الحياة
التي تتكرر كل مساء ..
دوريس ليسنغ في الرابعة
والثمانين وتكتب "الحلم الشهي"
ترجمة/ نبأ حيدر
صدور
روايتها الاخيرة (الحلم الشهي) هو بمثابة حدث ادبي وانساني
بحد ذاته فالكاتبة الانكليزية دوريس ليسنغ نشرت مؤخراً
روايتها هذه في الوقت الذي تجاوزت فيه سن الرابعة
والثمانين.
وهي وان كانت تسخر من ماضيها اليساري. الا ان ذلك لا
يمنعها من انتقاد طوني بلير وجورج دبليو بوش وبأقسى
التعابير.
جرى الحوار مع الكاتبة الانكليزية التي ولدت في ايران
وترعرت في روسيا والمستقرة الان في ضباب لندن.
* شوارع لندن الجميلة حيث تقيمين تحمل اسماء ابطال ملاحم
واساطير وكأنك ترتاحين للعيش في الماضي بعيداً عن الحداثة؟
- هذه مجرد صدفة بالتأكيد. وان كنت لا اخفي اعجابي بهذا
الحي وباسماء شوارعه بصورة خاصة.
* ماذا عن روايتك الجديدة "الحلم الشهي"؟
- تدور احداثها في الستينيات، ومحورها معاناة ربة عائلة.
* لماذا اخترت الستينيات، هل من باب الصدفة ايضاً؟
- لا، يومها كان الزمن مختلفاً. كانت العلاقات بين الناس
أكثر عفوية وحرارة كان بامكانك ان تزور شخصاً بالكاد تعرفه،
لقد ضيفت الكثيرين في منزلي، وكان بعضهم يبقى مقيماً عندي
لعدة أسابيع. اشياء صغيرة حميمية، يستحيل مجرد التفكير
فيها الان ..
* هل كان الزمن الماضي مشرقاً كله ؟
- لا، بل كان يحتوي ايضاً على الكثير من الشوائب كان عليك
ان تتكلم بالعبارات المناسبة للموقف وبالطريقة المناسبة
وان تأكل وتمشي بالطريقة المناسبة. الحاضر أفضل كثيراً من
الماضي من هذه الناحية، اللغة كانت خشبية والانفعالات
مصطنعة، ولم يكن ذلك مقتصراً على المجتمع الانكليزي بل على
سائر المجتمعات الغربية تقريباً، مع إننا كنا نعيش في اتون
الحرب الباردة جيل الشباب كان بدا يتجه نحو الميوعة
والانحلال. وكان في اعماقه رفض شديد لمجرد فكرة الحرب.
* وانت كواحد من جيل الشباب في تلك المرحلة كيف كنت ؟
- كاتبة وفقيرة ومطلقة مرتين واذكر إنني كنت اعيش في
روديسيا وعندما أردت العودة الى انكلتر بعد انتهاء الحرب
لم تكن بواخر السفن متوفرة وكيف ان زوجي الثاني غو تفريد
ليسنغ الذي كان المانياً وشيوعياً اراد الحصول على الجنسية
الانكليزية مما جعلني أؤخر معاملات الطلاق ريثما يحصل
عليها، ليس اصعب على المرأة، أي امرأة من ان تعيش مع رجل
هي في حكم الطالق منه.
* وكيف خرجت من تلك المشكلة؟
- ذهبنا لاتمام معاملات الطلاق فور خروجنا من الدائرة
الحكومية التي منحته الجنسية ولكن مشكلتنا الوجودية هي
افكارنا الغبية وشبابنا المجنون. كان زوجي الثاني غوتفريد
ليسنغ شيوعياً ناشطاً مثل جوني لبنوكس بطل الرواية. وانا
ايضاً كنت مثله كنا شباباً مجانين مفتونين بالشيوعية. كنا
نؤمن فعلاً بان اللاعدالة والعنصرية والفقر سوف نزول في
خلال عشر سنوات بواسطة الشيوعية، ولاشك في ان تلك الافكار
الغبية كانت ردة فعل لدى الانكليزي والغربي عموماً وغيره.
للتغلب على اهوال الحرب التي كانت تضغط بقوة من الداخل على
ذواتنا، ومازلت اتذكر ان الرجل الذي تولى الترجمة لي خلال
ذهابي الى باريس للمشاركة في اجتماع للحزب الشيوعي، كان (كريستان
تزارا) الذي اشتهر لاحقاً كواحد من كبار فلاسفة السريالية.
* هل هذه سيرة ذاتية ام احداث روائية؟
- انها الاثنان معاً، الروائي يكتب عن حياة الاخرين،
واعتقد ان من حقه ان يكتب عن حياته هو، وخصوصاً عندما
يقترب من نهاية الشوط.
* هل تخافين الموت؟
- لم افكر بذلك بعد .. (ضاحكة) مازال التفكير بالموت مبكراً،
فعمري لم يتجاوز الرابعة والثمانين بعد.
* ماذا عن الاشياء والذكريات الجميلة في ماضيك؟
- وصلت الى لندن عام 1949 رأيتها غارقة في عتمة الرمادي
والكآبة، جدران المدينة لم تطل بدهان جديد منذ الحرب. وكان
الركام والانقاض لاتزال منتشرة في معظم احيائها، والمتاجر
تغلق والشوارع تقفر من المارة مع بدايات المساء لكن مع
نهاية الخمسينيات كان كل ذلك قد تغير والبلد عاد ليقف على
قدميه والاقتصاد نهض من جديد وبدأ يزدهر بقوة واستعادت
لندن وغيرها من مدن انكلترا حياتها الليلية، لقد سارت
أوروبا نحو الأفضل لكن باستثناء المانيا.
* ولدت في ايران، وعشت في روديسيا (زيمبابوي الان) هل
تشعرين الان بحنين الى اماكن ماضيك؟
- انا لا اعيش في الماضي وان كنت لا اتنكر له. يحزنني
كثيراً البؤس الذي تعيش فيه زيمبابوي بعد الازدهار الذي
كانت عليه أيام روديسيا. انهم يأكلون حيواناتهم الان لكي
لا يموتوا جوعاً ويفتكون باشجار غاباتهم لكي يعتاشوا من
ثمن الخشب والسبب الفقر والجوع. نزحت نسبة كبيرة من
الزيمبابويين الى الخارج وخصوصاً الى استراليا ونيوزلندا
ومليون منهم نزحوا الى جنوب أفريقيا. قبل ثلاثين أو أربعين
سنة لم يكن احد يتصور ان تصل زيمبابوي الى هذه الحالة. انه
ذلك الرجل الغبي (موغابي) وجماعة الفساد المحيطون به
والجيش الذي يحميه.
* ما تفسيرك لظاهرة الانتشار الهستيري لقصة هاري بوتر؟
- انها شيء مدهش. يكفي انها جعلت الأطفال يقبلون مجدداً
على القراءة.
* انت كاتبة ممتازة لكن هل انت قارئة ممتازة ايضاً؟
- كنت لاازال في العشرين من عمري عندما انهيت قراءة كافة
روايات كبار الكتاب الروس واكتشفت ايضاً عظمة فيرجينا وولف
وبروست وستاندال. كانت القراءة بالنسبة لي المهرب من
كوابيس المجتمع الروديسي واذا كنت قد احببت بصورة خاصة
تولستوي ودستيوفسكي فلأنني رأيت في كتاباتهما ما يمكن
استخدامه كأداة لتحرير روديسيا من حكم وطغيان الاقلية
البيضاء. في رواية (انا كارنينا) يعتقد البطل ليفين ان
بساطة وعفوية الفلاحين تجعلهم اقدر على فهم الحياة.
* مع اقترابك من منتصف عمرك هل تشعرين بان الحياة قد مرت
بسرعة؟
- فعلاً اعتقد ان قطار العمر أصبح اسرع مما كان، عندما
نكون اطفالاً تكون الايام لا متناهية ولا معدودة. الطفولة
هي العيش خارج الزمن، لكن عندما نكبر يتغير كل شيء واصعب
ما في ذلك إننا لا نعود نهتم بكم مر علينا من سنين، بل بكم
بقي لنا .
* هل تؤمنين باستمرارية الحياة بطريقة ما بعد الموت؟
- لا اعرف، اخاف فعلاً من التفكير باشياء كهذه. لقد عالجت
جميع الاديان هذه المسألة واعتقد انه يمكن الاطمئنان الى
التفسيرات الدينية.
* كيف يمكن ان تختصري معنى الحياة بإيجاز؟
- صراع ازلي ابدي بين الخير والشر ومن ينتصر؟! لاهذا ولا
ذاك. سيبقى دائماً الخير والشر وسيبقى الصراع دائراً
بينهما كانها مسرحية تتكرر كل مساء.
|