقوى عظمى محتملة في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي، قال جواهر لال نهرو: ان الهند ستصبح القوة العظمى الرابعة في السياق الطبيعي للتطور. وتواصلاً مع هذا الحديث قال بعد ذلك بيومين: انه لم يقصد تطور الهند (كقوة عظمى) بالمعنى الاعتيادي للقوة العسكرية (لكننا مع ذلك نريد ان نتنافس مع هذه القوى من اجل تعزيز السلام ورفاهية الشعوب). ان فكرة التنافس بين الدول صغيرة كانت ام كبيرة كان لابد من ان تصبح فكرة بالية. وكان لابد من ان تحل محلها فكرة الجهود المتضافرة لحل مشاكل العالم. وقبل اسبوع من ذلك كان (نهرو) قد قال ايضاً: ان المساحة الواسعة وعدد السكان لا يجعلان من البلد بلداً عظيماً، ما نريده هو صداقة الدول التي لا يحاول فيها بلد ما التسيد على الآخرين. واضاف: وفي دورها على صعيد قضايا العالم، كانت الهند اكثر وعياً لمسؤولياتها والتزاماتها ازاء المجتمع الدولي من أي سعي لتحقيق المنزلة والقوة ازاء الدول الاخرى. وكانت هذه هي نظرة نهرو النموذجية تماماً حول مستقبل الهند ووضعها ودورها في تسيير شؤون العالم، فالى ماذا آلت هذه النظرة بعد اكثر من خمسة عقود من الزمن؟
على مدى اعوام سواء في اثناء حياة نهرو ام حياة من خلفوه من رؤساء الوزراء لم تكن هناك جهود مدروسة وواعية سعياً لتحقيق هذه الرؤية وكانت الهند تتجه على وفق معايير ومبادئ اخرى مختلفة فلم تكن تبحث عن أي دور بارز في آسيا وافريقيا، من ناحية اخرى كان العديد من الدول الاخرى، وبالتأكيد مجموعة الدول الغربية ووسائل الاعلام فيها يتهمون الهند بان لديها طموحات وانها تتصرف على وفق هذا الاساس لقيادة دول العالم الثالث في آسيا وافريقيا وكان من اسباب ذلك كره بعض الدول الاوربية
الامريكية للدور غير المنحاز الذي تؤديه الهند، او بسبب مناصرة الهند القضايا الافريقية الآسيوية او لكون الهند تعكس وجهات نظر وطموحات الشعوب الآسيوية والافريقية كتقرير المصير في المناطق المستعمرة والمساواة ونبذ العنصرية ومعارضة القوة النووية واسلحة الدمار الشامل، كل هذا كان طبيعياً وقد اطلقت مجلة الإيكونوميست عام (1971) على انديرا غاندي اسم (امبراطورة آسيا) لان الهند كانت تقريباً اول دولة آسيوية تتمتع بالاستقلال بالاضافة الى انها ادت دوراً شبه عالمي في هذا الاتجاه. وفي التسعينيات وفي سياق النقاش العالمي الذي دار حول ادخال الاصلاحات في الامم المتحدة وجدت الهند من يدعمها صراحة بصورة غير رسمية في تشرين الاول عام 1992 وهو فاليروا وبصورة رسمية في تشرين الاول عام 1994 وهو (براناب مخرجي) وكلاهما يعملان في الجمعية العامة للامم المتحدة ويدعمان مطلبهما للحصول على عضوية دائمة في مجلس امن الامم المتحدة وكان يدعم هذا التوجه جزئياً عدة شخصيات بارزة من بينها امين عام الامم المتحدة، فالهند من بين اربع دول بحاجة الى اعتراف المجتمع الدولي لها بعضوية دائمة في مجلس الامن، اما النقاش حول اصلاح الامم المتحدة فلا يزال قائماً ومن غير المحتمل ان يفضي الى نتيجة في المستقبل المنظور. ومن الجدير بالذكر انه في نيسان عام (1945) كان ناطقون باسم الهند يدعمون مطالبها بصورة دبلوماسية سرية في مؤتمر الكومنويلث البريطاني للحصول على العضوية ضد الصين في ضوء اسهام الهند الكبير في المجهود الحربي في اثناء الحرب العالمية الثانية وبعد اسابيع وفي اثناء انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو لاعداد مسودة وثيقة الامم المتحدة، اثارت بعض الدول (كندا، يوغسلافيا، واستراليا) علناً قضية مطالبة الهند بعضوية دائمة لها في المجلس لكن لم يصدر شيء علني عن تلك المطالب ربما لان الهند كانت ولا تزال في طريقها لكي تصبح دولة مستقلة، ومن الجدير بالذكر ايضاً انه بدا في وقت مبكر في الخمسينيات ان وزارة الخارجية الامريكية اقترحت بصورة غير رسمية على السفير الهندي فكرة احلال الهند محل الصين /التي كان نظام فرموزا يحتل مكانها، ولانه توقع ان تطالب جمهورية الصين الشعبية بالمقعد رفض نهرو الفكرة في الحال، ويتحدث الباحث عن عوامل عديدة تؤهل الهند لتلك العضوية فيقول: بغض النظر عن الاعتبارات الجيوسياسية الاعتيادية كالموقع الستراتيجي واتساع المساحة وعدد السكان والموارد والقوة العسكرية (رابع اكبر جيش في العالم) ادت الهند المستقلة دوراً ملحوظاً في شؤون العالم الدولية بخاصة في الستينيات وكانت من بين العدد القليل من الدول الآسيوية والافريقية التي اسهمت في حل العديد من المشاكل الدولية مثل الحرب الكورية والعدوان على مصر اثر تأميم القناة والكونغو كما شاركت في تعزيز وتشجيع تقرير المصير لدول العالم الثالث او الدول المستقلة حديثاً وشاركت في اكثر من (20) عملية لحفظ السلام برعاية الامم المتحدة وتعزيز اهمية دور الامم المتحدة (حتى في سنوات الحرب الباردة) وقدمت مقترحات في اروقة الامم المتحدة من اجل نزع السلاح مع التأثير في القوى العظمى بخاصة فيما يتعلق بانتاج الاسلحة النووية. وفي الوقت الذي تحتل فيه الهند مركزاً صناعياً بارزاً بين دول العالم الثالث لا تعد على قدم المساواة مع الدول الصناعية السبع الكبرى على الصعيد التقني المتقدم والاقتصادي الكبير على الرغم من ان عدد العلماء فيها كبير جداً فالهند تعتمد على الدول الصناعية البارزة لمساعدتها تقنياً بما فيها معدات دفاعية عالية التقنية لكنها لم تبخل بما امتلكته من تقنية على دول العالم الثالث، واذا ما توفر لعلماء الهند ولتكنوقراطييها الوقت والموارد سيكون بوسعهم خلق قاعدة صناعية وطنية مثل الصين لانتاج المكائن الثقيلة والاجهزة المعقدة.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان امتلاك السلاح النووي والعضوية الدائمة في مجلس الامن من مقومات وجود القوة العظمى ودورها في القضايا الدولية وعلى مدى سنوات لم يسمح للهند امتلاك هذه الاسلحة حتى أيار عام 1974 حيث كشفت الهند عن قدراتها النووية التقنية بتفجير نووي سلمي الا انها فرضت على نفسها تحفظاً ذاتياً ولم تمضِ في التسلح طوال (24) عاماً ولكنها مع بداية عام (1998) ادركت المخاطر التي تهدد امنها من القوى النووية القائمة التي كانت قد حاصرت المحيط الستراتيجي للهند فأجرت خمس تجارب نووية استعداداً للتسلح النووي الفعلي واصبحت الهند (وباكستان ايضاً) قوتين نوويتين الا ان القوى النووية القائمة رفضت القبول بالوضع الجديد للهند وباكستان، وكانت الهند عضواً غير دائم في مجلس الامن لست مرات وهي قوة اقليمية قائمة بسبب قوة العوامل الجيو سياسية التي تتمتع بها، يتهم بعض الكتاب الغربيين الهند بممارستها الهيمنة على الدول الاخرى في شبه القارة الهندية ووصفوا الهند بانها تنتهج مذهب (مونرو الهندي) او مذهب نهرو او مذهب انديرا وفي الحقيقة تتفوق الهند على بقية الدول القريبة في الجوانب الجيوسياسية ومع ذلك فانها لا تقبل بأبعد من حدود تعايش سلمي مع هذه الدول.

 
 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة