الفن ما
زال حياً وبصحة جيدة ..
نظرة في كتاب
Still Looking
للناقد جون أبدايك
كيفين
جاكسون
ترجمة / عادل
العامل
إن النقد الفني يمكن أن يكون تعقيباً ممتعاً بأن لا عجب في
أن يحب المحترفون حيازته لأنفسهم. مع هذا، فإن احتكارهم
الصناعي يحتاج للتحدي من وقت إلى وقت، وبوجه خاص بما أن
بعض النقد الفني الأكثر تألقاً على مدى المئة والخمسين
عاماً الماضية أو ما يقرب من ذلك قد جاء من الكتاب الذين
تجرأوا على اجتياز الخطوط المحظورة.
وقد تفوق شعراء وروائيون في الشكل في الغالب
–
بودلير، صمويل بيكيت،
عزرا باوند –
ولا يزال موروث
الانتهاك الحرفي نشيطاً على جانبي المحيط الأطلسي معاً.
فبعيداً من هنا، قام كتاب بمثل تنوع جوليان بارنيز ولين
سنكلير ببعض الغارات الحيوية في أكثر من مجال.
وفي أمريكا، بقيت الأمور الشاغلة طوال الوقت ناشطة بفعل
الراحل غاي ريفينبورث، والشاعر جون أشبيري، وعلى نحو أكثر
وضوحاً جون أبدايك
Updike
من بين آخرين، وكانت
طرقهم النقدية مختلفة على نطاق واسع كأساليبهم النثرية،
والشيء الوحيد الذي يوحد جهودهم في الواقع: أنه بخلاف قدر
من الأنواع ذات الرواتب، فإنهم يكتبون مقالات يمكن قراءتها
للمتعة أكثر مما للتكفير عن الذنب.
ويؤكد كتاب Still
Looking، وهو أحدث
مجموعة مقالات في نقد الفن، الانطباع الذي خلفه سلفه
Just Looking،
بأن الروائي الأمريكي هو من بين الأكثر قبولاً من العاملين
في مجالين.
وكشيء ما من فنان غير ناجح نفسه
–
وقد قضى سنة في مدرسة
راسكين في أوكسفورد
–
فإنه يدنو من أعمال الفن
بقدر ضئيل من توق كئيب، تلطف أساسي إلى الوسيلة التي تجعله
بطيئاً في التأنيب وسريعاً للمباركة (وهي ليست دائماً
فضيلة في الناقد، من دون شك). كما أنه يبدي ذاكرة
احتفاظية، على نحو يدعو إلى الإعجاب، للصور، تزوده
بمقارنات ذكية ذكاءً لا يمكن توقعه: مشهد زحام لجورج بيلوز
يوحي بـ(تزاحم تيبولو مبهج)؛ مشهد من شارع ببوستن لتشايلد
هاسام "يقارن على نحو محاب.. بغوستاف كيليبوت"؛ مشهد لـMaine
لمارسدن هارتلي
موجود لاستيعاب "ضربة "الغرزة" التداخلية للإيطالي جيوفاني
سيغانتيني". فأبدايك، ببساطة، ناقد هاو فقط بمعنى أنه يكتب
عن حب. وقد بدا صارماً، وفكر بعناية.
وفي الحقيقة، فإن أداءاته بارعة وساحرة إلى حد أن ذلك يبدو
جديراً بأن يبدي القليل من الكفاح الأولي ضد إغراءاته
الناعمة، ويبين نقصاً أو نقصين. الأول مسألة بسيطة تتعلق
بالشكل أو الحجم. فهناك 19 مقالة في كتاب
Still Looking،
منتشرة فوق ما لا يزيد عن 200 صفحة موضحة بالأمثلة إلى حد
كبير: وهو حيز عزيز قليل لأن يحفر المرء عميقاً فيه أو
يتسع، وقدر من الإغراء لوضع عموميات سريعة لافتة للنظر.
وقد أملي موضوع كل مقالة تقريباً على الناقد صدفة
–
وهذه بشكل رئيس عروض
لمعارض خاصة أقيمت على الساحل الشرقي عامي 1990 و2004
– وتنبثق مثل هذه
الوحدة التي يتسم بها الكتاب من قومية الفنانين (وجميعهم
أمريكيون) والهواجس تحت قبعة أبدايك (وبعضها أمريكية
الدعم).
وما يعنيه هذا على صعيد التطبيق أننا نسمع القليل جداً عما
هو محبب لدى، لنقل، توماس إيكينز، جيمس ماكنيل هويسلر
وجاكسون بولوك، وبالأحرى الكثير جداً عن حالات الحضور
الأقل إلى حد بعيد لمادسن هارتلي، وآرثر دوف، وإيل فادلمان
وألبرت بينكهام ريدر.
وإحجام المقالات الضيقة تجعل أبدايك موجزاً حيث كان، كما
يفهم الواحد سيحب في الواقع أن يكون متوسعاً. فمقالته حول
الفنان توماس ايكينز (1844-1916)
–
وهي إحدى أروع مقالات
الكتاب ومحاججة قوية لصالح قضية أن ايكينز كان موهبة لافتة
للنظر، وربما عملاقة
–
تتخذ لمسات حادة: "إن
إيكينز ليس بالغافل على الإطلاق، فهذه قوته وضعفه. وفهمنا
لشخص ألمعي ليس متوازناً دائماً مع فهم لحظة محددة.. إن
عدم الارتياح والاستبطانية الحزينة تميزان أفضل رسومه
الوجهية
Portraits". حدد
موضعاً، وأنت تلتمس تعليقاً ما موسعاً على، لنقل، لوحة
إيكينز الغريبة والرائعة على نحو غامض (صورة الدكتور غروس)
1875. ومن المحزن، أن أبدايك يقصر نفسه إلى درجة كبيرة على
الملاحظة (الحقيقية) بأن هذه اللوحة تدعو المشاهد غير
المتشكك للتفرس في مستقيم رجل ميت.
إن تلك الملاحظة الشرجية المحرجة تقريباً في ذلك السلوك
النموذجي لأبدايك تميل هنا إلى ما هو محتشم ومحافظ لديه من
أذواق. بل أن هناك ملاحظة عن الغلو في الوطنية من وقت إلى
آخر. وإذا ارتفع فنان إلى النجوم وراح يخطط، فإن أبدايك
يرحب بذلك. وهو يعلن عن غضبه للملاحظات السوسيولوجية
المتغطرسة – "التعليقات
الجدارية الصعبة الإرضاء"
–
بشأن معرض حول الانطباعية
والواقعية الأمريكية، والتي يتعمد الأوصياء عليه توبيخ
الفنانين الموتى لعدم كونهم بروليتاريين على نحو كاف في
ولاءاتهم.
وأبدايك محق في انزعاجه من هذا الهراء النزوعي، الذي يجعل
من المدهش تقريباً أن يغرى هو نفسه بذلك عندما يستطلع
النزعة السحاقية في
Undertow
لوينسلو هومر (1886)
واللوطية في (موت الميجر بيرسون) 1784 لكوبلي
–
وهي بالمناسبة الصورة
التي يكون فيها التفصيل الفاتن على نحو واضح هو تفصيل
الجندي البريطاني الأسود وهو يطلق رصاصة الثأر لنفسه.
غير أن في هذا الانتقاء ما فيه الكفاية. فكتاب
Still Looking
زاخر بالأمور الباعثة على
الابتهاج: صور
يلتهمها المرء، وعبارات معايرة بدقة لتبقى في الذهن إلى أن
تعطي كامل مضمونها. وبوفرة تامة، يمنح أبدايك نفسه حرية في
التعبير لن يجازف بممارستها إلا القليل من نقاد الفن
المحترفين. فهو يكتب، على سبيل المثال، معلقاً على لوحة
(صباح أحد مبكر) للفنان! دورد هوبر، قائلاً: "يمكن للمرء
أن يتصور عريشة الحلاق وخرطوم إطفاء الحريق على وشك ان
يندمجا في رقصة غزل. وصف الكورس المكون من نوافذ المنازل
يمكن أن ترفع ستائرها فجأة في توحد موسيقي.."! |