درس من
التاريخ الامريكي: التوقف عن التدخل
*بقلم: ستيفن كينزر
ترجمة: مروة وضاء
عن: الواشنطن بوست
*ستيفن كنزر مراسل سابق للنيويورك تايمز ومُؤلفُ "كُلّ
رجال الشاه، "حول إنقلابِ 1953 في إيران،، وصدر له مؤخراً
كتاب: "السقوط: القرن ألأمريكي مِنْ تغييرِ النظامِ في
هاواي إلى العراق."
تواجه
الولايات المتحدة ازمة كبيرة مع ايران، حيث من الواضح ان
النظام الديني وبالرغم من نفيه المتكرر، يبذل جهودا لتطوير
الاسلحة النووية. قادت تصريحات القادة الاميركيين بشأن عدم
سماحهم بوجود ايران مسلحة نوويا إلى تخمينات حادة بان
ادارة بوش تحضر لهجوم عسكري.
يمكننا ان نستقرئ من التاريخ ان هجوما كهذا سيؤدي إلى
عواقب كارثية طويلة الامد، ويعلم الايرانيون، كما يعلم
غيرهم، كم ستكون عواقب سيئة مثل هذه التدخلات.
كانت ايران على مسار الديمقراطية في عام 1953 حين قام
الشعب باختيار رئيس الوزراء محمد مصدق عن طريق برلمان
منتخب وكانت له شعبية كبيرة بين الايرانيين لكنه اغضب
الغرب بتأميمه صناعة النفط في بلاده مما حدا بايزنهاور إلى
دفع وكالة الاستخبارات الأمريكية لخلعه، كان الانقلاب
ناجحا لكنه وضع البلاد في حالة التأهب لكارثة مستقبلية.
نصبت وكالة المخابرات العسكرية محمد رضا بهلوي رئيسا على
عرش الطاووس. وأدت سياسته القمعية بعد 25 سنة إلى نشوء
ثورة اسلامية. جلبت هذه الثورة زمرة من رجال الدين
المعادين للغرب بشكل مرير من الذين يعملون منذ ذلك الوقت
جاهدين واحيانا يستعملون العنف لتقويض المصالح الامريكية
حول العالم.
ما كان هذا النظام الديني ليصل إلى السلطة ابدا لو امتنع
ايزنهاور عن التدخل المباشر ضد ايران في 1953. وما كانت
لتكون هنالك ازمة نووية. ولكانت ايران بدلا من ذلك اليوم
ديمقراطية مزدهرة في قلب الشرق الاوسط الاسلامي.
ان اسقاط حكومة ما هو اشبه بأطلاق عجلة من على قمة التل
–
ليس لديك ادنى فكرة عما
سيحدث بعدها. والايرانيون ليسوا هم الوحيدون الذين يعلمون
ذلك. فقبل اكثر من قرن بقليل قامت الولايات المتحدة باسقاط
حكومات 14 دولة في الاقل ابتداء من الحكم الملكي في هاواي
سنة 1893 واستخدام القوة في12 بلداً اخر. فقبل العراق
وافغانستان بوقت طويل كان هناك الفلبيون وبنما وجنوب
فيتنام وتشيلي وغيرها.
لم تجلب معظم تلك التدخلات الالم الكبير للبلدان المستهدفة
فحسب، وانما اضعفت امن امريكا على المدى الطويل.
تعتبر كوبا البعيدة جدا عن ايران مثالا جيدا على ذلك، ففي
1898 ارسلت الولايات المتحدة قواتها إلى هناك لمساعدة
المتمردين على اسقاط حكم المستعمرة الاسبانية. لكن حين
تحقق النصر نكثت الولايات المتحدة عهدها بالسماح لكوبا
بالاستقلال وحولتها إلى محمية امريكية.
وبعد مضي اكثر من 60 عاما استذكر فيديل كاسترو، قائد
الثورة الكوبية المنتصرة، في خطابه الاول تلك الواقعة ووعد
في قسمه "ان هذه المرة لن تكون كما 1898 حين جاء
الامريكيون ونصبوا انفسهم اسيادا على البلاد".
تقترح تلك الكلمات لو ان الولايات المتحدة سمحت لكوبا
بالسير في طريقها في 1898 لربما لم تكن ظاهرة كاسترو
الشيوعية لتقوم ابدا.
خلعت الولايات المتحدة زعيم نيكاراغوا المرتقب خوزيه زانتو
زيلي في 1909 مسببة لبلاده التعيسة فترة طويلة من القمع
والتمرد.
مازالت الولايات المتحدة تعتقد بعد 40 عاما ان "تغيير
النظام" يمكن ان يحمل نهاية جيدة، حين قامت بإسقاط رئيس
غواتيمالا اليساري جاكوبو اربنز فارضة نظاما عسكريا فيها
تسبب بثلاثين عاما من الحرب الاهلية التي اودت بحياة مئات
الالاف.
تعتبر اليوم منطقتا امريكا اللاتينية والشرق الاوسط من
اكثر المناطق في العالم تمردا صريحا ضد السياسات الامريكية.
وليست مصادفة ان هاتين المنطقتين هما الأكثر تعرضا للتدخل
الامريكي. حيث تنتقل مشاعر العداء ضد التدخل من جيل إلى
اخر وتؤدي إلى رد فعل عنيف في النهاية.
فالبلدان التي كانت ضحايا لتدخل سابق مصممة بشدة على
مقاومة اي تدخل مستقبلي ممكن. وايران هي احدى هذه البلدان.
فخلال الـ200سنة الماضية قامت كل من بريطانيا وروسيا
والولايات المتحدة بمحاولة الهيمنة واستغلال ايران. فاذا
ما قامت الولايات المتحدة بالتدخل هناك اليوم، ستواجه غضب
الإيرانيين المكبوت ضد كل القوى الخارجية.
يعتقد البعض في واشنطن ان محاولة بدء ثورة في ايران هو امر
يستحق العناء لان أي نظام جديد هناك سيكون افضل من الحالي.
انها مقامرة خطرة. فالتدخل سيساهم بتعزيز اكثر الاحزاب
اصولية في ايران. حيث ستستخدمه المليشيات، وبضمنهم الرئيس
محمد احمدي نجاد، كعذر لاتخاذ اجراءات صارمة ضد المعارضة.
مما قد يؤدي إلى موجة من القمع منتجة نظاما معاديا لأمريكا
اخطر من الحالي، ويؤخر الديمقراطية الايرانية لجيل اخر.
قد تحل هذه الأزمة المرتقبة بالمفاوضات المباشرة وغير
المشروطة بين واشنطن وطهران. لكن يرفض القادة الامريكيون
التعامل مع رجال الدين. لقد تركت صدمة الثورة الاسلامية
متبوعة بازمة الرهائن ندبة عميقة في نفسية السياسي
الامريكي - عميقة لدرجة تمنع الولايات المتحدة من التعامل
مع ايران بطرق يمكن ان تساهم بفوائد كبيرة للامن الامريكي.
رغم ذلك وبعيدا عن الصراعات المهلكة، تعتبر هاتان الامتان
الفخورتان حليفتين محتملتين. فكلاهما يريدان عراقا مستقرا
وافغانستان مستقرة، وضمان التدفق المجاني لنفط الشرق
الاوسط، وسحق الحركات الاسلامية الاصولية كطالبان
والقاعدة.الا ان ما يمنع هذه المحادثات هو الاستياء العميق
الذي يشعر به كلا الطرفين من جراء التدخلات الماضية.
تدخلت ايران في الشرق الاوسط مستعملة احيانا سلاح الارهاب
المتطرف لمهاجمة مصالح الولايات المتحدة، فبالنسبة لها
الولايات المتحدة قد تدخلت سابقا لسحق الديمقراطية
الايرانية سنة 1953 بفرضها الشاه ودعمها حكمه القمعي لاكثر
من 25 سنة.
ان علاج التدخل الماضي هو التوقف عن المزيد من التدخل.
فبأخذ الازمة النووية مع ايران بجدية يجب ان يضع الزعماء
الامريكيون رفضهم الفاشل والخطر جدا للتفاوض جانبا. البديل
قد يكون تدخلاً عنيفاً في ايران. لقد جرب الامريكيون ذلك
سابقا والنتائج لن تكون افضل هذه المرة.
|