تقارير المدى

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الانتخابات البرلمانية الكويتية .. المطالبــــــة بالإصلاح .. ومحاربــــــة الفساد

  • محاولات لعقد مؤتمر وطني لنواب المعارضة لبلورة خطة موحدة للانتخابات تعزز الرقابة الشعبية عليها

(وكالات)

يستعد الكويتيون وللمرة الاولى الكويتيات لمعركة انتخابية حامية يتوقع ان تركز على المطالبة بتسريع وتيرة الاصلاحات ومحاربة الفساد وذلك بعد ان حل امير الكويت مجلس الامة (البرلمان) ودعا الى انتخابات تشريعية في 29حزيران.
وكان امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح تدخل لنزع فتيل الازمة السياسية بين الحكومة والنواب المعارضين لمشروعها بشأن تعديل الدوائر الانتخابية في خضم اتهامات للحكومة بتعمد اعاقة الاصلاحات السياسية.
وقال نواب المعارضة الذين اتهموا الحكومة بالتسبب في اثارة الازمة، ان القضايا الاساسية في حملتهم الانتخابية ستكون اصلاح النظام الانتخابي ومكافحة الفساد.
مدخل للاصلاح
وفي هذا السياق اوضح النائب مسلم البراك "ستكون القضية الرئيسية في الانتخابات مطالبة المجلس القادم باجراء تعديلات شاملة في النظام الانتخابي كمدخل للاصلاح".
من جانبه قال النائب المخضرم احمد السعدون "كانت الحكومة مختطفة من قبل قلة لا تريد لهذا البلد الاصلاح. رموز الفساد بنوا مؤسسات ولا يريدون ان يتم الاصلاح"، مؤكدا ان "المعركة الحقيقية للشعب الكويتي هي مواجهة رموز الفساد".
ومع ان الازمة الحالية نشأت اساسا من خلاف حول تخفيض عدد الدوائر الانتخابية من 25 الى عشر دوائر كما اقترحت الحكومة او خمس دوائر كما تطالب المعارضة، فان جذورها كما تؤكد مصادر عدة تعود اساسا الى خلاف حول وتيرة الاصلاح.
محاربة الفساد
ويضيف السعدون "قلنا ان تعديل الدوائر الانتخابية مجرد خطوة في الاصلاح ومحاربة الفساد".
واعرب السعدون وغيره من نواب المعارضة عن تشكيكهم في نوايا الحكومة بعد دعمها احالة مشروع قانون اصلاح الدوائر الانتخابية الذي تقدمت به هي نفسها الى المحكمة الدستورية، ما اعتبر تأخيرا متعمدا لاقرار القانون نظرا للوقت الطويل الذي تتطلبه اجراءات المحكمة الدستورية.
وفي السياق ذاته يقول النائب الاسلامي وليد الطبطبائي "ان الحكومة هي التي تسببت في الازمة لانها مترددة وغيرت رأيها ولم تكن ثابتة (على موقف واحد)"، متسائلا "كيف يمكن للحكومة ان تحيل مشروعها الى المحكمة هذه مهزلة".
شبهات دستورية
غير ان الحكومة التي اقرت ان نظام الدوائر ال25 الحالي يشجع على الفساد وشراء الاصوات شددت على ان احالة المشروع الى المحكمة الدستورية كان يهدف الى ازالة اي شبهات دستورية عن مشروع القانون.
وقال وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء محمد ضيف الله شرار امام مجلس الامة "من الافضل ازالة الشبهات عن المشروع قبل اقراره واكتشاف انه غير دستوري".
لكن النواب وبينهم بعض الاعضاء المؤيدين للحكومة، اعتبروا ان هذا التكتيك الحكومي اقرب الى "العبث السياسي" ومحاولة لعرقلة الاصلاح.
ودفعت حالة الاحباط والسخط على موقف الحكومة نواب المعارضة الى تحريك الشارع الكويتي من خلال تنظيم ندوات احتجاجية عامة حضرها آلاف الكويتيين .
رموز الفساد
وقاد بعض هذه التحركات ناشطون من الطلاب والشبان صغار السن وهاجموا خلالها بشدة من اسموهم رموز الفساد. وبلغت الجرأة ببعض هؤلاء الناشطين الذين لم يكونوا مقنعين ولم يخفوا اسماءهم، حد اتهام اسماء بعينها بالفساد.
وحافظ تحالف النواب ال29الذين انسحبوا من جلسة البرلمان في 15 ايار التي عرضت اثناءها الحكومة مقترحها بتعديل الدوائر، على تماسكه اثناء ايام الازمة وقد بدأ التخطيط لخوض الانتخابات على اساس برنامج انتخابي موحد.
مؤتمر وطني
وقال النائب ناصر الصانع ان "محاولات تجري الان لعقد مؤتمر وطني لنواب وحركات المعارضة لوضع خطة موحدة للانتخابات".
وستجرى الانتخابات طبقا للنظام الحالي (52 دائرة). لكن المعارضة تقول ان الرقابة الشعبية المتزايدة سوف تحد من عمليات الفساد وشراء الاصوات.
واوضح الصانع "نتيجة للفورة الشعبية ستكون هناك رقابة شعبية مشددة للعمل على محاربة عمليات الفساد".
وكان تم حل البرلمان الكويتي وهو الاعرق في منطقة الخليج، اربع مرات منذ انشائه
في 1962 خصوصا بسبب خلافات بين الحكومة ونواب المعارضة.
وتملك الكويت العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) 01 بالمئة من احتياطي النفط في العالم ويبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة بينهم حوالي مليون كويتي.


وضع أيمن نور وراء القضبا ن هل يمهد الطريق لتوريث السلطة لجمال مبارك؟

(وكالات)

أغلق ملف قضية المرشح السابق لرئاسة الجمهورية في مصر الدكتور أيمن نور بعد أن أيدت محكمة النقض حكم محكمة الاستئناف بحبسه.
وقد تظاهر المئات وسط العاصمة المصرية القاهرة احتجاجا علي تأييد محكمة النقض للحكم .
وردد المتظاهرون هتافات تندد بالحكم عليه وأخرى ضد "إرهاب قوات الأمن"، خاصة مع تزايد الاحتكاكات بين المتظاهرين وقوات الأمن ما أدى إلى تفريق المظاهرة بالقوة. كما رفع المتظاهرون صورا لنور مكتوب عليها "أطلقوا سراح نور".
ومع تزايد ضغط قوات الأمن توجه المتظاهرون إلى شرفات المنازل المجاورة لمقر حزب الغد للتعبير عن رفضهم لهذا الأسلوب في التعامل مع المظاهرات السلمية.
وتعقيبا على القضية قال رئيس حزب الغد السفير ناجي الغطريفي إن قضية أيمن نور بدأت واستكملت فصولها في اطار سياسي بعيدا عن أي إدانة جنائية، "فالجميع يعلم لمصلحة من يجري سجن نور ولمصلحة من أن يكون نور خارج الدائرة السياسية في هذه الفترة الحساسة"، مشيرا إلى أن محاميه استطاع خلال الجلسة تفنيد كافة الادعاءات التي حكم علي نور جراءها.
وندد الغطريفي بالإجراءات القمعية والبوليسية التي يعتمد عليها النظام الحالي في إبعاد خصومه من الحياة السياسية، خاصة خلال المرحلة الحالية التي يعد فيها ملف التوريث بقوة، مشيرا إلى أن ما اعتبره "ضعف النظام وعدم وجود تأييد شعبي له" يجعله يتعامل مع المعارضة المصرية بوصفها العدو الأول وليس الشريك السياسي.
وقال الغطريفي إن ما يجرى في البلاد حاليا يدل علي أن النظام الحاكم "على حافة الهاوية"، حيث بدأ يشعر بالخوف والقلق من التحركات السياسية والرفض الشعبي العارم لكافة السياسيات الاقتصادية والسياسية في البلاد، مشددا علي أن هذه الأسباب دفعت النظام إلى التراجع إلى الخلف واستخدام الأساليب القمعية من خلال الاعتقالات والاختطاف وتلفيق التهم من أجل إخلاء الساحة السياسية.
من جانبها وصفت جميلة اسماعيل زوجة نور والناطق الرسمي باسم حزب الغد الحكم على زوجها بالظالم، مشيرة إلى أن الحكم عليه يستهدف مستقبله السياسي أمام نجل الرئيس مبارك "الذي يتم إخلاء جميع المقاعد له حتى لا يجد صعوبة في توريثه للحكم الذي من المؤكد أن يكون في القريب العاجل خاصة في ظل رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة ولقائه بالرئيس بوش".
وأضافت زوجة نور أن الحزب ومؤيدي نور لن يكفوا عن التظاهر والاحتجاج علي الطريقة المسيسة التي تمت بها المحاكمة ولن يكفوا عن المطالبة بإظهار الحقيقة الملفقة وإظهار برائته.
يشار إلى أن نور قد مثل التحدي الأقوى للرئيس حسنى مبارك في أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها مصر في أيلول الماضي قبل أن يخسر مقعده البرلماني الانتخابات البرلمانية لصالح مرشح عن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. كما خسر جميع مرشحي حزب الغد الآخرين.
وكانت منظمات دولية وحقوقية قد طالبت السلطات المصرية في الفترة الماضية بإطلاق سراحه، فقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قرار رئيس المحكمة حبس القيادي الحزبي المعارض ومتهمين آخرين يظهر الدرجة العالية من التسييس الذي يشوب المحاكمة.


تصاعد عمليات طالبان تفجّر حرب الاتهامات بين كابل واسلام آباد

(وكالات)

تدهور كبير شهدته العلاقات الباكستانية الأفغانية مؤخرا إثر تصاعد عمليات طالبان في أفغانستان، وما تبعه من اتهامات حادة ومباشرة وجهها الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لباكستان.
فكرزاي اتهم إسلام آباد عقب مقتل أكثر من مائة شخص على يد طالبان، بأنها تدرب طلاب المدارس الدينية عسكريا وترسلهم إلى أفغانستان لمقاومة حكومته وزعزعة الاستقرار في البلاد.
إسلام آباد من جانبها لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الأفغاني غير المسبوق والذي تجاوز عبارة "إن باكستان لم تفعل ما هو كاف لمحاربة الإرهاب" المعتادة، إلى استخدام لغة اتهام حاد مضمونها أنها باتت مصدرا من مصادر الإرهاب في المنطقة.
فقد سارعت الناطقة باسم الخارجية تسنيم أسلم إلى رفض هذه الادعاءات جملة وتفصيلا وطالبت بالدليل، مشددة على أن بلادها لا تدرب مقاتلين ولا ترسل أحدا إلى أفغانستان ومضيفة بأن أمن واستقرار أفغانستان هو في مصلحة باكستان.
من جانبه رد وزير الإعلام محمد علي دوراني كرة الاتهامات إلى الملعب الأفغاني، مشيرا إلى أن إرهابيي القاعدة قدموا إلى باكستان من أفغانستان وأن ما تشهده بلاده من اضطرابات هو بسبب الفوضى التي تعم جارته في إشارة إلى ضعف سيطرة حكومة كرزاي على مجمل الأراضي الأفغانية.
وزير الخارجية أكد أن أمن واستقرار أفغانستان هو في مصلحة بلاده، مدللا على ذلك في حديثه مع الجزيرة نت بالقول إن مستوى التبادل التجاري بين البلدين ارتفع خلال الثلاث سنوات الماضية من 25 مليون دولار إلى مليار ونصف المليار مؤخرا.
وأضاف خورشيد محمود قصوري أنه إذا ساد الأمن والاستقرار في أفغانستان، فإنه سيكون أمرا مشجعا للمهاجرين الأفغان للعودة إلى بلادهم.
يُذكر أنه لا يزال يستوطن باكستان أكثر من ثلاثة ملايين لاجىء أفغاني يشكلون عبئا اقتصاديا وسياسيا كبيرا على الحكومة الباكستانية.
الجنرال المتقاعد طلعت مسعود أقر بحساسية الوضع لدى الجارة، وأشار إلى أن ازدهار زراعة وتجارة المخدرات في أفغانستان والتي أصبحت مصدر تمويل مهم للذين يقاومون حكومتها هي سبب أساسي في توتر الأوضاع داخل ذلك البلد مضيفا في حديثه مع الجزيرة نت بأنه ومن أجل حل دائم لمشكلة أفغانستان يجب القضاء على زراعة المخدرات وظاهرة زعماء الحرب.
وبطبيعة الحال فقد هيمن توتر العلاقات بين الطرفين على مجمل ما نشر في الصحف الباكستانية، فقد أشارت ذي نيشن في افتتاحيتها إلى أن تصريحات كرزاي الأخيرة مؤشر على أن علاقة البلدين وصلت إلى أدنى مستوياتها، وذكرت أن هذه التصريحات لا تهدف سوى لصرف الأنظار عن تقصير القوات الأميركية في حفظ أمن أفغانستان.
وبينما ذكرت ذي نيشن أن باكستان نشرت 80 ألف جندي على الحدود مع أفغانستان، طالبت بزيادة القوات العسكرية الموجودة على الطرف الآخر من الحدود بنفس المقدار. مع العلم بأن قوات الولايات المتحدة لا تتجاوز 18 ألف جندي وإيساف خمسة آلاف.
أما ذي نيوز فقد ربطت تصاعد الاتهامات الأفغانية لباكستان بالتقارب الحاصل بين الأخيرة وإيران، على خلفية مشروع الغاز الإيراني الذي قد يتم التوصل لاتفاق نهائي بشأنه مع زيارة نائب الرئيس الإيراني لإسلام آباد.
ويُعتقد أن الاتهام المباشر الذي وجهه الرئيس الأفغاني لحكومة إسلام آباد بدعم الإرهاب في بلاده، هو بداية تصدع كبير في التحالف الدولي ضد ما يسمى الإرهاب الذي انطلق من أفغانستان.


امريكا التي لا تفهم العالم.. مهددة بهزيمة نفسها

(وكالات)

ثمة سؤال كبير يحوم كالشبح في سماء الشرق الأوسط منذ أمد غير قصير دون أن يحظى بإجابات شافية..
يقول السؤال: هل سيبدأ الانحسار الاستراتيجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط مع بدء التراجع المتوقع للقوات الأمريكية من العراق قبل نهاية هذا العام؟
سؤال خطير بالطبع. لكنه مطروح بقوة، ليس فقط بسبب المتاعب الأمريكية الجمة في بلاد الرافدين، التي كلفتها حتى الآن أكثر من 2000 قتيل و10 آلاف جريح (والعد مستمر) ونحو 250 مليار دولار (والحبل ما زال على الجرار)، وليس أيضاً لأن المشروع الأمريكي لتغيير الشرق الأوسط الكبير يحظى بممانعة قوية على حد سواء من خصوم أمريكا، الإيرانيين والسوريين والفلسطينيين واللبنانيين، ومن حلفائها السعوديين والمصريين وغيرهم، بل لأن أمريكا ستكون بعد حين مضطرة للالتفات إلى التطورات الجِـسام التي تجري الآن في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا.
إمبراطورية عالمية
السؤال إذن له مبرراته، لكن قبل التطرق إليه، نشير أولاً إلى أن هناك جدلاً مثيراً يجري في الداخل الأمريكي منذ نهاية الحرب الباردة عام1989، يتمحور برمّـته حول رغبة الولايات المتحدة أو حتى قدرتها على إقامة إمبراطورية عالمية.
وعلى سبيل المثال، نشر الكاتب الأمريكي روبرت ميري مؤخراً كتاباً بعنوان "رمال الإمبراطورية: السياسة الأمريكية ومخاطر طموحها"، قال فيه "إن لا أحدا يستطيع هزيمة أمريكا، لكن أمريكا مهددة بهزيمة نفسها".
المقدمة التي أملت على ميري هذه الخلاصة كانت بسيطة: أمريكا لا تفهم العالم، وهي، خاصة مع إدارة بوش التي تتشكل من تحالف الواقعيين الكيسنجرييين المؤمنين بفلسفة القوة والقوميين المحافظين (رامسفيلد وتشيني) والمحافظين الجدد، تحوّلت إلى "دولة متفردة" جديدة تسعى لتغيير العالم وفق صورتها. وفي خِـضم هذا الانقلاب، تخلت الولايات المتحدة عن الأسلوب الأمثل في السياسة الخارجية القائم على التعاون الدولي الذي أرسى دعائمه الرئيس وودرو ويلسون في أوائل القرن العشرين.
الرؤوس المتهمة
الرؤوس التي يدحرجها هنا الكاتب متهماً إياها بتعريض أمن أمريكا وزعامتها للخطر، عديدة: من وليام كريستول وبول وولفوفيتز وماكس بوت (المحافظون الجدد)، إلى صموئيل هانتغتون وبرنارد لويس (أنصار حروب الحضارات)، مروراً بكاتب "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، الذي يدّعي أن أمريكا يجب ألا تكتفي بأن تكون زعيمة العالم، بل عليها أيضاً أن تنشر الفكر الرأسمالي في العالم كله، إضافة إلى نشر فكر العولمة.
كل هؤلاء، برأي ميري، يشوّهون نظرة أمريكا إلى العالم، مما يجعلها عاجزة عن فهم هذا العالم في صورته الحقيقية، وهذا ما حدث في العراق حين اكتشفت واشنطن أنها فجـّرت بحربها عليه سلسلة مفاجآت سارة، لم تكن لتتوقعها، وهذه التجربة التراجيدية مرشحة للتكرار في باقي أنحاء العالم، إذا ما استمر "عمى الألوان" السياسي في واشنطن.

وحش العولمة
منطق مقنع؟

بالتأكيد، خاصة وأنه ليس الوحيد من نوعه. فثمة محللون فرنسيون وبريطانيون سبقوا ميري إلى الاستنتاجات ذاتها حول "الهزيمة الذاتية" الأمريكية، ولكن من مداخل أخرى.
من هؤلاء مثلاً، الفرنسي إيمانويل تود، الذي "تنبّـأ" بأن وحش العولمة الذي أطلقته أمريكا في العالم، سيأكل أول من يأكل أبناءه: الأمريكيين أنفسهم. لماذا؟ لأن تصدير الوظائف (
outsourcing)، والاعتماد على الكفاءات الخارجية في التطوير والإبداع، وإدمان الاقتصاد الأمريكي على الاستثمارات والأرصدة الأجنبية، سيقلب أمريكا من دولة مُـنتجة إلى دولة مستهلكة، وسيحد من قدرتها على تمويل إمبراطوريتها العالمية.
أما البريطاني بول كينيدي، فيتوقع أن تُـصاب الولايات المتحدة قريباً بالمرض القاتل ذاته الذي ضرب كل الإمبراطوريات السابقة في التاريخ: التمدد الاستراتيجي الزائد، وخلل التوازن بين المدفع والزبدة.
الآن، إذا دمجنا أفكار ميري وتود وكينيدي في وعاء واحد، ووضعنا الوعاء على نار خفيفة، فعلى أي وجبة سنحصل؟
قانون الانهيار
على وجبة وحيدة: أمريكا، وبرغم كل الجهود الهائلة لجبابرة مراكز أبحاثها ودراساتها، وبرغم كل إستراتيجيات بوش للأمن القومي الهادفة لمنع ظهور أي قوة أخرى منافسة لأمريكا، لن تستطيع في النهاية الهروب من القانون الحديدي التاريخي الخاص بصعود وسقوط القوى العظمى، فهذا قدر لا مفر منه، وهو سُـنّـة حياة لا مناص منها.
وبالتالي، السؤال هنا ليس هل تنحدر القوة الأمريكية العالمية، بل متى؟. وهذا الـ "متى" قد تنفع بسرعة كبيرة، إذا ما واصل الثلاثي المحافظ الحاكم الحالي في واشنطن جهوده الخطرة الراهنة لتحويل بلورة القوة الأمريكية إلى ما وصفه روبرت ميري، وعن حق، بـ "الدولة المتفردة الجديدة" الطموحة والجموحة.
ترى هل سينطبق هذا القانون الحديدي أيضاً على الشرق الأوسط؟ كلا! لماذا؟ ردّ مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية على هذا التساؤل، حين نشر في أوائل هذا العام تقييماً إستراتيجياً، إستنتج فيه أن أية إدارة أمريكية جديدة ستخلف بوش (بما في ذلك إدارة ديمقراطية) ستكون مضطرة للاحتفاظ بنسبة كبيرة من القوات الأمريكية في العراق وباقي أنحاء الشرق الأوسط، لاعتبارات عديدة تتلخّـص في ثلاث نقاط: النفط، الاستراتيجيات العليا، والعولمة.
تناقص النفط
أولاً، النفط. خلال الأشهر الستة الأخيرة، صدرت ثلاث كتب تتقاطع كلها عند نقطة واحدة: الوفرة النفطية العالمية انتهت أو تكاد، والندرة النفطية العالمية بدأت أو تكاد، وعما قريب ستندلع حروب موارد جديدة قد لا يكون لها سابق في التاريخ.
ثانياً، الإستراتيجيات العليا. حروب الموارد هذه، تعني شيئاً واحداً: من يُـسيطِـر على النفط، يركـّز السلطة والقوة الاقتصادية بيده. وبالنسبة لأمريكا، هذه السيطرة جزء أيضاً من رؤية جيو
إستراتيجية أوسع، هدفها التحكم بقارة أوراسيا قلب العالم.
أبرز المحللين الذين تطرقوا إلى هذه النقطة، كان سمير أمين في إطار نظريته "الإمبريالية الجماعية"، فهو يرى، أن مشروع بوش لإحكام السيطرة على أوراسيا من خلال السيطرة على نفط الشرق الأوسط، "لم ينبثق من بنات أفكاره لتطبِّـقه عصبة من المحافظين الجدد المتطرفين، بل هو مشروع الطبقة الحاكمة الأمريكية منذ 1945".
ويضيف: "لقد فهمت المؤسسة الأمريكية جيداً أن سعيها للهيمنة، يستند إلى ثلاثة عناصر تفوّق على منافسيها الأوروبيين واليابانيين، في طليعتها السيطرة على الموارد الطبيعة للكوكب، والاحتكار العسكري، وهيمنة الثقافة الأمريكية".
ظاهرة العولمة
ثالثاً، العولمة. العامل الأخير الذي يدفع النخب الأمريكية إلى التوحد حيال العراق، هو ظاهرة العولمة. وبرغم أن هذا العامل لم يستوف بعد حقه من الدراسات المستفيضة، بصفته أحد المحركات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، إلا انه بدأ يطل برأسه بشكل متزايد مع انغماس أصحاب القرار الأمريكيين في بحث كيفية التعاطي مع "الدول الفاشلة" في العالم، والتي يعرّفونها بأنها تلك التي تعجز عن تحقيق الأمن لشعوبها فتشكـّل بالتالي، مرتعاً للإرهاب.
بيد أن الباحث الأمريكي توماس بارنيت، أبرز محلل إستراتيجي في البنتاغون، نشر مؤخراً دراسة بعنوان "خريطة البنتاغون الجديدة: الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين"، أوضح فيها مدى الارتباط الكبير بين مفهوم "الدولة الفاشلة" ومفهوم العولمة، عبر تمييزه بين نوعين من الدول: الفاعلة وغير الفاعلة.
فأي دولة أو منطقة تكون فاعلة برأيه، حين تدمج ما هو قومي بما هو اقتصاد عالمي (الأفكار، المال، الإعلام)، وحين تسعى إلى تنسيق "قواعد حكمها الداخلي" مع الحكم العالمي الصاعد (مثلا عبر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية).
الفجوة غير المندمجة
ومن خلال مسحه لـ 140 عملية عسكرية أمريكية في فترة التسعينات، اكتشف بارنيت أن القوات الأمريكية ذهبت بالتحديد إلى الدول الواقعة خارج مركز العولمة التي يسميها "الفجوة غير المندمجة"، وهي: حوض الكاريبي وإفريقيا والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا والكثير من جنوب شرق آسيا.
ويرى المؤلف أن أحداث 11 ايلول كانت "هبة من السماء برغم قسوتها". فهي كانت دعوة من التاريخ لأمريكا كي تبدأ في فرض قواعد جديدة للعالم. العدو في العالم الجديد ليس الإسلام ولا الجغرافيا أو التاريخ، بل "عدم الارتباط بالعولمة" الذي يعني العزلة والحرمان والقمع، وهذه كلها علامات خطر.
وبالتالي، إذا فشلت دولة ما في الانضمام إلى العولمة أو رفضت الكثير من تدفقاتها الثقافية، فإنها ستجد في النهاية القوات الأمريكية على أراضيها.
النفط، الاستراتيجيات العليا والعولمة، كل هذه إذن عوامل تلعب أدوارا بارزة في تكييف إطلالة النخب الأمريكية على الشرق الأوسط، طبعاً في اتجاه رفض "القطع والهرب".
استراتيجية الخروج
بيد أن رفض الهرب لن يعني بالضرورة الإبقاء على الوضع الراهن. فكما أن هناك إجماعاً أمريكياً على "استحالة" التخلي عن ثاني احتياطي من النفط في العالم، ثمة إجماع آخر على بلورة "إستراتيجية خروج" توفّر إمكانية استمرارية السيطرة الأمريكية على هذا الاحتياطي، وهذا سيعني أمرا واحداً: مشروع المحافظين الجدد الطموح لتغيير الشرق الأوسط بشطحة قلم انتهى أو يكاد، خاصة مع الصعود القوي للقوى المطالبة بالتغيير السياسي عبر الوسائل الديمقراطية في المنطقة. لكن فشل هذا المشروع، لن يعني الانحسار الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط الكبير. النبيذ سيتغير، لكن الزجاجات الأمريكية القديمة باقية على حالها.
بكلمات أوضح: أمريكا قد تخسر بعض المعارك في الشرق الأوسط، لكنها، لاعتبارات نفطية وإستراتيجية (والآن إيديولوجية مع صعود المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين)، لا تستطيع أن تخسر الحرب. فما هي في الميزان زعامة أمريكا العالمية نفسها، التي يجمع معظم المحللين على أنها ستستمر بلا منازع جدي حتى عام 2020 على الأقل.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة