ادب اجنبي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

بيرتا موريسو: المرأة الوحيدة في جماعة الانطباعيين المؤسسين
 

د. جوتفريد زيللو
ترجمة: قاسم مطر التميمي

قال تيودور دوره أحد أصدقاء الفنانة بيرتا موريسو: " لم تكن في الحقيقة امرأة جميلة. فقد كانت ملامح وجهها غير منتظمة ولونها ممتقع. إلا أنّ من غير الممكن تجاهلها، لأنها كانت فنانة حتى أطراف أصابعها " عصابة من خمسة أو ستة مجانين بينهم امرأة واحدة، مثل كل العصابات سيئة السمعة. هذه المرأة اسمها بيرتا موريسو Berthe Morisot " هذا ما كتبه الناقد الفني لصحيفة الفيغارو الباريسية في سنة 1876. أما المجانين الذين ذكرهم فهم الرسامون الإنطباعيون الذين حققوا شهرة واسعة فيما بعد؛ مانيه ومونيه ورينوار وسيسلي وبيسارو.. وفي وسط الإنطباعيين تبرز بيرتا موريسو، المرأة الوحيدة في الحقيقة التي تنتمي إلى هذه المجموعة والتي شهدت كل المعارك والإنتقادات الجارحة وشهدت أيضاً النجاح الباهر الذي جاء في النهاية. ولكن في زمانها، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان من الصعب على المرأة أن تفوز بمرادها في مجال الفن.
تنتمي بيرتا موريسو إلى وسط اجتماعي بورجوازي غير اعتيادي. ولدت سنة 1841. أبوها درس الفن المعماري وخدم فيما بعد في مؤسسات الدولة وتبوّأ مواقع كبيرة في السلم الوظيفي. وصار في النهاية رئيساً لحسابات البلاط في باريس. وبدأت (بيرتا) وشقيقتها (إدما) بممارسة الرسم في وقت مبكر: استأجر الأب مدرساً للرسم لصقل موهبة الفتاتين. ولم يكن المدرس موفقاً، إذ سرعان ما خاب ظنّ الفتاتين الموهوبتين به. أما المدرس الثاني فقد قال للأم بعد فراغه من الحصّة الأولى: " ابنتاك يا سيدتي تتمتعان بموهبة كبيرة وأخشى أن ليس بوسعي أن أشبع رغبتيهما في الرسم. ستصبحان رسامتين. هل تعلمين ماذا يعني هذا؟ في مركزكم الاجتماعي العالي سيكون هذا بمثابة ثورة، وأكاد أقول كارثة! هل أنت متأكدة تماماً من أنّك لا تندمين على ذلك اليوم الذي يقتحم فيه الفن بيتك الهادئ ويحدد مصير ومستقبل ابنتيك؟ بهذه الجمل صحّ وصف حالة الفنّانة. قليلاً من التخطيطات وقليلاً من الرسومات بالألوان المائية حققت الفنانتان سمعة جيدةً وزيجاتٍ موفقةً. ولكنّ العمل الفني الجدي الذي اتخذتاه على سبيل الاحتراف جعلهما يتركان الرجال بلطف. تزوجت إدما موريسو فيما بعد من ضابط في البحرية وتخلت عن الرسم بعد الزفاف مباشرة. وعلى العكس من ذلك بيرتا التي أصبحت رسّامة ومن أكبر الرسامات في عصرها.
التربية الجيدة التي أولتها إياها أسرتها، قد مهدت لها الطريق في البداية. فقد حققت لها الأسرة فرصة اللقاء بـ (كورو)
Corot وهو واحد من أشهر الفنّانين الفرنسيين الذي تولى تعليمها بشكل خاص. أما اللقاء الحاسم فقد حصل في أروقة متحف اللوفر. لقد كانت الفنّانة منشغلة يومذاك بنسخ لوحة لـ (روبنز) عندما تعرفت على الرسام (أدوارد مانيه) وقد توثقت على إثر ذلك عرى صداقة متينة جنى منها الاثنان فائدة كبيرة. لقد صارت رسومات بيرتا أكثر تحرراً وجرأة، فتركت نهائياً التقليد الأكاديمي. ومن ناحية أخرى استلهم (مانيه) طريقتها في العمل الحر، " استلهام الطبيعة ". وجلست أمامه (موديلاً) في لوحته المشهورة (المقصورة) Die Loge . وكان معجباً كلّ الإعجاب ليس بجاذبيتها فقط بل وبعملها الفني أيضاً.
وصارت علاقتها بـ (مانيه) أكثر وثوقاً بعد زواجها من أخيه (يوجين مانيه) سنة 1874. وشاركت مانيه في أول معرض للانطباعيين أقيم في باريس بنفس السنة 1874 وانتهى بفضيحة يصعب تصورها. وقد تكرر الأمر عندما قام الانطباعيون في السنة التالية بإجراء مزاد علني جماعي. اضطر خلاله الدلال إلى الاستنجاد برجال الشرطة. ونشرت الصحف في أعقاب ذلك: " الانطباعية التي يعتنقها الانطباعيون، مثلها مثل قطة تصول وتجول فوق أزرار البيانو أو قرد استولى على علبة أصباغ ملونة! "
اللوحات التي صورتها (بيرتا موريسو) أثناء رحلتها إلى الجزيرة الإنكليزية (ويت)
Wight تعد من أجمل المناظر الطبيعية الانطباعية. واليوم يعجب المرء من أنّ هذه المدرسة الفنيّة الكبيرة قد واجهت في مرحلة ظهورها سخطاً وامتعاضاً من لدن نقاد ومحبي الفنون. مدرسة فنيّة تحلل الموضوع إلى ضوء ولون وتصف تأثير (انطباع) نهار صيفي مضيء ومشع، وتتناول تفاصيل الأشياء والأجسام والشاطئ والزورق والشراع والبيرق باعتبارها أشكالاً لونية في محيط متألق.
زواجها والتزاماتها الاجتماعية، بيتها الذي بنته مع زوجها في باريس، لم تمنع (بيرتا موريسو) من أن تتطور صعوداً في مجال الفن. بعد ولادة ابنتها الوحيدة (جولي) كانت منشغلة في مرسمها دائما بهذه الطفلة: جولي في الحديقة، جولي تعزف على البيانو، جولي تلعب في الشارع، جولي مع صديقاتها. لوحات وصور مرسومة بالباستيل بألوان رقيقة وخطوط مرهفة تمسك باللحظات الهاربة أوصلتها في النهاية إلى المجد والشهرة. وقد شاركت حتى آخر أيامها بكل المعارض الجماعية التي أقامها الانطباعيون. وفي سنة 1895 لفظت بيرتا آخر أنفاسها في باريس.


الفن ما زال حياً وبصحة جيدة .. نظرة في كتاب Still Looking للناقد جون أبدايك
 

كيفين جاكسون
ترجمة / عادل العامل
إن النقد الفني يمكن أن يكون تعقيباً ممتعاً بأن لا عجب في أن يحب المحترفون حيازته لأنفسهم. مع هذا، فإن احتكارهم الصناعي يحتاج للتحدي من وقت إلى وقت، وبوجه خاص بما أن بعض النقد الفني الأكثر تألقاً على مدى المئة والخمسين عاماً الماضية أو ما يقرب من ذلك قد جاء من الكتاب الذين تجرأوا على اجتياز الخطوط المحظورة.
وقد تفوق شعراء وروائيون في الشكل في الغالب
بودلير، صمويل بيكيت، عزرا باوند ولا يزال موروث الانتهاك الحرفي نشيطاً على جانبي المحيط الأطلسي معاً. فبعيداً من هنا، قام كتاب بمثل تنوع جوليان بارنيز ولين سنكلير ببعض الغارات الحيوية في أكثر من مجال.
وفي أمريكا، بقيت الأمور الشاغلة طوال الوقت ناشطة بفعل الراحل غاي ريفينبورث، والشاعر جون أشبيري، وعلى نحو أكثر وضوحاً جون أبدايك
Updike من بين آخرين، وكانت طرقهم النقدية مختلفة على نطاق واسع كأساليبهم النثرية، والشيء الوحيد الذي يوحد جهودهم في الواقع: أنه بخلاف قدر من الأنواع ذات الرواتب، فإنهم يكتبون مقالات يمكن قراءتها للمتعة أكثر مما للتكفير عن الذنب.
ويؤكد كتاب
Still Looking، وهو أحدث مجموعة مقالات في نقد الفن، الانطباع الذي خلفه سلفه Just Looking، بأن الروائي الأمريكي هو من بين الأكثر قبولاً من العاملين في مجالين.
وكشيء ما من فنان غير ناجح نفسه
وقد قضى سنة في مدرسة راسكين في أوكسفورد فإنه يدنو من أعمال الفن بقدر ضئيل من توق كئيب، تلطف أساسي إلى الوسيلة التي تجعله بطيئاً في التأنيب وسريعاً للمباركة (وهي ليست دائماً فضيلة في الناقد، من دون شك). كما أنه يبدي ذاكرة احتفاظية، على نحو يدعو إلى الإعجاب، للصور، تزوده بمقارنات ذكية ذكاءً لا يمكن توقعه: مشهد زحام لجورج بيلوز يوحي بـ(تزاحم تيبولو مبهج)؛ مشهد من شارع ببوستن لتشايلد هاسام "يقارن على نحو محاب.. بغوستاف كيليبوت"؛ مشهد لـMaine لمارسدن هارتلي موجود لاستيعاب "ضربة "الغرزة" التداخلية للإيطالي جيوفاني سيغانتيني". فأبدايك، ببساطة، ناقد هاو فقط بمعنى أنه يكتب عن حب. وقد بدا صارماً، وفكر بعناية.
وفي الحقيقة، فإن أداءاته بارعة وساحرة إلى حد أن ذلك يبدو جديراً بأن يبدي القليل من الكفاح الأولي ضد إغراءاته الناعمة، ويبين نقصاً أو نقصين. الأول مسألة بسيطة تتعلق بالشكل أو الحجم. فهناك 19 مقالة في كتاب
Still Looking، منتشرة فوق ما لا يزيد عن 200 صفحة موضحة بالأمثلة إلى حد كبير: وهو حيز عزيز قليل لأن يحفر المرء عميقاً فيه أو يتسع، وقدر من الإغراء لوضع عموميات سريعة لافتة للنظر.
وقد أملي موضوع كل مقالة تقريباً على الناقد صدفة
وهذه بشكل رئيس عروض لمعارض خاصة أقيمت على الساحل الشرقي عامي 1990 و2004وتنبثق مثل هذه الوحدة التي يتسم بها الكتاب من قومية الفنانين (وجميعهم أمريكيون) والهواجس تحت قبعة أبدايك (وبعضها أمريكية الدعم).
وما يعنيه هذا على صعيد التطبيق أننا نسمع القليل جداً عما هو محبب لدى، لنقل، توماس إيكينز، جيمس ماكنيل هويسلر وجاكسون بولوك، وبالأحرى الكثير جداً عن حالات الحضور الأقل إلى حد بعيد لمادسن هارتلي، وآرثر دوف، وإيل فادلمان وألبرت بينكهام ريدر.
وإحجام المقالات الضيقة تجعل أبدايك موجزاً حيث كان، كما يفهم الواحد سيحب في الواقع أن يكون متوسعاً. فمقالته حول الفنان توماس ايكينز (1844-1916)
وهي إحدى أروع مقالات الكتاب ومحاججة قوية لصالح قضية أن ايكينز كان موهبة لافتة للنظر، وربما عملاقة تتخذ لمسات حادة: "إن إيكينز ليس بالغافل على الإطلاق، فهذه قوته وضعفه. وفهمنا لشخص ألمعي ليس متوازناً دائماً مع فهم لحظة محددة.. إن عدم الارتياح والاستبطانية الحزينة تميزان أفضل رسومه الوجهية Portraits". حدد موضعاً، وأنت تلتمس تعليقاً ما موسعاً على، لنقل، لوحة إيكينز الغريبة والرائعة على نحو غامض (صورة الدكتور غروس) 1875. ومن المحزن، أن أبدايك يقصر نفسه إلى درجة كبيرة على الملاحظة (الحقيقية) بأن هذه اللوحة تدعو المشاهد غير المتشكك للتفرس في مستقيم رجل ميت.
إن تلك الملاحظة الشرجية المحرجة تقريباً في ذلك السلوك النموذجي لأبدايك تميل هنا إلى ما هو محتشم ومحافظ لديه من أذواق. بل أن هناك ملاحظة عن الغلو في الوطنية من وقت إلى آخر. وإذا ارتفع فنان إلى النجوم وراح يخطط، فإن أبدايك يرحب بذلك. وهو يعلن عن غضبه للملاحظات السوسيولوجية المتغطرسة
– "التعليقات الجدارية الصعبة الإرضاء" بشأن معرض حول الانطباعية والواقعية الأمريكية، والتي يتعمد الأوصياء عليه توبيخ الفنانين الموتى لعدم كونهم بروليتاريين على نحو كاف في ولاءاتهم.
وأبدايك محق في انزعاجه من هذا الهراء النزوعي، الذي يجعل من المدهش تقريباً أن يغرى هو نفسه بذلك عندما يستطلع النزعة السحاقية في
Undertow لوينسلو هومر (1886) واللوطية في (موت الميجر بيرسون) 1784 لكوبلي وهي بالمناسبة الصورة التي يكون فيها التفصيل الفاتن على نحو واضح هو تفصيل الجندي البريطاني الأسود وهو يطلق رصاصة الثأر لنفسه.
غير أن في هذا الانتقاء ما فيه الكفاية. فكتاب
Still Looking زاخر بالأمور الباعثة على الابتهاج: صور يلتهمها المرء، وعبارات معايرة بدقة لتبقى في الذهن إلى أن تعطي كامل مضمونها. وبوفرة تامة، يمنح أبدايك نفسه حرية في التعبير لن يجازف بممارستها إلا القليل من نقاد الفن المحترفين. فهو يكتب، على سبيل المثال، معلقاً على لوحة (صباح أحد مبكر) للفنان! دورد هوبر، قائلاً: "يمكن للمرء أن يتصور عريشة الحلاق وخرطوم إطفاء الحريق على وشك ان يندمجا في رقصة غزل. وصف الكورس المكون من نوافذ المنازل يمكن أن ترفع ستائرها فجأة في توحد موسيقي.."!

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة