معهد
الدراسات الموسيقية بلا آلات موسيقية
- رعته مؤسسة خيرية
ووزارة الثقافة لا تعرف عنه شيئاً
تحقيق وتصوير: مفيد الصافي
بدأ عمر رياض يغني ويعزف
على آلة العود في باحة المعهد، ربما من الصعب تصديق ان هذا
الفتى الذي لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره وهو في المرحلة
الرابعة يعزف على آلة العود بطريقة جميلة ورائعة - - تحاكي
أفضل المحترفين شاركه على آلة الكمان احد الزملاء
المتخرجين في المعهد، وصدحت كلماته بصوت حلو... (أنت اعز
محبوب عندي / وأنسى روحي وما أنساك)، وتعإلى صوت الموسيقى
والغناء في فضاء المعهد الملاصق لنهر دجلة لتتحد مع أصوات
قديمة تغني لبغداد ولياليها أجمل الألحان.
استراحة بعد الامتحان
انتشر عدد قليل من
التلاميذ في كل إرجاء المعهد، في يوم الامتحان. جلس البعض
يستمع إلى زملائه في الحديقة او في زاوية من زوايا المعهد،
اغلبهم يحملون آلات موسيقية مختلفة، عود، كمان، آلة ناي
وعيونهم تتطلع إلى اساتذتهم. بناية المعهد بناء بغدادي من
طابقين، ينفتح داخله على فضاء واسع،تتوسطه نافورة صغيرة
بلون ازرق. انتشرت الاعمدة المصبوغة بلون بني بشكل منتظم
مع الأقواس والآجر البغدادي. في الطابق الارضي قاعة المدير
وغرفة الاساتذة وصفوف للطلاب وفي الطابق الثاني صفوف أخرى
وقاعة للاحتفالات،عنوان البناية الخارجي(معهد الدراسات
الموسيقية تأسس عام 1970) يتناقض مع ما كتب على الباب
الداخلي،في عبارة قديمة تنبيء بوظيفته الاولية(متحف
الازياء للماثورات الشعبية)
حياة مع الموسيقى
تحدث الطلاب عن
طريقة اختبار التلاميذ الجدد حين يجلس العميد ومعاونه
وأساتذة اخرون ليختبروا الإمكانيات المستقبلية للطالب او
يدققوا في حركة اصابعه. في المعهد ثلاثة أقسام، قسم أصوات
المقام وفيه يصبح الطالب مغنيا للمقام وقسم الآت يتخصص فيه
الطالب في العزف وقسم البحوث يتخرج فيه الطالب كباحث في
تاريخ الموسيقى. قال احد الطلبة "الموسيقي الحقيقي يحس
بطعم اخر للحياة ورومانسيتها وتعلم الموسيقى تدخلك إلى
عالم اخر،لانها علم جميل ولهذا نحن ندرسها خمس سنوات وهي
فترة ليست بالقصيرة".
معاناة الموسيقيين
احد الطلاب رفض ان
يذكر اسمه قال ان دروس الموسيقى بدأت تتراجع الان بعد أن
ادخلوا مواد جديدة مثل مادة اللغة الانكليزية! وأبدى تذمره
منها وتحدث اخرون عن صعوبات دراسة (السول فيج) والتاريخ
الموسيقي والنظريات. واشاروا إلى انه من المحزن ان يجبر
الطالب احيانا على اختيار الة لا يريدها وتحدثوا عن
معاناتهم في الشارع وكيف سرقت مرة من احدهم آلة الارغون.
وشكوا من ادارة المعهد قائلين انها لا تقدم لهم شيئا وقال
احدهم" كيف لمعهد موسيقى ان يوجد من دون الات موسيقى سوى
بيانو مقفلة لا نستطيع ان نلمسها".
وتحدثوا كيف انهم يتمنون الحضور إلى هنا حتى ايام العطل
وكيف انهم يخشون ان يراهم احد وهم يحملون الاتهم الموسيقية
في الشارع قال احدهم " عادة أكلف احد المعارف بنقلي في
سيارته ومعي التي الموسيقية التي أخفيها فانا اسكن منطقة
شعبية، ولا أريد لأحد أن يعرف إنني عازف"
المعهد العريق
في غرفة المدرسين
كانت القناديل التراثية الاربعة معلقة بشكل مستقيم وكل شيء
يوحي هنا بالطابع البغدادي الجميل الذي يحمل خصوصية
المدينة العريقة. أكد الأساتذة ان المعهد يستقيل خريجي
الدراسة المتوسطة من الموهوبين، ومن لديهم قابلية حفظ
عالية و رغبة واهتمام في تعلم الموسيقى. وأضافوا إلى ان
التدريس في المعهد أصبح لمدة خمس سنوات وهو متخصص بدراسة
الالات التراثية:الجوزة والسنطور والعود والناي والقانون
والآلات الايقاعية، وان عدد الاساتذة الحاليين يصل إلى 46
مدرسا اما التلاميذ فوصل عددهم هذا العام إلى 92 تلميذا،
حيث يوجه الطالب ليتعلم على أحدى هذه الآلات في رعاية
أساتذة متخصصين لديهم خبرة، قال الأستاذ سامي نسيم مدرس
العود " نعد الطلاب ومن يملك صوتا جميلا ليكون مؤهلا
للغناء" وأضاف ان أسماء عديدة تخرجت فيه مثل كاظم الساهر
فريدة محمد علي حسين الاعظمي ومحمود انور وحميدة الجزائرية
ونصير شمة وسالم عبد الكريم".
بلا رعاية
ثم بدأ الاساتذة
بطرح معاناتهم الكثيرة، بدأها الاستاذ سامي نسيم مدير فرقة
منير بشير للعود، ومدرس العود في معهد الدراسات النغمية -
فائز بالجائزة الدولية للعود في عام 2000 في بيروت ولديه
مشاركات عالمية عديدة - قائلا" انا كمدرس اشعر بان معهد
الدراسات الموسيقية لم يلق رعاية يشار لها بالبنان من قبل
وزارة الثقافة، هذا المعهد الذي اسسه عمالقة الفن في
العراق مثل منير بشير وروحي الخماش لا نرى فيه ما يحافظ
على تراثهم" وأكد ان المعهد يفتقر إلى العديد من الأشياء
واهمها الالات الموسيقية، قائلا: "لا توجد الات موسيقية
حتى للمدرسين، والطلاب يعتمدون على آلات موسيقية بسيطة
يشترونها من السوق على حسابهم الخاص ".وتحدث كيف تم ترميم
البناية بعد سقوط النظام من قبل مؤسسة خيرية تابعة إلى
مجموعة الكنائس النرويجية. وكيف ان وزارة الثقافة تعد
بالكثير ولكن دون ان يروا أي تحسن. وقال "اننا في نهاية
العام الدراسي من دون كهرباء مع العلم ان دوائر كثيرة
حولنا لديهم كهرباء". واكد ان المعهد يعاني كذلك من هجرة
اسماء مميزة عديدة.
وتحدث اخرون عن المرتبات الهزيلة التي يتقاضها المدرسون-
الراتب يصل إلى 99 ألف دينار بعنوان وظيفي (حرفي)- شكا
حيدر شاكر مدرس الة البيانو كيف تم الغاء تدريسها لانها لا
تتناسب مع المعهد التراثي - حاليا لديه اربعة طلاب سوف
يتخرجون هذا العام - قائلا " أي فنان لابد له ان يدرس على
الة البيانو ". اما الاستاذ عبد الكريم حميد، مدرس الة
الناي فشكا من عدم وجود بناية متخصصة لتكون معهدا للموسيقى
" معهد الموسيقى يجب ان تكون فيه غرف عملية ولا تتداخل
أصوات الالات الموسيقية بينها".
طالب الناي
في غرفة
جانبية،جلس الطالب متهيبا أمام أستاذه الذي كان يصحح له.
الأستاذ عبد الكريم يوسف مدرس آلة الناي قال لتلميذه في
الصف الأول " اذا لم تخرج صوتا فلن تنجح.. عليك ان تنفخ
بطريقة أفضل، التونات لديك ليست واضحة،طريقة نفخك غير
صحيحة" ونصحه ان يتمرن أكثر، تحدث المدرس عن ذكرياته
السابقة وكيف انه درس على أيدي أساتذة متخصصين، كانوا
متفرغين إلى تعليم الموسيقى والغناء. تذكر البناية القديمة
في الوزيرية،و باحتها التي يتشارك فيها الاساتذة والطلاب
احيانا في فترات الاستراحة، وكيف كان الاستاذ شعوبي
ابراهيم وروحي الخماش ومنير الحكيم وحسين قدوري وعباس جميل
ودكتور خالد ابراهيم، يتمازحون مع الطلاب،قال " فقد المعهد
نكهته مع انتقاله إلى هنا كان ذلك المعهد فيه حديقة كبيرة"
وتذكر الحفلات التي كانت تعمل هناك ويتم فيها استقبال
الضيوف من كل انحاء العالم.
رغم التعب
الأستاذ كريم خريج
عام 1988، تحدث عن ذكرياته مع الفنان كاظم الساهر وكيف
كانوا في احد الأيام في معسكر للتدريب في دهوك في معسكر
فايدة في عام 1986 قائلا " كنا متعبين من التدريب،وكان
التدريب علينا شاقا، فنأتي إلى (الجملونات) ويكون الواحد
منا مرهقا يرمي نفسه على السرير بسرعة وليس لدينا مزاج
لعمل اي شي سوى كاظم الساهر، كان يخرج ورقة من جيبه فيها
أبيات شعر ويقول ما رايكم فيها، كنا نقول له كاظم اننا
متعبون فيقول كلا دعوكم من ذلك، او اسمعوا هذا اللحن، ورغم
التعب كان يعيش في عالم اخر. وكيف كان كاظم الساهر فنانا
طموحا. وانت تخرج من المعهد تتلفت إلى التلاميذ وتفكر كم
من الفنانين عاش هنا وتعلم اشياء كثيرة ليخرج ألحانا
واصواتا تجعل الحياة اكثر جمالا.
|